العلاج المبكر يُحدث فرقًا في حياة المرضى: ما تحتاجين معرفته عن التهاب الدماغ
هل تعلمين عزيزتي أن الدماغ يتكون من الدهون بنسبة 50%، وأنه عادةً ما يكون دافئًا؟
الحقيقة أن الدماغ، هذا العضو الصغير في رأس الإنسان، يحمل الكثير من المقدرات والمهام التي يقوم بها على مدار عمر المرء. ويعتبر الدماغ عضوًا حيويًا في جسم الإنسان، وهو المسؤول عن الغالبية العظمى من وظائف الجسم؛ حتى أن له فاعلية أكثر من الكمبيوتر.
من المعلومات الشائعة والخاطئة عن الدماغ، أن البشر يستخدمون فقط 10% من قدرات أدمغتهم طوال حياتهم؛ لكن تقارير عدة ومنها تقريرٌنشره موقع "أف.بي.ري" الروسي، أشار إلى أن الدماغ يحتوي على العديد من المناطق المسؤولة عن وظائف مختلفة في الجسم. إلا أن الإنسان لا يستخدمها في الوقت نفسه، وإنما تنشط بدرجات متفاوتة بالاعتماد على نوع الوظيفة، مما يعني أن جميع مناطق الدماغ البشري نشطة.
عمل الدماغ
وفقًالأطباء الأعصاب،فإنّ الدماغ يحتوي على داراتٍ كهربائية مُعقّدة، مُكوَنة من مليارات الخلايا العصبية الموجودة فيه. وعلى عكس الحاسوب، فإنّ الدماغ مصنوعٌ من آلاف الخلايا التي تختلف إن لجهة الشكل أو المكونات؛ لكنها تتصل فيما بينها وتتوزع في عدة مناطق من الدماغ، وهي تتغير أيضًا عند حالات الدماغ المرضية. كلّ واحدةٍ من هذه الخلايا هي داراتٌ كهربائية مميزة؛ تستقبل المعلومات من آلاف السيالات العصبية، وتقوم بتحليلها، وإعادة تصدير إشارات كهربائية خاصةٍ بها من وإلى بعضها البعض. قد تصل الإشارات العصبية إلى الآلاف من الخلايا الأخرى، وكل هذه العملية لا تستغرق سوى جزءٍ من الثانية، مع العلم أن هذه العملية تحدث آلاف المرات في الدقيقة؛ بحيث تمرّ على كل واحدةٍ من الخلايا مئة مليار إشارةٍ عصبية على مدى الحياة.
هل لكِ أن تتصوري أن هذا الجهد والعمل الجبار الذي يقوم به الدماغ، قد يتوقف أو يتعرض لهزاتٍ قوية تؤثر سلبًا على حياتكِ وقدرتكِ على العمل والحركة، بمجرد تعرَض الدماغ لمشاكل صحية شائعة؟
مشاكل الدماغ هي عوامل وأسبابٌ مختلفة تؤثر على منطقة ما في الدماغ، مُسبَبةًالتلف أو الأذى في الدماغ؛ إذ يؤثر تلف الدماغ على العديد من وظائف أجهزة الجسم بما في ذلك الكلام، والحركة، والإحساس، والذاكرة.وينتج عن مشاكل الدماغ الإصابة بمجموعة من أمراض واضطرابات الدماغ المختلفة في الشدة والأعراض، أكثرها شيوعًا الالتهابات مثل التهاب السحايا والتهاب الدماغ الذي يؤكد أحد خبراء الصحة في "مايو كلينك" أن سرعة العلاج المبكر له، مهمةٌ لدرء مضاعفات هذا المرض.
التهاب الدماغ: أسبابٌ وأنواع
التهاب الدماغهو مرضٌ ينطوي على التهاب أو تورم الدماغ. ويمكن أن يحدث بسبب التهاباتٍ أو مشكلاتٍ تصيب الجهاز المناعي، والعلاج المبكر لتلك الحالة مهم. ولهذا يُشدَدساروش إيراني، بكالوريوس الطب والجراحة، طبيب الأعصاب، وباحث في مايو كلينك في جاكسونفيل، فلوريداعلى ضرورة رفع مستوى الوعي حول هذا المرض.
ويقول: "إن عددًا من الأطباء، وبالتأكيد الجمهور، ليسوا على دراية بالتهاب الدماغ. إلا أنها حالةٌ طبية طارئة نُدرك أن العلاج المبكر لها يُحدث فرقًا كبيرًا لمرضانا، سواءً المرضى المصابين بالأنواع المعدية من المرض أو الأنواع التي أصبحت في تزايد - وربما الأكثر شيوعًا الآن - وهي الأنواع المناعية الذاتية للمرض."
النوعان أو القسمان الأساسيان لالتهاب الدماغ، هما التهاب الدماغ المعدي والتهاب الدماغ المناعي الذاتي. وفي بعض الحالات، يظل السبب الفعلي لالتهاب الدماغ غير معروف.
من الأمور المهمة التي ينبغي معرفتها عن التهاب الدماغ المعدي:
- تُسبَبه فيروسات تغزو الدماغ، مثل الهربس والفيروسات المعوية.
- يمكن أيضًا أن ينقل البعوض والقُرادة فيروسات تتسبب في التهاب الدماغ.
- تتطور الأعراض سريعًا، خلال أيام إلى أسابيع.
يبدأ لدى معظم الأشخاص المصابين بالتهاب الدماغ المعدي ظهور أعراضٍ مثل الصداع والحُمّى. ويمكن أن تتفاقم هذه الأعراض، مثل الارتباك وتغيرات الشخصية والنوبات المرضية وفقدان الإحساس أو الحركة في مناطق معينة من الجسم، لتتحول إلى أعراضٍ شديدة خلال ساعات إلى أيام.
أمورٌ مهمة يجب معرفتها عن التهاب الدماغ المناعي الذاتي:
- يهاجم الجهاز المناعي الدماغ عن طريق الخطأ.
- يستهدف الأشخاص من السنة الأولى من حياتهم وحتى أواخر الثمانينيات من العمر، من النساء والرجال. وبعض الأنواع تؤثر بشكل تفضيلي على الصغار أو الكبار؛ الذكور أو الإناث.
- قد يُحفَزها عدوى في مكانٍ آخر من الجسم (التهاب الدماغ المناعي الذاتي التالي للعدوى) أو ورم (التهاب الدماغ المناعي الذاتي المتعلق بالأباعد الورمية). ولكن لا يُكتشف السبب في حوالي 90٪ من الحالات.
- يمكن أن تتطور الأعراض سريعًا، كما هو الحال في التهاب الدماغ المعدي، أو ببطءٍ أكثر، على مدى أسابيع إلى أشهر، وقد لا تشمل الحُمّى.
- قد تشمل أعراض التهاب الدماغ المناعي الذاتي تغيراتٍ في الشخصية، فقدان الذاكرة، مشاكل في فهم الواقع (الذُهان)، هلوسة (رؤية أو سماع أشياء غير موجودة)، نوباتٌ مَرَضية، وحركاتٌ غير طبيعية.
هل يمكن الوقاية من أمراض الدماغ هذه؟
يقول الدكتور إيراني أن الوقاية تُشكّل تحديًا حقيقيًا. ويضيفموضحًا: "ليس لدينا تدابير وقائية مُتسَقة لهذه الأمراض. حيث يمكن الوقاية من عدد قليلٍ فقط من مُسبَبات العدوى عن طريق اللقاحات. هناك أيضًا بعض أسباب الإصابة بالتهاب الدماغ المعدي التي يمكننا الوقاية منها عن طريق الحد من انتشار المرض من شخصٍ لآخر أو من خلال محاولة إيقاف، على سبيل المثال، ناقلات الأمراض مثل البعوض التي تصيب بعض المرضى. ولكن بالنسبة لأسباب المناعة الذاتية، لا نعرف طرقًا للوقاية من هذا النوع من المرض؛ ومع ذلك فهذا سؤالٌ أساسي يطرحه جميع مرضانا".
يقود الدكتور إيراني فريقًا بحثيًا يدرس أمراض المناعة الذاتية العصبية، ويُعلَق على ذلك بالقول: "أحد أهدافنا الرئيسية هو معرفة كيف يمكننا تثقيف أطباء الأعصاب والأطباء الآخرين حول العالم لتشخيص المرضى ومنحهم العلاج في وقت المبكر". مشيرًا إلى أن الأبحاث تدور حاليًا حول استخدام العلم لابتكار علاجاتٍ فردية تُحدث فرقًا لدى المرضى.
ويضيف: "أرى أننا مجموعةٌ بحثية انتقالية؛ حيث نرى المرضى ونعتني بهم سريريًا ونحصل على عينات من مرضانا لفهم طبيعة مرضهم عن قرب، ثم نربط النتائج السريرية مع تلك التي نحصل عليها من مختبرنا."
أما بالنسبة للعمل المخبري، فالدكتور إيراني مهتمٌ بمعرفة المزيد عن كيفية الإصابة بهذه الأمراض. ويشرح قائًلا: "نريد أن نعرف كيف ظهرت خلايا الجهاز المناعي التي سبَبت المرض، وكيف تستمر، وإلى أي أجزاءٍ في الجسم تنتقل، وفي أي أجزاءٍ تتواجد. وبعد ذلك، بالطبع وبشكل أساسي، كيف يمكننا التخلص منها بدقة دون أن نُسبَب العديد من الآثار الجانبية للمرضى."
يحدو الدكتور إيراني الأمل في أنه وعلى المدى القصير "يمكن أن يساعد هذا البحث المرضى، من خلال منح الأطباء فهمًا أفضل للتوقيت الذي يجب أن نعالجهم فيه، وكيف يجب أن نكتشفهم وأي العلاجات قد تكون أكثر فعاليةً في أي سيناريوهات.أما على المدى الطويل، آمل أن نكون قادرين على إرساء منصةٍ يُمكننا من خلالها التحرَي عن كل مرضٍ على حدة. وبما أن جميع الأمراض تختلف قليلًا عن بعضها البعض، نحاول أن نعرف سُبل مقارنتها، وكيف يمكننا أن نقدم للمريض المناسب العلاج المناسب في الوقت المناسب."