اتخاذ خطواتٍ فعالة بات ضرورةً قصوى: هكذا يؤثر التغير المناخي على صحة العاملين
يُشكّل تغيّر المناخ تهديدًا أساسيًا لصحة الإنسان. ويؤثّر على البيئة المادية وعلى جميع جوانب النُظم الطبيعية والبشرية - بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية وأداء النُظم الصحية. ولذلك، فهو عاملٌ مضاعِف للتهديد يُقوّض عقودًا من التقدم الصحي، مع احتمال يضًأ بعكسهلاتجاه هذا التقدم. ومع تغيَر الظروف المناخية - وقد شهدنا في دولة الإمارات العربية المتحدة وبعض دول الخليج مؤخرًا هطولًا للأمطار بكمياتٍ غير طبيعية خلال شهر أبريل تسببت بتعطيل الحياة وإحداث الكثير من الضرر للسيارات والبيوت والمحال التجارية - لُوحظ حدوث ظواهر جوية ومناخية أكثر تواترًا وكثافة؛ بما في ذلك العواصف والحرارة الشديدة والفيضانات وحالات الجفاف وحرائق الغابات. وتؤثر هذه المخاطر الجوية والمناخية على الصحة بشكلٍ مباشر وغير مباشر، ما يزيد من خطر الوفيات، والأمراض غير السارية، وظهور الأمراض المعدية وانتشارها، وحدوث حالات الطوارئ الصحية.
هذا ما أشار إليه موقع منظمة الصحة العالمية في الحديث عن تغيَر المناخ وتداعياته؛ مشيرًا أيضًا إلى أن تغيَر المناخ قد يؤثر على القوى العاملة والبنية التحتية في مجال الصحة، ويحدّ من القدرة على توفير التغطية الصحية الشاملة. والأهم من ذلك، أن الصدمات المناخية والضغوط المتزايدة، مثل تغيَر درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار والجفاف والفيضانات وارتفاع مستويات سطح البحر، تؤدي إلى تدهور المُحددات البيئية والاجتماعية للصحة البدنية والعقلية. وتتأثر جميع جوانب الصحة بتغيّر المناخ، من نقاء الهواء والماء والتربة إلى النُظم الغذائية وسُبل العيش. وسيؤدي المزيد من التأخير في التصدي لتغير المناخ إلى زيادة المخاطر الصحية، وتقويض عقودٍ من التحسينات في الصحة العالمية، والتعارض مع التزامات العالم الجماعية بضمان حق الإنسان في الصحة للجميع.
وقد خلص تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أواخر العام الماضي إلى أن المخاطر المناخية تظهر بوتيرةٍ أسرع، وستصبح أكثر حدةً في وقتٍ أقرب مما كان متوقعًا في السابق، وسيكون من الصعب التكيّف مع زيادة الاحترار العالمي.
يظهِر أيضًا أن 3.6 مليار شخص يعيشون بالفعل في مناطق شديدة التعرض لتغيَر المناخ. وعلى الرغم من أن البلدان منخفضة الدخل والدول الجزرية الصغيرة النامية تساهم بقدرٍضئيلٍ جدًا في الانبعاثات العالمية، إلا أن هذه الدول تتحمل أقسى الآثار الصحية. وفي المناطق المُعرضة للخطر، كان معدل الوفيات الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة في العقد الماضي أعلى 15 مرة من المناطق الأقل تعرضًا للخطر.
ويؤثر تغير المناخ على الصحة بطرق عديدة، منها التسبب في الوفاة والمرض نتيجة الظواهر الجوية المتطرفة التي تزداد تواترًا؛ مثل موجات الحر والعواصف والفيضانات وتعطَل النُظم الغذائية، وزيادة الأمراض الحيوانية المنشأ والأمراض المنقولة بالأغذية والمياه والنواقل، ومشاكل الصحة النفسية. علاوةٌ على ذلك، يُقوّض تغيَر المناخ العديد من المُحددات الاجتماعية للصحة الجيدة، مثل سُبل العيش والمساواة وإتاحة الرعاية الصحية وهياكل الدعم الاجتماعي. وتمسَ المخاطر الصحية المتأثرة بالمناخ أكثر الفئات ضعفًا وحرمانًا بشكل غير متناسب، بما في ذلك النساء والأطفال والأقليات الإثنية والمجتمعات الفقيرة والمهاجرون أو النازحون وكبار السن والأفراد الذين يعانون من ظروفٍ صحية كامنة.
حقائق رئيسية عن تغيَر المناخ
أورد موقع "منظمة الصحة العالمية" بعض الحقائق المُقلقة حول تغيَر المناخ خلال العقدين القادمين على النحو التالي:
- يساهم تغيّر المناخ بشكلٍ مباشر في حدوث حالات الطوارئ الإنسانية الناجمة عن موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والعواصف الاستوائية والأعاصير، التي تزداد من حيث الحجم والتواتر والشدة.
- تُظهِر الأبحاث أن 3.6 مليار شخص يعيشون بالفعل في مناطق شديدة التعرض لتغيَر المناخ. وفي الفترة من عام 2030 إلى عام 2050، يُتوقع أن يُسبّب تغيَر المناخ نحو 250 ألف حالة وفاة إضافية كل عام بسبب نقص التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري وحدها.
- تُشير التقديرات إلى أن التكاليف المباشرة للضرر على الصحة (أي دون احتساب التكاليف في القطاعات المُحددة للصحة مثل الزراعة والمياه وخدمات الصرف الصحي) ستتراوح بين 2 و4 مليارات دولار أمريكي في العام بحلول عام 2030.
- ستكون المجالات التي تفتقر إلى البنية التحتية المتينة في مجال الصحة - ومعظمها في البلدان النامية - أقل قدرةً على المواجهة، دون الحصول على مساعدةٍ من أجل التأهب والاستجابة.
في المقابل، يمكن أن يؤدي الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، من خلال تحسين الخيارات المتعلقة بخدمات النقل والغذاء واستخدام الطاقة؛ إلى مكاسب كبيرةٍ جدًا على مستوى الصحة، لا سيما من خلال الحدَ من تلوث الهواء.
تأثير التغيَر المناخي على سلامة وصحة العاملين
بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل2024 والذي صادف البارحة 28 أبريلالجاري، سلَطت منظمة العمل الدولية الضوء هذا العام على تأثير التغيَر المناخي على سلامة وصحة العاملين حول العالم؛ حيث ترتبط العديد من الحالات الصحية بتغيَر المناخ، كما وتتطلب بعض المهن البسيطة في المناطق الحارة، تدابير احترازيةٍ إضافية تضع في الاعتبار تأثيرات التغيَر المناخي.
وفي هذا الخصوص أوضحت الدكتورة شيماء لاري؛ استشاري الطب المهني في مدينة الشيخ شخبوط الطبية، أنه لا يمكن تجاهل تأثير التغيَر المناخي على صحة وسلامة العاملين في مختلف التخصصات والمهن. ومن هنا أولت منظمة العمل الدولية اهتمامًا بالغًا بقضايا التغيَر المناخي، وهذا ما نشهده بموضوع اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل.
وقالت الدكتورة شيماء: "جهود دولة الإمارات العربية المتحدة واضحةٌ فيما يتعلق بتقليل تأثيرات الإحترار العالمي، منها استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050، والتي تهدف لمواصلة جهودها خلال العقود الثلاث القادمة لتحقيق مُستهدفات الحياد المناخي، والتي بدأ العمل فيها منذ العقود الثلاث الماضية من خلال تصديق دولة الإمارات على اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال بشأن التخلص التدريجي من المواد المُستنزِفة لطبقة الأوزون في عام 1989. كما كثَفت الدولة جهودها في هذا الخصوص بعد انضمامها للوكالة الدولية للطاقة المتجددة كعضوٍ دائم في عام 2009، تلاه تنظيم اجتماع أبوظبي للمناخ في عام 2019، واستضافة مؤتمر الأطراف (كوب 28) في عام 2023."
وأضافت: "تمَ تطبيق برامج ولوائح تأخذ في الاعتبار الظروف المناخية القاسية في المنطقة؛ حيث أطلق مركز أبوظبي للصحة العامة برنامج (السلامة في الحر) في العام 2023. وفي منتصف شهر أبريل 2024، شهدت البلاد هطول معدلاتٍ قياسية من أمطار تُعزى إلى آثار الاحترار العالمي، وأتت توجيهات الحكومة لإعطاء الأولوية لصحة وسلامة الأفراد؛ وقد انعكس ذلك بوضوح على كيفية تنفيذ المنظمات وجهات العمل لتلك التوجيهات لضمان صحة وسلامة موظفيها من خلال تطبيق العمل عن بُعد، ودعم الموظفين المتأثرين بالأمطار الغزيرة وغيرها من التوجيهات."
وتُوصي الدكتورة شيماء مع تطور تأثيرات التغيَر المناخي، بالتكامل بين الصحة والسلامة المهنية والسياسات والممارسات المناخية؛ من خلال إعادة تقييم اللوائح والتشريعات على المستوى العالمي، إلى جانب تنفيذ برامج تدريبية لتثقيف أصحاب العمل حول مخاطر التغيَر المناخي لتطبيق التدابير الاحترازية، لضمان صحة وسلامة العاملينعند وضع ممارسات العمل الجديدة.
نصائح للتكيَف مع التغيَر المناخي
تغيَر المناخ أصبح حقيقةً، هكذا يُورد موقع "الأمم المتحدة"؛ مشيرًا في الوقت ذاته إلى علينا التكيَف مع عواقب الظواهر المناخية حتى نتمكن من حماية أنفسنا ومجتمعاتنا، بالإضافة إلى بذل كل ما بوسعنا لخفض الانبعاثات وإبطاء وتيرة الاحتباس الحراري. وتختلف التداعيات حسب المكان الذي تعيشين فيه، وقد تكون هذه التداعيات حرائق أو فيضانات أو جفاف أو ارتفاع الحرارة أو البرودة أكثر من المعتاد أو ارتفاع مستوى سطح البحر.
هناك طرق عدّة للتكيف مع ما يحدث الآن وما سيحدث في المستقبل. يمكن للأفراد اتخاذ بعض الإجراءات البسيطة؛ مثلًا يمكنكِ زراعة الأشجار أو الحفاظ عليها حول منزلكِ للحفاظ على برودة درجات الحرارة بالداخل، وقد تُقلَل إزالة الأحراش من مخاطر نشوب الحرائق. وإذا كنتِ تمتلكين أعمالًا تجارية، فمن الضروري البدءبالتفكير والتخطيط في مخاطر المناخ المحتملة، مثل الأيام الحارة التي تمنع العمال من القيام بمهامٍ خارجية.
يجب أن يكون الجميع على درايةٍ بزيادة احتمال وقوع كوارث طبيعية في الأماكن التي يعيشون فيها والموارد التي لديهم في حالة حدوث ذلك؛ وقد يعني ذلك اتخاد التأمينات مسبقًا، أو معرفة أين يمكنكِ الحصول على معلومات عن الكوارث والإغاثة أثناء الأزمة. وتذكري عزيزتي أن السلامة والصحة هما أهم معايير الحياة الجيدة ورفاهية الحياة، فلا تتهاوني في الحفاظ عليهم وإيلائهما العناية الكاملة خصوصًا في ظل التغيَرات المناخية التي تُلقي بظلالها المخيفة على الجميع.