علاجاتٌ فريدة كحمضنا النووي: ماذا نعرف عن استراتيجية أوميكس الجديدة
هناك العديد من الخدمات التي يُطلق عليها تسمية Tailor made: والمقصود بها خدمة مًصمَمة خصيصًا لشخصٍ معين أو هدفٍ محدد. أمثلة عن هذه الخدمة، سيارات بمواصفاتٍ معينة، أو منازل موصولة بخدمات إلكترونية خاصة، وغيرها العديد.
لكن أن يصبح لدينا خدمة رعايةٍ صحية Tailor made، فهذا شيءٌ جديد ومبتكر للحقيقة. ما عليكِ سوى تخيل مستقبلًأ تكون فيه الرعاية الصحية مُصمَمة لكِ خصيصًا، وصولًا إلى الجزيئات في عمق خلاياكِ. العلاجات الموجَّهة والاستراتيجيات الوقائية، مُخصَصة تحديدًا لتناسب الجينوم الفريد لديك؛ تُحدَد خارطة طريقكِ الطبية الشخصية، المُتغيرات الجينية الوراثية، وتُوفر إرشاداتِ بشأن المخاطر البيئية، كما تُقدم استراتيجياتٍ للحفاظ على صحة القلب والوقاية من السرطان، ما يجعلها فريدةً كحمضكِ النووي.
تقنيات "أوميكس" هي روح ذلك المستقبل؛ حيث تُقيس الجزيئات المتنوعة وتُحلَلها على عدة مستويات داخل الكائنات، والخلايا، والأنسجة البشرية حيث ينشأ العديد من الأمراض.واستنادًا إلى هذا العلم التأسيسي، أطلق مركز الطب الفردي التابع لمايو كلينك، استراتيجية "أوميكس" جديدة مُصمَمة لدمج الطب الدقيق في الممارسات السريرية اليومية. وسيدعم هذا النهج أوميكس الأمراض النادرة، وأوميكس الوراثيات السكانية، والأوميكس الوظيفي، والأوميكس الرقمي.
وفي تعليقه على هذه الاستراتيجية الثورية التي ستُحدث طفرةً في المستقبل، قال كونستانتينوس لازاريديس، دكتور الطب، المدير التنفيذي المعيَّن من قِبل كارلسون آند نيلسون لمركز مايو كلينك لنهج الطب الشخصي: "تُمثَل هذه الاستراتيجية الجديدة قفزةً هائلة نحو عصرٍ جديد من العلوم الطبية؛ حيث ستُساعدنا هذه الركائز الأربع المترابطة من أنواع (الأوميكس) في زيادة أثرنا، ودفع عجلة التطورات في نهج الطب الفردي، وإعادة تعريف مفهوم رعاية المرضى."
عصرٌ جديد من العلوم الطبية
تجلب كل ركيزةٍ من ركائز "أوميكس"، خبراء من مختلف التخصصات الطبية ممن لديهم خبرةً في تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، للبحث في مجموعات بيانات "أوميكس"الشاسعة؛ بما في ذلك علم الجينوم (دراسة الجينات)، وعلم البروتيوميات (دراسة البروتينات)، وعلم التعرض (دراسة التعرض البيئي)، وعلم الأيض (دراسة العمليات الأيضية)، وعلم النسخ الوراثي (دراسة نسخ الحمض النووي الريبي) وغيرها من مجالات "أوميكس".
وتُوفر أبحاث أوميكس إمكانياتٍ تحويلية للتنبؤ بحالاتٍ مرضية محددة وتشخيصها؛ مثل الأمراض المزمنة، والشيخوخة، والحالات الالتهابية، والسرطان، جنبًا إلى جنب مع تمكين تطوير علاجاتٍ شخصية مُصمَمة خصيصًا للخصائص البيولوجية الفريدة للأشخاص.
لتحصلي على لمحةٍمن مستقبل الطب، ما عليكِ إلا أن تخطي داخل مركز مايو كلينك المتطور للطب الشخصي.. فهناك يعمل الأطباء والباحثون وعلماء البيانات ومهندسو الذكاء الاصطناعي واختصاصيو أخلاقيات علم البيولوجيا، جنبًا إلى جنب، لفحص مجموعات بيانات "أوميكس" الضخمة. وهذا النهج المبتكر هو نتاج مشاركة آلاف المرضى في الدراسات البحثية والتجارب السريرية المرتبطة بأوميكس. ومن خلال ذلك، تسعى الفرق متعددة التخصصات وراء اكتشاف البصمات البيولوجية وأنماط الأمراض الخفية، بما فيها السرطان. وتكمن آمالهم وتوقعاتهم في تعزيز تطوير علاجاتٍ فردية وأساليب وقائية مؤثرة لكل فرد.
على الجانب الآخر، يكتشف المشاركون في الأبحاث ما إذا كانوا حاملين لأنواعٍ معينة من الطفرات المُسبَبة للأمراض. في الوقت الحالي، يمكن تضمين نتائج جينومية معينة في السجل الصحي الإلكتروني لكل مريض لتوجيه رعايته الصحية الشخصية، ويشمل ذلك العلاجات والفحوصات الشخصية المحتملة. وسيمكن في المستقبل القريب تضمين المزيد من بيانات الأوميكس (علم البروتيوميات، وعلم الصيدلة الجينية، وعلم الأيض، وعلم التعرض للآثار الخارجية، إلخ) لتصميم خارطة طريقٍ شخصية غاية في الدقة، لصحة المرضى وعافيتهم.
ويقول الدكتور جون بريسوتي، دكتوراه في تقويم العظام، وطبيب أسرة في مايو كلينك: "أعتقدُ أن هذا الكم الهائل من بيانات الأوميكس سيُغيَر الطريقة التي نُمارس فيها طب الأسرة، حيث من المرجح أن نشهد تغييراتٍ كبيرة تحدث في وقتٍ قصير يتراوح بين سنتين إلى خمس سنوات من الآن."
يستخدم الباحثون في دراسات "الأوميكس" مجموعة أدواتٍ مبنية على الأساليب العلمية الدقيقة — مثل تسلسل الحمض النووي، والمصفوفات الوراثية الدقيقة، وقياس الطيف الكتلي، وغيرها من التقنيات عالية الإنتاجية. ويمكن لهذه التقنيات مساعدة العلماء لقياس وتحليل جزيئات أوميكس البيولوجية المختلفة بشكلٍ متزامن وعلى مستوياتٍ متعددة في أعماق الخلايا والأنسجة والمكونات البشرية — حيث تنشأ العديد من الأمراض.
استشراف مستقبل زيارات الرعاية الصحية
بصفته طبيب أسرة، يدمج الدكتور بريسوتي بالفعل علم الجينوم والفحص الجيني في عمليات صنع القرار الطبية اليومية لمرضاه، لإدراكه إمكانيتهما في اكتشاف الأمراض الموروثة، وتقليل مرات تشخيص السرطان في مراحله الأخيرة، وإنقاذ الأرواح.
ويوضح الدكتور بريسوتي هذه المسألة قائلًا: "إذا تمكنتُ من المساعدة في تحديد المرضى الأكثر عرضةً للإصابة، فسيمكننا البدء بفحصهم في مرحلةٍ مبكرة وتجنَب حالات السرطان النقيلي والوفيات المبكرة بسبب السرطان. الخلاصة هي أن الأمر لا يتعلق بفحص كل مريضٍ لاكتشاف كل مرض، لأننا على الأغلب سنُواجه بسيلٍ من البيانات إذا فعلنا ذلك. ولكن ما نرغب في عمله هو معرفة من هم الأكثر عرضةً للأمراض، ومن ثم إجراء الفحوصات المناسبة."
نتعرف سويًأ وبشيءٍ من التفصيل، على مختلف أنواع الأوميكس الأربعة ومزاياها في الفقرة التالية..
أوميكس الأمراض النادرة
فيما يتعلق بركيزة أوميكس الأمراض النادرة، يعمل الباحثون واختصاصيو الرعاية السريرية على تحسين التشخيص السريري في الأقسام عبر المؤسسة، من خلال اختبارات الأوميكس المتعدد. حيث يُطوَرون نهجًا مُنظمًا لتسريع تطوير علاجاتٍ جديدة للمصابين بأمراضٍ نادرة — والتي تُعرف بأنها حالات تؤثر على أقل من 200,000 شخص. وبشكلٍ إجمالي،هناك أكثر من 7000 مرض نادر معروف، يؤثر على ما يُقدَر بنحو 25 إلى 30 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها.
أوميكس الوراثيات السكانية
تهدف ركيزة أوميكس الوراثيات السكانية إلى جعل الاختبار الجينومي مُتاحٌ على نطاقٍ واسع ومُدمج في رعاية المرضى، مع التركيز بشكلٍ خاص على المُتغيرات الوراثية القابلة للاستجابة للعلاج لمختلف الأمراض. إضافةً إلى ذلك، تعمل هذه الركيزة على دمج درجات المخاطر متعددة الجينات في الفحوصات السريرية، التي تُقيّم الأهبة الوراثية للشخص للإصابة بأمراضٍ بعينها بناءً على تغيراتٍ وراثية متعددة.
وينَصب التركيز الرئيسي على تعزيز فهم الأوميكس المتعدد، بما في ذلك كيفية تأثير التعرض البيئي، جنبًا إلى جنب مع العوامل الوراثية، على المرض والاستجابة للعلاجات.
الأوميكس الوظيفي
ركيزة الأوميكس الوظيفي مُخصَصةٌ لتسهيل الإجراءات البحثية، عن طريق ابتكار نماذج جديدة لتسريع وتيرة الاكتشاف العلمي. وتشمل العناصر الأساسية لهذه الركيزة، إنشاء مختبراتٍ متخصصة لزراعة خطوط الخلايا وتطوير التقنيات مثل علم التخلَق وتسلسل الحمض النووي الريبي للخلية الواحدة.
وتُعدَ هذه التقنيات مهمةً لدراسة آليات تنشيط الجينات وتعطيلها، وكذلك تحليل الوظائف للخلايا الفردية.كما تبحث هذه الركيزة في الكائنات الحية الدقيقة ذات الفوائد العلاجية المُحتملة، وتتحقق من صحة استراتيجيات العلاج الجيني، وتحلَل العمر البيولوجي ومؤشرات ضعف المريض.
الأوميكس الرقمي
النوع الأخير من الأوميكس، يُركَزعلى تحسين الوصول إلى البيانات الجينومية وفائدتها العملية لمُقدمي الرعاية الصحية، من خلال دمجها مباشرةً في السجلات الطبية. وتتضمن هذه المبادرة الشراكة مع قادة المؤسسات لإنشاء هياكل حوكمة البيانات والتعريفات المُوحدة لبيانات أوميكس عبر مايو كلينك. ومن خلال توفير وصولٍ أسهل إلى بيانات الأوميكس المتعدد، تهدف الركيزة إلى تقليل عوائق البحث وتعزيز الابتكار.
من المتوقع أن تؤدي استراتيجية أوميكس المُبتكرة هذه، والمدعومة بالذكاء الاصطناعي والمبنية على ركائز أساسية، إلى تحسين تشخيص المرض والتنبؤات بخصوص سَيْر المرض وعلاجه. ويُوفر هذا النهج بالفعل إطارًا لأساليب قابلة للتطوير لخدمة الاحتياجات الفردية للمرضى، ما يجعل منه ثورةٌ كبيرة في مجال الرعاية الصحية نتطلع إليها بفارغ الصبر.