بالتزامن مع جهود المملكة للقضاء على المرض: توجيهاتٌ مفيدة للوقاية من سرطان عنق الرحم
في إحدى مقابلاتي مع أخصائي أورام سرطانية معروف في بيروت، قال لي بالحرف الواحد عند سؤاله عن نجاعة لقاح فيروس الورم الحليمي البشري: أشعرُ بالحزن، أننا وفي هذا العصر المتطور، ما زلنا نشهد إصاباتٍ بسرطان عنق الرحم الذي يمكن الوقاية منه بأخذ اللقاح. طبيبةٌ نسائية تعمل في دبي، أشارت بدورها إلى الدور الكبير الذي يلعبه هذا اللقاح في حماية ملايين النساء من خطر الإصابة بمرض سرطان عنق الرحم.
ماذا نفهم من هذا الأمر؟ نفهم أن الوقاية ممكنةٌ في حال وجود الوعي الذاتي والمجتمعي لدى الكثيرين، والذي يُوصلنا إلى تقليل خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم وغيره من الأمراض التي قد تُودي بالحياة في بعض الحالات.
الحقيقة أن العديد من الدول، ومنها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، لا تألو جهدًا في التشجيع على أخذ كافة اللقاحات الضرورية لتحصين الجسم من كافة الأمراض، ومنها سرطان عنق الرحم. خصوصًا مع استمرار ارتفاع معدلات الوفاة بين أعداد المصابات بالمرض سنويًأ. فقد أفادت دراسةٌ أجراها معهد النشر الرقمي متعدد التخصصات (MDPI) في عام 2023؛ أنه يتمَ تشخيص حوالي 358 امرأة في المملكة العربية السعودية بسرطان عنق الرحم سنويًا، مع وفاة قرابة 179 منهنَ بسبب المرض. ونتيجةً لذلك، فإن النهج الشامل لرفع مستوى الوعي وانتشار مفهوم الحفاظ على الصحة على نطاق المجتمع، يُوفَر فرصًا عديدة في هذا الخصوص.
ورغم الانخفاض النسبي في معدل الإصابة بسرطان عنق الرحم في المملكة العربية السعودية، كما هو الحال في الدول الأخرى ضمن منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا؛ فإن انخفاض معدل انتشار فيروس الورم الحليمي البشري يشير إلى تقدَم الوعي وممارسات الفحص، وبالتالي يمكن أن يُقلّل بشكلٍ ملحوظ من أعباء المرض.
رغبةً منا في زيادة التوعية بسرطان عنق الرحم وكيفية الوقاية منه؛ نتطرق في موضوعنا اليوم لأسباب وعوامل خطر سرطان عنق الرحم، فضلًا عن بعض التوجيهات المفيدة حول كيفية الحد من مخاطر هذا المرض الفتاك عبر الممارسات اليومية للتعافي والتي تقدمها أخصائية الطب التكاملي الدكتورة دانا كوهن، خريجة كلية الطب بجامعة سانت جورج في غرينادا.
أسباب سرطان عنق الرحم وعوامل الخطر
قبل أن نستعرضللتدابير الوقائية المهمة التي يمكن للنساء اتخاذها لتقليل خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، من المفيد التعرف على الأسباب وعوامل الخطر التي تُساهم في الإصابة بالمرض.
إن السبب الأبرز لسرطان عنق الرحم هو الإصابة المستمرة بأنواعٍ عالية الخطورة من فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)؛ وهي عدوى فيروسية تُسبَب نمو الجلد أو الغشاء المخاطي (الجلد الرقيق الذي يغطي السطح الداخلي لأجزاءٍ من الجسم). وعلى الرغم من انتشار فيروس الورم الحليمي البشري، فإن معظم حالات العدوى بهذا الفيروس تُشفى بشكلٍ طبيعي دون التسبب في ضررٍ كبير.
ولكن الفيروس يستمر في بعض الحالات، ويمكن أن يؤدي إلى تغيراتٍ في خلايا عنق الرحم، وهو الجزء السفلي من الرحم. ويبدأ سرطان عنق الرحم عندما تشهد الخلايا السليمة في عنق الرحم تغيراتٍ في الحمض النووي الخاص بها، لتُشكَل في النهاية كتلةً من الخلايا السرطانية تُسمى الورم. ويمكن لهذه الخلايا الخبيثة أن تغزو وتدمر أنسجة الجسم السليمة، كما قد تنفصل وتنتشر إلى أجزاءٍ أخرى من الجسم مع مرور الوقت.
وعلى الرغم من أن فيروس الورم الحليمي البشري هو السبب الرئيسي لسرطان عنق الرحم، إلا أن هناك عناصر أخرى يمكن أن تؤثر على مدى خطر الإصابة؛ مثل التدخين، وضعف جهاز المناعة، والاستعداد الوراثي وإهمال الفحص - ما قد يؤدي إلى تغيراتٍ غير مُكتشفة في مرحلة ما قبل الورم.
نصائح للوقاية من سرطان عنق الرحم
يُعدَ اللقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري، من أبرز الإجراءات الوقائية ضد سرطان عنق الرحم، تؤكد الدكتورة كوهن. وكما تشير قائمة عوامل الخطر، فقد يكون من المفيد أيضاً الإقلاع عن التدخين وإجراء الزيارات المنتظمة لمُزودي الرعاية الصحية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اتباع نهجٍ استباقي بالتوازي مع خيارات نمط الحياة المتكاملة، يمكن أن يؤثر بشكلٍ ملموس على تحسين صحة عنق الرحم. ويمكن لهذه الطرق الثلاث الشاملة أن تساعد المرضى على دعم أجهزتهم المناعية لمحاربة فيروس الورم الحليمي البشري وتقليل خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم:
-
تعزيز جهاز المناعة بالتغذية التي تدعم وظيفته
إن الجهاز المناعي الصحي هو أفضل خط دفاع للجسم ضد العدوى عالية الخطورة، ويمكن أن تساعد العناصر الغذائية الثلاث التالية في تعزيز مناعة الجسم:
• الفطر الطبي: يحتوي الفطر المتكيف مثل الشاجا، والشيتاكي، وعرف الأسد على مُركَبات نشطة بيولوجيًا، يمكن أن تُعزَز وظيفة المناعة. وتحتوي تلك الأنواع أيضًا على خصائص مفيدة مضادة للالتهابات.
• فيتامين ج: يوجد في الحمضيات والفراولة والفلفل (وغيرها من الفواكه والخضروات)، ويُعتبر فيتامين ج أحد أقوى مضادات الأكسدة التي تُعزَز الاستجابة المناعية للجسم.
• حمض الفوليك: تجدينه في العدس والبيض والسبانخ والموز، وهو أحد فيتامينات ب الضرورية لتركيب الحمض النووي وانقسام الخلايا. وترتبط مستويات حمض الفوليك المنخفضة لدى النساء بارتفاع معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم، بسبب فيروس الورم الحليمي البشري.
-
الحفاظ على ترطيب الجسم
للماء دورٌ بالغ الأهمية في دعم جهاز المناعة؛ حيث يساعد الترطيب المناسب في الحفاظ على حجم الدم والدورة الدموية، ما يضمن قدرة الخلايا المناعية على الانتقال بكفاءةٍ عبر الجسم. وتتطلب خلايا الدم البيضاء بيئةً داخلية متوازنة لتعمل على النحو الأمثل.
كذلك يمكن أن يساعد الحفاظ على رطوبة الجسم، في تقليل الأعباء على جهاز المناعة لدى الفرد، من خلال العمل على إزالة السموم والفضلات من الجسم. وهذا يُعزَز استجابتكِ المناعية بمزيدٍ من القوة للتركيز على الدفاع ضد العدوى.
-
تقليل التوتر
يمكن أن يُسهم الحد من التوتر في دعم وظيفة جهاز المناعة بشكلٍ كبير، حيث تشير الدراسات إلى أن الإجهاد المزمن يُضعف جهاز المناعة، ما يجعل الجسم أقل فعاليةً في درء العدوى.
وتتضمن بعض الأنشطة التي يمكن أن تساعد النساء على التحكم في مستويات التوتر لديهنَ، وفقًا للدكتورة كوهن، ما يلي:
- ممارسة تقنيات اليقظة الذهنية والتأمل، للمساعدة في تعزيز الاسترخاء وتقليل القلق.
- الالتزام بممارسة النشاط البدني بانتظام، فهو بمثابة مُخفَفٍ طبيعي للتوتر من خلال إطلاق هرمون الإندورفين.
- تجربة الطرق المختلفة للعلاج الشامل مثل العلاج العطري، والوخز بالإبر، والتدليك لتعزيز الاسترخاء، وتوازن الطاقة، وتخفيف التوتر.
كوني مسؤولةً عن حماية صحتكِ وصحة من تحبين.. هذه النصيحة الأخيرة التي تُسديها لكِ أخصائية الطب التكاملي الدكتورة دانا كوهن. وهناك تدابير يمكن للأفراد اتخاذها للتخفيف من قابليتهم للإصابة بهذا المرض الفتَاك، فالجمع بين التغذية السليمة والترطيب ووسائل تقليل التوتر في روتينكِ اليومي، يمكن أن يُقوَي جهاز المناعة لديكِ ويساعد في تقليل خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم - خاصةً عندما يقترن بتلَقي اللقاح المناسب.