ليس كله خطيرًا كما يسود الاعتقاد.. لماذا نحتاج إلى تغيير تفكيرنا بشأن العلاج الهرموني؟
يحدث أن تحمل بعض الأدوية والعقاقير التي نتناولها بوصفةٍ طبية، بغية علاج مرضٍ أو مشكلةٍ صحية معينة، بعض الأضرار والآثار الجانبية. وقد يصل البعض منها إلى مرحلة الإضرار بصحة الناس، كما شاع الحديث عن العلاج الهرموني منذ عدة سنوات.
والعلاج الهرموني هو أحد طرق علاج الأورام السرطانية، حيث يُعطى المريض هرموناتٍ خارجية لإحداث تغيير في نظام الغدد داخل جسم الإنسان. كما أن هناك العلاج بالهرمونات البديلة، وهو دواءٌ يحتوي على هرمونات أنثوية؛ عندما تتناولين الدواء، فإنه يحل محل هرمون الإستروجين الذي يتوقف جسمك عن إنتاجه أثناء انقطاع الطمث. وغالبًا ما يُستخدم العلاج بالهرمونات في علاج أعراض انقطاع الطمث، بما في ذلك الهبَّات الساخنة والألم المهبلي؛ كما ثبت أن العلاج بالهرمونات يمنع فقدان العظم ويُقلَل الكسور عند النساء بعد سن اليأس.
لكن وعلى الرغم من هذه الفوائد، تبقى هناك مخاطر مرتبطة باستخدام العلاج بالهرمونات. وتعتمد هذه المخاطر على نوع العلاج بالهرمونات والجرعة ومدة تناول الدواء والمخاطر الصحية المحتملة في حالتكِ تحديدًا. لذا وللحصول على أفضل النتائج، ينبغي وصف العلاج بالهرمونات لكل شخصٍ حسب حالته، وأن يُعاد تقييمه بين الحين والآخر، للتأكد من أن الفوائد المرجوة منه ما زالت تفوق مخاطره.
تخشى الكثير من النساء اتباع العلاج الهرموني لتخفيف حدة وأعراض انقطاع الطمث Menopause بالرغم من أهميته؛ لهذا كان لا بدَ من تقصَي المزيد من المعلومات عن هذا العلاج، ومعرفة متى يجب أخذه ومتى يجب التوقف عن ذلك، في محاولة لتغيير الفكرة النمطية السائدة عن هذا العلاج لدى سيداتٍ كُثر. وتتولى آن ماري ماكوين،وهي مؤسسة منصة الوسائط الرقمية العالمية، Hotflashinc، التي تقدم الأدلة والمعلومات القائمة على الخبرة والسياق والاستراتيجية لأكثر من 50000 شخص يمرون بسن اليأس وانقطاع الطمث ومنتصف العمر من خلال النشرة الإخبارية والبودكاست ووسائل التواصل الاجتماعي؛ هذه المهمة من خلال معرفتها الواسعة بهذا الشأن، وحديثها مع أصحاب الخبرة.
العلاج الهرموني ومبادرة صحة المرأة
لقد أجريتُ مقابلة مؤخرًا مع خبيرةٍ معروفة في مجال العلاج الهرموني، تقول ماكوين؛ وبعيدًا عن الكاميرا، شاركت هذه الطبيبة والباحثة المحترمة أفكارها الصريحة معي. "عندما ظهر العلاج الهرموني لأول مرة، أراد الجميع تجربته. ثم خاف الناس من دراسة مبادرة صحة المرأة (WHI). الآن، لاحظ أحدهم فجوةً في هذا الموضوع، ويريد تجربته من جديد."
لقد مارست هذه الخبيرة، المهنة لعقودٍ من الزمن،في ضوء هذه التقلبات. وهي مناصرةٌ لاستخدام العلاج الهرموني حيثما تُبرر الأدلة العلمية ذلك؛ لكن الادعاءات الجامحة التي تراها وتسمع عنها عبر الإنترنت، تجعلها في حالٍ من التوتر.
لقد تسببت دراسة مبادرة صحة المرأة (WHI) - التي صدرت في عام 2002 - في انخفاض كبير باستخدام العلاج الهرموني، بسبب نتائج زيادة مخاطر الإصابة بسرطان الثدي وأمراض القلب والسكتة الدماغية. وتجدر الإشارة إلى أن التحليلات الأحدث قد وضَحت هذه النتائج، خاصةً فيما يتعلق بالتوقيت ونوع العلاج الهرموني المُستخدم. لقد استغرق الأمر سنواتٍ عدة لإيضاح هذه الفكرة، لكن الجهود شهدت ارتفاعًا كبيرًا مؤخرًا.
أضف إلى ذلك، وجهات نظرنا الثقافية والشخصية ومعتقداتنا وأطرنا - ربما شيء مثل "أنا أصغر سنًا بكثير من أن أحتاج إلى هذا!" - ولا عجب أننا لا نعرف ما الذي نؤمن به أو نفعله. وبغض النظر عن الطريقة التي نفكر بها في العلاج الهرموني، أو حتى في حال لم تفكري فيه من قبل، فقد يأتي وقتٍ في حياتك تكونين بحاجةٍ لفعل ذلك. من الأفضل أن نزيل المشاعر من هذا الأمر الآن، وأن نتعلم بعض الحقائق الأساسية، حتى تكوني مستعدةً لاتخاذ قراراتٍ مستنيرة حيال استخدام العلاج الهرموني من عدمه.
العلاج الهرموني المعروف.. يحصل على تحديث
يُوصف العلاج الهرموني لمساعدة النساء في التغلب على أعراض سن اليأس وانقطاع الطمث، كما أشرنا في بداية المقالة؛ وغالبًا ما يكون في شكل هرمون الاستروجين والبروجيستيرون وأحيانًا هرمون التستوستيرون. وفي حين كانت تركيبات العلاج الهرموني المُبكرة مصنوعةً من بول الخيول الحوامل (الاسم الرسمي: هرمونات الاستروجين الخيلية المقترنة)؛ فإن معظم التركيبات الحالية "متطابقةٌ بيولوجيًا"، مما يعني أنها متطابقة كيميائيًا مع الهرمونات التي ينتجها أجسامنا.
تُوصي العديد من المنظمات الصحية الرائدة - بما في ذلك جمعية سن اليأس في أمريكا الشمالية، وجمعية سن اليأس البريطانية وجمعية سن اليأس الأسترالية - بالعلاج الهرموني (الإستروجين والبروجيستيرون) كخيارٍ آمن وفعال لعلاج مجموعةٍ من الأعراض، من بينها اضطرابات النوم والمزاج إلى الهبات الساخنة والتعرق الليلي.
وتقسم العديد من النساء أنه يساعد بطرقٍ أخرى أيضًا، مثل تعزيز الطاقة أو إدارة الوزن. يُنصح بهذا العلاج أيضًا لعلاج الأعراض أثناء انقطاع الطمث، على الرغم من أن العديد من الأطباء لا يزالون يجهلون هذا التطبيق، وهناك القليل جدًا من الأبحاث حوله.
وقد أصبح هرمون التستوستيرون شائعًا بشكلٍ متزايد بين النساء لأسبابٍ مختلفة، بما في ذلك مكافحة التعب وضبابية الدماغ؛ ومع ذلك، فإن الأدلة العلمية الحالية تدعم استخدامه فقط لمعالجة انخفاض الرغبة الجنسية. هناك أيضًا أشكالٌخضعت لنسبةٍ أقل من البحث من العلاج الهرموني، مثل DHEA، والتي تجدها بعض النساء مفيدةً لتخفيف الأعراض.
العلاج الهرموني آمن.. ولكن يجب احترامه
إن سلامة وفعالية هذه الهرمونات المتطابقة بيولوجيًا (خاصةً تلك المصنوعة في صيدلية مُركَبة) هي موضوع نقاشٍ بين الخبراء. ويُعتبر العلاج الهرموني المتطابق بيولوجيًا المعتمد من إدارة الغذاء والدواء، وهو النوع الذي تنتجه وتبيعه شركات الأدوية الكبرى "آمنًا"؛ في حين أن العلاج الهرموني المُركَب المتطابق بيولوجيًا، والذي يتم إنتاجه في دفعاتٍ مخصصة للاستخدام الفردي، فإن لديه أدلةٌ أقل تدعمه.
هناك مخاطر وآثارٌ جانبية مرتبطة بالعلاج الهرموني - زيادة طفيفة في خطر الإصابة بسرطان الثدي، على سبيل المثال - لذلك من الضروري إجراء بحثكِ الخاص واستشارة طبيبكِ قبل اتخاذ القرار. عندما تتحدث النساء عن الآثار الجانبية المحتملة، غالبًا ما تبدو مشابهةً لأعراض انقطاع الطمث.. تخيلي مدى صعوبة معرفة ذلك وعيشه!
عندما يصف أخصائي رعاية صحية مُطلع العلاج الهرموني، وفي غضون "نافذة الفرصة" لمدة 10 سنوات من بداية انقطاع الطمث، يمكن أن يكون العلاج الهرموني خيارًا آمنًا وفعالًا لعلاج الأعراض، مع الحد الأدنى من المخاطر، وفقًا لأحدث الدراسات والإرشادات. ويُوصى أيضًا بالعلاج الهرموني لمنع فقدان العظام، ما يؤدي إلى زيادة خطر هشاشة العظام.
نقطة حاسمة واحدة ينبغي التطرق لها: في حال وُصف لكِ هرمون الاستروجين، فأنتِ بحاجةٍ إلى تناول البروجسترون الميكروني عن طريق الفم أو البروجستيرون (شكلٌ اصطناعي من البروجسترون) لحماية الرحم.
العلاج الهرموني لا يُصلح كل شيء
الآن، فيما يتعلق بمسألة نجاعة العلاج الهرموني من عدمه: تعمل موجةٌ جديدة من المؤثرين المتمرسين على وسائل التواصل الاجتماعي - ومن بينهم الأطباء وغيرهم من الممارسين - على زيادة الوعي بانقطاع الطمث مع الترويج بحماس للعلاج الهرموني.
وفقًا لهذه المجموعة، لا يمكن للعلاج الهرموني لانقطاع الطمث أن يساعد في علاج الأعراض فحسب، بل يمكنه أيضًا منع الخرف وأمراض القلب، وحتى مساعدتنا على العيش لفترةٍ أطول. الرسالة، في بعض الأحيان، هي أنه من الخطير عدم تناول العلاج الهرموني؛ ومع ذلك، لا يمكن أن يكون هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. كما كتبت جين غانتر، طبيبة أمراض النساء والتوليد الأمريكي ومؤلفة كتاب "بيان انقطاع الطمث" مؤخرًا، فإن العلاج الهرموني "يُحسَن نوعية الحياة لأولئك الذين يحتاجون إليه؛ وبالطبع، يجب على المُعرَضين لخطر هشاشة العظام تناوله إذا كان آمنًا بالنسبة لهم وكان ذلك اختيارهم. ولكن ليس لدينا بياناتٌ جيدة تُخبرنا أن العلاج الهرموني يُقلَل من خطر الخرف أو أمراض القلب والأوعية الدموية لوصفه لهذه الأسباب."
وتضيف:"قد نحصل في يومٍ من الأيام على هذه البيانات - بل ومن الممكن أن يصبح العلاج الهرموني هو الاختراق البيولوجي النهائي - لكن ليس هذا اليوم. في الوقت ذاته، هناك العديد من الطرق الأخرى لمنع المرض والتي تدعمها أكوامٌ من الأدلة: عكس مقاومة الأنسولين ومقدمات السكري، الحصول على نومٍ جيد، الحركة المنتظمة ورفع الأثقال، تناول الأطعمة المُغذية الكاملة، قضاء الوقت في الطبيعة وتنمية المجتمع.
كما أن الكثير من هذه المجادلة تتجاهل الجانب البيولوجي النفسي الاجتماعي، للانتقال إلى سن اليأس، من النوع الذي تمَ تسجيله في كتبٍ مثل حكمة سن اليأس للدكتورة كريستيان نورثروب، والقوة الحكيمة لألكسندرا بوب وسجاني هوجو وورليتزر والربيع الثاني لكيت كودرينجتون. في كثيرٍ من النواحي، عندما تُودَع النساء حياتهنَ الخصبة، يجدنَ شعورًا متجددًا بالهدف والثقة والسلام لم يعرفنه من قبل. وإذا ما استسلمنَ للتغييرات، وتمسكنَ بها، ينتهي بهن الأمر غالبًا إلى إيجاد أنفسهنَ.
لذا، في حين أن العلاج الهرموني يمكن أن يلعب دورًا في دعم النساء خلال التغيرات الجسدية والعاطفية، فإن الجزء الروحي منوطبنا.
خلاصة القول؛ أن العلاج الهرموني لتخفيف وعلاج أعراض انقطاع الطمث يمكن أن يكون فعالًا في حال تناوله باعتدال وحسب الحاجة. مع العلم أن هذا العلاج شهد الكثير من التحديثات في الآونة الأخيرة، لكنه لا يُصلح كل شيء؛ ويمكن لاستخدامه المفرط أن يتسبب بمشاكل صحية.
لذا استشيري طبيبتك النسائية حول نجاعة العلاج الهرموني، وما إذا كنتِ بحاجةٍ إليه أم لا؛ كي لا تخسري بعضًا من فوائده الصحية القيَمة.