التعليم المُنظَم: برنامج تعليمٍ خاص لتمكين مرضى السكري من إدارة حياتهم
لا شك في أن السكري بات يُعد من أمراض الذي تتسارع وتيرة انتشاره بشكلٍ مُطرَد في شتى أنحاء العالم. وللأسف، فقد أصبح من الأسباب الرئيسية للوفاة حول العالم، بجانب أمراض السرطان والقلب. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، توفي حوالي 1.5 مليون شخص حول العالم بسبب مرض السكري في عام 2019؛ كما تسبّب مرض السكري في وفاة 6.7 مليون شخص في عام 2021. وتشير التقديرات إلى أن 537 مليون شخص يعيشون حاليًّا مع مرض السكري في جميع أنحاء العالم. وبحلول عام 2045، تشير التوقعات إلى ارتفاع هذا العدد لحوالي 783 مليون مصاب بالسكري على مستوى العالم.
قد يتساءل البعض عن سر هذا الإنتشار الكبير لداء السكري، خاصةً بين الأطفال؛ لكنه في الحقيقة ليس سرًا، بل هو ببساطة سوء إدارة الحياة بكافة مرافقها. بدءًا من نمط الحياة الغذائي الذي يرتكز على الوجبات السريعة والأطعمة المُصنعة، فضلًا عن قلة النشاط البدني والرياضة، وقلة الوعي بمخاطر هذا المرض لدى الكثيرين.
مرض أو داء السكري، هو حالةٌ مُزمنة تؤثر على كيفية استخدام الجسم للسكر؛ مما يتطلب إدارةً مستمرة للحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن المعدل الطبيعي. ويتطلب ذلك إجراء تغييراتٍ في نمط الحياة، بما في ذلك النظام الغذائي والنشاط البدني، بالإضافة إلى الأدوية أو الأنسولين حسب الحالة. لذلك فإن الفهم الصحيح للمرض والالتزام بالخطة العلاجية يمكن أن يساعد في تقليل المخاطر المرتبطة به وتحسين جودة الحياة.
من هذا المنطلق؛ تبرز أهمية المبادرات والبرامج التوعوية التي تستهدف مختلف أفراد المجتمع بشكل عام، والمرضى المُصابين بالمرض بشكلٍ خاص، لتثقيفهم بالسُبل المُثلى لإدارة هذا المرض، وكيفية تجنب مضاعفاته التي قد تصل لحدود فقدان الحياة في حال إهمال الرعاية اللازمة.
وفي هذا الإطار، أطلق مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، برنامج التعليم المُنظَم الذي يُنظَمه بهدف تمكين المصابين البالغين بداء السكري؛ من خلال زيادة المعرفة والمهارات وفي إدارة مرض السكري لديهم على أساسٍ يومي، والذي يواصل تحقيق نجاحٍ تلو الآخر في مساعدة المرضى المصابين بالسكري على إدارة صحتهم بكفاءة وعيش حياةٍ طبيعية دون أي معوقات.
نتعرف من الدكتورة أليرو أدجيني، استشارية الغدد الصمّاء والسكري مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، على هذا البرنامج بشكلٍ أفضل؛ كما نستعرض سويًا لبعض التجارب الناجحة لمريضات سكري اتبَعن هذا البرنامج ونجحنَ في إدارة مرضهنَ بصورةٍ فعالة.
مرض السكري: التعايش معه ليس مستحيلًا
هذا ما أكدته الدكتورة أدجيني، مضيفةً: "على الرغم من خطورة مرض السكري بنوعيه الأول والثاني، والذي قد تصل مضاعفاته لحدود فقدان الحياة نتيجة تأثيره العميق على مختلف أعضاء الجسم؛ إلا أن التعايش مع المرض ليس بأمرٍ مستحيل، إذ تلعب المشورة الخبيرة والإرشاد دورًا حيويًا في تمكين المرضى من اكتساب مهارة إدارة مرضهم والتمتع بحياةٍ طبيعية والابتعاد عن المضاعفات. ويتطلب الأمر بطبيعة الحال المتابعة الدورية من الطبيب والالتزام بالإرشادات التي يقدمها للمريض، سواءً على مستوى الجرعات الدوائية، أو أنماط الحياة والخطط الغذائية. ونحن في مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، نحرص دائمًا على تصميم خططٍ علاجية شخصية، تضم تخصصاتٍ عدة، لتمكين المرضى بأدوات إدارة مرضهم."
وحول البرنامج، قالت عزة سعيدة الزعابي؛ وهي مواطنة إماراتية شاركت فيه: "تمَ تشخيص إصابتي بالسكري من النوع الأول منذ أكثر من 20 عامًا. شاركتُ في برنامج التعليم المُنظَم الذي أعدَه مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، والذي يُعتبر فعاليةً هامة لكل مريض بالسكري من النوع 1 وأفراد الأسرة وحتى لمُقدمي الرعاية لهذه الفئة من المرضى. وفي الحقيقة، تعرَفنا خلال الفعالية على معلوماتٍ هامة وعلى الفروقات بين نوعي السكري، والسُبل المُثلى للتعامل مع النوع الأول من السكري. لا شك أن مثل هذه الفعاليات التي تجمع المرضى وأفراد أسرهم بمُقدمي الرعاية، تعرّفنا بأهم التطورات الراهنة والتقنيات الحديثة للتعامل مع هذا المرض. وأتوجهُ بجزيل الشكر لمركز إمبريال كوليدج لندن للسكري على جهوده التوعوية ودعمهم المستمر للمرضى ولأفراد المجتمع."
بدورها؛ تحدثت سارة مصطفى عبدالله وهي من المشاركين في البرنامج أيضًا، عن تجربتها قائلةً: "بدأتُ بزيارة مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري منذ عدة سنوات بعد تشخيص إصابة ابنتي بالسكري من النوع الأول. وبفضل متابعتنا المستمرة مع فريق الرعاية في المركز، تمكنت ابنتي من التعايش مع حالتها بكل راحة دون أي مضاعفات. فبعد الصعوبات التي واجهتنا في التعامل مع المرض عند تشخيصه، قدم فريق الرعاية في المركز كافة سُبل الدعم والتمكين والتثقيف المُمكنة لنكتسب مهارة إدارة مرض السكري. واليوم، تعيش ابنتي حياةً مريحة مع استقرار مستويات سكر الدم لديها."
الوقاية من مضاعفات السكري: خطواتٌ بسيطة إنما مهمة
إدارة السكري والتحكم فيه لا تعني الالتزام بالخطة الدوائية فحسب؛ وإنما تتضمن أيضًا خطة كاملة للرعاية الذاتية، تُحدَّد بمساعدة فريق الرعاية الصحية الأولية (طبيب لكل أسرة ومدرب صحي)، بحسب ما جاء على موقع وزارة الصحة السعودية.
وتتضمن الخطة الخطوات الآتية:
- التحكم في أبجديات السكري.
- اتباع الخطة الغذائية الصحية المُوصى بها من قبل أخصائي التغذية.
- جعل النشاط البدني جزءًا من روتين الحياة اليومية.
- الالتزام بالخطة الدوائية كما وصفها الطبيب.
- قياس مستويات السكر في الدم بانتظام.
- العمل مع فريق الرعاية الصحية.
- التعامل مع مرض السكري بطريقةٍ صحية.
فيما يخص التحكم بأبجديات السكري؛ فالمقصود منه التحكم بمستويات السكر في الدم، وضغط الدم، والكوليسترول، والإقلاع عن التدخين. إن التحكم في هذه الأمور، يُقلَل من خطر الإصابة بنوبةٍ قلبية أو سكتة دماغية أو مضاعفات مرض السكري الأخرى.
تشترط الخطة الغذائية الصحية المُوصى بها من قبل أخصائي التغذية، على وجبات خاصة تساعد المريضات في التحكم بمستويات سكر الدم وضغط الدم والكوليسترول. كما من الضروري جعل النشاط البدني جزءًا من روتين الحياة اليومي؛ كونه يساعد على تحسين حساسية الجسم للإنسولين، والتحكم في مستويات السكر بالدم، وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب واعتلال الأعصاب. ويُعدَ المشي السريع أو السباحة من الطرق الجيدة لزيادة الحركة؛ وإذا كانت المريضة تعاني من زيادة الوزن أو السُمنة، ينبغي لهاا التحدث مع مُقدم الرعاية الصحية لوضع خطةٍ لإنقاص الوزن، كما يجب استشارة مقدم الرعاية الصحية حول أنواع ومقدار النشاط البدني المناسب.
أيضًا، ينبغي الالتزام بالخطة الدوائية الموضوعة من قبل مُقدم الرعاية الصحية كما وُصِفَت؛ حتى بعد الشعور بالتحسن والوصول إلى مُستهدفات مستوى السكر في الدم وضغط الدم والكوليسترول للنطاقات الطبيعية.
يُعدَ فحص مستوى السكر في الدم كل يوم، جزءًا مهمًّا للتحكم في مرض السكري؛ لا سيما عند استخدام الإنسولين. ويمكن أن تساعد نتائج مراقبة نسبة السكر في الدم على اتخاذ قراراتٍ بشأن الطعام والنشاط البدني والأدوية.
كما ينبغي على مريضة السكري العمل مع فريق الرعاية الصحية؛ بحيث تتعلم الرعاية الذاتية لمرض السكري، والقيام بدورٍ نشط في إدارته، للحفاظ على أفضل تحكمٍ ممكن في نسبة السكر بالدم، وأيضًا تعلُّم كيفية عيش الحياة على أكمل وجه والعيش تحت ضغط أقل.
وأخيرًا، ضرورة التعامل مع مرض السكري بطريقة صحية؛ فالشعور بالتوتر أو الحزن أو الغضب أمرٌ شائع عندما تحاول المريضة التعايش مع مرض السكري، حيث يزيد التوتر من مستويات السكر في الدم. ولكن يمكنها تعلَم طرق لتقليل التوتر كالتنفس العميق، أو المشي، أو التأمل، أو ممارسة الهواية المفضلة؛ كما يمكن للمريضة المشاركة في برنامجٍ تثقيفي (كبرنامج التعلم المُنظَظ الذي أعدَه مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري) عن مرض السكري، أو مجموعة دعم تعلَمها تقنيات إدارة التوتر.
ويشير موقع وزارة الصحة السعودية، إلى أن الاكتئاب شائعٌ بين الأشخاص المصابين بمرض مُزمن أو طويل الأمد؛ ويمكن للاكتئاب أن يُعوَق جهود المريضات في إدارة مرض السكري، لذا يجب طلب المساعدة عند الشعور بالإحباط. وقد يقدم أخصائي الصحة النفسية أو مجموعة الدعم أو الأصدقاء أو أحد أفراد الأسرة، الدعم للمريضة ومساعدتها على الشعور بالتحسن. كما يحسِّن النومُ الجيد الصحة النفسية ويرفع مستوى الطاقة؛ لذا يجب على مريضة السكري الحصول على 7 إلى 8 ساعات من النوم كل ليلة.
في الختام؛ فإن مرض السكري هو من الأمراض طويلة الأمد التي تتطلب رعايةٍ طبية وغذائية محددة وصارمة، بغية تجنَب المضاعفات الخطيرة التي قد تنجم عنه مثل أمراض القلب والفشل الكلوي وغيرها. ويساعد الالتزام ببعض البرامج التوعوية والتعليمية، مثل برنامج التعليم المُنظَم المُعد من قبل مركز إمبريال كوليدج لندن للسكري، في إدارة مرض السكري بشكلٍ جيد وفعال.