خرافات شائعة حول السمك والحليب.. هل هي افتراءات غذائية أم حقائق علمية؟
هناك الكثير من الخرافات التي تخصّ أنواعًا مختلفة من الطعام مما تتناقله الأجيال من جيل إلى آخر إلا أن بعضها شائع أكثر من غيره. واحدة من أبرز وأقدم هذه الأقوال تتناول السمك والحليب ومشتقاته.
تقول الجدات إن تناول السمك ومشتقات اللبن في نفس اليوم يسبب التسمم، ويُمكن أن يؤدي إلى الحاجة للتدخل الطبي أو دخول المشفى لإجراء غسيل للمعدة. فهل هذه المقولة مدعومة بأدلة علمية حديثة أم أنها مجرد تخاريف؟
وللإجابة على هذا السؤال، ولحسمّ الجدل عن الخرافات الشائعة حول السمك والحليب، ناقشنا عبر موقع "هي" استشارية التغذية العلاجية الدكتور بسمة عبد الرحمن من القاهرة.. إليكِ التفاصيل
خرافات شائعة حول السمك والحليب
وبحسب دكتورة بسمة، لا يوجد أي تفسير علمي على وجود ضرر صحي من شرب الحليب بعد تناول السمك، أو تسببه بالتسمم أو الحساسية، ويُعتبر كل منهما مصدرًا مهمًا للعناصر الغذائية الضرورية لنظام غذائي صحي، ويُمكن تناولهما معًا ضمن وجبة متكاملة. ومع ذلك، يجب مراعاة الحساسية أو تلوث الحليب أو السمك.
الجدير بالذكر، أنهذا الاعتقاد السائد كان مُتجذرًا في العادات والتقاليد المتوارثة، وادّعى أن الجمع بين الحليب والسمك قد يُسبب التسمم أو الحساسية، لكنه لا يستند إلى أدلة قوية، والعلم يُخبرننا بأنه لا يوجد سبب يدعو للقلق من تناولهما معًا. بل على العكس، نجد العديد من المطابخ العالمية تدمج الأسماك والزبادي أو الحليب في وصفاتها الشهيرة.
بالرغم من ذلك، قد يُبلغ البعض عن الشعور بعدم الراحة في الجهاز الهضمي عند شرب الحليب بعد السمك، وهذا قد يكون سببه في الغالب مشاكل أخرى، مثل: "عدم تحمّل اللاكتوز من الحليب، أو تلوّث السمك، أو وجود حساسية سواء من الحليب أو السمك.
ماذا يقول العلم في مزج السمك والحليب؟
وتابعًا، دكتورة بسمة، علميًا هناك سبب واحد قد يدفع الإنسان لتفادي أكل السمك والحليب معًا أو بفاصل زمني قصير؛ وهو أن يكون لديه حساسية من أحد هذين الصنفين أو أحد مركباتهما أو منتجاتهما. بكلام آخر إذا لم يكن السمك غير مطبوخ جيدًا أو إذا لم تكون المرأة تعاني من حساسية تجاه ثمار البحر أو الحيوانات البحرية أو من عدم القدرة على هضم اللاكتوز الموجود في مشتقات الحليب، فلن تعاني من أي آثار جانبية إذا تناولت السمك والحليب سويًا. علمًا أن هذه الآثار الجانبية قد تتمثل بظهور طفح جلدي، أو احمرار، أو ببعض المشاكل الهضمية التي يمكن أن تتفاوت شدتها.
من ناحية أخرى، أوضحت دكتورة بسمة، أنه لم يتم إجراء دراسة علمية ممنهجة تثبت وجود أي آثار سلبية لمزيج السمك والحليب على جسم الإنسان السليم. وإذا جرى التمعن بمحتويات هذين الصنفين سنجد أنهما غنيان بالعناصر الغذائية؛ ولهذا السبب تعتمد بعض الحضارات والشعوب، مزيج السمك والحليب لتسريع عملية الشفاء من الحوادث والإصابات وبعض الأمراض.
رأي آخر معارض
من ناحية أخرى، أشارت دكتور بسمة، إلى أن طب الأيورفيدا المعروف بأنه الطب البديل الهندي، يفضل عدم مزج السمك والحليب بشكل أبسط وأكثر منطقية. ببساطة ينتمي كل من السمك والحليب إلى نمط غذائي مختلف عن الآخر؛ إذ يعتبر السمك من المأكولات البحرية التي يتناولها غير النباتيين، أما الحليب وبالرغم من أنه منتج حيواني إلا أن النباتيين يمكن أن يتناولوه. وبحسب طب الأيورفيدا، فإن المزج بين هذين النوعين غير ملائم. بالإضافة إلى ذلك فإن تأثير هذين الصنفين على جسم الإنسان مختلف تمًاما لأن الحليب له تأثير مهدئ ومبرّد أم السمك فله تأثير منشط. ولذلك يمكن أن يؤدي تناول هذين النوعين معًا إلى اختلال في التوازن قد يؤدي إلى تغيرات كيميائية في الجسم.
في الحقيقة، يدعم الكثير من اختصاصيي التغذية تفسير طب الأيورفيدا وتصنيفه للمأكولات بين مهدئ ومنشط بما في ذلك السمك والحليب ولذلك يؤيد بعضهم تفادي الخلط ما بين هذين النوعين من الطعام. ومع أن الكثير من الشعوب يخلطون ما بين السمك والحليب في مطابخهم الشعبية فيفضل تفاديهما معا خصوصا إذا كان هناك مشاكل صحية أخرى أو جهاز مناعة ضعيف نسبيًا لدى الشخص.
مدى تأثير تناول الحليب والسمك على صحة الجسم
ووفقًا للدكتور بسمة، يلعب الجهاز المناعي دورًا كبيرًا في مدى تأثير تناول السمك والحليب معًا على الجسم؛ إذ يعتبر كل من هذين الصنفين غنيا بالبروتين بشكل منفصل، إلا أن البروتين الموجود في كل منهما مختلف جدًا عن الآخر، ولذلك سيكون هناك حاجة لأنزيمات مختلفة لكل نوع من البروتين. يمكن لعدم التوازن هذا أن يؤدي لآثار كارثية على الجهاز الهضمي مما يقود إلى رد فعل كيميائي غريب في الجسم ويضعف الجهاز المناعي فيه.
عمومًا، تناول السمك مع الحليب أو مشتقاته لا يؤدي إلى التسمم الغذائي، ولكن هناك الكثير من الأسباب التي قد تدفع الشخص للابتعاد عن بعض المأكولات غير التسمم الغذائي، ومنها صعوبة الهضم والانتفاخ. بالإضافة إلى ذلك فإن هذا المزيج قد يكون له تأثيرات جانبية تؤثر على توازن الجسم وطبيعته الكيميائية والهضمية كما أنها قد تؤثر على الجهاز المناعي.
السمك والحليب وعلاقته بعسر الهضم
أضافت دكتورة بسمة، أن الحليب يُعتبر غذاءً جيدًا جدًا للجسم، وهو مصدر مهم للعديد من العناصر والمعادن التي يحتاجها الجسم للقيام بوظائفه الحيوية، وليتمتع بالصحة والسلامة، إلا أنه يعتبر وجبة دسمة أو ثقيلة على المعدة. كذلك الأمر بالنسبة للسمك الذي يعتبر أحد أهم مصادر البروتين والأوميغا 3 والفوسفور وغيرها من الفيتامينات والعناصر والمعادن ذات الفائدة الكبيرة على الجسم، إلا أنه أيضًا ثقيل على المعدة وصعب الهضم.
لذلك قد يؤدي مزج هذين الصنفين من الطعام الذين يعتبران ثقيلين على المعدة وصعبي الهضم إلى عسر الهضم والانتفاخ وحتى إلى الآلام المعدية ومشاكل الجهاز الهضمي. قد يكون تأثير هذه المشكلة مضاعفًا على الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة أو الجهاز المناعي الهش، كما أن هؤلاء الأشخاص معرضين أكثر من غيرهم من التعرض لعسر الهضم بعد تناول السمك والحليب أو مشتقاته وغير ذلك من الوجبات الدسمة أو صعبة الهضم.
الفوائد المحتملة لتناول الحليب مع السمك
أوضحت دكتورة بسمة، أن الجمع بين السمك والحليب يرفرّ العديد من الفوائد الصحية، ومنها:
دعم صحة القلب والعقل
يُؤكد بعض خبراء التغذية على فوائد دمج الحليب والسمك في النظام الغذائي لمحاربة أمراض القلب والسكري، وحتى بعض المشاكل الصحية النفسية. وفي الواقع، تُعتبر العديد من وجبات البحر الأبيض المتوسط، والتي تجمع بين منتجات الألبان والأسماك والمكسرات والحبوب، من أكثر الوجبات صحيةً على مستوى العالم.
إمداد الجسم بمجموعة غنية من العناصر الغذائية
يُعدّ كل من الحليب والسمك مصدرًا مهمًا للعناصر الغذائية الأساسية. وعند تناولهما معًا، يُسهمان في تكوين نظام غذائي متكامل وغني بالفوائد.
تعزيز صحة الجسم بالبروتينات المتكاملة
يوفر كل من السمك والحليب البروتينات الصحية، ولكن بطرق متكاملة. حيث تُكمل الأحماض الأمينية الموجودة في أحدهما الأخرى، مما يُساهم في الحصول على كمية كافية ومتوازنة من البروتين، ويُسقط فكرة وجود تفاعلات سلبية بين العناصر الغذائية في هذا المزيج.
وأخيرًا، لا يوجد دليل علمي قوي يثبت صحة الخرافات الشائعة حول السمك والحليب؛ وليس من المعروف علميًا أن تناول السمك والحليب معًا يؤدي إلى التسمم. ومع ذلك ، قد يتم تناول بعض الأطعمة الغنية بالبروتينات والكربوهيدرات في نفس الوجبة الغذائية يؤدي إلى صعوبة هضمها وقد تسبب بعض الأعراض الهضمية مثل الانتفاخ والغازات.
لذا ننصح بتجنب تناول الأطعمة الثقيلة والدهنية والغنية بالبروتينات والكربوهيدرات في نفس الوجبة الغذائية؛ وخصوصًا إذا كان لديكِ تاريخ مع الهضم السيء. ويمكن تناول الأطعمة الغنية بالبروتينات مثل: "السمك، والأطعمة الغنية بالكربوهيدرات مثل: "الحليب" في وجبات مختلفة خلال اليوم للحصول على فوائدهما الغذائية.
ولا يجب نسيان أن الأمر يعتمد بشكل كبير على طريقة تحضير وطهي السمك والحليب. فإذا تم تحضيرهما بشكل سليم وطريقة صحية، فلا يوجد سبب للقلق بشأن التسمم الغذائي. ومن الأفضل تجنب تناول السمك الذي يكون في حالة تلف أو غير طازج، والتأكد من أن الحليب الذي يتم تناوله طازج وخالي من البكتيريا.