كيف نتجنب الشعور بالوحدة؟ رحلةٌ أعمق داخل أنفسنا
الوحدة.. هذه الكلمة التي تزعج البعض وتُنغص عليهم حياتهم، فيما تبدو بردًا وسلامًا على آخرين ينعمون بمزاياها.
ليست الوحدة أو الإنفراد بالنفس، شيئًا سيئًا بالعموم؛ بل على العكس، قد يكون الإنعزال عن الناس أحيانًا، فرصةً ذهبية لاكتشاف الذات وسبر أغوار العقل والتفكَر في أحوال الدنيا. والوحدة في بعض الأوقات، هي ملاذٌ جميل حين يصبح الواقع مكتظًا بالخيبات والمشاعر المضطربة والأفكار المُشتَتة؛ وهي فرصةٌ سانحة للوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى، لمناجاته والالتجاء إليه عندما يشتد الضغط على الأرواح.
في المقابل؛ فإن الشعور بالوحدة للبعض قد يكون يحمل في كثير من الأحيان عبئًا ثقيلًا، وخاصةً بالنسبة للنساء. من السهل دومًا، اقتراح حلولٍ نموذجية مثل الانخراط بشكلٍ أكبر مع مجتمعك، أو تكوين صداقاتٍ جديدة، أو حتى بدء عملٍ تجاري جديد؛ ولكن بالنسبة للعديد من الناس فإن هذه الجهود الخارجية لن تخفف من الشعور المستمر بالوحدة. لذا، ماذا يحدث عندما لا تنجح هذه الاستراتيجيات، وتبدأين في التساؤل، "ما الخطأ فيّ؟"
تحدثنا إلى آن جاكسون؛مؤسسة ومديرة تنفيذية لشركة One Life Coaching ME / مدربة حياة رئيسية ومعالجة نفسية، لإطلاعنا أكثر على كيفية تجنب الشعور بالوحدة، من خلال أخذ رحلةٍ أعمق داخل أنفسنا. فهلا رافقتنا عزيزتي في هذه الرحلة؟
إنما بدايةً، فلنتعرف سويًا على مخاطر الوحدة على الصحة والعقل..
أضرار الوحدة على صحتنا
قد يكون الاكتئاب هو النتيجة الأولى والحتمية لوحدة المرء وابتعاده عن التواصل مع الآخرين لفترةٍ طويلة؛ لكنه ليس الضرر الوحيد الذي يتأتى عن هذه الظاهرة.
إذ أن الوحدة، وإن طالت واتخذت منحى غير صحي، قد تتسبب بالأضرار التالية كما أوردها موقع "ويب طب":
- إضعاف مناعة الجسم: صدقي أو لا! فالشعور المُطوَل بالوحدة قد يُضعف جهاز مناعتكِ ويزيد من فرص الإصابة بالأمراض. ويعود جزءٌ من ذلك لكون الوحدة تُحفَز إنتاج بعض الهرمونات التي يتم إفرازها عادةً عند الشعور بالتوتر والقلق، ما يؤدي إلى إضعاف فعالية جهاز المناعة.
- ارتفاع ضغط الدم: وفق الباحثين، فإن الشعور المستمر بالوحدة ولفترةٍ تتجاوز 4 سنوات، قد يزيد من خطر إصابتكِ بارتفاع ضغط الدم، خصوصًا مع التقدم بالسن واتباع نظام غذائي سيء.
- قلة ممارسة الرياضة: ينحى الأشخاص الذين يعانون من الوحدة والبقاء بمفردهم لوقتٍ طويل، لتجنب القيام بالرياضة أو أي نشاطٍ بدني؛ ويلجأون للخمول وقلة الحركة، وهو ما ينعكس سلبًا ليس فقط على الصحة الجسدية وإنما النفسية والعقلية أيضًا، كون الرياضة تُوفَر العديد من النتائج الإيجابية على الصحة بالعموم.
- تراجع القدرات العقلية: أحد أضرار الوحدة على الصحة، التأثير تؤثر سلبًا على قدرة العقل على التفكير وحل المشكلات. كما أن الوحدة الطويلة قد تزيد من فرص الإصابة بألزهايمر.
- التدخين: الشعور بالوحدة قد يزيد من رغبتكِ في إشعال سيجارة والبدء بالتدخين، وهو ما يُسبَب لكِ العديد من المخاطر والأضرار الجسيمة مثل الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والرئتين وعلى رأسها سرطان الرئة.
- إضعاف القلب: الجلوس الطويل والابتعاد عن الآخرين واتباع نمط حياتي وغذائي سيء، ستكون له عواقب وخيمة على صحة القلب وإضعافه؛ ما يزيد من خطر الإصابة بأمراض تؤثر على صحة قلبكِ، مثلالسُمنة وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكولسترول السيء. ومن الجدير ذكره أن لدى النساء وبشكلٍ خاص، تزيد الوحدة من فرص إصابتهنَ بمرض القلب التاجي (Coronary Heart Disease).
- زيادة الوزن: أحد الأضرار المباشرة للوحدة على الصحة، حيث تزداد فرص كسب الوزن الزائد بسبب أن الوحدة قد تجعلكِ تأكلين أكثر من المعتاد، أو قد تدفعكِللجوء إلى خياراتٍ غذائية غير صحية، كما قد تتسبب في توقفكِ عن ممارسة الرياضة.
- مشكلات النوم: تزيد الوحدة من صعوبات النوم وقدرتكِ للحصول على قسطٍ كافٍ من النوم يوميًا؛ وتنعكس مشكلات النوم ليلًا تنعكس على حياتكِ نهارًا، فتتدنى قدرتكِ على التركيز ويصبح مزاجكِ سيئًا. كما تُسرَع مشكلات النوم الإصابة بعددٍ من الأمراض مثلمرض السكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسُمنة.
فهم شعور الوحدة: البداية
تقول جاكسون: "أستطيعُ أن أخبركِ أنكِ في المرحلة التالية في حياتكِ - إنهاء تعليمكِ، الزواج، تأسيس منزل، إنجاب أطفال، بناء عملكِ الخاص - ستتوقفين عن الشعور بالوحدة، لكنني سأكون أكذب. الحقيقة هي أن الوحدة ليست شيئًا يمكن علاجه ببساطةٍ عن طريق إحاطة نفسكِ بالأشخاص أو الإنجازات. في حين أن هذه الأنشطة قد تعمل كمُشتتات، فإن الشعور بالوحدة سيستمر إذا ركزتِ فقط على العالم الخارجي، دون معالجة ما هو في الداخل. لذا، دعينا نتعمق في فهم هذا الشعور وعلاجه.
من الأهمية بمكان التمييز بين كونك "وحيدةً" والشعور "بالوحدة". يعتزَ العديد من الأشخاص بوقتهم الذي يقضونه بمفردهم، حيث يجدونه مفيدًا ومنشطًا. ومع ذلك، فإن الشعور بالوحدة لا يتعلق فقط بالعزلة الجسدية - بل هو حالةٌ عاطفية. من الممكن تمامًا أن تكوني محاطةً بالناس؛ ومع ذلك تشعرين بالوحدة الشديدة، خاصةً في علاقات تشعرين فيها بالانفصال عن الآخرين.
ما الذي يُسبَب الوحدة بالفعل؟
ترتبط الوحدة عادةً بتقديرنا لذاتنا والذي لا ينبغي الخلط بينه وبين الثقة بالنفس. وتُبنى الثقة بالنفس على مهاراتنا وكيفية تقديم أنفسنا للعالم الخارجي.
من ناحيةٍ أخرى، فإن تقدير الذات داخلي - يتعلق بكيفية رؤيتنا لأنفسنا وكيف نحب أنفسنا. هذا التمييز حيوي، لأن العديد من الأشخاص سيبدأون بإخفاء تقديرهم المنخفض لذاتهم بثقةٍ عالية بالنفس، فقط ليجدوا أنفسهم لا يزالون يشعرون بالوحدة في وقتٍ لاحق من حياتهم، على الرغم من نجاحاتهم الخارجية.
رعاية علاقتكِ بنفسك.. أول دروب التخلص من الوحدة
الخطوة الأولى لمكافحة الشعور بالوحدة هي رعاية علاقتكِ بنفسك. غالبًا ما يتم تعليم النساء على وجه الخصوص، إعطاء الأولوية لاحتياجات الآخرين على احتياجاتهنَ الخاصة، وبالتالي لا يتعلمنَ أبدًا كيفية ممارسة الرعاية الذاتية الحقيقية. إن رعاية نفسكِ ليست أنانية؛ بل ضرورية، ففي النهاية لتقديم أفضل ما لديكِ للآخرين، عليكِ أولاً أن تبذلي قُصارى جهدكِ. إن الرعاية الذاتية الحقيقية تتعلق ببناء شعورٍ بقيمة الذات يظل ثابتًا، بغض النظر عن الظروف الخارجية.
ابدأي باستكشاف الأنشطة التي تجلب لكِ السعادة عندما تكونين بمفردكِ - سواء كانت نزهة في الطبيعة، أو حمامًا للاسترخاء، أو الرسم، أو الطبخ، أو أي شيءٍ إبداعي آخر. استكشفي ما يجعلكِ تبتعدين عن الأفكار الداخلية ويجلب لكِ السعادة. ومع ذلك، تجنَبي فخ تصفح وسائل التواصل الاجتماعيدون توقف لساعات أو الإفراط في التسوق أو الطعام، لأن هذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم مشاعر الوحدة. فقط ركَزي على الأنشطة التي تساعدكِ حقًا على إعادة الاتصال بنفسكِ.
اتصالاتٌ حقيقية مع الآخرين
الخطوة الثانية لمكافحة الوحدة هي التواصل مع الآخرين، والبقاء على اتصال معهم بشكلٍ أصيل.
انفتحي على الأصدقاء أو العائلة الموثوق بهم حول مشاعر الوحدة التي تشعرين بها؛ قد يكون الأمر مخيفًا في البداية، وخاصة إذا كنتِ قد تعلمتِ على مر السنين أن كونك "غير مُحصَنة" هو ضعف. قد تُفاجأين أيضًا عندما تجدين أن الآخرين يتشاركون مشاعر مماثلة، لكنهم لا يمتلكون الشجاعة للتحدث بصراحة؛ لذا فإن إظهار ضعفكِ سيعطيهم القوة للبوح بالأمر ذاته،وتعزيز احترامكِ لذاتكِ، فضلًا عن خلق روابط أكبر مع المحيطين بكِ.
إذا لم يكن لديكِ شخصٌ تثقين به جدًا لتنفيذهذا الأمر، تنصحكِ جاكسون بالتفكير في الانضمام إلى مجموعة دعم؛ حيث ستكونينضمن بيئةٍ آمنة وداعمة لتشاركِ ما بداخلكِ. أو حاولي التطوع لقضيةٍ قريبة من قلبك؛فالعطاء لا يُعزَز احترامكِ لذاتكِ فحسب، بل يساعدكِ أيضًا على مقابلة أشخاص متشابهين في التفكير معكِ، يمكنهم بدورهم أن يصبحوا مجتمعكِ الداعم والموثوق لاحقًا.
الاحتفاظ بـ "دفتر إيجابيات"
أخيرًا، احتفظي بـ "دفترٍ إيجابي" حيث تُدوَنين فيه كل الأشياء الإيجابية - بغض النظر عن مدى كبرها أو صغرها - التي تحدث طوال يومكِ. تساعد هذه الممارسة البسيطة في تحويل تركيزكِ من السلبي إلى الإيجابي، وتُعزَز شعوركِ بقيمتكِ الذاتية. وبمرور الوقت، ومع نمو دفتركِ، سيكون لديكِ أداةٌ قوية لمكافحة الشعور بالوحدة أثناء الأيام الصعبة.
متى تطلبين المساعدة المهنية؟
في بعض الأحيان، تكون الأفكار والمشاعر التي تساهم في الشعور بالوحدة راسخةً بعمق؛ لدرجة أننا لا نستطيع حتى رؤيتها بأنفسنا، ناهيكِ عن معالجتها بمفردنا. وهنا يمكن أن يكون العلاج بالكلام ذا قيمةٍ لا تُقدر بثمن. يمكن للمعالج أن يساعدكِ في الكشف عن المشكلات الأساسية، وتطوير استراتيجيات التأقلم، وإرشادكِ نحو حياةٍ عاطفية أكثر صحة وإشباعًا.
في الختام، فإن الشعور بالوحدة هو عاطفةٌ مُعقدة تتطلب أكثر من مجرد حلول خارجية. ومن خلال رعاية علاقتكِ بنفسكِ، والسعي إلى التواصلالحقيقي، وممارسة الرعاية الذاتية، ستبنين قوتكِ الداخلية للتغلب على الشعور بالوحدة وتجربة حياة أكثر رضا ورفاه.