تطور القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية.. تُلخَصه إنجازات التخصصي باستخدام الروبوت والذكاء الاصطناعي
يشهد القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية، تقدمًا ملحوظًا وتطورًا طبيًا كبيرين على عدة مستويات، وفقًا لتأكيدات المختصين؛ الذين أشاروا إلى توالي النجاحات من حيث تزايد كليات الطب واستخدامات الذكاء الاصطناعي وتميَز المملكة في فصل التوائم، وغيرها من الإنجازات على الأصعدة الصحية كافة.
وتأتي هذه الإنجازات والتقدم ضمن رؤية السعودية 2030 التي تُولي أهميةً كبرى لتقدم وتطور القطاع الصحي في المملكة. وعليه، تسعى معظم مستشفيات ومراكز الرعاية في الدولة لمواكبة هذه النهضة، من خلال العمل الدؤوب على توفير أفضل الخدمات الطبية والصحية لمواطني الدولة والمقيمين فيها، وحتى للزوار ممن يسمعون عن تقدم الرعاية الطبية في السعودية والإنجازات الكبيرة التي يحققها الجسم الطبي فيها.
أكبر مثال على هذه الإنجازات هو مستشفى الملك فيصل التخصصي المتواجد في العاصمة السعودية الرياض؛ والذي دأب منذ سنوات على تقديم أفضل الخدمات باستخدام التكنولوجيا الحديثة كالروبوتات والذكاء الاصطناعي حتى في أدق العمليات الجراحية وأخطرها مثل جراحات القلب. وهو ما سوف نتعرف عليه في مقالتنا اليوم..
أول زراعة كاملة للقلب بالروبوت على مستوى العالم في التخصصي
ساعتين ونصف تُغيَر حياة مراهقٍ عانى من فشلٍ ذريع في عضلة القلب؛ ففي إنجازٍ تاريخي غير مسبوق عالميًا، نجح مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة بالروبوت في العالم، لمريضٍ لم يتجاوز السادسة عشر من العمر، عانى من فشل القلب من الدرجة الرابعة، متجاوزًا بذلك كافة التحديات الطبية والتعقيدات التي تصحب هذا النوع من العمليات. وذلك في سابقةٍ تاريخية تُعزَز مكانة المملكة العربية السعودية كرائدة في مجال الرعاية الصحية، وتُبرز قدرة التخصصي على ابتكار ممارساتٍ طبية تُعزَز نتائج العلاج وتجربة المريض.
استغرقت العملية ساعتين ونصف، وقد نفذها فريقٌ طبي استثنائي بقيادة استشاري جراحة القلب، ورئيس برنامج زراعة القلب، الجرَاح السعودي الدكتور فراس خليل؛ عقب تحضيراتٍ استمرت لأسابيع، ابتدأت بالتخطيط النظري المُفصَل لضمان الدقة، وتقليل المخاطر المحتملة، وابتكار منهجيةٍ جراحية للوصول إلى القلب، وإتمام عملية الاستئصال وزراعة القلب للمريض بدون شق القفص الصدري. تلى ذلك تطبيقها افتراضيًا لسبع مراتٍ متتالية خلال ثلاثة أيام، للتثبت من نجاعة المنهجية المُبتكرة.
وقبل الحصول على موافقة اللجنة الطبية بالمستشفى، وموافقة ذوي المريض؛ شرع الدكتور فراس خليل بتشكيل فريقٍ طبي لإنجاز المهمة التاريخية، متخذًا من الانسجام والتناغم بين أفراد الفريق أولوية. وقبل الدخول إلى غرف العمليات، قدم قائد الفريق شرحًا تفصيليًالخطة العملية، موضحاً أدوار كل فرد ٍبدقة، بما يضمن سلامة المريض ونجاح العملية.
ويُمثَل هذا الإنجاز تحولًا نوعيًا في الممارسات الجراحية لزراعة القلب؛ من شق القفص الصدري الذي يفرض على المريض فترة تعافٍ طويلة تمتد لأسابيع وربما أشهر، تُقيّده عن ممارسة أبسط أنشطته اليومية، إلى استخدام تقنيات الروبوت التي تتيح إجراء العملية بأقل تدخلٍ جراحي ممكن، مما يُقلَل من الألم، ويختصر مدة التعافي، ويحد من احتمالات الإصابة بالمضاعفات، محققًا بذلك قفزة نوعية في تحسين جودة حياة المرضى وتسريع استعادة صحتهم.
ويأتي الإنجاز، في إطار التزام "التخصصي" الدائم بالابتكار في الممارسات الطبية، وتسخير كافة الإمكانات، لتحسين نتائج العلاج، وتجربة المريض، وكفاءة التشغيل؛ ليكون الخيار الأمثل لكل مريض في مجال تقديم الرعاية الصحية التخصصية، ولإتاحة خدماته لشريحةٍ أوسع من المستفيدين. وانطلاقاً من دوره كمركزٍ تدريبي متخصص في جراحة زراعة الأعضاء الروبوتية، يُسهم المستشفى في تعزيز الفهم العالمي لإجراءات زراعة الأعضاء طفيفة التوغل، من خلال التعاون مع المؤسسات الطبية حول العالم، لتأهيل كوادرهم الطبية بغية تحقيق نتائج أفضل ضمن مساعيه للارتقاء بالممارسات الطبية عالميًا.
التخصصي يحقق كفاءةً تشغيلية غير مسبوقة بفضل الذكاء الاصطناعي
يشهد قطاع الرعاية الصحية تحولًا جذريًا بفضل التطور المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي قلب هذا التحول، يبرز دور مركز الذكاء الصحي في مستشفى الملك فيصل التخصصي، الذي يعمل منذ عام 2019 على تطوير تطبيقاتٍ مُبتكرة للذكاء الاصطناعي.
فقد حقق المركز إنجازاتٍ بارزة في مجال التشخيص والعلاج، حيث تمَ تطوير أكثر من 20 تطبيقًا للذكاء الاصطناعي. من أبرز هذه التطبيقات، استخدام تقنيات التعلَم العميق لتحليل الصور الطبية بدقةٍ عالية، مما ساهم في تشخيص الأمراض بدقةٍ أكبر وسرعةٍ فائقة. كما ساهم الذكاء الاصطناعي في تخصيص العلاج لكل مريض بناءً على تحليل بياناته الصحية الشاملة، ما أدى إلى تحسين نتائج العلاج.
وقام المركز مؤخرًا بكشف النقاب عن أحدث ابتكاراته في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي المتقدمة، والتي طُورت بالكامل في السعودية. ومن المتوقع أن تساهم هذه الابتكارات في تعزيز مكانة "التخصصي" كمركزٍ رائد في مجال الرعاية الصحية الذكية على مستوى العالم.
وخلال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي (GAIN) التي عُقدت في الرياض بين 10-12 سبتمبر الحالي، استعرض التخصصي أحدث ابتكاراته في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي المتقدمة، والتي طُورت كليًا بسواعد سعودية، ضمن خطواته للتحول نحو مستشفى أكثر ذكاءً؛ حيث يُتوقع دمجها بالكامل في عمليات المستشفى، بعد إتمام مرحلة التحقق التي تتضمن اختباراتٍ صارمة لضمان الدقة والموثوقية والسلامة، ما سيُعزَز من مكانة "التخصصي" كمستشفى رائد في المجال الطبي على الصعيدين المحلي والعالمي.
تقنية الذكاء الاصطناعي لتحسين الرعاية الصحية في التخصصي
تُسهم التقنية التي طوَرها مركز الذكاء الصحي في تحسين الكفاءة التشغيلية للمستشفى؛ حيث يُتوقع أن تختصر الوقت اللازم لتلخيص وتحليل المنشورات العلمية وسياسات المستشفى، كما تُمكّن الموظفين من مراقبة مسارات المرضى بفعالية واستخراج رؤى تستند إلى البيانات لتعزيز تجربة المرضى. وقد أدى اعتماد هذه التطبيقات إلى تنفيذ أكثر من 170 ألف إجراءٍ تدخلي، أسفر عن انخفاضٍ في وقت انتظار توفَر السرير من 32 ساعة إلى 6 ساعات. كما تقلصت أوقات الانتظار في قسم الطوارئ بنسبة 14%، كذلك أصبح 90% من المستفيدين من خدمات الصيدلية والمختبر يتلقون الخدمة خلال أقل من 15 دقيقة.
ونظير الجهود التي يبذلها التخصصي لتسريع توظيف الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي، حصل على العديد من الجوائز المرموقة؛ منها جائزة الريادة في الذكاء الاصطناعي لعام 2022 من المعرض والمؤتمر الدولي للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وكذلك جائزة تميَز الأعمال العالمية لعام 2024 (IBXA)، عن فئة "أفضل استخدام لرؤى وملاحظات العملاء"، وذلك لابتكاره نظام "أنفال" القائم على تقنية الذكاء الاصطناعي، للتنبؤ برضى المرضى، وتحليل تجاربهم.
يُذكر أن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، يُعدَ الأبرز عالميًا في تقديم الرعاية الصحية التخصصية، وقد صُنَف مؤخرًا في المركز الـ20 في قائمة أفضل مؤسسات الرعاية الصحية في العالم لعام 2023، والأول على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، وذلك بحسب تصنيف براند فاينانس "Brand Finance".
خلاصة القول؛ أن مستشفى التخصصي أخذ على عاتقه مواكبة التطورات التقنية الحديثة، وإدخالها ضمن ممارساته الطبية حتى في أدق الجراحات كجراحة القلب، بغية توفير أفضل الخدمات الصحية التي ترقى للعالمية. كما يواكب تحوَل الكثيرين إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، ليكون جزءًا لا يتجزأ من رؤية السعودية 2030 التي تطمح لتحسين حياة السعوديين ورفاههم.