نمط الحياة الصحي يُحسَن من كليهما: ضغط الدم المرتفع يؤثر سلبًا على صحة الكلى
قد لا تكون الإصابة بمشكلةٍ صحية أو مرضٍ ما مدعاة خوفٍ وقلقٍ شديدين عند البعض، كون العلاجات المناسبة والتي يصفها الأطباء المختصون، تنجح في أوقات كثيرة في التخلص من هذه المشكلة وعلاج ذلك المرض أو الإبطاء من تفاقمه وتخفيف أعراضه قدر الإمكان.
لكن وللأسف، فإن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين العديد من الأمراض في أعضاء معينة في الجسم، وتأثيراتها على أعضاء أخرى، وهو ما يُقلق الحقيقة. على سبيل المثال لا الحصر، فارتفاع ضغط الدم قد يؤثر بطريقةٍ سلبية على صحة القلب وما يُصاحب ذلك من تداعيات خطيرة تبدأ من الإصابة بأمراض القلب ولا تنتهي عند خطر الوفاة؛ ليس ذلك فحسب، بل إن لضغط الدم المرتفع وغير المنضبط لفترةٍ طويلة، تأثيراتٌ سلبية على صحة الكليتين.
هذا ما أكده الدكتور إيفان بورتر الثاني، دكتور في الطب، وأخصائي أمراض الكلى في مايو كلينك في جاكسونفيل، فلوريدا؛ مشيرًا إلى أن ارتفاع ضغط الدم يمكن أن يؤدي إلى أمراض القلب والسكتة الدماغية وغيرها من المشاكل الصحية الخطيرة، بما في ذلك أمراض الكلى المزمنة.
قبل الخوض في هذه العلاقة وتداعياتها على الصحة، ما رأيكِ لو نستعرض سويًا لأسباب وأعراض ارتفاع ضغط الدم، كما جاءت على موقع "مايو كلينك" الطبي؟
ارتفاع ضغط الدم: أسباب وعوامل
ضغط الدم هو قوة دفع الدم على جدران الأوعية الدموية، التي ينتقل خلالها لإمداد كافة أنسجة الجسم وأعضائه بالغذاء والأكسجين والماء والإنزيمات، فيما يُعرف بالدورة الدموية.
تبدأ الدورة الدموية مع انقباض عضلة القلب ليدفع بقوةٍ كل محتوياته من الدم، فتنتقل بدورها من القلب إلى الشريان الأبهر أضخم شرايين جسم الإنسان ومنه إلى بقية الشرايين، ثم ينبسط القلب ليسمح بامتلائه بكميةٍ جديدة من الدم المعبأ بالأكسجين لينقبض من جديد دافعًا بشحنة جديدة إلى الشريان الأبهر مرة أخرى، وهكذا دواليك. وتبين الإحصاءات الطبية الأهمية الكبرى للحفاظ على ضغط الدم، بحيث يكون في المتوسط 115/75 مليمتر زئبق، وأن زيادته عن هذا الحد تؤدي إلى إجهاد القلب والكلى؛ كما قد يؤدي ارتفاعه إلى سكتةٍ دماغية أو العقم المبكر عند الرجال.
بشكلٍ عام، فإن ارتفاع ضغط الدم هو قراءة ضغط الدم التي تبلغ 130/80 أو أعلى. وارتفاع ضغط الدم هو حالةٌ شائعة تؤثر على شرايين الجسم، ويُطلَق عليها أيضًا فرط ضغط الدم. في حال الإصابة بارتفاع ضغط الدم، تكون قوة دفع الدم باتجاه جدران الشرايين عاليةً للغاية باستمرار، ما يجعل القلب يعمل بجهدٍ أكبر لضخ الدم، وهو ما يُفسر تعرَض القلب للمشاكل والأمراض نتيجة هذا الجهد الفائق المبذول لفترةٍ طويلة.
ويؤكد الدكتور بورتر أن ضغط الدم المرتفع قديؤثر على شرايين الجسم أيضًا؛ ما يعني بطبيعة الحال تزايد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وصولًا إلى الكلى.
لارتفاع ضغط الدم نوعين رئيسيين؛ الأول ويُعرف بإسم ضغط الدم الأولي، لا يوجد سبب محدد للإصابة به بالنسبة لمعظم البالغين؛ وعادةً ما تظهر هذه الحالة المَرضية تدريجيًا على مدى عدة سنوات. كما يؤدي تراكم اللويحات في الشرايين، المعروف أكثر بتصلب الشرايين، إلى زيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم.
النوع الثاني هو ارتفاع ضغط الدم الثانوي، وينتج عادةً عن حالةٍ مرَضية كامنة. غالبًا ما يظهر هذا النوع فجأة ويُسبب ارتفاع ضغط الدم بمعدل أعلى من فرط ضغط الدم الأساسي. ويمكنللأمراض والأدوية التالية أن تؤدي إلى فرط ضغط الدم الثانوي:
- أورام الغدة الكظرية.
- وجود مشكلات في أوعية القلب منذ الولادة، التي تسمى أيضًا عيوب القلب الخلقية.
- أدوية السعال والبرد، وبعض المسكّنات، وحبوب تنظيم النسل، وغيرها من الأدوية التي تُصرف بوصفة طبية.
- العقاقير غير المشروعة.
- أمراض الكلى.
- انقطاع النفس الانسدادي النومي.
- مشكلات الغدة الدرقية.
وفي بعض الأحيان إنما النادرة حقيقةً، قد يؤدي مجرد إجراء فحصٍ طبي إلى زيادة ضغط الدم؛وتُعرَف هذه الحالة باسم ارتفاع ضغط الدم جراء متلازمة المعطف الأبيض (الخوف من الطبيب والممرضين).
ارتفاع ضغط الدم: هذه أبرز أعراضه
يشير موقع "مايو كلينك" إلى أن أعراض ضغط الدم المرتفع لا تظهر على أغلب المصابين، على الرغم من وصوله لمستوياتٍ عالية الخطورة في بعض الأحيان. وربما يكون ضغط دمكِ مرتفعًا منذ سنوات دون أن تظهر عليكِ أية أعراض.
لكن القليل من مرضى ارتفاع ضغط الدم قد يعانون من الصداع؛ ضيق النفس؛ ونزيف الأنف، وإن كانت هذه الأعراض لا تُدلَل مباشرةً على الإصابة بارتفاع ضغط الدم، ولا تحدث عادةً إلا عندما يصل ارتفاع ضغط الدم إلى مرحلةٍ خطيرة أو مُهدِّدة لحياة المريض.
ارتفاع ضغط الدم يؤذي الكليتين
يقول الدكتور بورتر: "يمكن أن يؤدي ضغط الدم المرتفع أيضًا إلى الإصابة بمرض الكلى المزمن"، مشيرًا إلى أن ارتفاع ضغط الدم يمكن أن يتسبب في إضعاف الأوعية الدموية في الكلى وإتلافها.
ويضيف أخصائي أمراض الكلى في مايو كلينك: "مع تطوَر مرض الكلى المُزمن، يُصاب العديد من الأشخاص بارتفاع ضغط الدم، ويبدو أن الأمرين متلازمين. وعلى العكس من ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم يصابون بأمراض الكلى المُزمنة أيضًا."
وعليه ينصح بوجوب السيطرة على ارتفاع ضغط الدم، كونه"أحد أهم الأمور التي يمكننا القيام بها عندما يعاني أحد الأشخاص من مرض الكلى المُزمن."
كيف يمكننا السيطرة على ضغط الدم المرتفع؟
غالبًا ما تتضمن السيطرة، إحداث بعضالتغييرات في نمط الحياة. ويقول الدكتور بورتر في هذا الصدد: "ما يتعلق بارتفاع ضغط الدم هو أنه يستجيب للعديد من الأمور التي نقوم بها في نمط حياتنا: ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتجنَب الأطعمة المُصنَعة، وتقليل تناول الصوديوم، والإكثار من تناول الفواكه والخضروات في نظامنا الغذائي المعتاد."
ويضيف: "في بعض الأحيان قد لا تكون هذه التغييرات في نمط الحياة كافية، وهؤلاء هم المرضى الذين يحتاجون أدويةً للمساعدة في السيطرة على ضغط الدم. ولكن يمكننا إحداث تأثيرٍ كبير من خلال القرارات التي نتخذها في نمط حياتنا للسيطرة على ضغط الدم."
خلاصة القول؛ أن ارتفاع ضغط الدم وتداعياته على صحة الكلى، أو العلاقة العكسية بين أمراض الكلى وفرط ضغط الدم، هي أمورٌ بالإمكان تفاديها في حال عدم وجود أسباب صحية للإصابة بها. وذلك من خلال تعديل وتحسين نمط حياتنا اليوم، بحيث لا نتناول إلا الطعام الصحي، نحرص على ممارسة الرياضة والنشاط البدني باستمرار، نشدد على تناول الخضروات والفواكه وتجنب الأطعمة المصنعة، نحصل على قدرٍ كافٍ من ساعات النوم كل ليلة، ونتجنب التوتر والضغط النفسي قدر المستطاع.