أمراض التكنولوجيا عديدة وخطيرة.. وإليكِ تأثيراتها على صحة العيون
قبل نحو 40 سنة تقريبًا، وصف الدكتور مصطفى محمود حالنا في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه الآن. والدكتور محمود، صاحب البرنامج العلمي الشهير "العلم والإيمان" سبق عصره بتنبؤات "الموبايل وعصر الفيروسات"؛ وله مقولةٌ شهيرة في إحدى الصحف المصرية تحدث فيها عن "تعلَق" الناس بالموبايل أو المحمول أو الهاتف الجوال، كما يُطلق عليه ضمن تسمياتٍ عدة في مختلف الدول.
المقولة كما نُشرت في صحيفة الأهرام المصرية تقول: "في عام 2000 سيُصبح التلفون أسهل وسيلة اتصال؛ لأنه سيكون في حجم علبة السجائر ولا يفارق صاحبه رجلًا كان أم امرأة أو حتى طفلًا. سيصبح لكل فردٍ في الأسرة تليفونٌ خاص به ورقمٌ خاص به، حتى لا ينتظر أحدًا أن يفرغ غيره من الحديث في التليفون. وسيصبح مظهرًا مألوفًا أن يجلس أكثر من شخص في غرفةٍ واحدة ويتحدث كل منهم في تليفونه الخاص، هذا التليفون سيكون متنقلاً بحيث يمكن نقله للسيارة والشارع وفي أي مكان تذهب إليه."
فهل تنبأ محمود بهذا الأمر، وهو العليم بالكثير من أمور الحياة والعلم والدين؟ أكثر ما يلفت انتباهنا إلى هذا "التنبؤ" إن صحت تسميته، هو الوصف الدقيق ل "تعلَق" الناس بالهواتف المحمولة في أي مكانٍ وزمان؛ وهو ما ينطبق على حالنا المزرية للأسف هذه الأيام. فالطفل الرضيع نجده متسمرًا أمام شاشة الجوال، حاله كحال أمه وأبيه والجميع من حوله.
في العصر الرقمي الذي نعيش فيه اليوم، أصبحت التكنولوجيا جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، حقيقةٌ لا يمكن إنكارها. ومن العمل إلى الترفيه، نعتمد بشكلٍ متزايد على الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، والتلفاز، وحتى الأجهزة اللوحية. ورغم أن هذه الأدوات تُسهم في تحسين نوعية حياتنا وتسهيل الكثير من الأمور في مواقف عدة، إلا أن الاستخدام المفرط لها قد يؤدي إلى مشكلاتٍ صحية خطيرة، خاصة فيما يتعلق بصحة العيون.
ما هي أمراض التكنولوجيا الحديثة؟
نقل موقع "اليوم السابع" عن الدكتور ديفيد كانينجتون، خبير النوم الأسترالي التحليل التالي الذي يشرح لتعلق الناس غير المسؤول بالأجهزة الإلكترونية:
"إذا كنتَ تقضي المزيد من الوقت فى الحديث عبر الرسائل النصية، فإنكَ قد تكون عرضةً لأن تستيقظ فى عز نومكَ لتتفحص الموبايل الخاص بك"؛ ويضيف أن الناس الذين تكون حياتهم مشغولةً فى كثير من الأحيان، يصبحون غير قادرين على إيقافها حتى فى الليل، وينتهى الأمر بالتقاط هاتفهم أثناء نومهم، وإرسال رسائل نصية مشوشة للزملاء والأصدقاء والأقارب.
ونصح الدكتور "كونينجتون" هؤلاء الأفراد بضرورة خفض مستويات التوتر والتأكد من حصولهم على ليلة نوم جيدة .
ليس هذا المرض الوحيد الذى تُسبَبه التكنولوجيا الحديثة، فهناك 10 أمراض أخرى تشمل التالي:
- الإشعاع الكهرومغناطيسي: الناجم عن التعرض لأجهزة الواي فاي وإشارات الهاتف المحمول وغيرها من وسائل الاتصالات اللاسلكية. وبالنسبة لبعض الناس، فإن التعرض للمجالات الكهرومغناطيسية يُسبَب ظهور أعراض الصداع الحاد وحروق الجلد ووخز العضلات والألم المزمن.
- اكتئاب الفيس بوك: الذي تحوَل إلى نوعٍ من الإدمان والذي يؤثر على صحة الأفراد بصورةٍ سلبية.
- الإجهاد المتكرر: جراء قضاء ساعات طويلة جدا أمام الكمبيوتر والاستخدام المتكرر للأصابع والمعصمين والذراعين والكتفين، الذي يمكن أن يؤدي إلى ضررٍ دائم للجسم ويصبح مع مرور الوقت غير قابلٍ للإصلاح.
- صداع الموبايل: أظهرت الدراسات وجود علاقةٍ قوية بين الصداع واستخدام الجوال.
- إدمان الإنترنت: بسبب تزايد أعداد المقبلين على ألعاب الكمبيوتر والبريد الإلكتروني والرسائل النصية وغيرها.
- فقدان السمع: مشكلةٌ أخرى ناجمة عن استخدام سماعات الأذن باستمرار، لسماع الموسيقى أو عند مشاهدة الفيديوهات والمقاطع المصورة على الأجهزة الإلكترونية.
- إصابات لعب جهاز “Wii”: وهو جهاز مباريات يتسبب اللعب عليه لوقتٍ طويل ودون راحة، بمشاكل في العضلات.
- أمراض الأجهزة والتليفزيونات الـ 3D: اكتشفت الجمعية الأمريكية لفحص البصريات مشاكل تتعلق بالتليفزيونات والألعاب ثلاثية الأبعاد، إذ أكد ربع المستخدمين أنهم عانوا من ألم بالعين، وعدم وضوح الرؤية، والدوخة، والصداع أو الغثيان بعد عرض محتوى 3D.
- الأنانية: أظهرت دراساتٌ عدة الطلاب الذين يستخدمون التكنولوجيا الحديثة، أصبحوا أنانيين، بالمقارنة مع الأجيال السابقة، نتيجة للتكنولوجيا الحديثة؛ كما باتوا أكثر عرضةً للسلوك النرجسي وقلة التعاطف مع الآخرين.
- متلازمة إبهام الهاتف الذكي: وهي حالةٌ يحصل فيها قطعٌ لأوتار الأصبع والتهاب عظام الإبهام جراء الاستخدام المفرط للهواتف الحديثة.
لا ننسى بالطبع مشكلة إجهاد العيون الرقمي، التي ظهرت كواحدةٍ من أكثر الأمراض شيوعًا نتيجة الاستخدام المستمر للتكنولوجيا؛ والتي يُحدَثنا عنها في مقالة اليوم إضافةً لمشاكل أخرى ذات صلة، الدكتور محسن سمعان، استشاري طب وجراحة العيون، المدير الطبي لمستشفى باراكير للعيون.
ما هو إجهاد العيون الرقمي؟
هي حالةٌ تُصيب العين نتيجة التركيز المستمر على الشاشات لفتراتٍ طويلة، دون أخذ وقت راحةٍ كافي. ويعاني الأشخاص الذين يقضون أكثر من ساعتين يوميًا أمام الشاشات الإلكترونية غالبًا من أعراضٍ مثل:
- الجفاف والاحمرار.
- تشوش الرؤية.
- الصداع.
- الشعور بالحرقان أو الحكة في العين.
تنتج هذه الأعراض عن الضغط الذي تتعرض له العين نتيجة التركيز على الشاشات، خاصةً عندما تكون النصوص صغيرةً والإضاءة غير مريحة.
ما هو جفاف العين جراء استخدام وسائل التكنولوجيا؟
يُعتبر جفاف العين أحد الأعراض الشائعة المرتبطة بالاستخدام المُفرط للتكنولوجيا. إذ أنه وعندما ننظر إلى الشاشة لفتراتٍ طويلة، يقل معدل الرمش الطبيعي لدينا؛ ما يؤدي إلى جفاف العين جراء تقليل إنتاج الدموع. ويُعتقد أن الأشخاص الذين يستخدمون الهواتف الذكية أو الكمبيوتر لساعاتٍ طويلة، قد يرمشون نصف عدد المرات الذي يرمش فيه الأشخاص العاديون، مما يؤدي إلى عدم توزيع الدموع بشكل كافٍ على سطح العين.
ما هو الوهج الأزرق وتأثيره على العين؟
تنتج الشاشات الإلكترونية، وخاصةً الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، ما يُعرف بالضوء الأزرق؛ وهو ضوءٌ ذو طاقة عالية يمكن أن يتسبب في ضررٍ للعين على المدى الطويل. إذ يمكن أن يؤدي التعرض المستمر للضوء الأزرق إلى التنكس البقعي المرتبط بالعمر، وهي حالةٌ تؤثر على شبكية العين وتُسبَب فقدان الرؤية المركزية.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن الضوء الأزرق قد يؤثر على دورة النوم الطبيعية للجسم، من خلال تثبيط إفراز الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم. وبالتالي، فإن الأشخاص الذين يتعرضون للضوء الأزرق لفتراتٍ طويلة قبل النوم، قد يعانون من صعوبةٍ في النوم أو الأرق.
ما هو تشوش الرؤية وقصر النظر الناجمين عن استخدام التكنولوجيا؟
إن الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية، خصوصًا بين الأطفال والشباب، قد يُسهم في زيادة معدلات الإصابة بقصر النظر. إذ عندما يُركَز الشخص لوقتٍ طويل على الأشياء القريبة مثل شاشة الهاتف أو الكمبيوتر، فإن العين تتكيَف مع تلك المسافات، ما يُقلَل من قدرتها على التركيز على الأشياء البعيدة. وقد أظهرت دراساتٌ حديثة، زيادة في نسب قصر النظر بين الشباب نتيجة الاستخدام المستمر للتكنولوجيا.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني البعض من تشوش الرؤية بعد قضاء فتراتٍ طويلة أمام الشاشات؛ حيث تجد العين صعوبةً في التكيَف من التركيز على الشاشة القريبة إلى التركيز على الأشياء البعيدة، ما يؤدي إلى تشوشٍ مؤقت في الرؤية.
ما هي طرق الوقاية والعلاج من أمراض العيون الناجمة عن التكنولوجيا؟
يؤكد الدكتور سمعان أنه وعلى الرغم من التحديات الصحية التي يفرضها الاستخدام المفرط للتكنولوجيا على العيون، إلا أن هناك بعض الخطوات الوقائية التي يمكنكِ اتخاذها للحفاظ على صحة العين. وتتضمن هذه الخطوات ما يلي:
- اتباع قاعدة 20-20-20: تنصح هذه القاعدة بأخذ استراحةٍ لمدة 20 ثانية كل 20 دقيقة من العمل على الشاشة، والنظر إلى شيءٍ يبعد 20 قدمًا. هذا يساعد العين على الاسترخاء والتخفيف من الضغط الناتج عن التركيز المستمر.
- ضبط سطوع الشاشة: يجب التأكد من أن سطوع الشاشة مناسب للإضاءة المحيطة، بحيث لا تكون الشاشة أكثر سطوعًا من البيئة المحيطة. تزيد الإضاءة العالية من إرهاق العين، في حين أن الإضاءة المنخفضة قد تؤدي إلى إجهاد العين نتيجة الجهد المبذول في محاولة التركيز.
- الحد من التعرض للضوء الأزرق: على الرغم من أن بعض النظارات المُزودة بفلتر الضوء الأزرق تُروج على أنها وسيلة فعالة لحماية العينين، إلا أن الدراسات لم تثبت بشكلٍ قاطع فائدتها الكبيرة، في تقليل إجهاد العين الرقمي أو تحسين النوم. وبدلًا من الاعتماد على الفلاتر، يُنصح بتقليل استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعة أو ساعتين للمساعدة في تنظيم النوم، أو تفعيل الوضع الليلي في الأجهزة لتقليل انبعاثات الضوء الأزرق.
- الرمش بانتظام: من الضروري أن يتذكر المستخدمون ضرورة الرمش بانتظام أثناء استخدام الشاشات. ويمكن استخدام قطرات العين المُرطبة في حال الشعور بالجفاف المستمر.
- الفحوصات الدورية للعين: يُنصح بإجراء فحوصاتٍ دورية للعين، خاصةً للأشخاص الذين يقضون فتراتٍ طويلة أمام الشاشات. وتساعد هذه الفحوصات في اكتشاف أي مشاكل في الرؤية في مراحلها المبكرة قبل أن تتفاقم.
خلاصة القول؛ في عصر التكنولوجيا الرقمية، أصبح من الضروري أن نكون على درايةٍ بالتحديات الصحية التي تُصاحب الاستخدام المستمر للأجهزة الإلكترونية، خاصةً فيما يتعلق بصحة العيون. إن اتبَاع عاداتٍ صحية بسيطة مثل الراحة المنتظمة، وضبط سطوع الشاشة، وحماية العين من الضوء الأزرق يمكن أن يُسهم بشكلٍ كبير في الحفاظ على صحة العيون. التكنولوجيا أداةٌ قوية تُسهَل حياتنا، لكن يجب أن نستخدمها بحذر للحفاظ على صحتنا ورفاهيتنا.