إحمي نفسكِ من السكتة الدماغية وتداعياتها الخطيرة.. باتباع نمطٍ حياتي وغذائي صحي
ثواني قليلة يمكن أن تتحول فيها حياة المرء منا بشكلٍ دراماتيكي: تصوري أحدًا يجلس في مكتبه، يتحدث بهدوء ورصانة حول مشروعه الناجح؛ فجأةً يبدأ بالشعور بالخدر في أطرافه، وعدم القدرة على الرؤية جيدًا أو التحدث بطلاقة. هذه الثواني القليلة هي التي يشهد فيها ذلك الشخص إصابته بالسكتة الدماغية.
في حال لم يتم التعامل بسرعة وفعالية مع السكتة الدماغية، فإن ذلك الشخص ذاته الذي يتمتع بصحةٍ جيدة وقدرةٍ فائقة على إتمام الأمور، قد يُصاب بشللٍ وعدة قدرةٍ على الحركة مع صعوبات في الكلام وفقدان الذاكرة وسواها من مضاعفات السكتة الدماغية.
بدأنا الحديث عن هذه المشكلة الصحية بالتعرض لأعراضها، لتبيان أهمية السرعة في إسعاف المصاب بالسكتة الدماغية بغية تجنب هذه المضاعفات وغيرها من الأعراض التي قد تُلازمه فيما بعد. كما من الضروري التطرق إلى مشكلة السكتة الدماغية بعامل المفاجأة والمباغتة، نظرًا لكثرة عديد المصابين بها حول العالم؛ إذ ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُصاب حوالي 15 مليون شخص بالسكتة الدماغية سنويًا على مستوى العالم. ومن بين هؤلاء، يتوفى قرابة 5 ملايين شخص، فيما يُصاب 5 ملايين آخرون بإعاقاتٍ دائمة. والخبر المؤسف والمخيف اليوم، هو تزايد أعداد المصابين بهذا المرض بين الشباب.
كيف ولماذا يُصاب البعض بالسكتة الدماغية؟ ما أسبابها وعوامل الخطر التي تقف وراء زيادة الإصابة بها، وكيف بالإمكان الوقاية منها؟ أسئلة عدة يجيبنا عليها الدكتور ساسي كومار كليفالابيل، أخصائي أمراض الأعصاب في المستشفى الكندي التخصصي بدبي؛ إنما البداية، دعينا نتعرف سويًا على التعريف الطبي والدقيق للسكتة الدماغية.
ما هي السكتة الدماغية؟
بحسب موقع "ويب طب"؛ فإن السكتة الدماغية تحدث عندما يتوقف، أو يتعرقل تدفق الدم إلى أحد أجزاء الدماغ، ما يحرم أنسجة الدماغ من الأكسجين الضروري جدًا ومواد التغذية الحيوية الأخرى. ومن جراء ذلك تتعرض خلايا المخ للموت خلال دقائق قليلة. تُعدَ السكتة الدماغية حالة طوارئ طبية، والعلاج الفوري لها أمر بالغ الحيوّية والأهمية؛ إذ يُمكن من خلاله تقليل الأضرار للدماغ ومنع المضاعفات المحتملة بعد السكتة.
ما هي أنواع السكتة الدماغية؟
بدايةً لا بد من معرفة وجود نوعين رئيسيين للسكتة الدماغية، يُفصَلهما موقع "ويب طب" على الشكل التالي:
-
السكتة الدماغية الإقفاريّة (Ischemic stroke)
يُشكل هذا النوع حوالي 80% من السكتات الدماغية؛ وتحدثجراء تضيَق شرايين الدماغ أو انسدادها، ما يُسبَب انخفاضًا كبيرًا في كمية الدم المزوّدة إلى الدماغ. وهذا بدوره يمنع تزويد الدماغ بالأكسجين ومواد الغذائية المختلفة، مما يُؤدي إلى موت خلايا الدماغ خلال دقائق معدودة.
للسكتة الدماغية الإقفارية عدة أنواع، أكثرها شيوعًا ما يلي:
- السكتة الدماغية الخـُثارِيّة (Thrombotic stroke): ويحدث هذا النوع من السكتة الدماغية عندما تتكوّن خَثْرَة (Thrombus) في أحد الشرايين المسؤولة عن توريد الدم إلى الدماغ؛ ويحصل تخثر الدم عادةً في المناطق التي كانت قد تضررت من جراء مرض تصلّب الشرايين، وهو مرضٌ تنسدَ فيه الشرايين بسبب تراكم الترسبات الدهنية. هذه العملية تحدث في أحد شريانيّ الرأس الموجودين في مؤخر العنق والمسؤوليْن عن توريد الدم إلى الدماغ، مثل الشرايين الاخرى في منطقة الرقبة والدماغ.
- السكتة الدماغية الصِمِّيَّة (Stroke embolic): يحدث هذا النوع من السكتة جراء تكوّن خَثرة أو جُسَيم آخر في داخل أحد الأوعية الدموية البعيدة عن الدماغ في منطقة القلب، فيجرفها تيار الدم معه حتى تستقر في وعاءٍ دموي ضيق في منطقة الدماغ. يُسمى هذا النوع من الخَثرة صِمَّة (Embolus)، وتنشأ هذه الحالة نتيجة اضطرابات نُظُم القلب في واحدة من حجرتي القلب العليا مثل الرّجفان الأذيْنيّ (Atrial fibrillation)، ويؤدي إلى خلل في تزويد الدم وإلى تكوّن خثرات.
- السكتة الدماغية النزفيّة (Hemorrhagic stroke): تحدث هذه السكتة عندما يبدأ أحد الأوعية الدموية في الدماغ بالنّزْف أو بالتمزق، وقد يحصل هذا النّزف نتيجة بعض الحالات الطبية التي تؤثر على الأوعية الدموية، مثل ارتفاع ضغط الدم غير المُعالج وأُمّهات الدم (Aneurysm).هناك سببٌ آخر أقل شيوعًا للنّزف يُعرفبتمزق الأوعية الدموية، وهو تشوَه شرياني وريدي (AMV - Arteriovenous malformation) يتمثل في كون بعض الأوعية الدموية رقيقة الجدران مما يؤدي إلى تمزقها بسهولة.
تنقسم السكتة الدماغية النزفية إلى نوعين هما:
- نزيف داخل الدماغ: وفي هذا النوع، ينفجر أحد الأوعية الدموية داخل الدماغ، ما يؤدي إلى تدفق الدم لأنسجة الدماغ من حوله والتسبببضررٍ لخلايا الدماغ. كذلك لا تحصل خلايا الدماغ الموجودة وراء التسرّب على إمداداتٍ منتظمة من الدم، فيُصيبها الضرر.
قد يُسبب فرط ضغط الدم مع الوقت سكتةً دماغية من هذا النوع، ويُمكن لفرط ضغط الدم أن يجعل الأوعية الدموية الصغيرة الموجودة داخل الدماغ أكثر هشاشةً وعرضةً للتشقق والتمزق.
- نزف تحت العنكبوتية: في هذا النوع من السكتة الدماغية، يبدأ النزف بأحد الشرايين الكبيرة أو في منطقة سطح الدماغ؛ فيتدفق الدم في الحيّز بين الدماغ والجمجمة، ويكون مصحوبًا بصداع قوي جدًا وفجائيّ.
ينجم هذا النوع من السكتة الدماغية غالبًا عن تمزَق أو تسلّخ واحدة أو أكثر من أمهات الدمّ، التي قد تتكوّن وتكبر مع الوقت، أو قد تكون خِلقِيّة. وبعد بدء النزف، قد تتوسع الأوعية الدموية في الدماغ وتضيَق بطريقة غير منتظمة، ما يُسبب ضررًا للخلايا جراء الهبوط الإضافي في تزويد أجزاء الدماغ الأخرى بالدم.
ما هي أسباب الإصابة بالسكتة الدماغية؟
بعد استعراض ماهية وأنواع السكتة الدماغية، لا بد الآن من معرفة أسبابها وعوامل الخطر التي تحيط بها، بغية تجنبها لتفادي الإصابة بالسكتة بمختلف أصنافها. وهو ما يُعرَفنا عليه الدكتور كليفالابيل قائلًا:
تحدث السكتة الدماغية نتيجة لتوقف أو انخفاض تدفق الدم إلى جزء من الدماغ، مما يؤدي إلى تلف الخلايا الدماغية. وتشمل الأسباب الرئيسية:
- انسداد الشرايين (السكتة الإقفارية): ويحدث بسبب تراكم الترسبات الدهنية أو الجلطات الدموية في الشرايين، مما يعيق تدفق الدم.
- تمزق الأوعية الدموية (السكتة النزفية): وينجم عن تمزق شريان في الدماغ، مما يؤدي إلى نزيفٍ داخلي.
وتزيد بعض العوامل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، منها:
- ارتفاع ضغط الدم: والذي يُعتبر من أبرز عوامل الخطر، حيث يزيد من الضغط على الأوعية الدموية في الدماغ.
- التدخين: يؤدي إلى تصلب الشرايين وتجلط الدم، مما يزيد من خطر الانسداد.
- مرض السكري: يمكن أن يُسبَب تلفًا في الأوعية الدموية، مما يزيد من خطر الإصابة.
- أمراض القلب: مثل الرجفان الأذيني، الذي يمكن أن يؤدي إلى تكوّن جلطاتٍ دموية تنتقل إلى الدماغ.
- السمنة وقلة النشاط البدني: تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مما قد يؤدي إلى السكتة الدماغية.
- التاريخ العائلي للسكتة الدماغية قد يزيد من احتمالية الإصابة بهذه المشكلة.
ما هي أعراض السكتة الدماغية؟
سؤالٌ يطرحه الكثيرون، والذي على أساس التعامل معها بسرعة، يمكن تفادي المخاطر المحدقة بالسكتة الدماغية.
يؤكد موقع "ويب طب" على ضرورة التنبه إلى الأعراض المبكرة الآتية للسكتة الدماغية:
- صعوبات في المشي: إذا أُصيب شخصٌ بالسكتة الدماغية؛ فقد يتعثر، أو يشعر بدوخة، أو يفقد توازنه أو يفقد قدرة التنسيق بين الحواس مثل الحركة والكلام.
- صعوبات في التكلّم: عند إصابة شخصٍ بالسكتة الدماغية؛ فقد يُصبح كلامه متثاقلًا، أو قد يفقد القدرة على إيجاد الكلمات المناسبة لوصف ما يحدث له ومعه.وفي حال الطلب منه تكرار جملةٍ بسيطة ولم يستطع فعل ذلك، فمن المحتمل أنه مصابٌ بسكتةٍ دماغية.
- شلل أو خدر (Numbness) في جانب واحد من الجسم: إذا أُصيب شخصٌ بالسكتة الدماغية؛ قد يفقد الإحساس، أو يشعر بشللٍ نصفي في جانبٍ واحد من الجسم.حاولي رفع كلتيّ ذراعيكِ فوق رأسكِ في الوقت نفسه، إذا بدأت إحداهما بالهبوط فمن المحتمل أنكِ مصابةٌ بالسكتة الدماغية.
- صعوبات في الرؤية: إذا أُصيب شخص بالسكتة الدماغية؛ فقد يُعاني من تشوّش الرؤية بشكل فجائيّ، وقد يفقد الرؤية للحظات قليلة، كما قد يُعاني من ازدواجية الرؤية.
- الصداع: الذي يظهر فجأةً ودون سابق إنذار، أو الصداع غير العادي الذي قد يكون مصحوبًا بتشنّجٍ في الرقبة، أو آلامٍ في الوجه، أو آلامٍ بين العينين، أو تقيؤٍ فجائيّ، أو تغيرات في الحالة الإدراكية، في بعض الأحيان قد يدل على الإصابة بالسكتة الدماغية.
كيف يمكن الوقاية من السكتة الدماغية؟
كما ذكرنا في بداية هذه المقالة؛ فإن خطر السكتة الدماغية بات يتهدد الشباب كما كبار السن. وبخلاف الأسباب الوراثية، هناك عددٌ من عوامل الخطر التي تزيد من احتمال تعرَض الشباب للسكتة الدماغية، وهي عوامل قابلة للتعديل مثلما أفادنا سابقًا الدكتور سيبي جون استشاري طب الأعصاب معهد الأعصاب في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي؛
مثل أنماط الحياة السيئة والبعيدة عن ممارسة الرياضة،اتباع أنظمة غذائية غير صحية والتدخين بكافة أشكاله.
إضافةً إلى عوامل أخرى تتعلق بالأمراض المُصاحبة، مثل ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول وشحوم الدم، علاوةً على مرض السكري. وبذلك فإن إهمال علاج هذه الأمراض يزيد من خطر تعرض الشباب للسكتة الدماغية.
بدوره، يؤكد الدكتور كليفالابيل من المستشفى الكندي التخصصي على أن التحكم في هذه العوامل من خلال نمط حياة صحي؛ مثل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتباع نظامٍ غذائي متوازن، والامتناع عن التدخين، يمكن أن يُقلَل بشكلٍ كبير من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
العديد من طرق الوقاية من السكتة الدماغية هي نفسها المُتبَعة للوقاية من مرض القلب. وتشمل توصيات نمط الحياة الصحي بالعموم كما أوردها موقع "مايو كلينك":
- السيطرة على ارتفاع ضغط الدم: من خلال تناول الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب، وإحداث تغييرتٍ صحية في نمط الحياة.
- خفض كمية الكوليسترول والدهون المُشبَّعة في النظام الغذائي.
- الإقلاع عن التدخين بكافة أنواعه، وليس فقط السجائر العادية.
- السيطرة على داء السكري، من خلال يمكن النظام الغذائي الصحي والمتوازن والتمارين الرياضية وإنقاص الوزن، بالإضافة إلى الأدوية والعلاجات التي يصفها الطبيب.
- الحفاظ على وزن صحي، إذ يمكن أن تسهم زيادة الوزن في تزايد عوامل الخطورة الأخرى المرتبطة بالإصابة بالسكتة الدماغية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري.
- تجنب الكحوليات.
- علاج انقطاع النفس الانسدادي النومي، وهو اضطرابٌ في النوم يؤدي إلى توقف التنفس لفتراتٍ قصيرة عدة مرات أثناء النوم.
في الختام؛ فإن السكتة الدماغية بكافة أنواعها ومسبباتها وعوامل الخطر التي تقف ورائها، سواء الحياتية أو الوراثية، يمكن أن تتسبب بضررٍ كبير في الدماغ وإعاقة قدرة الإنسان على الحركة والكلام وغيرها من المهام اليومية.
وفيما قد يبدو صعبًا التحكم بالعوامل الوراثية، فإن تحسين نمط الحياة والسيطرة على بعض الأمراض المرتبطة بالسكتة الدماغية مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، قد يُسهم بشكلٍ كبير وفعال في حمايتكِ من هذه المشكلة الصحية الخطيرة، ويمنحكِ الفرصة للتنعم بحياةٍ كلها صحة ورفاه.