تحسين حياة المصابين في المقام الأول: علاجاتٌ جديدة لمرض الصرع تتصدر الواجهة
الصرع هو اضطرابٌ في الجهاز العصبي المركزي، يتميز بنوباتٍ متكررة غير مُبررة تُسبَب التعب الجسدي للمريض والحرج الاجتماعي له ولمحيطه. وتحدث نوبة الصرع نتيجة تغيَرٍ في وظائف المخ،ناجم عن الإفرازات الكهربائية المُفرطة من خلايا المخ. أثناء نوبة الصرع يصبح نشاط الدماغ غير طبيعي، ما يتسبب بنوباتٍ من السلوك والأحاسيس غير العادية، وفقدان الوعي في بعض الأحيان.
بتعريف طبي أدق؛ فإن الصرع هو اضطرابٌ يصيب الجهاز العصبي المركزي بحيث يصبح نشاط الدماغ غير طبيعي، ما يُسبَب نوباتٍ متكررة. وعادةً ما يتم التشخيص عندما يتعرض الشخص لأكثر من نوبةٍ واحدة.توجد أنواع عديدة للصرع، ويمكن تحديد سببه عند بعض الأشخاص؛ إنما في حالاتٍ أخرى يكون سببه مجهولًا.
عوامل عدة تقف وراء الإصابة بالصرع، وإن لم يتم تحديد الأسباب الجوهرية وراء هذا المرض؛ منها:
- انخفاض الأوكسجين أو إصابات الرأس أثناء الولادة.
- السكتة الدماغية أو إصابة الدماغ.
- أورام الدماغ أو الحالات الوراثية.
- الأمراض المعدية مثل الالتهاب السحائي والإيدز والتهاب الدماغ الفيروسي.
- زيادة في الصوديوم أو السكر في الدم.
هل يمكن علاج مرض الصرع؟
بحسب ما أفاد موقع "ويب طب"، فإنه لا يمكن علاج الصرع نهائيًا؛ ولكن بالإمكان السيطرة على النوبات بشكلٍ تام عن طريق الأدوية. وفي حال لم تؤدِ الأدوية لنتيجةٍ إيجابية أو لم تخف حدة النوبات، فقد يلجأ الأطباء إلى اقتراح الجراحة على المريض أو علاجٍ آخر. وتبيَن أنه لدى نسبة كبيرة من الأشخاص المصابين بالصرع ممن قاموا بإجراء عملية استئصال الجزء المسؤول عن الصرع، لم يواجهوا أي نوبات صرع لمدة 6 أشهر على التوالي؛ كما نجح كثيرون من المرضى بالتخلص من نوبات الصرع نهائيًا لعشر سنوات.
ما يطرح أهمية العمل الدؤوب الذي يقوم به المختصون في المجال العصبي، من علماء وأطباء وغيرهم، بغية الخروج بحلولٍ جذرية لمرض الصرع تُسهم في تحسين صحة وحالة هؤلاء المرضى وتخليصهم من هذه المشكلة المُرهقة جسديًا ونفسيًا.
في موضوعنا اليوم، سنُلقي الضوء على بعض الإنجازات الطبية في مجال تشخيص وعلاج مرض الصرع، جمعناها من مصادر موثوقة متعددة.
استئصال بؤر صرعية عنيدة بدون جراحة لأول مرة في الشرق الأوسط
البداية من المنطقة العربية، وتحديدًا المملكة العربية السعودية، التي حققت قفزةً نوعية فيما يخص مرض الصرع. إذ نجح مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، في استئصال بؤرةٍ صرعية مُسببة للتشنجات العنيدة المقاومة للأدوية، باستخدام الترددات الراديوية الحرارية؛ بالتزامن مع تخطيط كهربائية الدماغ، ودون الحاجة إلى جراحةٍ تقليدية لفتح الرأس أو الجمجمة، وذلك في إجراءٍ طبي يُنفَذ لأول مرة في الشرق الأوسط.
يهدف هذا الإجراء الطبي طفيف التوغل، الذي قاده الدكتور إبراهيم الثبيتي، استشاري جراحة المخ والأعصاب في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث؛ إلى استئصال أو تحييد البؤرة الصرعية التي تتسبب في حدوث تشنجاتٍ متكررة، تؤثر سلبًا على جودة حياة المرضى، حيث تعيقهم عن ممارسة أنشطتهم اليومية بشكلٍ طبيعي، سواء في الدراسة، العمل، أو حتى الأنشطة الاجتماعية. كما أن التشنجات المتكررة قد تزيد من خطر الإصابات الجسدية نتيجة فقدان السيطرة المفاجئ على الحركة.
ويأتي هذا الإجراء الطبي المبتكر كحلٍ فعال للتخفيف من معاناة المرضى، وتحسين جودة حياتهم، وحاجتهم وأُسرهم إلى زيارة أقسام الطوارئ الذي يزيد من العبء النفسي والجسدي على المرضى وعوائلهم، وزيادة التكلفة الصحية على النظام الطبي؛ما يمنح المرضى أملًا جديدًا في الشفاء من التشنجات المتكررة، ويُخفَف من معاناتهم سواء كانوا أطفالًا صغار أو كبارًا في السن.
وتُستخدم تقنية الترددات الراديوية الحرارية الطبية لتدمير الخلايا المسؤولة عن التشنجات؛ ويتم ذلك عبر إدخال إبرةٍ دقيقة إلى الدماغ، دون الحاجة إلى فتح الرأس، ما يُقلَل من المخاطر ويُسرَع من تعافي المريض.
يُعتبر مركز جراحة الصرع بمستشفى التخصصي، من المراكز الرائدة عالميًا من ناحية عدد الحالات ونوعية العمليات المُعقدة التي يتم إجراؤها؛ حيث أجرى عملية فصل الفص المصاب بالصرع لأصغر طفلةٍ في العالم لم تتجاوز 14 يومًا، كما كان المركز في طليعة المؤسسات الطبية التي قامت بزراعة الشرائح الرقيقة لتحديد البؤر الصرعية بدقة. ويمتاز المركز بتقديم خدماته الطبية للمرضى من داخل المملكة وخارجها، وقدرته على إجراء العمليات للأطفال والكبار على حد سواء.
يُذكر أن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، صُنف الأول في الشرق الأوسط وأفريقيا و20 عالميًا، للسنة الثانية على التوالي، ضمن قائمة أفضل 250 مؤسسة رعاية صحية أكاديمية حول العالم، والعلامة التجارية الصحية الأعلى قيمة في المملكة والشرق الأوسط؛ وذلك بحسب "براند فاينانس" (Brand Finance) لعام 2024. كما أُدرج ضمن قائمة أفضل المستشفيات الذكية في العالم لعام 2025 من قبل مجلة نيوزويك (Newsweek).
استخدام الليزر على الدماغ.. لعلاج نوبات الصرع
لا تسيطر الأدوية على النوبات لما يقرب من ثلث المصابين بمرض الصرع. واعتمادًا على المناطق التي تنشأ فيها نوبات الصرع في الدماغ، يمكن أن تكون المعالجة بالليزر أحد الخيارات المتاحة للبالغين والأطفال.
المعالجة بالليزر هي علاجٌ لنوبات الصرع باستخدام الليزر على الدماغ؛ وإسم المعالجة هو العلاج الحراري الخِلالي بالليزر بحسب ما أفادنا جيمي فان جومبل، دكتور في الطب، وجراح الأعصاب في مايو كلينك في مدينة روتشستر.
كيف يتم علاج الصرع بالليزر؟
من خلال ثقبٍ صغير في الجمجمة، يُوجَه الجراح أنبوب قسطرة مُزود بليزر بحجم قلم الرصاص بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي إلى منطقة الدماغ التي تنشأ فيها النوبات.
"حيث يمكن علاج الآفة عن طريق تسخينها، والتي إذا تمَ تسخينها بدرجةٍ كافية، تتكشف البروتينات الموجودة بتكوينٍ معين"، وفق الدكتور فان جومبل.
المعالجة بالليزر هو إجراءٌ طفيف التوغل أيضًا،يتطلب وقتًا أقصر للتعافي، وذو نسبة خطورة أقل بالنسبة للإصابة بالمضاعفات والآثار الجانبية، مثل الصداع. إلا أن الجانب السلبي في هذه المعالجة يكمن في أنه قد يكون أقل فاعليةٍ بنسبة طفيفة في تقليل نوبات الصرع، مقارنةً بجراحة الدماغ المفتوحة التقليدية.
يقول الدكتور فان جومبل في هذا الصدد: "إذا كنتِ تعانين من صرعٍ صدغي، سنبدأ بالمعالجة بالليزر؛ ولكن إذا فشلت، يمكننا إجراء الجراحة المفتوحة إذا لزم الأمر". ويضيف: "يحظى الاستئصال بالليزر بمكانةٍ متميزة بين علاجات الصرع. ولقد قمنا بتوسيع خياراتنا الجراحية المُتاحة في هذه المرحلة، حيث يوجد عددٌ قليلٌ جدًا من المرضى الذين أرى أنني غير قادر على تقديم علاج إضافي لهم قد يساعدهم."
الخلايا الجذعية: علاجٌ واعد لنوبات الصرع
تُبشَر الخلايا الجذعية بالوصول إلى علاجاتٍ جديدة، وهي نوعٌ خاص من الخلايا له صفتين مهمتين. الأولى، أنها قادرةٌ على إنتاج مزيدٍ من النسخ المُطابقة لها، أي أنها مُتجددة ذاتيًا؛ والثانية أنها تستطيع التحوّل إلى أنواعٍ أخرى من الخلايا تؤدي وظائف مختلفة، وذلك من خلال عملية تُسمى التمايز.
توجد الخلايا الجذعية في جميع أنسجة الجسم تقريبًا، ويحتاج الجسم إليها للحفاظ على أنسجته وتعافيها بعد أي إصابة. ويُعزَز العلاج بالخلايا الجذعية — المعروف أيضًا باسم الطب التجديدي — استجابة إصلاح الأنسجة المريضة أو المختلة وظيفيًا أو المُصابة باستخدام الخلايا الجذعية أو مشتقاتها. وهذه من أحدث الابتكارات في مجال زراعة الأعضاء، تُجرى باستخدام الخلايا بدلًا من أعضاء المُتبرعين محدودة التوافر.
دخل الخلايا الجذعية ضمن مجال مرض الصرع، من خلال عمل الباحثين عليها؛ وفي إحدى الدراسات التي أُجريت منذ عدة سنوات، وجد العلماء أن حقن الخلايا الجذعية لمرةٍ واحدة، قد يكون علاجًا فعالًا لبعض مرضى الصرع.
ويُعتقد أن العلاج، المُسمى NRTX-1001، قد يزيد من إنتاج مادةٍ كيميائية في الدماغ تسمى "حمض غاما أمينوبوتيريك" (GABA)، تعمل على تهدئة النشاط الكهربائي في منطقة الدماغ والتي تُسبَب نوبات الصرع.
تحتوي الحقن الجديدة على خلايا مُشتقة من الخلايا الجذعية البشرية، يمكنها أن تتحول إلى أي نوعٍ من الخلايا؛ حيث تتم زراعتها في وسطٍ خاص في المختبر لتحفيزها على التحول إلى عصبوناتٍ داخلية، أي أحد أنواع خلايا الدماغ التي تفرز GABA، ما يساهم في تهدئة الشبكات العصبية والإشارات الكهربائية التي تقف وراء نوبات الصرع، بحسب ما جاء على موقع "روسيا اليوم" نقلًا عن صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
كيف يعمل هذا العلاج؟
يتم وتحت التخدير العام، إجراء عملية الحقن، باستخدام ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي في جزء الدماغ الذي يُسبَب النوبات. ويمكن للمرضى الخاضعين لهذا الإجراء العودة إلى منازلهم في اليوم التالي بعد إعطائهم أدويةً مُثبَطة للمناعة لمدة عام، للتأكد من عدم رفض جهاز المناعة للخلايا الجذعية. هذا وتحتاج الخلايا المزروعة من 5 إلى 7 أشهر لبدء إنتاج GABA بكمياتٍ كافية.
عند عرض النتائج الأولية للعلاج بالخلايا الجذعية في اجتماع الجمعية الدولية لأبحاث الخلايا الجذعية في بوسطن، تمَ الكشف عن انخفاض نوبات الصرع لدى أول مريضين حصلا على العلاج بنسبة 95% تقريبًا بعد عامٍ من أخذ الحقن.كما كشفت البيانات المُقدمة في الأكاديمية الأمريكية لطب الأعصابعن نجاح العلاج لدى مريضين آخرين.
ومن خلال هذه النتائج، يأمل فريق البحث في أن يساعد العلاج الجديد، الذي طوَرته شركة Neurona Therapeutics (ومقرها كاليفورنيا)، المرضى الذين لا يرغبون بإجراء عمليةٍ جراحية.
تجدر الإشارة إلى أن معظم العلاجات الحالية لمرضى الصرع، تشمل أدويةً معينةتهدف لتغيير مستويات المواد الكيميائية في الدماغ المتحكمة في النشاط الكهربائي. لكن هذه العقاقير لا تُجدي نفعًا لنحو 30% من المرضى، وفق المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة. ما يطرح الحاجة الملحة لعلاجاتٍ أخرى بديلة، مثل العلاج بالليزر والخلايا الجذعية، لتحسين حياة المصابين بالصرع وأُسرهم على حد سواء.