ما أفضل توقيت لتناول قهوة الصباح

للقهوة فوائد عدة.. لكن السؤال المهم: ما هو الوقت المثالي لتناولها صباحًا؟

جمانة الصباغ

فنجان القهوة هو بحقٍ من العناصر الأساسية في روتين صباحات كلَ منا. وينتظر الكثيرون بفارغ الصبر، جرعة الطاقة والثقة التي يمنحها فنجان القهوة الساخن، قبل الاجتماع الأول في اليوم أو البدء بالقيام بكافة المهام الحياتية التي تنتظرنا.

تشير الإحصاءات أنه وعلى مستوى العالم؛ ارتفع استهلاك القهوة، ويشرب ثلثا الأميركيين القهوة يوميًا وفق بيانات عام 2022 الصادرة عن الرابطة الوطنية للقهوة. وحتى في خضم مشاكل سلسلة توريد القهوة لأسبابٍ متعددة، فإن الناس على استعدادٍ لدفع المزيد من المال مقابل فنجان من القهوة (وأكثر من ذلك بكثير، مقابل بعض أنواع القهوة المتخصصة مثل لاتيه البندق المثلج المصنوع من حليب الشوفان).

وفيما يتفق الجميع تقريبًا على أن القهوة هي ركيزة الاستيقاظ صباحًا، فإنهم يختلفون على موعد تناولها أحيانًا؛ ففي حين يُقسم البعض على أهمية تناول القهوة أول شيء في الصباح وقبل التحدث أو القيام بأي عملٍ، ينتظر آخرون حتى يستقروا في المكتب ويتناولوا وجبةً خفيفة.

يُنصح بتأخير تناول القهوة في الصباح للإستفادة من فوائدها العديدة
يُنصح بتأخير تناول القهوة في الصباح للإستفادة من فوائدها العديدة

ما يطرح السؤال: هل هناك معيارٌ ذهبي لأفضل وقتٍ لشرب القهوة؟

يشير أندرو هوبرمان، عالم الأعصاب ومقدم البودكاست، إنه قد يكون كذلك بالفعل. ويشجع هوبرمان الناس على تأخير تناول قهوتهم الصباحية لمدة 90 دقيقة إلى ساعتين بعد الاستيقاظ "لتحسين الأداء البدني والعقلي". في إحدى حلقات البودكاست التي يقدمها، يقول هوبرمان إن الأدينوزين، وهي المادة الكيميائية التي تجعل الناس يشعرون بالتعب وقلة اليقظة، تتراكم بعد الاستيقاظ. لذلك، فإن شرب الكافيين الذي يمنع الأدينوزين، سيكون أكثر فعاليةً في وقتٍ متأخر قليلاً في الصباح؛ وهو يساعد الناس على البقاء في حالة تأهبٍ حتى فترة ما بعد الظهر.

خبراء آخرون يقولون إن الأمر يعتمد على الوقت، وأن تناول الكافيين قبل ممارسة الرياضة يُشكَل استثناءً ملحوظًا.منهم ريكس إيساب، خبير النوم في Happy Beds، الذي ينصح بعدم شرب القهوة خلال الساعة الأولى بعد الاستيقاظ. مؤكدًا ما تحدث عنه هوبرمان حول مادة الأدينوزين التي ينتجها الدماغ خلال النهار، والتي تُعزَز الشعور بالنعاس؛ ولفت إلى أنه عندما نستيقظ، تكون مستويات الكورتيزول، المرتبط غالبًا بالتوتر، في ذروتها. وتُعزَز هذه المادة اليقظة لدينا، وبالتالي فإن شرب القهوة في هذه المرحلة يمكن أن يعاكس هذا التأثير أو يزيد من تحمَل الجسم للكافيين.

الفرق الوحيد بين هوبرمان وإيساب هو مقدار الوقت الواجب انتظاره قبل تناول القهوة؛ ففيما شجع هوبرمان على الإنتظار لمدة 90 دقيقة إلى ساعتين، اكتفى إيساب بساعةٍ واحدة كافية للانتظار قبل تناول القهوة بعد الاستيقاظ؛ موضحًا أن هذا الانتظار يتيح للجسم الاستفادة من اليقظة الطبيعية دون التأثير السلبي للكافيين على النوم.

استنادًا إلى المنطق ذاته بخصوص الكورتيزول، إنما بفارقٍ بسيط يتعلق بالتوقيت؛ تقترح الدكتورة ديبورا لي، الطبيبة المقيمة في بريطانيا والمختصة فيما يُعرف بإسم "علم النوم" أن أفضل وقت لتناول القهوة والحصول على جرعة كافيين، ليس قبل 45 دقيقة على الأقل من الاستيقاظ، عندما "يبدأ إيقاع الكورتيزول في الانخفاض".

متى يبدأ الكافيين بالتأثير على أجسامنا؟

في المتوسط، يبدأ تأثير الكافيين الموجود في فنجان القهوة بعد حوالي 30 دقيقة إلى ساعةٍ من تناوله. لكن ذلك يعتمد أيضًا على المرء وجيناته، وما إذا كان قد تناول وجبةً مُسبقًا أم لا. وبالنسبة للبعض، قد تظهر هذه التأثيرات بعد 10 إلى 15 دقيقة من تناولها، فيما يستغرق الأمر بضع ساعاتٍ بالنسبة للآخرين، حسبما أفاد موقع Fortune Well.

ونقل الموقع المختص عن  تارا شميت، أخصائية التغذية المسجلة في Mayo Clinic Diet قولها: "بعض الناس لا يستمتعون بهضم القهوة على معدةٍ فارغة، والبعض الآخر لا يستطيعون العمل بدون قهوتهم".وعلى الرغم من التباين الطبيعي، يقول الخبراء في عيادة كليفلاند إن الفترة من 9:30 صباحًا إلى 11 صباحًا قد تكون أفضل وقتٍ لتناول القهوة. ومع ذلك، هناك بعض الاعتبارات الرئيسية حول أفضل وقتٍ لتناول القهوة.

القهوة وساعة الجسم

قد تعتمد شدة تأثيرات الكافيين على الوقت من اليوم الذي تستهلكينه فيه، بسبب إيقاع الساعة البيولوجية للجسم، أو الساعة البيولوجية الطبيعية التي تشير إلى وقت النوم والاستيقاظ. وتشير جوليا زومبانو، أخصائية التغذية المسجلة في مركز كليفلاند كلينيك للتغذية البشرية، إلى أن هرمون الكورتيزول في الجسم، المعروف بهرمون التوتر الذي يساعد في تعزيز الشعور باليقظة، يرتفع بعد حوالي 30 إلى 45 دقيقة من الاستيقاظ.

القهوة يمكن أن تزيد اليقظة والنشاط صباحً لكن تناولها بإفراط يمكن أن يكون ضارًا
القهوة يمكن أن تزيد اليقظة والنشاط صباحً لكن تناولها بإفراط يمكن أن يكون ضارًا

فإذا كنتِ تستهلكين القهوة أول شيءٍ في الصباح، فقد يكون لديك استجابةٌ أكثر كثافة للكافيين؛ لأنكِ تشعرين بالتأثيرات بالإضافة إلى استجابة الجسم الطبيعية للتنبيه. وفي حين قد يحتاج البعض إلى هذه الدفعة الإضافية، فإن آخرون قد يشعرون ببعض الآثار الجانبية غير السارة للقهوة، مثل الارتعاش، وارتفاع معدل ضربات القلب، والدوخة؛ بسبب التأثيرات المُنشَطة على الجهاز العصبي، والتي تمنع الأدينوزين الكيميائي.

إذا كنتِ لا تستطيعين الانتظار حتى منتصف الصباح أو لا تشعرين بالانزعاج من آثار القهوة أول شيء، فلا تقلقي؛ هناك بحثٌ محدود يشير إلى أن تأخير الكافيين، قد يكون مثاليًا للبعض.

وبالنسبة للأشخاص الذين يحتاجون لتحضير فنجان قهوتهم على الفور بعد الاستيقاظ، تُقدم زومبانو بعض النصائح التي يمكن أن تساعد في تقليل الآثار الجانبية المحتملة.

على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي احتساء القهوة ببطء، بدلًا من ابتلاعها أو شربها مع وجبة الطعام، إلى إبطاء امتصاص الكافيين في مجرى الدم. كما أن إضافة القليل من الحليب قد يساعد أيضًا في مواجهة بعض التأثيرات السلبية لهذا المشروب. ومع ذلك، ينصح الخبراء بالابتعاد عن المُحليات الصناعية والسكريات المضافة، والتي يمكن أن ترفع نسبة السكر في الدم وتزيد من خطر الإصابة بمرض السكري والسُمنة.

ماذا نستخلص من كل ما تقدم؟

حتى مع الاختلاف في مواقيت تناول القهوة صباحًا، بين البسيط والشديد؛ فإن معظم الخبراء يتفقون على مبدأٍ واحد، ألا وهو تأخير احتساء القهوة فور الاستيقاظ من النوم، لضمان اليقظة الطبيعية للجسم وعدم التعرض للنعاس خلال النهار. ويبدو أن هذا التفاوت مرده لاختلاف طبيعة أجسام كلَ منا، لذا لا ضير من استشارة الطبيب الخاص بكِ، لتحديد الوقت الأنسب الذي يُتيح لكِ الاستمتاع بتناول القهوة والاستفادة منها كل صباح.

القهوة: فوائد عدة.. ومضارٌ لا يجب إغفالها

من الجدير الإشارة إلى أن القهوة، التي يتم تحضيرها من بذور البنَ المحمَصة والتي تنمو في أكثر من بلدٍ خاصةً المناطق الأستوائية في أميركا الشمالية والجنوبية وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية، تُوفر فوائد عدة لصحة الجسم.

فهي تزيد من اليقظة ونشاط الدماغ وتُحفَز الذاكرة؛ كما تحمي من داء السكري من النوع الثاني؛ تُقلَل احتمالية الإصابة بحصى المرارة، وخطر الإصابة بالخرف والزهايمر. لكن هذه الفوائد وغيرها، لا تُلغي بعض النواحي السلبية التي يمكن أن تتسبب بها.

فتناول القهوة عند البعض، يمكن أن يزيد الشعور بالقلق والتوتر والعصبية؛ ولا ننسى أن الإفراط في تناول القهوة خصوصًا في المساء يُضاعف من مشاكل الأرق وصعوبات النوم، فضلًا عن الإصابة بعسر الهضم، أو القيء، أو حرقة المعدة، أو الإسهال.

وعليه، تبقى النصيحة الأهم التي نُعيد تكرارها دومًا: الاعتدال هو أفضل الوسائل للاستمتاع بكل ما رزقنا الله من خيرات، وعلى رأسها القهوة وغيرها من المشروبات المُنبهَة. فلا تتواني عزيزتي عن استهلاك القهوة بمقدارٍ جيد ومفيد، يمنحكِ دفعةً من النشاط واليقظة كل صباح، ويُوفر لكِ بعضًا من فوائد الساحرة السوداء كما يُطلق عليها.