كيف تؤثر الألوان في صحتكِ النفسية

علم نفس الألوان: هل يؤثر على مشاعركِ وصحتكِ النفسية؟

جمانة الصباغ

القوة الكامنة للألوان.. لا أحد يمكنه إنكار هذه الحقيقة. فالألوان من حولنا هي التي تجعلنا نستمتع بالأشياء، تُغبطنا تلك الألوان الزاهية والجميلة للورود والزهور ولون السماء والبحر، حتى ظلال أحمر الشفاه.

يؤثر اللون على حالتنا المزاجية ومشاعرنا وسلوكياتنا بشكلٍ كبير؛ دعيني أسألكِ هذه الأسئلة:

هل تشعرين بالنشاط عندما ترين اللون الأحمر؟ هل يجعلكِ اللون الأزرق تحسين بالهدوء والاسترخاء؟ لطالما اعتقد الفنانون ومصممو الديكور الداخلي أن للون تأثيرٌ عميق على الحالة المزاجية والمشاعر والعواطف؛ وقال الفنان بابلو بيكاسو عن هذا الأمر: "الألوان، مثل الملامح، تتبع تغيَرات العواطف."

كيف تؤثر الألوان في صحتكِ النفسية - رئيسية واولى
كيف تؤثر الألوان في صحتكِ النفسية  

اللون هو أداة تواصلٍ قوية، ويمكن استخدامه للإشارة إلى الفعل والتأثير على الحالة المزاجية، وحتى التأثير على ردود الفعل الفسيولوجية. وقد ارتبطت ألوانٌ معينة بالتغيرات الجسدية، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم وزيادة التمثيل الغذائي وإجهاد العين.

وتقول الدكتورة راشيل جولدمان، طبيبة نفس سريرية من نيويورك: "من المدهش كيف يمكن للألوان أن تؤثر حقًا على مزاجنا وسلوكنا. خذي لحظةً للتفكير في مساحةٍ مألوفةٍ لكِ، هل هناك لونٌ معين يبرز في تلك المساحة؟ فكري في ملابسكِ وكيف تجعلكِ الملابس ذات الألوان المختلفة تشعرين عندما ترتدينها. ربما في المرة القادمة التي تشعرين فيها بالملل، ستفكرين في هذا وتلاحظين ما إذا كان مزاجكِ يتغير بارتداء لونٍ مختلف. في كثيرٍ من الأحيان، تكون الأشياء الصغيرة هي ذات التأثير الأكبر."

ماذا نفهم من هذه المقدمة المستفيضة؟ أن يمكن للألوان أن تلعب دورًا مهمًا في نقل المعلومات، وخلق مزاجاتٍ معينة، وحتى التأثير على القرارات التي يتخذها الأشخاص. كما تؤثر تفضيلات الألوان على الأشياء التي يختار الأشخاص شراؤها، والملابس التي يرتدونها، والطريقة التي يُزينون بها بيئاتهم.

إذ غالبًا ما يختار الأشخاص الأشياء بألوانٍ تُثير مزاجاتٍ أو مشاعر معينة، مثل اختيار لون سيارة يبدو رياضيًا أو مستقبليًا أو أنيقًا أو جديرًا بالثقة. كما يمكن استخدام ألوان الغرفة لاستحضار مزاجاتٍ معينة، مثل طلاء غرفة النوم باللون الأخضر الناعم لخلق مزاجٍ هادئ.

في مقالة اليوم، نُسلَط الضوء عزيزتي على علم نفس الألوان؛ وكيف يمكن استخدام الألوان لتحسين صحتنا النفسية، بناءً على معلومات جمعناها من موقعي Very Well Mind وموقع صحيفة "الإمارات اليوم".

علم نفس الألوان وعلاقته بالصحة النفسية

بحسب ما جاء على موقع Very Well Mind المختص بالمقالات النفسية، فإن علم نفس الألوان هو دراسة كيفية تأثير الألوان المختلفة على الحالة المزاجية والسلوك البشري. ويستكشف هذا العلم كيف يمكن للألوان أن تؤثر على الاستجابات العاطفية، وكذلك كيف تتأثر الاستجابات للألوان بعوامل مثل العمر والخلفية الثقافية.

الكثير من الأدلة في هذا المجال الناشئ قصصية في أفضل الأحوال، لكن الباحثين والخبراء توصلوا إلى بعض الاكتشافات والملاحظات المهمة حول علم نفس الألوان وتأثيره على الحالة المزاجية والمشاعر والسلوكيات؛ فلنتعرف عليها في السطور التالية..

للألوان في المنزل والعمل تأثيراتٌ مباشرة وقوية في صحتنا النفسية
للألوان في المنزل والعمل تأثيراتٌ مباشرة وقوية في صحتنا النفسية

التأثيرات النفسية للألوان

يُعدَ الاستكشاف العلمي لعلم نفس الألوان جديدًا نسبيًا، لكن الناس ابدوا اهتمامًا منذ فترةٍ طويلة بطبيعة وتأثير الألوان. ففي الثقافات القديمة، كانت الألوان تُستخدم غالبًا لعلاج حالاتٍ مختلفة وتأثيرها على المشاعر؛ كما لعبت دورًا مهمًا في الممارسات الروحية المختلفة.

لماذا يُعتبر اللون قوةً قوية في حياتنا؟ ما التأثيرات التي يمكن أن تُحدثها الألوان على أجسادنا وعقولنا؟

في حين أن إدراك الألوان يُعدَ ذاتيًا إلى حد ما، إلا أن بعض تأثيرات الألوان قد يكون لها معاني عالمية. مثلًا، تُعرف الألوان الموجودة في المنطقة الحمراء من طيف الألوان بالدافئة، وتشمل الأحمر والبرتقالي والأصفر. وتُثير هذه الألوان الدافئة مشاعر تتراوح من الدفء والراحة من ناحية إلى مشاعر الغضب والعداء على المقلب الآخر.

في حين تُعرف الألوان الموجودة على الجانب الأزرق من الطيف بالباردة، وتشمل الأزرق والأرجواني والأخضر. وغالبًا ما توصف هذه الألوان بأنها هادئة، ولكنها قد تستحضر أيضًا مشاعر الحزن أو اللامبالاة.

تناقضٌ كبير، لكنه حقيقي ونلمسه من قوة هذه الألوان.

ما رأيكِ لو نتعرف وبشكلٍ محدد، على المعاني الرمزية للألوان المختلفة:

1.     الأحمر: معنى العاطفة والإثارة والحب.

2.     الوردي: ناعم، متحفظ وترابي.

3.     الأرجواني: غامض، نبيل وبراق.

4.     الأزرق: الحكمة والأمل والعقل والسلام.

5.     الأخضر: الطبيعة والنمو والنضارة.

6.     الأصفر: الأمل والفرح والخطر.

7.     البرتقالي: الدفء واللطف والفرح.

8.     الأبيض: الحقيقة واللامبالاة.

9.     الأسود: نبيل، غامض وبارد.

في دراسةٍ أُجريت عام 2020 واستطلعت الارتباطات العاطفية لـ 4598 شخصًا من 30 دولة مختلفة، تبيَن أن الناس يربطون عادةً ألوانًا معينة بمشاعر معينة. ووفقًا لنتائج الدراسة:

•       الأسود: ربط 51٪ من المستجيبين اللون الأسود بالحزن.

•       الأبيض: ربط 43٪ من الأشخاص اللون الأبيض بالارتياح.

•       الأحمر: ربط 68٪ اللون الأحمر بالحب.

•       الأزرق: ربط 35٪ اللون الأزرق بمشاعر الارتياح.

•       الأخضر: ربط 39٪ اللون الأخضر بالرضا.

•       الأصفر: شعر 52٪ أن اللون الأصفر يعني الفرح.

•       الأرجواني: أفاد 25٪ أنهم ربطوا اللون الأرجواني بالمتعة.

•       البني: ربط 36٪ اللون البني بالاشمئزاز.

•       البرتقالي: ربط 44٪ اللون البرتقالي بالفرح.

•       الوردي: ربط 50٪ اللون الوردي بالحب.

تزيد الألوان من شعورنا بالسعادة وتُحسن حالتنا المزاجية بشكلٍ كبير
تزيد الألوان من شعورنا بالسعادة وتُحسن حالتنا المزاجية بشكلٍ كبير

واقترح باحثو الدراسة أن مثل هذه النتائج تفضي إلى أن ارتباطات اللون بالعاطفة، تبدو ذات صفاتٍ عالمية. وقد تلعب هذه المعاني المشتركة دورًا أساسيًا في مساعدة التواصل بين الناس.

غالبًا ما تكون مشاعرنا تجاه الألوان شخصية للغاية ومُتجذرة في خبراتنا أو ثقافتنا. على سبيل المثال، في حين يُستخدم اللون الأبيض في العديد من الدول الغربية لتمثيل النقاء والبراءة، فإنه يُنظر إليه كرمزٍ للحزن في العديد من الدول الشرقية. وقد لاحظ الباحثان أندرو إليوت وماركوس ماير في مراجعةٍ للأبحاث القائمة حول علم نفس الألوان هذا الأمر: "نظراً لانتشار الألوان، فمن المتوقع أن يكون علم نفس الألوان مجالًا متطورًا للغاية. من المدهش أن القليل من العمل النظري أو التجريبي قد أُجري حتى الآن حول تأثير الألوان على الأداء النفسي، ومعظم العمل الذي تمَ إنجازه كان مدفوعاً في الغالب بمخاوف عملية، وليس بالدقة العلمية."

علم نفس الألوان كعلاج

مارست العديد من الثقافات القديمة، بما في ذلك المصريون والصينيون، العلاج بالألوان، أو استخدام الألوان للشفاء. ويُشار إلى العلاج بالألوان أحيانًا باسم العلاج بالضوء أو علم الألوان.

لا يزال علم الألوان يُستخدم اليوم كعلاجٍ شامل أو بديل. وفي هذا العلاج:

1.     يُستخدم اللون الأحمر لتحفيز الجسم والعقل وزيادة الدورة الدموية.

2.     يُعتقد أن اللون الأصفر يُحفَز الأعصاب ويُطهَر الجسم.

3.     يُستخدم اللون البرتقالي لعلاج الرئتين وزيادة مستويات الطاقة.

4.     يُعتقد أن اللون الأزرق يُهدَئ الأمراض ويُعالج الألم.

5.     يُعتقد أن ظلال النيلي تُخفَف من مشاكل الجلد.

وفي حين أن هناك حاجةً للمزيد من البحث حول هذه العلاجات، فقد اقترحت دراسةٌ أجريت عام 2020 أن العلاج بالألوان قد يكون وسيلةً فعالة للمساعدة في مكافحة مشاعر التعب والإجهاد بعد الصدمة لدى مُمرضات وحدة العناية المركزة.

كل ما تقدم يطرح سؤالًا محوريًا حول ألوان الإضاءة التي نتبَعها في بيوتنا ومراكز عملنا، وكيف يمكن لها أن تُحفَز أو تُحبط معنوياتنا وقدرتنا على إنجاز الأمور..

يتم استخدام الألوان كعلاجٍ في علم النفس
يتم استخدام الألوان كعلاجٍ في علم النفس

هنا، أكدت داريا ياوشيفا؛ عالمة نفس روسية، أن ألوان الإضاءة قد تؤثر في الحالة المزاجية للبشر وفي الصحة النفسية لكل منهم. وحسب تقرير نشرته صحيفة "إزفيستيا"، ونقله موقع "الإمارات اليوم" عن موقع "روسيا اليوم"، أشارت داريا إلى أن الإضاءة الصفراء تُقلَل مستوى الإجهاد، فيما تعمل الإضاءة الزرقاء على تنشيط الدماغ. موضحةً تأثير الإضاءة المباشر على العمليات الفسيولوجية والنفسية؛ فالإضاءة الزائدة عن الحد قد تتسبب في الصداع وتوتر العينين، مما يزيد من القلق ومستوى التوتر. في المقابل، يؤدي الضوء الضعيف إلى الشعور بالخمول والنعاس، وقد يُضعف القدرة على التركيز فضلًا عن تأثيره السلبي على المزاج.

وأشارت ياوشيفا إلى أن الضوء الدافئ، كالأصفر، يزيد الشعور بالراحة والاسترخاء؛ في حين تعمل الأضواء الباردة، مثل الأبيض والأزرق، على تحفيز نشاط الدماغ، وزيادة التركيز والنشاط. وأكدت طبيبة النفس الروسية إلى أن اللون الأزرق تحديدًا، قد يكون له تأثيرٌ مضاد للاكتئاب، ولهذا يُستخدم في علاج الاضطرابات العاطفية الموسمية. لكنها في الوقت ذاته، حذرت من أن التعرض المطول لهذا النوع من الإضاءة قد يؤدي إلى صعوباتٍ في النوم.

من جهةٍ ثانية، أوصت ياوشيفا بالضوء الأحمر البرتقالي الخافت، والذي يعمل على تعزيز إنتاج هرمون الميلاتونين (يساعد على الاسترخاء والنوم)؛ والذي برأيها يُعد مناسبًا للاستخدام في المنازل بدءًا من الساعة التاسعة مساءً عوضًا عن الضوء الأبيض الساطع. كما نصحت باستخدام الضوء البارد صباحًا لتنشيط الجسم (الأزرق والأرجواني والأخضر)، مع مراعاة أن بعض الأشخاص الحساسين قد يجدونه عدوانيًا. يُسهم الضوء الدافئ في استيقاظٍ هادئ ومريح، فيما يُنصح خلال النهار باستخدام الإضاءة الطبيعية أو الباردة لتعزيز التركيز والإنتاجية. أما قبل النوم، فمن الأفضل وبنظر ياوشيفا، اللجوء إلى الضوء الدافئ الناعم الذي يساعد في تهيئة الجسم للنوم وخفض مستويات هرمونات النشاط، فضلًا عن إفراز الميلاتونين.

تعديل ألوان الإضاءة حسب الفصول

هل تنطبق جميع تلك الألوان في كافة الفصول؟تؤكد ياوشيفا على ضرورة تعديل الإضاءة حسب فصول السنة، خصوصًا في فصلي الخريف والشتاء؛ حيث يقلَ الضوء الطبيعي ويزداد خطر الإصابة بالاكتئاب الموسمي. مشيرةً إلى أن الضوء الأبيض أو الأزرق الساطع، يمكن أن يُعوضا نقص أشعة الشمس، كما يساعدان في تعزيز الحالة المزاجية والحفاظ على النشاط.

بدورها؛ أشارت كاتيرينا جيلفاند، مديرة قسم "المنزل الذكي" في شركة "سبير"، إلى أن ضبط الإضاءة يمكن أن يُساهم في تحسين المزاج خلال فصلي الخريف والشتاء، وهي الفترة التي نشهد فيها معاناة الكثيرين من الخمول والاكتئاب بسبب قلة التعرض للشمس والضوء وكثرة البرد والأمطار. مؤكدةً أن العلاج بالضوء يمكن أن يكون مفيدًا للأشخاص الذين يحتاجون إلى دعمٍ نفسي، من خلال تغيير درجة حرارة اللون أو تعديل الألوان حسب توجيهات الطبيب.

في الخلاصة؛ فإن للألوان وبحسب الدراسات، الكثير من التأثيرات العقلية والجسدية. قد توجد ارتباطاتٌ عالمية لهذه التأثيرات، ولكن العديد من العوامل الأخرى، بما في ذلك التفضيلات الشخصية والتجارب الفردية، تلعب أيضًا دورًا مهمًا في استجابتكِ العاطفية والسلوكية الفريدة.

ومهما كانت الفروقات متباينة بين درجات الألوان وتأثيرها على حياتنا، لا تنسي أبدًا تلوين مختلف تفاصيل حياتكِ بالألوان الجميلة التي تحبين، والتي تُشعركِ بالسعادة والرضا عن الذات.

إذا سألتني عن الألوان التي أحبها، فهي بالتأكيد الأسود في الطليعة، يليها الأزرق فالأبيض. ماذا عنكِ عزيزتي، وماذا تُمثَل الألوان بالنسبة لكِ؟ أخبرينا المزيد..