علم الحب: ماذا يحدث في جسمكِ عند الوقوع بالحب؟
تسألني ابنتي: كيف تعرفين أنكِ تحبين أبي، وأنكِ ما زلتِ تحبينه حتى بعد مرور 19 عامًا على تعارفكما وزواجكما؟ فأجيبها بالتالي: عندما ألمحُ والدكِ بين الناس، فإن الابتسامة تعلو وجهي، يطمئن قلبي، ويخطر في بالي شيءٌ واحدٌ فقط: إني محظوظةٌ بهذا الرجل..
هل تكفي هذه الإجابات للتعبير عن حبي لزوجي وشريكي في الحياة؟ وهل الإطمئنان والراحة هما المحصلة التي نحصل عليها من حبنا لبعضنا، أم ثمة أمورٌ أخرى نعجز عن التعبير عنها بالكلمات؟
وماذا عن تلك الأمور الغريبة التي تحدث في أجسامنا، عندما نرى من نحب؛ عندما نمسك بأيدي بعضنا، عندما نسمع أغنيتنا المفضلة فنهرع لضم من نحب إلى صدرنا؟ ما تفسير هذه المشاعر والتصرفات الناجمة عنها تجاه من نعشق؟ إنها الكيمياء Chemistry التي تتعدى كونها مجرد كلمة؛ إذ أن كثيرًا من جوانب العلم تحدث عند الوقوع بالحب.
بحسب الدكتورة ليزل راي لابينغ كار، طبيبة نفسية في نورث وسترن ميديسين ولديها خبرة في العلاقات: "إن النظام الميزوليمبي في دماغنا هو الذي يرتبط بالمكافآت والدوافع. فبينما تنخرطين في أشياء تجلب لكِ المتعة، فإن النواقل العصبية في دماغكِ تقودكِ إلى السعي وراء هذه المكافأة مرارًا وتكرارًا."
لفهم هذه الكيمياء، فإن الحب يحدث بدرجةٍ أقل في القلب ودرجةٍ أكبر في الدماغ؛ حيث يتم إطلاق الهرمونات والمواد الكيميائية في الدماغ. وتُعدَ الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين بعض النواقل العصبية الرئيسية التي تساعدكِ على الشعور بالمتعة والرضا. لذا، غالبًا ما يتعامل جسمكِ مع الحب باعتباره دورةً ما؛ يزيد الشعور بالسعادة عندما تكونين مع هذا الشخص، لذلك يقول دماغكِ، "لنفعل ذلك مرةً أخرى."
مكوناتٌ فريدة للحب
وفقًا للخبراء، فإنه ثمة مكونات فريدة إنما متداخلة للحب، تشمل الانجذاب؛ الرغبة الجنسية، والتعلق. وتقول لابينج كار إنه على الرغم من أهمية معرفة هذه المكونات، إلا أنها لا تُعتبر مراحل من الحب. وتشرح قائلةً: "يمكن أن يتطور التعلق أثناء الصداقة، مما قد يؤدي إلى علاقةٍ رومانسية. في هذه الحالة، قد يأتي الشعور بالأمان مع شخصٍ ما قبل التعلق أو الرغبة الجنسية."
للحب تأثيراتٌ كبيرة على الشخص تتخطى حالة تغيّر المشاعر، فهو عملية كيميائية حيوية مُعقدة تحدث داخل دماغ الرجل والمرأة، لكن ماذا يحدث في جسمكِ عندما تقعين في الحب؟ هذا ما سنتعرف عليه فيما يلي..
ماذا يحدث في جسمكِ عندما تقعين في الحب؟
الوقوع في الحب مسألةٌ مستمرة وليست فجائية كما يظن البعض، ويُطلق عليها عبارة "الحب من النظرة الأولى"؛ فهناك ثلاثة مراحل على ما يبدو للوقوع في الحب كما وُجد علميًا، ولكل واحدةٍ من هذه المراحل هرموناتها الخاصة بها والتي يمكن أن تُفضي إلى تغييراتٍ جسدية ونفسية، بحسب موقع "ويب طب".
وتأتي هذه المراحل الثلاث على النحو الآتي:
1. مرحلة الرغبة
تُعتبر المرحلة الأولى في الحب، وخلالها يقوم الجسم بإفراز هرمونات الأستروجين (Estrogen) لدى السيدات، والتستوستيرون (Testosterone) لدى الرجال؛ وهما الهرمونين المسؤولين عن إثارة الشعور بالشهوة والرغبة الجنسية في الدماغ. هذه العملية تزيد من عمل الغدد اللمفاوية المسؤولة عن تنقية الدم وضخه إلى الأنسجة والخلايا المختلفة، بغية إمداد الجسم بالطاقة والتخلص من الإجهاد والتعب.
من ناحية أخرى، يحدث عند الوقوع في الحب، إغلاقٌ لنشاط منطقة التقييم الموجودة في مقدّمة الدماغ؛ ما يُفسرَه العلماء لجهة عدم تطابق التقييمات العقلانية مع المشاعر والعاطفة التي نشعر بها نحو الشخص الآخر. من هنا يمكن القول أن المثل الشعبي "الحب أعمى" أتى بلا شك.
2. مرحلة الإنجذاب
في هذه المرحلة، يستحوذ الحبيب على بال وتفكير من يحبون، بحيث ننشغل بهم عن كل ما يحيط بنا، ونشعر بالسعادة لمجرد رؤيتهم أو سماع أصواتهم. ويُفسر هذا الشعور بالغبطة التي تُصيبنا بعد وقت قليل من مقابلة الشخص الذي نحب؛ حيث يتم إفراز هرمون الدوبامين (Dopamine) المعروف بإسم هرمون السعادة، والذي يدفعنا للشعور بالفرح والثقة بالنفس.
ما أن يُطلق الجسم هذا الهرمون، حتى نشهد العديد من التغييرات الفيسيولوجية؛ مثل زيادة الطاقة، قلة الحاجة للنوم أو تناول الطعام، والتركيز أكثر على الشخص الذي نحب، والاهتمام بكافة التفاصيل المتعلقة به.
ضمن هذه المرحلة أيضًا، وجد الباحثون ثلاثة مراحل فرعية أخرى تتسبب كذلك الأمر بتغييراتٍ جذرية على شخصية الفرد تُسمى اعراض الحب. وتحدث جراء إفراز الهرمونات الآتية:
• الأدرينالين (Adrenaline): وهو هرمون يُفرز من الغدة الكظرية، ويعمل على رفع عدد ضربات القلب، ما يعني سرعة ضخ الدماء خلال الشرايين التي تتوسع بدورها لاستيعاب ما يأتيها من الدم لتزويد العضلات والخلايا بالمزيد من الأكسجين.
• الدوبامين: يقوم الدماغ، عند الوقوع في الحب، بإفراز هرموناتٍ تُعبَر عن اللحظة السعيدة؛ لتظهر على شكل احمرارٍ في الوجه، تعرقٍ في اليدين، وخفقان القلب. ويُعد الدوبامين أحد أبرز الهرمونات المسؤولة عن تلك التغييرات، كونه يعمل على تنشيط المُستقبلات والإشارات العصبية، ليشعر المحبوب وهو بصحبة حبيبه بنشاطٍ لا يُقاوم، وسعادة تغمر كل كينونته.
• السيروتونين (Serotonin): أحد المواد الكيميائية التي تنتجها الخلايا العصبية، ويُعتبر السيروتوني المسؤول الأول عن شعوركِ بالسعادة والرضا والراحة النفسية، والرغبة الجنسية، فضلًا عن مشاعر الحب والعاطفة. وكلما شهد هذا الهرمون استقرارًا في نسبته، كلما اعتدل مزاجكِ العام؛ في حين أن اضطراب نسبة السيروتوني يمكن أن تُسبَب مجموعةً من الأمراض النفسية، كالاكتئاب والقلق والتوتر.
3. مرحلة التعلق والارتباط
لهذه المرحلة أهميةٌ فائقة، كونها ترتبط ليس بنوعٍ واحد من الهرمونات، وإنما بنوعين هما
الأوكسيتوسين وفاسوبريسين، اللذين يصدران عن الجهاز العصبي. تُعدّ هذه الهرمونات مسؤولةً عن ما يُسمى بالتعلق الاجتماعي.
لمعرفة المزيد حول هذين الهرمونين؛ فإن الأوكسيتوسين (Oxytocin) هو هرمون الحب، يتم تصنيعه في منطقة ما تحت المهاد في الدماغ، ويُنقل إلى الجسم بواسطة الغدة النخامية. نشهد ارتفاعًا لهذا الهرمون في حالاتٍ عدة، منها العلاقة الجنسية، العناق والمخاض. أما هرمون فاسوبريسين (Vasopressin)، فهو مهمٌ للغاية في مرحلة التعلق والارتباط؛ وكلما إفرازه وتواجده لدى العشاق، كلما زادَ تعلقهم وإخلاصهم لبعضهم.
خلاصة القول؛ أن للحب مراحل متعددة وهو لا يحدث فجأةً ويبقى على حالٍ واحدة، بل يمرَ بمراحل عدة مثل الرغبة والانجذاب وصولًا إلى التعلق والإرتباط. وعند كل مرحلةٍ من هذه المراحل، تُفرز أنواعٌ معينة من الهرمونات التي تُمهَد لتلك المراحل والتغييرات المصاحبة لها على الناحيتين الجسدية والنفسية.
فإذا كنتِ عزيزتي واقعةً في الحب مؤخرًا، أو تمرين بمرحلة الإنجذاب نحو التعلق والإرتباط؛ فاعلمي عزيزتي أن الوصول إلى الحب الناضج يستلزم وقتًا طويلًا، لذا امنحي نفسكِ ومن تحبين الوقت لخوض كافة المشاعر التي تحملها مراحل الحب كافةً.