هل تفقدين إحساسكِ بالوقت في بعض الأحيان؟

هل تفقدين إحساسكِ بالوقت في بعض الأحيان؟ إليكِ الأسباب والحلول

جمانة الصباغ

فقدان الإحساس بالوقت، هل عانيتِ من هذه المشكلة سابقًا أو تعانين منها حاليًا؟

ماذا يعني أن أفقد إحساسي بالوقت؟ على سبيل المثال، أقومُ بكتابة موضوعٍ ما على جهاز اللابتوب الخاص بي، كما أفعلُ كل يوم من خلال عملي الصحفي. أبقى متسمرةً خلف الجهاز لساعةٍ أو أكثر دون حركة أو حتى النهوض عن الكرسي للذهاب للحمام أو تناول شيءٍ ما للأكل؛ حتى يمكن أن أنسى شرب الماء من القارورة الموضوعة بجانبي على الطاولة. هذا هو فقدان الإحساس بالوقت..

مثالٌ آخر: تجلسين على مقعدكِ المريح بعد عناء يومٍ طويل من العمل والمهام؛ تبدأين بتصفَح شاشة الهاتف الذكي، تجولين بين منصات التواصل الاجتماعي دون توقف. إصبعكِ يصعد على الشاشة بشكلٍ أوتوماتيكي، تتوقفين بين الفينة والآخرى لتصفح شيءٍ ما، ثم تعودين لتحريك إصبعكِ من جديد. لتجدي نفسكِ بعد ساعةٍ أو أكثر من الوقت، في ذات الوضعية وذات التصرف. هذا هو فقدان الإحساس بالوقت.

الإنشغال بمهاراتٍ وأمورٍ جديدة يتيح لنا فرصة الاستمتاع بالوقت
الإنشغال بمهاراتٍ وأمورٍ جديدة يتيح لنا فرصة الاستمتاع بالوقت

يُشاع أن هذه الفقدان مرده إلى الاستمتاع بالأشياء التي نقوم بها، بحيث لا نشعر بالوقت وهو ينسحب من بين يدينا بسرعة. لكن كثيرًا من الناس يتحدثون عن فقدان الإحساس بالوقت منذ العام 2019؛ ويتداول معظم مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي منشوراتٍ يسخرون فيها من عدم شعورهم بالزمن منذ العام 2019، كما لو أن الوقت قد توقف عند تلك السنة.

فما هي أسباب فقدان الشعور بالوقت؟ وهل للعمر دورٌ في ذلك؟ وهل ثمة حلول لهذه المشكلة، بحيث يمكننا استعادة الشعور بمتعة الوقت كما كنا نفعل سابقًا؟ الموضوع جميل ويستحق القراءة، لذا تابعي معنا في السطور التالية كافة المعلومات التي تجيب على الأسئلة أعلاه، والتي جمعناها لكِ من عدة مصادر طبية وصحفية.

ما هي أسباب فقدان الشعور بالوقت؟

يُطلق عليه أيضًا إسم "العمى الزمني" Time Blindness؛ فقدان الشعور بالوقت مرده في المقام الأول الاستمتاع بما نقوم به، بحيث تتفاعل أدمغتنا بشكلٍ مختلف مع التجارب الممتعة. وقد أظهرت الأبحاث أن العمى الزمني هو في الأساس "تحكمٌ في سرعة العقل".

هناك عدة أسباب شائعة للشعور وكأنكِ فقدتِ الإحساس بالوقت:

تلعب الحالة النفسية بعض الدور في فقدان الشعور بالوقت
تلعب الحالة النفسية بعض الدور في فقدان الشعور بالوقت

1.     الإفراط في تحفيز الدماغ: مع وجود الكثير من المعلومات والمُحفزات التي تتنافس باستمرار على انتباهنا، يمكن أن تصبح أدمغتنا مُثقلة، ما يجعلنا نفقد إحساسنا بالوقت.

2.     الافتقار إلى الضوابط: بدون جدولٍ زمني واضح أو مجموعة من المهام التي يجب اتباعها، قد يكون من الصعب تتَبع مرور الوقت.

3.     الانخراط في أنشطةٍ ممتعة: عندما ننخرط تمامًا في مهمةٍ أو نشاط نستمتع به، قد يبدو الوقت وكأنه يمر بسرعة.

4.     المُشتتات: من الإشعارات على أجهزتنا الذكية إلى المقاطعات من الآخرين، يمكن للمُشتتات أن تُعطَل إحساسنا بالوقت وتجعلنا نفقد الإحساس به.

5.     الحالة العقلية أو العاطفية: يمكن لعوامل مثل التوتر أو القلق أو الاكتئاب أن تؤثر على إدراكنا للوقت، وتجعلنا نشعر أنه يمر بسرعة أكبر أو أبطأ مما هو عليه في الواقع.

بدوره؛ نقل موقع "الكونسلتو" عن الدكتور جمال فرويز، استشاري الصحة النفسية، أن ثمة العديد من التغيرات الكبيرة والمفاجئة التي شهدناها منذ نهاية العام 2019، والتي قد تكون لعبت دورًا كبيرًا في فقدان الشعور بالوقت الذي يشكو منه الأشخاص حاليًا. وهي التالية:

•       العزل المنزلي: بحسب فرويز، فإن ظهور وتفشي فيروس كورونا المستجد يُعد من أبرز المتغيرات العالمية التي أفقدتنا الشعور بالوقت. موضحًا أن الإغلاق الشامل الذي فرضته جائحة كوفيد-19 أجبرنا على البقاء في المنزل، وهناك لم نعد نشعر بقيمة الوقت كما في السابق. وتابع فرويز قائلًا: "إن الإنسان يدرك الوقت بالاعتماد على الأحداث التي يمر بها؛و عندما تقل الأنشطة اليومية، يفقد العقل القدرة على الشعور بالزمن."

•       استخدام الإنترنت بكثرة: التكنولوجيا اليوم، وفقًا لفرويز، هي أحد أسباب عدم الشعور بالوقت. فالاستخدام المفرط للإنترنت، بما في ذلك مواقع السوشيال ميديا، جعل الوقت يبدو وكأنه يمر بسرعة أكبر، بالإضافة إلى الانفصال عن الواقع الذي يفرضه هذا الانغماس الشديد.

•       الضغط العصبي: لا شك في أن حالة التوتر والذعر التي انتابت سكان العالم بسبب الضغوط الاقتصادية والمخاوف الصحية في أعقاب ظهور فيروس كورونا، قد أسهمت في زيادة فقدان الشعور بالوقت؛ لأن التفكير المستمر في المستقبل والقلق بشأنه يُقلَلان من تركيز الإنسان على الحاضر بحسب فرويز.

•       غياب الأنشطة الاجتماعية: الإنسان اجتماعي بطبعه، يؤكد فرويز، وغياب الفعاليات الاجتماعية مع بدايات جائحة كورونا، مثل حضور الحفلات والمباريات، والاكتفاء بالتواصل مع الآخرين عبر الهواتف أو محادثات الفيديو، من المؤكد أنه أثر سلبًا على كيفية إدراك البعض للوقت والشعور به.

هل للتقدم بالسن دورٌ في فقدان الشعور بالوقت؟

يختلف إحساس الصغار والكبار بالوقت
يختلف إحساس الصغار والكبار بالوقت

تحدثت صحيفة دي فيلت الألمانية عن الموضوع، في إشارة إلى كتاب "صنع الوقت" للمؤلف البريطاني ستيف تايلور، الذي حاول الإجابة عن سر تسارع أو تباطؤ الزمن لدى الناس، وتصورات الناس المختلفة عن الوقت، وتأثير ذلك على إحساسهم المختلف بالوقت.

فمثلما هناك أشخاص لا يشعرون بمضي الوقت، فإنه يمرَ ثقيلًا وبطيئًا على آخرين. ويختلف هذا الشعور بالوقت بناءً على الحالة النفسية للمرء؛ فإذا كنتِ عزيزتي غارقةً في العمل فإن الوقت ينقضي بسرعة، أما في حالة الملل أو الشعور بالألم، فإن الوقت يبدو وكأنه لا ينتهي. وبالتالي، يمكن القول أن للعامل النفسي دورًا مهم في شعورنا بالوقت وكيفية تعاملنا معه.

فيما يتعلق بالتقدم بالسن وعلاقته بتسارع الوقت؛ يشير موقع SWR-wissen الألماني المعني بالمواضيع العلمية إلى أن العام الواحد غالبًا ما يستغرق وقتًا طويلًا لدى الأطفال، في حين أنه قد يمرِ بسرعةٍ كبيرة للأشخاص البالغين أو كبار السن. وقد تمَ توثيق هذه الظاهرة، بحسب الموقع، والتي بالإمكان تفسيرها علميًا على النحو الآتي:

الوقت هو حقيقةٌ ثابتة للكبار والصغار من الناحية النظرية؛ لكن الإحساس به هو الذي يختلف لعوامل عدة، يُرجعها العلماء إلى عمليةٍ حسابية يبتكرها عقل الإنسان بالاستناد إلى الفترة التي عاشها من حياته. فالعام الواحد يُمثَل ثلث الحياة بالنسبة لطفلٍ في الثالثة من عمره، في حين تُشكَل هذه السنة جزءًا بسيطًا من حياة عجوز في التسعين من عمره. ما يعني أن إدراك عقل الإنسان لمرور الزمن، هي مسألةٌ تتناسب بشكلٍ طردي مع عمره. خلال السنوات الثلاثين الأولى من حياة الإنسان، يمر بالعديد من الأمور اليومية مثل الذهاب للمدرسة والجامعة، البحث عن عمل، التعرف على الأصدقاء والشريك، اكتشاف وتطوير الميول والمواهب وغيرها. هذه الأمور قد تجعل الوقت يمر بسرعة.

أما في فترة الشيخوخة أو التقدم بالسن، فإن المتغيرات في حياتنا تقل تدريجيًا عما كانت عليه في السابق؛ وبالتالي يصبح التكرار وروتين الحياة هما السمة الغالبة لهذه المرحلة العمرية، ما يجعل الوقت يبدو وكأنه بطيٌ للغاية. لذا يُشجع الخبراء على إشغال العقل والدماغ بالبحث وتعلَم معلومات جديدة وكثيرة كل يوم، لتجنب هذا الإحساس المختلف بالزمن والذي قد يكون مميتًا للبعض.

كيف لنا أن نبطئ الوقت ونستفيد منه؟

هل تفقدين إحساسكِ بالوقت في بعض الأحيان؟-رئيسية واولى
هل تفقدين إحساسكِ بالوقت في بعض الأحيان؟

ليس مستحيلًا ولا صعبًا، أن نستعيد إحساسنا العميق بالوقت وتقديرنا لأهميته في حياتنا.

كيف؟ باتباع بعض النصائح التي يُسديها الخبراء لمن يعانون من فقدان الوقت بسرعة، سواء في عمرٍ مبكر أو متقدم. والنصائح كما يلي:

1.     خلق تجارب جديدة: لا ينبغي أن يتوقف المرء عن استكشاف الحياة وما تقدمه من تجارب جديدة، في حال انتهى من تحقيق كافة طموحاته. بل من الممكن دومًا صنع تجارب جديدة يمكن أن تُشعرنا مجددًا بقيمة الوقت. فكري في اعتماد هواياتٍ جديدة، أو السفر إلى أماكن جديدة لم يسبق لكِ أن زرتيها في السابق؛ تتيح لكِ هذه الأمور زيادة ذكرياتكِ وتجاربكِ في الحياة، وتشعرين معها لأنها أطول من سابقاتها التي اعتدتِ عليها.

2.     تقليل وقت الاستهلاك السلبي: أو إضاعة الوقت في أمورٍ غير مفيدة؛ فالتصفح غير المُجدي لساعات على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهدة التلفاز معظم الوقت، كثرة النوم وغيرها من تلك الأمور هي أكبر مضيعةٍ للوقت. خصَصي بعض الوقت لهذه الأنشطة، إنما كرَسي معظم وقتكِ لأشياء أكثر فائدة مثل القراءة وممارسة الرياضة والعمل التطوعي وغيرها.

3.     ترك الماضي للماضي: كثيرًا ما نتحسر على الأيام والسنوات الماضية، التي اختبرنا فيها أجمل الأوقات والذكريات؛ لكن الانشغال بالماضي وتلك الذكريات يجعلان الوقت يمضي هباءً، في حين أن الحاضر يُتيح لنا فرصة الانشغال بصنع ذكرياتٍ جديدة ومميزة.

خلاصة القول؛ أن فقدان الشعور بالوقت قد يكون مرده لممارساتٍ خاطئة وغير صحية في حياتنا، تجعلنا لا نشعر بأهمية الوقت وكيفية الاستفادة منه. كما أن لعوامل حياتية ونفسية مثل التوتر والتقدم بالسن، تأثيراتٌ سلبية على إضاعة الوقت الذي يجب أن نُشغله بأمورٍ مفيدة على الدوام.