
تكنولوجيا لا مفر من استخدامها: تحذيراتٌ من مخاطر سماعات الأذن ونصائح لاستخدامها بشكلٍ آمن
سماعات الأذن Airpods، هي صيحةٌ رائجة لم يعد لنا غنى عنها في أيامنا الحالية. وقد بات الجميع يضع سماعاتٍ للحديث على الهاتف أو سماع الموسيقى.
صحيحٌ أن هذه السماعات تخدمنا في مواقف عدة؛ إذ إنها تُوفر علينا حمل الهاتف أثناء القيادة أو العمل، كما تتيح الاستمتاع بالموسيقى أو القرآن أو برامج البودكاست، وحتى التعلَم، دون إزعاج من حولنا. وتتوافر في الأسواق، موديلات مختلفة لسماعات الأذن التي تقدم حلولًا للضجيج ودقة عالية في الصوت وغيرها من التحديثات التي جعلت من هذه السماعات ضرورةً ملحة للجميع تقريبًا.
أكثر من نراهم يستخدمون هذه السماعات، هم جيل الشباب والمراهقين وحتى الأطفال الصغار، الذين استغنى بعضهم عن سماعات الرأس Headphones لصالح سماعات الأذن. وهو ما يطرح العديد من علامات الإستفهام: هل استخدام هذه السماعات منذ عمر صغير آمن؟ ما هي المدة التي ينبغي فيها وضع السماعات كل يوم؟ وهل ثمة مخاطر وأضرار لاستخدام سماعات الأذن لوقتٍ طويل؟ ماذا عن ضعف السمع والسرطان، هل تتسبب بهما تلك السماعات؟
سنجيب على جميع هذه الأسئلة وغيرها في موضوعنا اليوم، بناءً على معلومات حصلنا عليها من مختصين ومن مواقع طبية وصحفية.
مخاطر سماعات الأذن

نود التنبيه هنا، إلى أن ما سنستعرضه من حقائق وأرقام، مبني على دراسات وأبحاث وكذلك آراء مختصين في مجال صحة السمع. وإن إردتِ عزيزتي التأكد من جميع ما سيُذكر، ننصحكِ بمراجعة الطبيب المختص.
الإيربودز" (Airpods) أو سماعات الأذن، هي سماعاتٌ توضع داخل الأذنين؛ وتبدأ خطورتها عند تشغيل الموسيقى الصاخبة بالقرب من طبلة الأذن، مما قد يُسبَب فقدانًا دائمًا للسمع، بحسب الدكتورة ميلاني ل. بيتون، طبيبة الطوارئ في مستشفى نيمور للأطفال بفلوريدا. وقد حذرت بيتون من تلف الأذن الداخلية جراء الاستخدام الدائم لهذه السماعات، والذي لا يشفى أبدًا بل يزداد السمع سوءًا مع الوقت. وقالت في هذا الصدد: "عادةً ما يستغرق فقدان السمع الناجم عن ضوضاء استخدام سماعات الأذن بعض الوقت، فلا يعرف كثيرٌ من الناس أن لديهم مشكلة إلا بعد فوات الأوان؛ فقد يكون لديكِ ضعفٌ في السمع وأنتِ لا تشعرين."
وأفضت الدراسات المتعددة حول استخدامات سماعات الأذن إلى وجود بعض المخاطر. ففي العام 2022، وبعد مراجعة 33 دراسة تحتوي على بيانات أكثر من 19 ألف مشارك، تراوحت أعمارهم بين 12 و34 عامًا؛ توصلت دراسةٌ استهدفت معرفة مدى انتشار ممارسات الاستماع غير الآمنة بين المراهقين والشباب، بسبب الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة، واستخدام سماعات الأذن والهواتف الذكية وسماعات الرأس، إلى أن "العدد التقديري للأشخاص الذين يمكن أن يتعرضوا لخطر فقدان السمع، نتيجة الاستماع غير الآمن، في جميع أنحاء العالم، يتراوح بين 670 مليونًا إلى 1.35 مليار."
الدراسة التي دعمت أبحاثًا أجرتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) خلال عامي 2011-2012، خلصت إلى أن "ضعف السمع الناتج عن التعرض للضوضاء الصاخبة منتشرٌ على نطاق واسع في الولايات المتحدة، حيث أثر على نحو 10-40 مليون بالغ."
وقال الباحثون "إن عادات الاستماع للموسيقى بمستوياتٍ أعلى من الموصى بها، تُعرّض ما يصل إلى 1.35 مليار شاب من مستخدمي سماعات الرأس والأذن في العالم لخطر فقدان السمع". موضخين أن المشكلة تكمن في "مستويات الصوت غير المستقرة وغير المُنظمة في أجهزة الاستماع الشخصية". خاصةً أن معظم المستخدمين يختارون سماعاتٍ تصل قدرتها إلى 105 ديسيبلات، ويتعرضون في أماكن الترفيه لمستوى يراوح بين 104 و112 ديسيبل، "وهي مستوياتٌ أعلى بكثير من تلك التي تُعدّ آمنة بصورة عامة" (المستويات الآمنة هي أقل من 80 ديسيبل بحسب أبحاث سابقة).
وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت في العام 2021 من مخاطر سماعات الأذن، مشيرةً إلى أن "ما يزيد على مليار من المراهقين والشباب، بين 12 و 34 عامًا، مُعرّضون لخطر فقدان السمع الذي لا يمكن علاجه"، جراء التعرَض المطول والمفرط للموسيقى الصاخبة والأصوات الترفيهية الأخرى. ما يعني بحسب المنظمة الأممية "عواقب وخيمة على صحتهم الجسدية والعقلية والتعليم وفرص العمل". وأضافت المنظمة أن أكثر من 5% من سكان العالم (432 مليون بالغ و34 مليون طفل) يعانون من ضعف السمع المُعَوِّق؛ متوقعةً أن يرتفع هذا العدد إلى 700 مليون شخص على الأقل، بحلول عام 2050 أيضا.
كما توقعت أن يصل عدد ضحايا الأصوات الصاخبة إلى 2.5 مليار بحلول عام 2050، وذكرت في تقريرها أن "فقدان السمع يُكلَف الاقتصاد العالمي 980 مليار دولار أميركي سنويًا، بسبب تكاليف القطاع الصحي، وأجهزة السمع، والدعم التعليمي، وفقدان الإنتاجية، وكذلك التكاليف المجتمعية."
الأطفال أكثر عرضة لمخاطر سماعات الأذن

في دراسةٍ حديثة أجراها باحثون من جامعة ميتشيغن الأمريكية؛ أكدَ الباحثون أن مخاطر وأضرار سماعات الأذن تزيد عن الأطفال، وهم أكثر عرضةً لاحتمالات الضرر بسبب عدم اكتمال نمو وتطور أنظمتهم السمعية في عمرٍ صغير. وأوضح الباحثون، في الدراسة التي نُشرت نتائجها بموقع جامعة ميتشيغن، أن تعرُّض الأطفال للضوضاء يمكن أن يؤثر أيضاً في جودة نومهم وتعلَمهم، فضلًا عن التثير على لغتهم ومستويات التوتر، وحتى ضغط الدم لديهم.
في محاولةٍ لكشف مخاطر سماعات الأذن لدى الأطفال، قامت الجامعة بعمل استطلاعٍ محلي حول الأطفال؛ وقد أفاد 2 من كل 3 آباء بأن أطفالهم في سن المدرسة الابتدائية أو المتوسطة يستخدمون الأجهزة الصوتية، فيما أبلغ نصف آباء الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و8 سنوات عن استخدام أبنائهم سماعات الأذن. ومن بين الآباء الذين يستخدم أطفالهم سماعات الأذن، قال نصفهم إن الأطفال يقضون ساعةً على الأقل يوميًا في استخدامها، فيما أكد واحدٌ من كل 6 آباء أن متوسط استخدام طفلهم لتلك السماعات يصل إلى ساعتين على الأقل كل يوم.
وعلَقت الباحثة الرئيسية للدراسة بجامعة ميتشيغن، الدكتورة سوزان وولفورد على موقع الجامعة على هذه النتائج المخيفة بالقول: "أصبحت سماعات الأذن شائعةً بشكلٍ كبير ومنتشرة بين الأطفال الأصغر سنًا، ما يُعرَضهم لضوضاءٍ أكثر شدة بشكلٍ منتظم. وأضافت: "كشفت نتائج الاستطلاع أن الأطفال هم أكثر احتمالًا لاستخدام سماعات الأذن، في المنزل والمدرسة وفي السيارة».
وعن تداعيات هذا التعرَض الطويل والشديدة لكمياتٍ كبيرة من الضوضاء، كشفت وولفورد أنه يمكن أن يؤدي لمشكلاتٍ صحية طويلة المدى؛ بما في ذلك فقدان السمع أو طنين الأذن، كما أشارت إلى أن الأطفال هم الفئة الأكثر عرضةً للضرر المحتمل من التعرَض للضوضاء، لأن قنوات الأذن لديهم أصغر حجمًا من البالغين، ولا تزال في مرحلة التطور، ما يؤدي لتكثيف مستويات الصوت الملموسة لديهم. وأوضحت أن "الخلايا الصغيرة الموجودة في الأذن الداخلية للأطفال، تلتقط الموجات الصوتية المُساعدة على السمع، وعندما تتضرر هذه الخلايا أو تموت، فإن فقدان السمع لا يمكن علاجه."
سماعات الأذن: هل تُسبَب السرطان؟
بعدما اتفق جلَ الباحثين على أن سماعات الأذن قد تتسبب بفقدان السمع الذي لا يمكن علاجه على المدى الطويل؛ظهرت تحذيراتٌ من قبل مجموعةٍ من العلماء على أن الاستخدام المفرط لسماعات الأذن، قد يتسبب في الإصابة بمرض السرطان.
وجاءت هذه التحذيرات من قبل مجموعةٍ من العلماء، نشروا نداءً في العام 2019 على موقع EMFscientist.org(موقع نداء علماء المجالات الكهرومغناطيسية الدولي، ويُعدَ بمثابة صوتٍ موثوق ومؤثر من علماء هذه المجالات)؛ عبروا فيه عن قلقهم الزائد حيال الحقول الكهرومغناطيسية غير المؤينة الموجودة في كل مكان والتي تستفيد منها تقنيات اليوم كالهواتف المحمولة وشبكات الواي فاي والهوائيات التلفزيونية وشاشات الأطفال. كما تعمل سماعات بلوتوث أيضًا بهذه الطريقة. واستند الباحثون في ندائهم على منشوراتٍ علمية سابقة لمختلف الخبراء في هذا المجال.
وقال جيري فيليبس، أستاذ الكيمياء الحيوية من المجلة الامريكية "ميديوم"، أن "اتجاه وضع السماعات في قناة الأذن يُعرَض الأنسجة في الرأس لمستوى عالي من إشعاع الموجات ذات التردد العالي."
بحسب الباحثين، فإن هذا الأمر يُعتبر أكثر خطورةً مما يظن عامة الناس؛ وقد جاء في النداء العاجل: "تشمل التأثيرات زيادة خطر الإصابة بالسرطان والاجهاد الخلوي والضرر الوراثي والتغيَرات في الجهاز التناسلي، إضافةً إلى حدوث عجزٍ في التعلَم واضطرابات عصبية أخرى، ناهيك عن التأثيرات السلبية على شعور الانسان نفسه."
هذا التحذير لم يكن الأول؛ فقد سبقه تحذيرٌ مماثل أطلقه مجموعةٌ من العلماء في العام 2015، انتقدوا فيه الضوابط الدولية غير الكافية بشأن إدارة الحقول الكهرومغناطيسية غير المؤينة. مع عدم وجود حمايةٍ للسكان وخاصةً الأطفال والنساء الحوامل، وهو أٌمر يثير قلق الكثير من العلماء. وطالبوا بإنشاء لجنةٍ مستقلة تابعة للأمم المتحدة، لبحث كيفية حماية الناس من مخاطر الإشعاع الناجمة عن بعض الأدوات، ومنها سماعات الأذن.
نصائح لاستخدام سماعات الأذن بشكلٍ آمن

شيءٌ مخيف أن يكون لهذه التكنولوجيا الثورية، تداعياتٌ كبيرة وجمة على صحتنا. لكن من المؤكد أننا لن نتوقف عن استخدام سماعات الأذن اليوم وفي المستقبل، نظرًا للفوائد العديدة التي تقدمها لنا لراحة الحياة وسهولة الاستمتاع بالأشياء. لكن من الضروري أن نعرف مقدار الوقت الصحي الذي يمكننا من خلاله استخدام تلك السماعات، وغيرها من النصائح لاستخدامات سماعات الأذن الآمنة.
والحقيقة أن العديد من المنظمات والهيئات الصحية المختصة، ومعهم الأطباء والمختصون؛ لا يألون جهدًا في تقديم النصيحة والمشورة حول استخدام سماعات الأذن بشكلٍ آمن. منهم منظمة الصحة العالمية التي أصدرت في مارس 2021، وبمناسبة اليوم العالمي للسمع؛ معيارًا دوليًا جديدًا بشأن الاستماع المأمون في الأماكن والفعاليات، من ست توصيات تتضمن "ألا يتجاوز متوسط مستوى الصوت 100 ديسيبل". وكانت المنظمة أصدرت في عام 2019 معيارًا عالميًا آخر يُحدَد "أجهزة الاستماع الشخصية المأمونة التي تُوفر للمستخدمين خيار ضبط مستوى الصوت ومدة الاستماع."
بدورها؛ قدمت وولفورد من جامعة ميتشغين الأمريكية، بعض النصائح المفيدة لتقليل مخاطر تعرَض الأطفال للضوضاء عند استخدامهم لسماعات الرأس وسماعات الأذن. وأبرز هذه النصائح يتجلى في قدرة الوالدين، تقليل التأثير السلبي على أطفالهم، من خلال مراقبة وضبط مستوى الصوت للطفل وفترة مكوثه على الأجهزة، بحيث لا يزيد الوقت عن 60 دقيقة يوميًا. كما لا ينبغي أن تتجاوز شدة الصوت 60% من الحد الأقصى لمستوى الصوت. لكنه حذرت في الوقت نفسه من استخدام الأطفال لسماعات الأذن في المواقف التي تتطلب تمييز الأصوات من حولهم لسلامتهم، مثل المشي أو ركوب الدراجة. وحثَت الآباء على مراقبة العلامات المُبكرة لفقدان السمع لدى أطفالهم بسبب سماعات الأذن؛ وهي طلب تكرار الكلام، أو سماع أصوات رنين في كثيرٍ من الأحيان، أو التحدث بصوتٍ عالٍ للأشخاص القريبين، أو تأخر الكلام، أو عدم الاستجابة للضوضاء العالية، مع ضرورة استشارة الطبيب عند ملاحظة تلك الأعراض على الأطفال.
خلاصة القول؛ أن سماعات الأذن باتت اليوم أمرًا محتومًا لا مفر منه؛ والحقيقة أننا نستفيد بشكلٍ أو بآخر من هذه السماعات في تسهيل أمور حياتنا. لكن كل ما زاد عن حده نقص، كما يقول المثل؛ وبالتالي فإن الاستخدام المفرط وغير المضبوط لتلك السماعات، قد يؤدي بنا إلى فقدان تام وغير قابل للعلاج على المدى الطويل.
وبما أن أطفالنا وأولادنا المراهقين هم الأكثر استخدامًا لهذه التكنولوجيا، ينبغي علينا كأهل ومُرَبين توجيههم نحو الاستخدام الصحي، بحيث يستفيدون من سماعات الأذن دون أن يتعرضوا لمخاطرها.