
للصيام تأثيرات إيجابية على صحة العينين.. إليكِ نصائح الخبراء لصيامٍ آمن
يُعدَ صيام رمضان ممارسةً روحية أساسية يؤديها ملايين المسلمين حول العالم. وإلى جانب أهميته الدينية، ارتبط الصيام بالعديد من الفوائد الصحية، مثل تحسين الأيض، وتقليل الالتهابات، وتعزيز الإصلاح الخلوي. ومع ذلك، قد يكون للصيام (في حال عدم اتباعه بطرقٍ صحيحة ومدروسة) بعض التأثيرات السلبية على بعض أعضاء الجسم، ومنها العينين؛ إلا أن هذا التأثير لم تتم دراسته بشكلٍ كافٍ.

إن عينيكِ تقوم بأشياءٍ عجيبة؛ فمن خلال نظامٍ معقد، تستقبل العينان المعلومات وتتصلان مباشرةً بدماغك، مما يسمح لكِ بمعالجة العالم من حولكِ بصريًا. لن تتخيلي أن الناس يُهملون العناية بأعينهم، ولكنهم يفعلون ذلك بالفعل! فعندما لا يشعرون بوجود مشكلةٍ في بصرهم، فإنهم غالبًا ما يتجاهلون الفحوصات الدورية لدى طبيب العيون.
حتى لو لم تكوني بحاجةٍ إلى رعاية تصحيحية للرؤية، فإن هذه الفحوصات مهمةٌ لمراقبة صحة عينيكِ وعافيتكِ بشكل عام. يمكن أن تساعد الفحوصات المنتظمة التي يُجريها طبيب العيون في الكشف عن مجموعةٍ متنوعة من المشكلات الصحية. وبصرف النظر عن الحصول على تصحيح الرؤية مثل النظارات أو العدسات اللاصقة، فإن فحص العين يُوفر رؤيةً واضحة لمشكلات الرعاية الصحية الأخرى. لن يساعدكِ الطبيب فقط في تحديد مشكلات صحة العين مثل الجلوكوما وإعتام عدسة العين والتنكس البقعي بشكلٍ استباقي، بل يمكن أن يُسهم أيضًا في تشخيص مشكلاتٍ أخرى مثل ارتفاع نسبة الكوليسترول، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، واعتلال الشبكية السكري، وأمراض الكبد، وحتى أورام المخ.
خلال الشهر الفضيل، وحرصًا منا كما عهدتنا على موقع "هي"، تقديم كافة المعلومات والنصائح الطبية والصحية القيَمة للتنعم بصحةٍ ورفاهٍ عاليين؛ نستعرض في مقالة اليوم مع الدكتور وسام شرف الدين أبو الحسن، أخصائي العيون في مناطق شبكية العين واعتام عدسة العين في مستشفى باراكير للعيون – الإمارات، أحدث النتائج العلمية حول تأثير الصيام في رمضان على صحة العين، خاصةً فيما يتعلق بالإجهاد التأكسدي، والالتهاب، وظروفٍ مثل متلازمة جفاف العين، والجلوكوما (الزُرق)، واعتلال الشبكية السكري.
الإجهاد التأكسدي وحماية الشبكية

يُعدَ الإجهاد التأكسدي سببًا رئيسيًا للعديد من أمراض العين، مثل إعتام عدسة العين والتنكس البقعي المرتبط بالعمر. وتشير الدراسات إلى أن الصيام يمكن أن يُعزَز دفاعات الجسم المضادة للأكسدة عبر تحفيز الالتهام الذاتي؛ وهي عمليةٌ تُزيل المكونات الخلوية التالفة. كما تتحدث الأبحاث عن أن تقييد السعرات الحرارية والصيام المتقطع، قد يزيد من نشاط الإنزيمات المضادة للأكسدة، مما قد يحمي خلايا الشبكية من الضرر التأكسدي.
الصيام والسيطرة على الالتهابات
يرتبط الالتهاب المُزمن بالعديد من أمراض العين؛ وتدل الأدلة العلمية على أن الصيام المتقطع قد يُقلَل الالتهاب الجهازي من خلال خفض مستويات بعض الوسائط الالتهابية. وانخفاض الالتهاب الناجم عن الصيام قد يُقلَل من خطر الإصابة بأمراض العين الالتهابية أو يٌبطئ تقدمها، مثل التهاب القزحية واعتلال الشبكية السكري.
تأثيرات متلازمة جفاف العين
تحدث متلازمة جفاف العين نتيجة نقصٍ في إنتاج الدموع أو عدم استقرار طبقة الدموع، وقد يؤثر الصيام على إنتاج الدموع بسبب الجفاف والتغيرات في استقلاب الدهون. ولاحظت بعض الدراسات أعراض جفاف العين لدى الصائمين، لكن هذه الأعراض عادةً ما تختفي مع استعادة الترطيب والعادات الغذائية الطبيعية.
الصيام وضغط العين الداخلي (الجلوكوما)

تُعتبر الجلوكوما سببًا رئيسيًا للعمى، وترتبط عادةً بارتفاع ضغط العين الداخلي. وتشير بعض الأبحاث إلى أن الصيام قد يساعد في تنظيم ضغط العين الداخلي من خلال تغيير ديناميكية السائل داخل العين وخفض الإجهاد التأكسدي. ومع ذلك، تختلف الاستجابات بين الأفراد، وقد يؤدي نقص الترطيب أثناء الصيام إلى تقليل هذه الفوائد.
اعتلال الشبكية السكري والتحكم بسكر الدم
ثبُت بالدليل العلمي، أن الصيام يُحسَن من حساسية الإنسولين واستقلاب الجلوكوز، وهما عنصران حيويان للوقاية من اعتلال الشبكية السكري. ويمكن للصيام المساعدة في استقرار مستويات السكر في الدم، مما يُقلَل من التقلبات التي تضر بالشبكية. إن تحسّن التحكم بالجلوكوز قد يُبطئ تقدم اعتلال الشبكية السكري عن طريق تقليل الإجهاد التأكسدي والالتهاب في الأوعية الدموية الشبكية.
ومع ذلك، يجب على مرضى السكري مراقبة مستويات السكر في الدم عن كثب أثناء الصيام، لتجنَب انخفاض مستويات السكر (نقص السكر في الدم) الذي قد يُسبَب اضطراباتٍ مؤقتة في الرؤية. كما يُنصح مرضى السكري باستشارة طبيبٍ قبل بدء الصيام لضمان سلامة إدارة مستويات السكر في الدم وتجنَب المضاعفات.
الصيام وأخطاء الإنكسار البصري
تعود أخطاء الانكسار البصري مثل قصر النظر وطول النظر بشكلٍ أساسي إلى عوامل بنيوية في العين وليس إلى عوامل استقلابية. ومع ذلك، قد يؤثر الصيام على استقرار الرؤية من خلال الجفاف وتقلَب مستويات السكر في الدم، ما قد يؤثر على شكل وسماكة القرنية والعدسة. وقد لوحظت تغيراتٌ مؤقتة في الرؤية لدى الأشخاص الذين يعانون تغيراتٍ كبيرة في مستوى الترطيب خلال فترات الصيام الطويلة، لكن هذه التأثيرات غالبًا ما تزول مع استعادة الترطيب المناسب وتناول المغذيات.
نصائح عملية لصيامٍ آمن.. للحفاظ على صحة العينين

إذا كنتِ عازمةً على الصيام وترغبين في حماية صحة عينيكِ، إليك بعض النصائح المهمة التي يقدمها لكِ الدكتور أبو الحسن:
1. اتباع نمط حياةٍ صحي: مارسي الرياضة بانتظام، وتجنَبي التدخين لتحسين الدورة الدموية وتقليل خطر الإصابة بأمراض العين.
2. أولوية الترطيب: اشربي الكثير من الماء خارج ساعات الصيام لتجنَب جفاف العين، وقلَلي من الكافيين لمنع الجفاف.
3. اعتماد الراحة: احرصي على النوم الكافي وخذي استراحاتٍ منتظمة من الشاشات لتقليل إجهاد العين.
4. التركيز على نظامٍ غذائي متوازن: تناولي الأطعمة الغنية بالمُغذيات المفيدة لصحة العين مثل فيتامين (أ)، أوميغا 3، اللوتين، الزنك، ومضادات الأكسدة.
5. مراقبة مستويات السكر: يجب على مرضى السكري استشارة الطبيب قبل الصيام لمنع المضاعفات التي تؤثر على الشبكية.
6. استخدام القطرات الطبية: استمري في استخدام القطرات الطبية الموصوفة، فهي لا تُفطَر وفقاً لآراء العلماء. الضغط على زاوية العين الداخلية وإغلاقها لمدة دقيقتين بعد وضع القطرات، يمكن أن يساعد في تعزيز الامتصاص.
ختام القول؛ الصيام في رمضان تجربةٌ روحية وجسدية فريدة قد تقدم فوائد عديدة للصحة العامة، بما في ذلك صحة العين. ومن خلال تعزيز الإصلاح الخلوي، والحد من الإجهاد التأكسدي، وتحسين تنظيم سكر الدم، يمكن للصيام أن يساهم في الحفاظ على صحة العين على المدى الطويل.
لكن يبقى الحفاظ على الترطيب الكافي واتباع نظام غذائي غني بالمُغذيات من الأساسيات التي تُعزَز هذه الفوائد. لذا فإن تبنَي الصيام كمنهجٍ شامل للصحة مع مراعاة الاحتياجات الفردية، يمكن أن يكون أداةً فعالة للحفاظ على صحة العين والعافية العامة.