
يُعيق حتى أبسط المهام كالأكل: كل ما تحتاجين معرفته عن مرض باركنسون في اليوم العالمي للتوعية به
على الرغم من أن أكثر من 10 ملايين شخص حول العالم يُعانون من مرض باركنسون Parkinson’s Disease (PD)، إلا أن فهم عامة الناس لأعراض المرض غالبًا ما يقتصر على ما يُعرض في وسائل الإعلام. ويعرف الكثيرون مرض باركنسون فقط على أنه المرض الذي عانى منه الملاكم العالمي محمد علي أو الممثل الأمريكي مايكل جيه فوكس.
ومع ذلك، عندما يُعلن إسمٌ مألوفٌ مثل علي أو فوكس عن تشخيص إصابتهما؛ ترتفع التغطية الإعلامية لمرض باركنسون لفترةٍ وجيزة. وبينما يُعد التشخيص مُقلقًا، فإن كشف شخصياتٍ مرموقة عن إصابتها بهذا المرض، يُساعد على زيادة الوعي والفهم، مع تخصيص مرض باركنسون لمن لا تربطهم به أي صلةٍ أخرى.
ويُعد اليوم العالمي لمرض باركنسون الذي يصادف 11 أبريل من كل عام، فرصةً كبيرة لتوعية الناس حول هذا المرض وكيفية التعامل مع مرضاه؛ وربما الأهم، التشجيع على الكشف المبكر عن باركنسون مع بدايات ظهور أعراضه.

لهذه المهمة؛ اخترنا الحديث إلى الدكتور نشوان يحيى المسدي، أخصائي الأمراض العصبية في مستشفى زليخة الشارقة، والذي وافانا بمعلوماتٍ مهمة عن مرض باركنسون، أسبابه، أعراضه، وطرق تشخيصه والوقاية منه.
إنما في البداية؛ دعينا نتعرف سويًا على ماهية مرض باركنسون، والإحصائيات الأخيرة حوله في الفقرة التالية..
ما هو مرض باركنسون؟
Parkinson’s هو اضطرابٌ تنكّسي عصبي مُزمن؛ يحدث نتيجة فقدان خلايا عصبية في جزءٍ من الدماغ يُسمى "المادة السوداء" (Substantia Nigra)، المسؤولة عن إنتاج الدوبامين، وهي مادةٌ كيميائية مهمة في تنظيم الحركة وتوازن الجسم. وكلما قلت كمية الدوبامين، تظهر على المريض أعراضٌ حركية وغير حركية، تتطوّر تدريجيًا مع مرور الوقت.
يُعد باركنسون ثاني أكثر الأمراض العصبية التنكّسية شيوعًا بعد مرض الزهايمر. ويُعاني ما يقرب من مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية من مرض باركنسون، مع توقع أن يرتفع هذا العدد إلى 1.2 مليون بحلول عام 2030. ويتم تشخيص ما يقرب من 90,000 شخص في الولايات المتحدة الأمريكية بمرض باركنسون سنويًا، حسبم كشفت دراسةٌ أُجريت في عام 2022 بدعمٍ من مؤسسة باركنسون؛ ويمثل هذا الرقم زيادةً حادةً بنسبة 50% عن المعدل المُقدَّر سابقًا والبالغ 60 ألف حالة تشخيص سنويًا. كما يعيش أكثر من 10 ملايين شخص حول العالم بهذا المرض.
ما الذي يُسبَب مرض باركنسون؟
وفقًا للدكتور المسدي، فإن السبب المباشر لمرض باركنسون غير معروف حتى اليوم؛ لكن هناك عدة عوامل قد تلعب دورًا في الإصابة، وهي على الشكل التالي:

1. العوامل الوراثية
بعض الحالات ناتجةٌ عن طفرات في جينات معيّنة (مثل LRRK2 و PARK7). إلا أن هذه الحالات نادرة وغالبًا ما تظهر في سنٍ مبكر (أقل من 50 سنة).
2. العوامل البيئية
مثل التعرّض الطويل للمواد الكيميائية كالمبيدات أو المعادن الثقيلة، والإصابات الدماغية المتكررة (الوقوع أو تلَقي ضربات على الرأس / التعرض لحوادث).
3. العمر
إن أن أكثر من 60% من المصابين تزيد أعمارهم عن 60 سنة.
4. الجنس
يُعدَ الرجال أكثر عرضةً بنسبة 1.5 مرة من النساء.
هل مرض باركنسون وراثي؟
كلا؛ حوالي 90-95% من الحالات لا تكون وراثية. لكن إذا كان أحد الأقارب مصابًا بالمرض، فقد تزيد احتمالية الإصابة، لكنها ليست مؤكدة لذا لا يمكن الأخذ بها.
في حالاتٍ نادرة، يرث الطفل الجين المُسبب للمرض من أحد الوالدين أو كليهما، مما يزيد من فرصة ظهوره في عمرٍ مبكر كما أسلفنا.
ما هي أعراض مرض باركنسون؟
يُقسَم الدكتور المسدي أعراض هذا المرض إلى قسمين: حركية وغير حركية؛ ويستعرضها كما يلي:
• الأعراض الحركية (الظاهرة) وتتمثل في:
1. الرعشة (Tremor): تبدأ غالبًا في يدٍ واحدة، وتظهر أثناء الراحة.
2. بطء الحركة (Bradykinesia): وجود صعوبةٍ في بدء أو إنهاء الحركات.
3. تيبَس العضلات (Rigidity): شدّ عضلي دائم يُسبَب ألمًا وصعوبة في الحركة.
4. فقدان التوازن (Postural instability): والتي قد تؤدي إلى السقوط.
5. تغيَر في المشي: جرّ القدمين، خطوات قصيرة، أو مشية متصلّبة.
6. انخفاض تعبيرات الوجه: كأن الوجه خالٍ من المشاعر.
7. تغيَر في الصوت: يصبح منخفضًا أو خافتًا دون ملاحظة الشخص لذلك.
8. صغر خط اليد: يُصبح غير مفهوم أو مزدحم بالكلمات.
• الأعراض غير الحركية (أقل وضوحًا) وتظهر على شكل:
1. اكتئاب وقلق.
2. فقدان حاسة الشم (أحيانًا تكون من أولى العلامات).
3. اضطرابات النوم (مثل الكوابيس أو الحركات العنيفة أثناء النوم).
4. إمساك مزمن.
5. انخفاض ضغط الدم عند الوقوف.
6. مشاكل في التركيز والذاكرة.
7. تغيَرات في المزاج والسلوك.

هل يمكن الوقاية من مرض باركنسون؟
سؤال لا بد أنه يدور في خلدكِ الآن، وقد طرحناه بالفعل على الدكتور المسدي فأجاب:
لا يوجد وسيلة مضمونة للوقاية،لكن يمكن تقليل خطر الإصابة من خلال ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة (لتحفيز الدماغ والدوبامين)؛ اتباع نظامٍ غذائي صحي (مثل النظام المتوسطي الغني بالخضار، الفواكه، زيت الزيتون)؛ النوم الجيد، فهو يُعزَز تجدد خلايا الدماغ؛ الابتعاد قدر الإمكان عن السموم البيئية، مثل المبيدات والمعادن الثقيلة؛ والنشاط الذهني المستمر (القراءة، حل الألغاز، تعلَم مهارات جديدة).
كيف يتم تشخيص باركنسون؟
بحسب أخصائي الأمراض العصبية في مستشفز زليخة، لا يوجد تحليل دمٍ خاص أو أشعة تُظهر المرض بشكل مباشر، لكن الطبيب يعتمد على:
1. الفحص العصبي الإكلينيكي.
2. تاريخ الأعراض.
3. اختبارات التوازن، الحركة، وردود الفعل.
4. أحيانًا يتم طلب أشعة رنين مغناطيسي أو مسح دوبامين لتأكيد التشخيص أو نفي أمراضٍ مشابهة.
ما هي طرق علاج مرض باركنسون؟
رغم عدم وجود علاج شافٍ، إلا أن الأدوية والعلاج التأهيلي قد يُساعدان على تحسين الأعراض بشكلٍ كبير:
1. الأدوية
• ليفودوبا (Levodopa): وهو أهم دواء، ويتحوّل إلى دوبامين داخل الدماغ.
• مُحفزات الدوبامين: مثل براميبيكسول.
• مُثبطات إنزيم COMT و MAO-B: تطيل مدة عمل الليفودوبا.
2. العلاج الطبيعي والوظيفي
• تمارين لتحسين التوازن، القوة، والمرونة.
• علاج النطق لتحسين القدرة على الكلام والبلع.
3. التحفيز العميق للدماغ (DBS)
وهي عمليةٌ جراحية تُزرع فيها أقطابٌ كهربائية داخل الدماغ، وتعمل على التخفيف من بعض الأعراض الحركية.

من جهةٍ أخرى؛ توصلت دراسة نُشرت من قبل باحثين في جامعة أريزونا للعلوم الصحية إلى أن بروتينًا صغيرًا يُدعى PNA5، يبدو أنه يمتلك تأثيرًا وقائيا على خلايا المخ؛ وهو ما قد يؤدي إلى إيجاد علاجاتٍ للأعراض الإدراكية لمرض باركنسون والاضطرابات المرتبطة به.
وصرَحت الدكتورة لاليتا مادهافان، الحاصلة على درجة الدكتوراه في الطب، والأستاذة المشاركة في علم الأعصاب بكلية الطب بجامعة أريزونا – توسان حول هذه الدراسة بالقول: "عندما يُشخّص مرضى باركنسون، يُعاني 25% إلى 30% منهم بالفعل من ضعفٍ إدراكي خفيف. ومع تقدم المرض إلى مراحله المتأخرة، يُعاني 50% إلى 70% من المرضى من مشاكل إدراكية". وأضافت: "المؤسف هو أنه لا توجد لدينا طريقة واضحة لعلاج التدهور الإدراكي أو الخرف المرتبط بمرض باركنسون."
وقد قام فريقٌ بحثي بقيادة مادهافان، بالتعاون مع تورستن فالك، الحاصل على درجة الدكتوراه، وأستاذٌ باحث في علم الأعصاب، بدراسة بروتين PNA5 الذي طوَرته ميريديث هاي، الحاصلة على درجة الدكتوراه، وأستاذة في علم وظائف الأعضاء. ونشر الفريق مؤخرًا ورقة بحثية في مجلة علم الأعصاب التجريبي، تُظهر أن بروتين PNA5، في نموذج حيواني، يبدو أنه يتمتع بتأثيرٍ وقائي على خلايا الدماغ.
بدوره؛ صرَحت كيلسي برنارد، الحاصلة على درجة الدكتوراه، وباحثة ما بعد الدكتوراه في مختبر مادهافان والمؤلفة الرئيسية للدراسة: "باستخدام PNA5، نستهدف الأعراض الإدراكية، ولكننا نسعى تحديدًا إلى منع حدوث المزيد من التنكس". مضيفةً: "من خلال اتباع نهجٍ وقائي، نأمل أن نتمكن من منع استمرار التدهور الإدراكي."
كيف نعتني بمريض باركنسون؟
سؤالٌ مهم طرحناه على الدكتور المسدي، وأجابنا كما يلي:
إن رعاية مريض باركنسون تحتاج إلى صبرٍ ومساندة؛ لا بدَ من تهيئة المنزل ليكون آمنًا وسهل الحركة. علينا تشجيع المريض على الاستقلالية في المهام اليومية، تنظيم مواعيد الأدوية بدقة، توفير دعمٍ نفسي مستمر، لأن الاكتئاب شائع؛ والأهم التواصل مع أخصائيين في العلاج الطبيعي والنفسي والتغذية للمساعدة على تحسين وتخفيف أعراض المرض.
هل مرض باركنسون مميت؟
المرض بحد ذاته ليس مميتًا، يؤكد الدكتور المسدي؛ لكن المضاعفات التي قد تنتج عنه، مثل مشاكل البلع، السقوط، أو الالتهابات، قد تؤثر على الصحة العامة. لذا يجب الاعتناء جيدًا بمرضى باركنسون.
كثيرٌ من المرضى يعيشون سنواتٍ طويلة إذا تمَ اكتشاف المرض مبكرًا وجرى اتباع خطة علاجٍ مناسبة. وعلى الرغم من أن مرض باركنسون هو مرضٌ عصبي صعب ويُسبَب الإحراج وفقدان القدرة على الحركة والقيام حتى بأبسط المهام مثل تناول الطعام أو الكتابة، إلا أن الخضوع لعلاجٍ مناسب يصفه الطبيب المختص، والحصول على عنايةٍ واهتمام من قبل العائلة والمحيطين، يمكن أن يجعل من حياة مرضى باركنسون أقل حدةً.