بين فشل ونجاح العلاقات الزوجية أخطاء تهدم وجهود تبني .. إليكم أسباب فشلها ومفاتيح نجاحها
يظل نجاح العلاقات الزوجية مرهونًا بوعي كل من الرجل والمرأة بماهية الزواج؛ وفهم حقائقه الغالية التي من أهمها، أن الحياة الزوجية ليست حلبة مصارعة البقاء فيها للأقوى، وأنه يعني السكن والمودة والرحمة، وأن النقص يعتري كل منهما، ولذلك فكلاهما بحاجة إلى الآخر ليكمله وليتحقق الكمال الأكبر باتحاد جهودهما معًا بعد اتمام الزواج والارتباط الفعلي برباطه المقدس، والبدء في متابعة تنفيذ خطوات تكوين أسرة سعيدة تتحقق سعادة كل فرد فيها وليس أسرة تعيسة كما نرى هذه الأيام بسبب فشل العلاقات الزوجية في تحقيق استقرار الأسرة. تُرى ما هي أهم الأسباب التي تعجل بفشلها، وما هي مقومات النجاح التي تحقق استقرارها؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة الهامة أود أن أوضح أن الهدف من تناول هذه النوعية من الموضوعات يأتي بالدرجة الأولى لصالح المجتمعات التي يسوء حالها بسبب ضياع الأسر بعد حدوث الطلاق والانفصال نتيجة فشل العلاقات الزوجية. ولذلك ولتكون الإفادة أعم وأشمل يجب أن لا نكتفي بتناول الأخطاء التي تحول دون استقرار العلاقات الزوجية والزواج. وأن نجتهد جميعًا أفراد ومؤسسات اجتماعية مختلفة لإيجاد حلول فعالة لتحقيق استقرار الزيجات وحمايتها من الفشل، وذلك من خلال معرفة مقومات نجاحها وبذل الجهد لتطبيقها.
من أجل ذلك ولأهمية هذا الموضوع بالتحديد أجيب في ما يلي على الأسئلة المذكورة أعلاه، وأرجو من جميع المقبلين على الزواج والأزواج والزوجات متابعة القراءة، وتفهم كل كلمة لتحكيم العقل تحقيقًا لصالح الأسرة في المجتمعات العربية التي باتت فيها نسب الطلاق عالية جدًا بحسب الاحصائيات المعلنة.
ما هي أسباب فشل العلاقات الزوجية؟
في ظل التغييرات الملحوظة التي يشهدها العالم؛ ومع اجتياح مواقع التواصل الاجتماعي وتغلغل العديد من المغالطات واستقرارها في عقول الشابات والشباب المقبلين على الزواج، وعلى كل زوجين في إطار الزواج، زادت الأسباب التي تؤدي إلى الفشل والطلاق وأصبح تناولها أمرًا حتميًا.
ومن أبرزهذه الأسباب ما يلي:
التأثر بعلاقات مثالية مزيفة
يعرض الإعلام صورة مثالية للعلاقات الزوجية على مرأى ومسمع شريحة عريضة جدًا من المتزوجين، مما يؤدي إلى تشكيل فكرة غير واقعية عن العلاقات الزوجية والتسليم بتصورات غير عادلة، حيث تبدأ المقارنات على نطاق واسع، وتنهار قناعة كل من الزوجين في كثير من الزيجات، وتبدأ نيران الخلاف في التصاعد بينهما، وهنا تكمن الخطورة لأن الصورة التي يرونها عن الحياة الزوجية ليست حقيقية.
وما يجب العلم به أن كل ما يُطرح على مواقع التواصل من إدعاءات كاذبة حول الحياة الزوجية الرغدة التي لا مجال فيها للتعب أو الشكوى يؤثر بشكل عميق في شكل العلاقات الزوجية، ويعجل بالشعور بانعدام الرضا عند كثير من الأزواج والزوجات الذين يعانون من بعض الخلافات الزوجية، وذلك بسبب التأثير بالعلاقات المثالية التي ترتدي قناعاً مغلفًا بأكاذيب عالم مجهول اقتحم حياة الأسر واخترق أدق خصوصيات الحياة الزوجية.
إهمال التواصل الفعال
الزواج سكن ومودة ورحمة؛ ولكن كيف يمكن أن تتحقق ماهية هذه الأمور إذا لم يكن بين الزوجين تواصلًا فعالًا ودافئًا ومؤثرًا؟، للأسف يغفل كثير من الأزواج والزوجات عن تأثير التواصل الفعال في إثراء الحياة الزوجية وانتعاشها. ولذلك ينتج عن إهمال التواصل، الدخول في حالة من الصمت الطويل يترتب عليها كثير من السلبيات الخطيرة التي تساهم في تدهور العلاقات الزوجية مثل الخرس الزوجي، والانفصال النفسي، والطلاق العاطفي، وجميع هذه المصطلحات تصف الحالة السيئة وتسلسل الأحداث السلبية التي تزج بالزوجين إلى حافة الهاوية.
الانشغال بالتكنولوجيا
طغت التكنولوجيا على المشاعر الإنسانية، وأصبح الهاتف المحمول الوسيلة الأسرع للتواصل حتى بين الأزواج، وهذه هي الحقيقة المحزنة التي يجب أن نعترف بها، ونتصدى لها ونحاربها. كما أن الوقت المستغرق في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي يؤثر سلبًا على وقت الزوجين لبعضهما البعض، ومن ثم صميم علاقتهما الزوجية ليطيح بها أرضًا مسببًا فشلها.
ومثال ذلك أنه حتى في ظل التجمعات الأسرية نجد صورة محزنة للغاية وهي، انشغال كل من الزوجة والزوج بهواتفهما المحمولة، أين هي القدوة وأين ذهبت التجمعات الأسرية الدافئة؟، وأين اختفت الأحاديث المرحة بين أفراد الأسرة الواحدة؟ أين الترابط الأسري اليوم؟ أليس ذلك كافيًا لهدم كيان الحياة الزوجية وفشل العلاقة بين الأزواج؟
الندية
يؤثر تعامل المرأة مع الرجل بندية على مصير العلاقة الزوجية بينهما. وأنا هنا لا أقصد أن أرفع من قدر طرف على حساب آخر، ولكني أعني أن يلتزم كل طرف بدوره في الحياة الزوجية، وبالقيام بما عليه من واجبات، والانتفاع بما له من حقوق دون الدخول في خلافات بسبب الندية والعناد.
وبمعنى آخر أن يكون لكل طرف مكانته التي يجب أن تُحترم. فالرجل عليه مسؤوليات وله حقوق، والمرأة عليها مسؤوليات ولها حقوق، وكلاهما يجب أن يسير في نفس الاتجاه الذي يؤدي في النهاية إلى تحقيق نجاح واستقرار حياتهما الزوجية . هذا هو الأساس السليم الذي لا خلاف فيه أبدًا، والذي يجب أن يسود في العلاقات الزوجية لتنجح وتستقر.
إن علم وعمل المرأة يرفعان من قدرها، ويجعلانها شريكًا أصيلاً للرجل في تنمية المجتمعات، ولكن ذلك لا يعني أن تتعامل المرأة مع الرجل بندية، ولكن عن أي رجل أتحدث؟، بالطبع الرجل الذي تكتمل فيه كل مقومات الرجولة الحقيقية، الذي يفهم المعنى الحقيقي للقوامة، ويعي جيدًا إن احترام زوجته والحفاظ على كرامتها، وتشجيعها للتميز في العلم والعمل، ومساعدتها على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، وتقدير ما تقوم به من جهود يعكس مدى رجولته. وهذا الرجل لا يستحق أن تتعامل معه المرأة بندية.
رفع سقف التوقعات
من الخطأ على كل من الزوجين رفع سقف التوقعات تجاه بعضهما البعض، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى فشل العلاقات الزوجية، لذا يجب أن يكون هناك حوارًا منطقيًا وتوقعات واقعية من الطرفين تجاه بعضهما البعض حتى لا يحدث صدام بين الواقع وما تحويه توقعاتهما من أمور قد لا تحدث من الأساس.
ولذلك أكرر في هذه الجزئية تحديدًا أنه يجب أن يكون هناك حوراً صريحًا بين المقبلين على الزواج يكشف عن احتياجات كل طرف وما يتوقعه من الطرف الآخر لتكون الصورة واضحة، وليكون هناك اتفاقًا مسبقًا وواضحًا لكل منهما عن تصورهما لشكل حياتهما الزوجية معًا.
إهمال مشاكل العلاقة الحميمة
يغفل كثير من الأزواج والزوجات عن أهمية نجاح العلاقة الحميمة في توطيد العلاقة بينهما، كما أن الكثير منهم يهملون الحديث عن مشاكلها والبحث في أسبابها، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تدهور العلاقات الزوجية والتعجيل بفشلها. وقد يكون ذلك بسبب انعدام المكاشفة والمصارحة بين الزوجين، وبسبب رفض أو تردد كثير من الأزواج والزوجات استشارة خبراء العلاقات الزوجية والأسرية لمساعدتهم في حل أي مشكلة لا يكون بمقدورهم إيجاد حلول لها.
الخيانة الزوجية
من الطبيعي جدًا أن تحدث الخيانة الزوجية بعد أن ساد الصمت الزوجي، وبعد أن حدث الانفصال النفسي بين الزوجين وبات كل منهما منفصلًا عن الآخر في عالم مختلف، وبعد أن تم الطلاق العاطفي بينهما، وهذه هي الآفة الخطيرة التي تهدم أقوى عمود في أساس العلاقات الزوجية. لذلك يجب أن ينتبه جميع الأزواج إلى مخاطرها، والبدء في إيجاد طرق جديدة ومبتكرة للتعامل مع مشاكل التواصل بجدية، ومحاربة كل مسببات الخيانة الزوجية، والانتباه إلى العلامات التي تدل على دخولهما في حالة من الصمت مبكرًا لتدارك المخاطر، وبدء الجهد والعمل في مواجهتها.
الكذب
أسوأ صفة على الإطلاق، وهي صفة هادمة لكل جميل في العلاقات الزوجية، ولذلك لا يجب الاستهانة أبدًا بسلبيات الكذب على الحياة الزوجية. لأنه يهدم ولا يبني، كما أنه من المدمرات القوية للعلاقات الزوجية. لذا يجب على كل زوجين اعتماد الصدق منهاجًا قويًا وأساسيًا في العلاقة بينهما، لأنه ينجي ويبني ويحقق نجاح واستقرار الحياة الزوجية.
كانت هذه بعض أسباب فشل العلاقات الزوجية، ولكنها ليست الأسباب الوحيدة، ولكني أرى أنها أخطرها وأقواها، والآن هل يمكن الإصلاح أم لا؟
بالطبع يمكن ذلك، ودائمًا ما توجد فرصة واحدة على الأقل لإصلاح ما أفسدته كل التحديات السابق ذكرها، وهذا ما سنراه معًا من خلال معرفة أهم مفاتيح نجاح العلاقات الزوجية.
ما هي مفاتيح نجاح العلاقات الزوجية؟
يمكن اعتبار الأمور التالية أهم مفاتيح نجاح الحياة الزوجية وأقواها على الإطلاق، وهي:
- عدم الاستهانة بالمسؤوليات المترتبة على الزواج ومعرفة كل طرف لما عليه من واجبات وما له من حقوق.
- اعتماد الصدق والصراحة والوضوح منهاجًا راسخًا تقوم عليه العلاقة الزوجية.
- فهم أهمية التواصل في توطيد العلاقة بين الزوجين وابتكار طرق جديدة في تحقيقه بمختلف الطرق والحرص على إيجاد وقت للتواصل معًا مهما تكالبت عليهما المسؤوليات وتراكمت الأعباء.
- الاحترام ثم الاحترام وتقدير كل منهما للجهود المبذولة في سبيل تحقيق نجاح العلاقة.
- تعزيز الثقة في ما بينهما لتحقيق الشعور بالأمان الذي يحقق استقرار حياتهما الزوجية.
- عدم إهمال مشاكل الحياة الزوجية وبخاصة تلك التي تتعلق بالعلاقة الحميمة بينهما لكي لا يحدث التباعد بحدوث فجوة عميقة بينهما بسبب تجاهل الحديث عن هذه المشاكل واتخاذ خطوات فعلية لحلها.
- عدم السماح للآخرين مهما كانت درجة قرابتهم بالتدخل في الحياة الزوجية.
- التعبير عن المشاعر بالأفعال والأقوال.
- وضع أهداف محددة تجاه مستقبل الحياة الزوجية والاتحاد معًا في سبيل تحقيقها.
- التعامل مع الأزمات باقامة حوار هادف وبناء حتى يمكن إيجاد آلية سليمة لمواجهتها.
وختامًا، أتمنى أن أكون قد وفقت في طرح المشكلة، وأتمنى أن تجد العلاقات الزوجية من يغيثها من الفشل، وأن ينتبه الجميع إلى مخاطر زيادة نسب الطلاق وتأثيره على الأسر والمجتمعات.
مع تمنياتي لكم بعلاقات زوجية آمنة من الفشل وحياة زوجية سعيدة ومستقرة،،،