رحلة مع المهندسة السعودية نجود العنبري: "أنا تلميذة للطبيعة بقدر كوني مهندسة معمارية"
تعد المهندسة المعمارية "نجود بنت محمد العنبري" نموذجا مضيئا للمهندسات السعوديات الطموحات، خاصة وأنها قد تعمقت بأكثر التخصصات الهندسية عمقا وهو "الآثار والتراث" وخاضت تجارب متنوعة من خلال عملها كمهندسة ترميم للعديد من المواقع الثقافية والتاريخية في المملكة، في إطار سعيها للمحافظة على المشهد التاريخي لإرثنا العميق، وانطلاقا من إيمانها بأن ذلك بوابة لـ "نختزل هويتنا، إرثنا، حضارتنا، فخرنا، تواضعنا، انتمائنا، انفتاح عقولنا وتجذرنا"..
وفي إطار ذلك التقت "هي" المهندسة السعودية "نجود بنت محمد العنبري" للتعرف على هويتها الخاصة في عالم الهندسة المعمارية، وأبرز وأهم المحطات خلال رحلتها الثرية مع التراث والثقافة، وذلك من خلال هذا الحوار الممتع معها:
عرفينا عن نفسكِ.
بداية أؤمن أن كل شيء وكل انسان له من اسمه نصيب.. لذلك أود أن أشرح معنى اسمي "نجود" وتعني جمع هضبة مثل هضبة نجد جزء من طبغرافية الأرض وهو جزء له علاقة بعلاقة وطيدة نشأت بيني وبين الطبيعة من حولي حيث أنها المرجعية لأغلب استلهاماتي، و"العنبري" وهو اسم العائلة مستنبط من العنبر وهو حجر كريم وأيضا عطر نفيس يستخرج من حوت العنبر.. ومن هنا نفهم علاقة وأهمية الأسماء، فالثقافة العربية ولما لها من دلالات تاريخية وهذا جزء مهم لفهمنا للتراث وإرثنا العميق.. واسترسالا لما سبق أود أن أختار بأن أعرف عن نفسي بأنني تلميذة للطبيعة بقدر كوني مهندسة معمارية تخصصت بترميم الآثار والمحافظة عليها.. أعتبر الخلق الابداعي كأداة مهمة لمحاكاة الواقع من حولنا.. كمعمارية أجد متعة بطريقة تأثير وكيفية تحديد فضاء المساحات لسلوك الناس فيه.
تتميزين بهوية وتوقيع خاص في عالم الهندسة المعمارية.. حدثينا عن ذلك.
من خلال تجاربي ومحاولاتي لاكتشاف شغفي وجدت أن للهندسة المعمارية علاقة عميقة مع الطبيعة والإنسان وأننا خلال جميع فترات اليوم نكون ضمن مساحات معمارية سواء في البيت، أو المدرسة، أو العمل، أو المتحف ونحوها، وجانب آخر عند التفاعل مع الآثار والتراث نبدأ بفهم الماضي والجذور بطرق مختلفة ويبدأ تكون احساس الوعي والارتباط بالجذور والأرض والأجداد، وهذا الارتباط له فلسفات في علم النفس والاجتماع والأنتروبولجي ونحوها، فقبل بضع سنوات من اليوم دخلت مراحل من التساؤلات ووعي لاكتشاف الذات الحقيقية ومن خلال هذه التجربة السيكلوجية المستمرة إلى هذا اليوم أصبح تطرقي للعمارة والفن تطرقا فلسفيا وتقنيا بنفس الوقت، وكلما فهمت شيء عن ذاتي انعكس ذلك على طريقة تفاعلي وعملي، فبدأت مخرجاتي ذات روح لأنها تحاكي جزء عميق من نجود فأصبحت استنبط من الداخل والخارج معا، ومن أكثر التخصصات عمقا هو الآثار والتراث لما فيها من التنقيبات الأثرية ورحلة البحث وافتراض النظريات التحليلية وربط الحضارات، فمن ذلك نختزل هويتنا، إرثنا، حضارتنا، فخرنا، تواضعنا، انتمائنا، انفتاح عقولنا وتجذرنا، "اللي مالوه أول مالوه تالي" مثل شعبي متداول ولكنه بليغ.
وفي الواقع جزء من طريقة عملي تبدأ بتحليل المشروع المرغوب العمل عليه وتجريده تماما من أي شي له علاقة بي شخصيا، فابدأ بطريقة موضوعية سرد عناصر الموقع الجغرافية التاريخية ونحوها عند الانتهاء من اعطاء المشروع بذاته حقه وهنا ابدأ باختيار الفرضيات التي أود أن أركز عليها فيبدأ تكون تسلسل زمني أو قصصي بهدف واضح فتصبح المعادلة بعيدة عن الكم بلا جودة وتصبح المخرجات لها مبررات واضحة، ففي البداية أخلق مساحة ومسافة بيني وبين العمل بعد اعطائه حقه وأبدأ استضيف شيئا فشيئا.. نجود فالعمل وعندما أقول نجود أقصد أفكاري وذوقي والحالة الابداعية التي تبدأ.
ما هي أبرز وأهم المحطات خلال مشواركِ في هذا المجال؟
من أهم المحطات هي طفولتي ومراحل نشأتي وعلاقتي مع المكان والزمان، فالفهم المتجدد للذات ينعكس على العمل بمنظوري، وكان لمراحل الدراسة دور كبير في مشواري، فلقد حصلت على البكالوريوس من جامعة الأمير سلطان في الرياض بتخصص هندسة التصميم الداخلي، وبعد التخرج عملت في جهتين حكوميتين الأولى هي "وزارة السياحة والآثار" وعملت خلال تلك الفترة على تصاميم عدة متاحف ثقافية على نطاق اقليمي مثل متحف تبوك ومتحف عسير وغيرها من المناطق في المملكة العربية السعودية.
وبعدها عملت بقسم التصميم في شركة تطوير للمباني وهي جهة لها علاقة بالمنشآت التعليمية والمدارس الحكومية خاصة، وكانت مهامي في ذلك الوقت لها علاقة بادارة مشاريع مدارس حكومية بنطاق اقليمي ايضا مع وزارة التعليم، وقررت بعدها أن استكمل دراستي في الماجستير ولكن هذه المرة اتخذت هذه الخطوة خارج البلاد بالدراسة في جامعة بولتكنكو في ميلانو بإيطاليا بتخصص الهندسة المعمارية والترميم الحضري، وبعد التخرج التحقت بهيئة تطوير بوابة الدرعية وحاليا أعمل كمهندسة ترميم ومحافظة على المشهد التاريخي لهذا الإرث العميق.
للتراث والثقافة نصيب كبير في اهتماماتكِ.. حدثينا عن مشاركاتكِ وأعمالكِ الخاصة بهذا الجانب.
بدأت رحلتي مع التراث والثقافة عندما رأيت نقش في شمال المملكة العربية السعودية بمنطقة جبة حائل وهو نقش العجلة منذ عصور قديمة لها علاثة بالعصرالحجري ما شد اهتمامي هو أن العجلة تاريخيا يتعارف أن مخترعها هو "نيوتن" وهذا النقش موجود منذ مئات السنين من قبل نيوتن وهنا فهمت أهمية هذا الجانب من العلوم، ومشاركاتي لها علاقة بنقل معرفة الماضي للمستقبل حيث أنني آخذ دور المترجم أو المستنبط لأنني عشت قصص أهلي بشكل شخصي بقصصهم القديمة في بيوت الطين، وكنت أحب الأحاديث مع كبار السن ولقد فهمت أن لهم أهمية كبيرة فهم يمتلكون فطرة جميلة بسيطة وبنفس الوقت معقدة ولا يفهم هذا التعقيد إلا شخص عميق الفهم كالسهل الممتنع، وهذه هي أهم المواضيع التي أحب أن أشارك بها.
وعلى سبيل المثال "الطين" فبيوت الطين القديمة استخراجه وعملية تخميره والعمل فيه كان مستوحى من فراسة من تكيفوا مع محيطهم الجغرافي باختزال هذا العلم وترجمته للجيل الصاعد بطريقة تتناسب مع فكرهم وهو ما يأخذ نصيب كبير من أعمالي، كما شاركت بالكثير من ورش العمل في هذا الجانب وأيضا الكثير من مشاريع الترميم للمحافة على البيوت الطينية سواء من قصور أو آبار أو بيت مزارع بسيط، وأكثر ما يلفت انتباهي أن كل هذه المساحات بنيت من مواد بسيطة ولكن معقدة وعظيمة بنفس الوقت، وهكذا أرانا .. نحن السعوديون شعب كريم متواضع بسيط جزل وراقي ومعقد بطريقة سهلة في نفس الوقت.
برأيكِ.. إلى أي مدى تساهم المهرجانات والفعاليات الثقافية والتراثية المتنوعة بدعم الموهوبين والموهوبات السعوديين؟
وجود الدعم والتحفيز ضروري جدا خاصة اذا كان مدروس سواء عن طريق مهرجانات أو عن طريق ورش عمل ونحوها، والمجتمع السعودي ملئ بالموهوبين خاصة أن الزمن الذي كان يسبق زمن الرؤية حدثت فيه الكثير من الخواص التي تجعل الانسان موهوب أو يريد أن يعبر بمختلف الوسائل سواءً بالتفكير بالكتابة بالشعور بالفن وغيرها بمختلف المصادر للاستنباط، كما أن الثقافة العربية والسعودية مشبعة بالعلوم والمعرفة وهذا الفهم يجعل انتمائنا لحضارتنا متجذر لما له من مرجعيات غنية فيها عودة للأرض والقصص العريقة واعادة حياكتها بما يتناسب مع حاضرنا المشرق خاصة مع الدعم الملموس مع الرؤية الثاقبة لسمو سيدي ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" -حفظه الله- والتي نعتز ونفتخر بها بالتطور والتأثير القوي الذي أصبح يشهده جميع أنحاء العالم وماهو الا اعادة احياء لمجدنا السابق.. هذا ليس بجديد علينا نحن السعوديون.
ماهي نصائحكِ للمهندسات السعوديات؟
يتملكني احساس كبير بالإمتنان كوني اصبحت قدوة للجيل الصاعد وهذا يأتي بمسؤوليات خاصة.. فاذا كانت نصيحة أو توجيه لعقل وقلب متلهف للخلق والمعرفة والابداع هنا تصبح الاجابة صعبة لأن لكل انسان طريقة ومدخل، فلا اريد أن أوحد اجابتي ومن هذا الكلام ممكن ان نستنبط اجابة: ركزوا على ماهو في متناول أيديكم ولا تنظروا لما عند غيركم أو تقارنوا بطريقة تكون سلبية فالمقارنة يجب أن تكون بنية التطور فقط، ابدأوا بمعرفة ذواتكم وتعلموا كيفية العمل كفريق من منطلق المثل الشعبي "اعطي الخبز لخبازه" ركزوا على التخصص بشيء ما لأن هذا زمن التخصصات، افعلوا أموركم بنية حسنة وادمجوا النية بالسعي، فالدين الاسلامي له دور كبير في معرفة الذات وأيضا الفهم للكثير من العلوم، حاولوا أن تخلقوا علاقة خاصة مع الله بعيده عن ما تم تشويهه فالدين الاسلامي له فلسفة عظيمة خاصة فالهندسة والفن وتفاصيل الإنسان اليومية.. فضعوا لهذا الإرث مساحة في حياتكم.. متمنية لكم كل البركة والحكمة من رب العالمين.
ماهي طموحاتكِ المستقبلية؟
ما يمكن أن يختصر توجهاتي.. هو بعد أن اكتفي من تجاربي في الميدان، أود أن اتوجه للتعليم الأكاديمي في الجامعات لما بداخلي من احساس بالمسؤولية اتجاه صدقة العلم، وهي نشر المعرفة وهكذا أكون قد احتويت جزء من أهدافي في هذه الحياة.
وأخيرا..
أشكر أسرة مجلة "هي" على هذه الاستضافة، وتمنياتي لها بدوام التميز والنجاح.
