خاص "هي".. سارة النعيمي المدير التنفيذي لمركز الشارقة لريادة الأعمال: التمكين حق والرعاية الذاتية والتوازن مفاتيح النجاح
أصبحت المرأة قوة صاعدة في مجال ريادة الأعمال؛ تصنع التغير، وتقف في مقدمة المشهد الريادي بكل قوة وإرادة. فقد باتت المرأة الإماراتية ركيزة من ركائز التنمية المستدامة، وعنوانًا للابتكار والشغف والإرادة.
وللحديث عن تمكين المرأة في مجال ريادة الأعمال، ودور (شراع) مركز الشارقة للأعمال في دعمها، إلتقت "هي" سعادة "سارة النعيمي"، ابنة الإمارات التي تشغل منصب المدير التنفيذي لمركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع) منذ عام 2024 لتستكمل مسيرة المركز في تمكين وتعزيز الريادة في المنطقة من خلال رؤيتها وخبرتها في العمل في أبرز المناصب التنموية داخل الدولة.
من هي سارة النعيمي؟
حصلت سارة النعيمي على بكالوريوس في التسويق من الجامعة الأمريكية بالشارقة. تولت منصب مديرة المشاريع الخاصة في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، وكانت مستشارة في مكتبب الدبلوماسية العامة والثقافية بين 2019:2017، كما شغلت عدة مناصب في مجموعة الإمارات للإتصالات المتكاملة "إتصالات" شملت: مديرة تحويل الأعمال بين 2017:2013، ومديرة مشروع أولي بين 2012:2010، ومديرة أبحاث التسويق 2009:2004
تُعرف سارة النعيمي برؤيتها الاستراتيجية في تعزيز بيئة الابتكار في الشارقة، وتؤمن بأهمية تمكين الشباب وتوفير الدعم اللازم لهم لتحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة. كما تعمل على تعزيز مكانة الشارقة كمركز عالمي لريادة الأعمال من خلال مبادرات مثل مهرجان الشارقة لريادة الأعمال، الذي يجمع بين رواد الأعمال والمستثمرين وصناع القرار .
بفضل خبرتها الواسعة والتزامها بتطوير منظومة ريادة الأعمال، تُعد سارة النعيمي من القيادات النسائية الملهمة في دولة الإمارات، وتواصل جهودها في بناء مجتمع ريادي مزدهر يدعم الابتكار والاستدامة.
بداية، أرحب بسعادتك، حدثينا عن تمكين المرأة من وحي خبرتك العملية؟
أهلاً بكِ وأشكرك على هذه المقابلة. التمكين يبدأ من الإنسان؛ هذه قناعة تشكلت لدي عبر سنوات من العمل في مؤسسات وطنية تحمل رؤى بعيدة المدى، من بينها "اتصالات"، وهيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، ومكتب مبادرات محمد بن راشد العالمية. في كل محطة، كان التركيز منصبًا على بناء نظم تعزز من قدرات الأفراد، وتحول الأفكار إلى حلول قابلة للتطبيق، تدعم النمو وتواكب التغير.
واليوم، يُستكمل هذا المسار في "شراع" من خلال دور محوري يركز على تمكين رواد الأعمال، وتوظيف ريادة الأعمال كأداة لبناء مستقبل يقوده الابتكار، ويتكامل فيه الاستثمار مع مبادئ الاستدامة، ضمن بيئة تنطلق من القيم المحلية وتتفاعل بثقة مع الفرص العالمية.
ونسعى إلى المساهمة في بناء بيئة تُمكن الأفراد من الوصول إلى أقصى إمكاناتهم، سواء عبر تشكيل السياسات أو تصميم البرامج التي تخلق فرصًا حقيقية للنمو. فالتأثير الحقيقي لا يتحقق إلا حين نزرع الثقة، ونشجّع على الجرأة في التفكير، ونُراهن على الإنسان أولاً.
تأسس مركز الشارقة لريادة الأعمال "شراع" لتشجيع تأسيس الشركات الناشئة ونموها. إلى أي مدى يساهم المركز في دعم رائدات الأعمال؟
حققت رائدات الأعمال في دولة الإمارات العربية المتحدة حضوراً قوياً في مختلف قطاعات العمل، وضمن مجتمع "شراع" تشكِّل الشركات الناشئة التي تقودها المرأة نسبة 52%، ويعد ذلك دليلًا على الحضور المتميز للمرأة في مجال ريادة الأعمال، ونحرص دوماً على أن يكون "شراع" قاعدة قوية ينطلق منها المزيد من المشاريع نحو الأسواق المحلية والعالمية، وذلك من خلال تصميم برامج ومبادرات تلبي احتياجات رائدات الأعمال وتمكِّنهن من اكتساب الخبرات والمعارف والأدوات والشراكات اللازمة للنجاح والتميز.
ونؤمن في "شراع" بأن تمكين المرأة يحمل أبعاداً متعددة، فمن جهة هو هدف تنموي يعزز مشاركة المرأة في المسيرة الاقتصادية، ومن جهة أخرى هو هدف اجتماعي يرسخ دورها في ريادة المجالات الحياتية المختلفة، كما أنه يعد هدفاً إنسانياً؛ إذ ننظر لمشاركة المرأة في العمل والإنتاج والنهضة الثقافية والعلمية على أنها حق إنساني.تمكين المرأة هدفًا اجتماعيًا يرسخ دورها في المجتمع وإنسانيًا باعتباره حق لها.
ما هي المهارات التي يجب أن تمتلكها المرأة من وجهة نظر سعادتك لتعزيز دخولها مجال ريادة الأعمال؟
أؤمن بأن هناك مجموعة من المهارات التي يجب على المرأة امتلاكها وإتقانها قبل دخول مجال ريادة الأعمال وهي مهارات أساسية لرواد ورائدات الأعمال على حد سواء.
وهنا أود أن أشير إلى أن لكل شخص ظروفه وتحدياته الخاصة التي تفرض عليه التركيز على مهارات بعينها، سواء كان من رواد أو رائدات الأعمال. وفي "شراع" نُولي اهتماماً كبيراً بتعزيز مجموعة من المهارات الأساسية التي تشكّل جوهر برامجنا ومبادراتنا وورش العمل التي ننظمها بالتعاون مع الخبراء والشركاء. ومن بين هذه المهارات، المعرفة العميقة بالسوق، والتنافسية، وفهم احتياجات وتفضيلات العملاء، إلى جانب المهارات القيادية كالإدارة والتخطيط واتخاذ القرار. كما أننا نركز على المهارات المالية، بما في ذلك فهم أسس الإدارة المالية، وإدارة التدفقات النقدية، ووضع خطط مالية واضحة وفعّالة، والاطلاع على القوانين المالية ذات الصلة.
وعلى رواد الأعمال أيضاً إتقان مهارات التكيف والابتكار والتفكير الإبداعي لتقديم حلول ومنتجات جديدة، والتمتع بالمرونة في التعامل لمواكبة متغيرات السوق وتحدياته. وفي عالمنا اليوم، لم يعد بالإمكان الاستغناء عن توظيف التكنولوجيا والاستفادة من الحلول التقنية لتسهيل إدارة الأعمال. وإلى جانب إتقان فنون التسويق الإلكتروني وترسيخ العلاقة مع الجمهور عبر منصات التواصل، وبناء علامة تجارية ناجحة، تشكل مهارات التفاوض وبناء الشراكات وترسيخ العلاقات مع المؤسسات والشركات الأخرى عاملاً أساسياً للنجاح.
تستجيب هذه المهارات للتحديات التي تواجهها الشركات الناشئة حول العالم، على سبيل المثال، تشير الدراسات إلى أن 16% من الشركات تفشل بسبب ضعف إدارة التدفق النقدي، و34٪ بسبب عدم المعرفة المناسبة بحاجة الأسواق للمنتجات المنتج والسوق. و22٪ بسبب غياب استراتيجية تسويقية فعالة.
وقد لا يكون دخول السوق أمراً يسيراً، ولكن التحدي الحقيقي يبدأ بعد الدخول، حيث يجب على رواد الأعمال الاستمرار في السوق وتحقيق النجاح. ونحن في "شراع" لا نكتفي بدعم رواد الأعمال للبقاء في السوق فقط، بل نوجههم ليكونوا استثنائيين في مجالاتهم. ولتسهيل ذلك، نوفر لهم فرصة الوصول إلى مصادر المعرفة والخبرات التي تعزز مهاراتهم وقدرتهم على المنافسة.
كيف يدعم المركز المشروعات الناشئة وأصحابها وخصوصاً تلك التي تقدمها المرأة؟
هناك أربعة محاور رئيسية يشكل كل منها ركيزة أساسية في دعم أصحاب المشاريع الناشئة:
أولًا: محور التمكين المعرفي والمهاري
يعد هذا المحور القاعدة التي ينطلق منها الوعي الاقتصادي لرواد الأعمال، من خلال تزويدهم بالمعارف والخبرات والمهارات اللازمة؛ فهو يشمل فهم السوق وتحليل التوقعات واستيعاب توجهات النمو والتحولات في ميول المستهلكين والعملاء، إلى جانب تنمية التفكير النقدي والإبداعي الذي يصنع التميز ويمنح المشاريع هوية مميزة.
ثانيًا: تسهيل الوصول إلى التمويل
يمثّل التمويل أحد أبرز التحديات التي تواجهها المشاريع الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة على مستوى العالم. وفي "شراع"، نعمل على تذليل هذا التحدي عبر ربط أصحاب الأفكار والمشاريع الواعدة بالممولين المحتملين، بالإضافة إلى مساعدتهم على إطلاق أعمال قوية ومقنعة تتيح لهم فرصًا أفضل للحصول على التمويل من الجهات المعنية.
ثالثًا: فتح الأسواق والتوسع الإقليمي والدولي
نؤمن في "شراع" بأن الوصول إلى الأسواق لا يقل أهمية عن التمويل أو المهارات. ولذلك عقدنا شراكات استراتيجية، من بينها مذكرة التفاهم مع شركة "دو" الرائدة في الاتصالات والخدمات الرقمية، بهدف تمكين الشركات الناشئة من الاستفادة من الخبرة التقنية والدخول إلى الأسواق المحلية والعالمية. كما نحرص على المشاركة في الفعاليات الدولية لاكتساب رؤى جديدة حول توسعة أعمال رواد الأعمال وتعزيز حضورهم في الأسواق العالمية.
رابعًا: التخصص القطاعي
فمن خلال "مراكز التميز" التي أطلقها "شراع"، نقدّم دعمًا متخصصًا للشركات الناشئة في أربعة قطاعات رئيسية حيوية في الشارقة: التصنيع، وتكنولوجيا التعليم، والصناعات الإبداعية، والاستدامة. ويتيح هذا التوجّه المتخصص لرواد الأعمال الوصول إلى ما يحتاجونه بدقة لإنجاح مشاريعهم، وقد أثمرت هذه المراكز عن نجاحات ملحوظة منذ انطلاقها وحتى اليوم.
ما هي أفكار المشاريع الأكثر نجاحًا والتي تجد قبولًا كبيرًا من المركز؟
نشهد اليوم تناميًا غير مسبوق في عدد المشاريع الريادية على مستوى العالم، وهو ما يجعل المنافسة في السوق أكثر قوة وتحديًا. وفي هذا السياق، يصبح التميز في الأفكار عنصرًا حاسمًا، خاصة حين يقترن بالإبداع؛ فالأفكار التي تقدم حلولًا جديدة، أو تعيد تقديم المنتجات والخدمات بأساليب مبتكرة تستجيب لحاجات السوق، هي الأكثر قدرة على إثبات نفسها محليًا وعالميًا.
ومن الأمثلة على هذا التوجه، "تحدي بوابة الشارقة" الذي أطلقه مركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع)، كمبادرة عالمية تُعنى بدعم الشركات والأفكار القادرة على ابتكار حلول فعالة لتحديات الاستدامة والنمو، لاسيما في مجالات الصحة والتعليم والأمن الغذائي وغيرها من القطاعات الحيوية.
ويجسد هذا التحدي رسالة "شراع" في دعم رواد الأعمال الذين يسعون لإحداث أثر إيجابي ملموس، ويساهمون في بناء مستقبل أكثر استدامة وتقدمًا وابتكارًا.
دعم وتمكين المرأة في الإمارات يعد هدفًا أساسيًا وساميًا، ما هي الجهود التي يقوم بها المركز لتحقيق رؤية التمكين؟
حققت المرأة الإماراتية تميزاً عالمياً بمنجزاتها الكبيرة ومساهماتها النوعية في التنمية والتقدم، وهي اليوم تشكل نموذجاً ملهماً لكل نساء العالم، فهي تمثل نحو 70% من خريجي الجامعات في الدولة، و46% من سوق العمل و68% في القطاع الحكومي، كما شغلت ثلث المناصب الوزارية تقريباً، و50% من مقاعد المجلس الوطني الاتحادي.
ونحن في "شراع" نفخر بكوننا جزءاً من المنظومة الداعمة لتمكين المرأة الإماراتية من تحقيق المزيد من المنجزات، ونركز في هذه المرحلة على دعم رائدات الأعمال في القطاعات غير التقليدية مثل الطاقة والصناعات الثقيلة، كما نركّز على مواكبة مستجدات الأسواق ومتغيراتها السريعة لإنتاج برامج ومبادرات
توعوية وتثقيفية تستجيب لآخر المستجدات وتتيح المجال لرائدات الأعمال لاستثمار الفرص الواعدة التي تنتجها تحولات السوق المحلية والعالمية على حد سواء.
هل من توصيات للمرأة التي تريد دخول ريادة الأعمال، وكيف يمكنها تحقيق التوازن بين الأسرة والعمل؟
إن تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والخاصة هو أحد شروط النجاح. ويمكن الوصول إلى هذا التوازن من خلال اتباع منهجيات عملية مثل التخطيط السليم، وتحديد الأولويات، وإدارة الوقت بفاعلية. كما أن بناء شبكة دعم داخل فريق العمل يُسهم بشكل كبير في توزيع المهام وتفويضها، مما يخفف العبء الفردي ويُعزز الإنتاجية الجماعية. لذا، من المهم أيضًا، مهما كانت ضغوطات العمل، أن نُخصص وقتًا للرعاية الذاتية والصحة والرفاه، باعتبارها عناصر لا تنفصل عن الأداء المهني.
وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة أساسية: السعي يجب أن يكون نحو توازن ممكن ومرن، لا توازن مثالي. ليس المطلوب تقسيم الحياة إلى نسب متساوية بين العمل والحياة الشخصية، فهناك مراحل تتطلب تركيزًا أكبر على العمل، وأخرى تستدعي مزيدًا من الوقت للعائلة أو الذات. والأهم هو ألا تطغى إحداهما على الأخرى، بل أن تتكامل بشكل يُعزّز جودة الحياة ككل.