الأميرة لطيفة بنت سعد تكتب لـ"هي"

الأميرة لطيفة بنت سعد تكتب لـ"هي": رسالة إلى العباية... تجسيد للتقاليد والهوية والرقي الحديث

مجلة هي
8 أكتوبر 2024

في عالم تتغير فيه اتجاهات الموضة باستمرار مع تغير المواسم، وتتلاشى فيه الحدود الثقافية بشكل متواصل، قليلة هي الأزياء التي تحمل ثقل التاريخ والهوية بمنتهى الرقي، كما تفعل العباية. للعين غير المتمرسة، قد تبدو قطعة أزياء بسيطة متواضعة في تصميمها ومتواضعة في حضورها. ولكن بالنسبة لمن يرتدينها، فإن العباية هي أكثر من مجرد قماش وخيط؛ فهي رمز للتقاليد وتعبير عن الهوية وإعلان هادئ وقوي في الوقت نفسه عن الاستقلالية والفردية. يجد الإنسان في هذا الزي قصة، قصة شعب وأرض وطريقة حياة توارثتها الأجيال عبر العصور، وصمدت أمام تقلبات الزمن. وفي لحظات التأمل الهادئة، فيما أجلس أنا وأفكاري حول الهوية والتقاليد والأناقة، ينجرف ذهني إليك، أنتِ يا تجسيد ما هو أكثر بكثير من مجرد قماش. لقد سارت العباية بجانبي وبجانب أجيال أخرى من النساء عبر ممرات الزمن، ونسجت نفسها في جوهر هوياتنا. إنها قطعة أزياء، ولكنها أيضا قصة إرث ورمز عزيز للتراث والجمال العميق الكامن في التنوع الثقافي.

 منذ اللحظة الأولى التي تضع فيها الفتاة الصغيرة عباية فوق كتفيها، تصبح جزءا من إرث يمتدّ لقرون. العباية هي أكثر من مجرد طقس من طقوس العبور؛ فهي تربط بين عدد لا يحصى من النساء اللواتي سبقنها، وتنقل قوتها ورقيها وراحتها في عناقها النسيجي. إنها لباس شهد تطور الأمم وتقدم المجتمع وتغير أدوار المرأة، ومهما يجري، تبقى العباية رفيقة صامدة، تتكيف مع العصر في ظل حفاظها على جوهرها. عندما نفكر في العباية، نحن نتأمل في أجيال نساء ارتدينها من قبل، نساء سرن في الشوارع نفسها، وواجهن تحديات مماثلة، ووجدن قوة في العباية التي تبقى الخيط الثابت الذي يربطنا جميعا، فبغض النظر عن مساراتنا الفردية، تتشكل صلة قرابة بيننا. من خلال هذا الزي، ترتبط المرأة بشيء أكثر أهمية من نفسها. فتهمس طيات هذا الثوب الناعمة بصدى التاريخ، وقصص النساء اللواتي نتبع خطاهنّ الآن، وبنسب يمتد لقرون. مع العباية، أحمل ثقل وحكمة من ارتدينها قبلي، وهن من خيطت أناقتهن وقوتهن في كل خيط من خيوطها.

 ومع ذلك، ليست العباية من بقايا الماضي، بل هي شهادة حية على الحياة كما رأيناها تندمج في الثقافة المعاصرة. تأتي عبايات اليوم في مجموعة باهرة من التصاميم والقصات والألوان، من الأنيق ببساطته إلى الغني بزخرفاته، وهو ما يعكس تنوع المرأة التي ترتديها وتفردها. سواء كانت بسيطة أم منمّقة، تقليدية أم عصرية، تعكس العباية تنوع وحيوية من يخترن ارتداءها. وحتى لو تم جمعها بإكسسوارات عصرية أو ارتداؤها في أكثر أشكالها تقليدية، أصبحت العباءة قماش كانفاس للتعبير عن الذات، متيحة للمرأة إظهار هويتها في ظل احتفائها بتراثها. غير أن العباية ليست ثابتة، فقد تطورت مع الزمن، وتكيّفت مع احتياجات المرأة ورغباتها… لقد رافقت الكثير منّا في لحظات الفرح والاحتفال، وفي أوقات التأمل والصلاة؛ لقد مرت العباية بالحلو والمر، وبالأوقات العادية والاستثنائية، وفي المقابل رأيناها تتطور وتنمو معنا.

 بعيدا عن أعين المجتمع، تمتد أهمية العباية إلى اللحظات الشخصية الخاصة، حيث تكون مصدرا للراحة والتواصل، وتذكيرا بنساء في حياتنا لبسنها قبلنا، ووجدن في لمستها شعورا بالسلام والحماية. العباية تحمل في طياتها حب وحكمة وقوة أمهاتنا وجداتنا وأخواتنا، ناسجة خيوط رابط يعبر الأجيال ويوحّد النساء في تجربة مشتركة هي فردية وجماعية إلى حد بعيد في الوقت نفسه. إن صلة القرابة والألفة التي يحملها معنى هذا اللباس حاضرة دائما في الوعي الجماعي لمن يرتدينه. ومع استمرار العالم في التطور، يتطور دور العباية أيضا. فهي لم تعد مجرد تمثيل مرئي للأسلوب المحافظ؛ بل أصبحت تُظهر ثبات التقاليد وسط الحياة المعاصرة. العبايةهي رمز للتناغم الموجود بين احترام الماضي واحتضان المستقبل، وبين الإخلاص للجذور والتعايش مع تعقيدات الحاضر. إنها لباس يعبّر عن قوة الاختيار، اختيار ارتدائها، وتعريف لما تعنيه في سياق الفردية، وهكذا تحمل التراث الذي أرسته.

 شكر خاص للعباية، لقطعة ملابس تحمل قصص ماضينا وقوة حاضرنا وأمل مستقبلنا. نتمنى أن نستمر في ارتدائها بكل فخر واعتزاز واحترام، وأن تبقى رمزا لقوة المرأة ورقيها.

Credits

    الأميرة لطيفة بنت سعد
    منسقة أزياء ومخرجة إبداعية