حوار مجلة "هي" مع المصممة الإماراتية هاجر عبدالله الطنيجي

دبي - مي بربر  May Barber

تصوير: عبد الله رمال  Abdallah Rammal

تم التصوير في صالة "انتيريز" Interiors

شهدت الساحة الإبداعية في الخليج تطورا ملحوظا في العقود الأخيرة وانطلاقة نوعية تقودها الموهبة النسائية. هاجر الطنيجي مصممة إماراتية لامعة شقت طريقها بخطى واثقة من عالم التصميم الغرافيكي إلى الديكور  وتصميم المنتجات، متميزة بأسلوب يمزج الثقافة الإماراتية بالتصميم المعاصر. تجمع هاجر بين الشغف بالتصميم والمثابرة في العمل، وقد اختارتها مؤخرا علامة رولز رويس العريقة لعرض أعمالها ضمن آخر إصدارات الدار في الكتب.

حوار مجلة "هي" مع المصممة الإماراتية هاجر عبدالله الطنيجي

درست تصميم الغرافيك، ثم تخصصت في مجالات أخرى في التصميم. أطلعينا على دراستك وخلفيتك العلمية، ومتى بدأ حبك للتصميم والابتكار؟

انطلقت شرارة شغفي بالتصميم منذ الصغر، ولكنّني عملت على صقل مهاراتي الإبداعيّة خلال فترة دراستي للحصول على شهادة في التصميم الغرافيكي من كليات التقنيّة العليا في عام 2003. ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة استكشاف وتطوير العديد من المنتجات من وقتٍ لآخر. ولكنني شعرت بأهميّة إضافة منظور ثلاثي الأبعاد لتصاميمي، لذا درست التصميم الداخلي في كليّة تشيلسي للفنون في جامعة الفنون - لندن. ولكن لم يكن الحصول على الشهادة في حد ذاته هدفي في يوم من الأيام، ولدي الكثير من الشغف لمعرفة المزيد، والغوص أكثر في عالم التصميم، لذا درست المزيد من الدورات في معهد سوثبي للفنون، بما في ذلك دورة "ديناميكية قطاع الفن بمنظور عالمي"، و"مقدّمة في فن الحفظ والتنسيق" بهدف الحصول على المزيد من المعارف في هذا المجال الديناميكي المثير للاهتمام.

أبهرتني جودة الأعمال ومكتبة  البحوث والتطوير في أسبوع السعودية للتصميم

تعتمدين منهجية مميزة للتصميم من خلال الاستديو الخاص بك الذي أنشأته عام 2016. ما رؤية ومنهجية استديو هاجر للتصميم؟

لقد أنشأت استوديو التصميم الخاص بي في شهر سبتمبر من عام 2018، مع التركيز على إنتاج تصاميم تعتمد على أبحاثٍ معمّقة من أجل تقديم الكثير من القطع المميّزة القادرة على احتلال مكانةٍ عريقة في الأوساط الثقافيّة الإماراتيّة المعاصرة، مع احتفاظها بروح الأصالة وتراث الآباء المؤسسين والأجداد. ويعمل استوديو هاجر للتصميم على البحث عن الروايات التراثيّة أو الحقائق العملية لأستقي منها المفاهيم العمليّة للمساهمة في تلبية احتياجات العملاء على أكمل وجه، إضافة إلى التمكّن من تنفيذ التصاميم الحديثة والفريدة في آن. وتجمع هذه التصاميم بين حداثة الحاضر وعراقة الماضي بحبكة فنيّة متميّزة تُحيي أصالة التراث العربي العريق. كما تعكس الهويّة الثقافيّة باستخدام مواد محليّة وصديقة للبيئة. ونعمل كل هذا مع الأخذ بعين الاعتبار إظهار التزامنا التام في المحافظة على الحِرفيّة والتقاليد الإماراتيّة الأصيلة. نريد تصميم منتجات فنيّة فريدة وخالدة تعكس اندماجا سلسا بين جمال الفن والحياة العمليّة.

أعمالك الفنية تشمل مجالات إبداعية مختلفة مثل قطع الديكور وخصوصا طاولة "الخيل" وصولا إلى حقيبة "الميازين" وتصميم العطور، ولكننا نلحظ في التصاميم حرصك على التوازن بين التراث والمعاصرة. كيف توفقين بين الجانب التقليدي والجانب الحديث؟ ولماذا تعنى تصاميمك بسرد القصص الثقافية المحلية؟

لطالما كانت التصاميم والمشغولات العمليّة تعني لي الكثير من الجمال والرونق، وتعتبر المنتجات التي أصمّمها اليوم ذات جماليّة هادفة؛ أي أنها تجمع بين الجمال الراقي والفائدة العمليّة. أريد أن أجعل ثقافتنا الغنيّة وتراثنا العريق ينبضان بالحياة بطريقة حديثة وعملية للغاية، وأن أروي عبر تصاميمي قصصا عن تقاليدنا المميّزة.

كان لي الشرف بعرض أعمالي في كتاب النادي الدولي لملاك رولز رويس وبنتلي و أؤمن بأهمية التعاون في ساحة التصميم

من أبرز أعمالك التي لفتت نظري عند زيارة جناحك في معرض داون تاون ديزاين مسند الكتب "الخيل"، والذي يعد منحوتة على شكل رأس الخيل، ولكن دون إبراز الوجه، ما قصة هذا التصميم؟

تُعد مجموعة الخيل إحدى المجموعات الرئيسة لتصاميمي، إذ للخيول أهميّة كبيرة في دولة الإمارات. في الوقت الذي تعكس فيه التزامنا بجماليات وقيم الإرث الحضاري لدولة الإمارات، تشير هذه المجموعة أيضا إلى ارتباطنا الوثيق بالخيل نحن الأفراد، كما أن المجموعة مستوحاة من هذا التقليد والإرث، وتسعى إلى الجمع بين روح الخيل والفارس والتقاليد العربيّة والقيم والحِرف اليدويّة في تصاميم عمليّة عصريّة ذات جمال فريد ومميّز.

يعد مسند الكتب من مجموعة الخيل العربي أيضا قطعة أساسيّة في المجموعة. وتعمل هذه القطعة المنحوتة بطريقة معاصرة كمسند للكتب، وهي نموذج للقطع الفنيّة العمليّة المستعملة في حياتنا اليوميّة. كما جمعت هذه القطعة المميّزة جوهر المادّة المشغولة بجماليّة وإتقان مع البساطة والخفة في شكل معاصر لافت للنظر. تصميم المسند عبارة عن استعارة مجازيّة، تعكس التجربة المثيرة لركوب الخيل ورؤية العالم من منظور هذا الحيوان القوي. إن هذا القرب من العالم الطبيعي يوفّر الشعور بالهروب من صخب الحياة اليوميّة إلى الذات والاسترخاء على شاطئ التأمّل، تماما كتجربة الهروب في عالم القصص المطبوعة في ذاكرة الكتب.

تعاونت مؤخرا مع علامة رولز رويس الشهيرة والتي اختارتك ضمن كتاب رولز رويس الأخير عن التصميم، كيف بدأ التعاون؟ وماذا تعني لك هذه التجربة؟

كان لي الشرف بعرض أعمالي في كتاب النادي الدولي لملاك رولز رويس وبنتلي، أحد أرقى أندية السيارات في العالم، وذلك بمناسبة الاحتفال بذكرى مرور  110 أعوام على تدشين رمز منحوتة المرأة، وسيصاحب هذا الكتاب معرض دولي سيقام في لندن نهاية هذا العام. حيث تلقيت دعوة للمشاركة بعد مرور ١٨ شهرا من تأسيس الاستديو الخاص بي، والذي غالبا ما يسلط الضوء على مصممين من شتى أنحاء العالم لتخليد الحوار الثقافي العالمي وتجسيد ثقافات المصممين المختلفة، والتي تتوافق مع جوهر هاتين العلامتين المميزتين، لكونهما رمز الإبداع والتميّز في التصاميم الحديثة وعالم الرفاهيّة.

بالتأكيد هي تجربة جديدة وشائقة بالنسبة لي، وتستمح لي بالتعرف إلى أقراني المصممين وأعمالهم وتوجهاتهم الفكرية، كذلك السعي للتميز في هذا القطاع، والترويج عن ثقافاتهم وهوياتهم المختلفة.

تطورت الساحة الإبداعية في منطقة الخليج العربي بشكل سريع وملحوظ خلال العقود الماضية، وشهدنا ظهور العديد من الأسماء اللامعة في هذا المجال. ما رأيك في هذا المشهد؟ وكيف تقيمين فرص النجاح؟

نحن محظوظون بامتلاكنا ثقافة تصميم متقدمة وتنافسية في المنطقة من خلال مجموعة متنوعة من المواهب من ممارسي التصميم الذين يدفعون حدود الجماليات والتقنيات المتطورة، والتي تسهم في تعزيز مكانة منطقة الخليج العربي على الخريطة الثقافية العالمية.

ولقد أثبت التصميم نفسه باعتباره محركا اقتصاديا وثقافيا في منطقتنا، وقد دعا ذلك إلى تطوير البنية التحتية والنظام الحيوي من خلال معارض الفن والتصميم ومدارس ومجالس التصميم وغيرها، للنهوض بهذا القطاع. والذي يسهم فيه عدد لا يحصى من استديوهات التصميم والمهندسين المعماريين والمصممين. إلى جانب ذلك، يعتبر عملاء منطقة الخليج مطلعين جيدين على تطورات التصميم وصيحاته، والذي يسهم بشكل كبير في دفعنا نحن المصممين لرفع معيار التميز لتلبية احتياجات السوق المتطورة بشكل متزايد.

برأيي أن فرص النجاح هائلة عند التركيز على تميز ما نقدمه في جودة في الأعمال، إضافة إلى التواصل المستمر مع المصممين لمناقشة مستجدات هذا القطاع الحيوي المستمر التغيير. ولا ننسى أهمية فهم تطلعات ورغبات العملاء لتقديم الحلول المناسبة لهم.

تحرصين على زيارة معارض التصميم العالمية، وأبرزها أسبوع ميلان للتصميم. ما أبرز ما لفت نظرك من خلال هذه التجارب؟ ومن أبرز المصممين الذين تأثرت بهم وبأعمالهم؟

في فترة ما قبل الجائحة تحديدا، كنت أستمتع بزيارة أسبوع التصميم سنويا في مختلف دول العالم أو في منطقتنا، منطقة الخليج العربي، ليس فقط للاطلاع على أحدث التصاميم، ولكن للتعرف إلى أهم التوجهات الفنية والفكرية التي تغذي هذه التصاميم، كما تسهم هذه الرحلات في التعرف إلى المصممين العالميين في مختلف مراحل مساراتهم الفنية، للاستفادة من خبراتهم، إضافة إلى حضور الجلسات النقاشية التي تعنى بتطوير القطاع بشكل عام.

ومنذ بداية مساري العملي بصفتي مصصمة غرافيك، إلى أن أصبحت مصممة منتجات، مررت بمراحل عديدة لتطوير عملية التصميم والأسلوب الفكري الخاص بي كمنهج ذاتي للمعرفة التي اكتسبتها على مر السنين من خلال الجمع بين التخصصين معا. وكان من الشخصيات الفنية الرئيسة التي ألهمت أعمالنا في استديو التصميم، والتي تتوافق مع توجهنا الابداعي هو جيوفاني بونتي، القائد العسكري الذي أصبح مهندسا معماري، ومصمم منتجات. وعلى الرغم من تعدد تخصصات التصميم التي برع فيها، أضاف جيوفاني بونتي بصمته الخاصة إليها، فقد حافظ دائما على نزاهة رؤيته وقدرته على مزج الخصائص الوظيفية مع جماليات التصميم ، وهو ما أسهم في تصنيف منتجاته على أنها بسيطة وعملية وخالدة.

قد تكونون على معرفة تامة بمصطلح "صنع في إيطاليا"ـ والذي أصبح يرمز إلى التصاميم والمنتجات فائقة الجودة. ويعود الفضل لهذا الفنان الإيطالي، الذي أضاف قيمة لهذا المصطلح من خلال إبداعاته الجذابة وتصميماته الآسرة، حيث كان من أهم الشخصيات التي أحدثت ثورة في فن العمارة والفن الزخرفي في فترة ما بعد الحرب في منتصف القرن العشرين.

زرتِ أسبوع السعودية للتصميم قبل الجائحة (٢٠١٩)، ما رأيك بجودة الأعمال وساحة التصميم السعودية؟ وما أبرز الصيحات والخطوط الفنية التي أعجبتك؟

خلال زيارتي لأسبوع السعودية للتصميم في الرياض، أبهرتني جودة الأعمال التي تركز على تطوير الحرف  التقليدية التي توارثتها الأجيال لصنع منتجات عملية لتلبية نمط حياتنا المعاصر، إضافة إلى ذلك، أعجبت بمكتبة المواد التي يجري تطويرها في مختبرات بحث وتطوير لدفع الصناعة المستدامة في تصميم المنتجات، والتي أسسها مركز الملك عبد العزيز (إثراء)، حيث تعتبر هذه المبادرة دورا أساسيا في الصناعة مستقبليا.

من الغرافيك إلى الديكور وتصميم المنتجات بطريقة مبدعة، ما الجديد الذي تطمحين إليه؟ وكيف تتصورين المستقبل لاستديو هاجر للتصميم؟ وهل هنالك أي مشاريع تعاون مشترك أو أي مشاريع مستقبلية يمكنك أن تطلعينا عليها؟

أتطلع إلى التعاون المشترك مع أقراني المصممين في القطاع من خلال تطوير أعمال متميزة تدفع حدود الإبداع، فأنا أؤمن بأن الأعمال التعاونية هي أفضل طريقة للتعلم وتطوير منهجيات العمل في المنتجات.

نعمل حاليا على مشاريع مختلفة تركز على تطوير منتجات مع مجموعة من النساء، بهدف تطوير منتجات وهدايا من الحرف التقليدية الإماراتية. إلى جانب ذلك، أدرب مجموعة من المصممين ورجال الأعمال الناشئين على مشاريع تصميم منتجاتهم، والتي كانت بمنزلة فجوة في السوق.

تشغلين وظيفة في مجال التسويق والإعلام، إضافة إلى عملك في الاستديو والتصميم ودورك كأم. كيف تنظمين وقتك للتوفيق بين هذه الأدوار؟ وما نصيحتك للمرأة العاملة اليوم التي ترغب في خوض مجال إبداعي إضافي في حياتها؟

أعتقد أنه لا يوجد أي عائق أمامنا نحن النساء في المنطقة يمنعنا من تأسيس مشاريعنا الخاصة وخوض معركة المنافسة والنجاح والتألّق في أي قطاع كان، قد تبدو المهمة صعبة إلى حد ما لكوني أما كذلك، ولكن حينما يرافق هذا العمل الشغف والرغبة في الإنجاز، إضافة إلى الدعم الذي يقدمه لي الأهل والأصدقاء والزملاء في العمل يشجعني على مواصلة ما بدأته. كما أن لدي فريق عمل يساعدني على إنجاز الأعمال المختلفة. وإلى جانب أنني أمّ، أحرص على إعداد ابني للاعتماد على نفسه في دراسته وبعض جوانب حياته، ليتسنى لنا قضاء وقتنا معا من دون مسؤوليات عندما نكون معا.