الدكتورة ريم النعيمي لـ"هي": علينا أن نتذكر دوما أن النعم لا تدوم إلا بالشكر والامتنان
حوار: "سڤانا البدري" Savanah Albadri
تنسيق الجلسة التصويرية: "لينا نعيم" Leena Naim
تصوير: عبدالله الرمال
بعد أكثر من عام ونصف من الصراع مع فيروس كورونا، وبين مد المخاوف وجزر القلق مما قد يخبئه لنا القدر، تغير إيقاع الحياة بالكامل. تغيرت أساليب حياتنا اليومية، وشلت عند البعض، تزعزع روتيننا اليومي، ودخلت أجسامنا مرحلة سبات عميق، ومعها تخلخل نظام ساعاتنا البيولوجية المسؤولة عن صحة أعضائنا الداخلية وصحة أجسامنا بالكامل. اليوم، وبعد أن بدأنا بالتعافي من الفيروس، تعاود الحياة الرجوع إلى إيقاعها الطبيعي رويدا رويدا. ومعها تعود ساعتنا البيولوجية لطبيعتها، وتستأنف عقاربها الدوران لتغيير كل العادات السلبية التي اكتسبتها. فما الساعة البيولوجية؟ وكيف نوظفها بشكل صحي لتعيد رسم الابتسامة على وجوهنا؟ الدكتورة ريم النعيمي طبيبة شمولية ومتخصصة في علوم تطوير الإنسان ومؤلفة كتاب "الساعة البيولوجية"، وهو من أكثر الكتب مبيعا في الوطن العربي، وشاركت به في معرض الشارقة للكتاب في
نوفمبر عام 2019، ودخل موسوعة "غينيس" في أضخم حفل توقيع حضره مئات المؤلفين حول العالم. ستأخذنا الدكتورة ريم عبر هذا اللقاء مع مجلة "هي" في رحلة للتعافي من كل الآثار السلبية لجائحة كورونا وما خلفته، وتعلمنا كيف نبدأ بالتجدد والانتعاش والتصالح مع النفس من خلال صحة الأعضاء الداخلية، وترميم الصحة النفسية والجسد، وتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة لدينا.
النعم لا تدوم إلا بالشكر والامتنان.. والرضى بما نملك هو من أغلى النعم
ما الساعة البيولوجية للجسم؟
هي ارتباط دقيق ومحكم بين صحة ووظائف أعضائنا الداخلية وبين المشاعر وطريقة تفكيرنا. وسميت بالساعة، لأن هناك نمطا متكررا لهذه العلاقة، يتكرر يوميا، وأسبوعيا، وشهريا وسنويا بالطريقة نفسها طوال سنوات حياتنا.
كيف يمكننا استثمار نشاط الساعة البيولوجية لنغير من حياتنا نحو الأفضل؟
من خلال الاستثمار في الكنوز المعرفية للساعة البيولوجية، عندما نتعرف إلى النشاطات الخاصة بهذه الساعة وأوقاتها تحديدا خلال اليوم. فكل عضو من أعضاء الجسم يصل ذروة نشاطه كل ساعتين، ومع نشاط هذا العضو تنشط مشاعر معينة، وينشط نمط فكري معين. فإذا عرفنا كيف ننشط هذا العضو، فسنحصل على الفوائد العاطفية والفكرية المرتبطة به. على سبيل المثال، مركز تمييز القرارت الصائبة من الخاطئة يقع في الأمعاء الدقيقة، لذا فإن تناول الغذاء الصحي لا يعتبر رفاهية صحية، بل هو حاجة لكل إنسان يرغب في اتخاذ قرارات مناسبة ومفيدة في حياته.
كيف نجعل التفاؤل والإيجابية تتغلب على مشاعر الإحباط والقلق والخوف؟
تأتي مشاعر الإحباط نتيجة لخيبة أملنا وعدم رضانا عما حدث ويحدث. ويأتي القلق والخوف نتيجة حتمية لعدم ثقتنا بما سيحدث غدا. وجميع هذه المشاعر تأتي نتيجة طبيعية لانخفاض درجة اتصالنا بنور الله! طاقة الله، طاقة مطمئنة للقلب ومهدئة للنفس، والاتصال بنور الله يجعل الشعور بالأمل واسع المدى، ويجعل التفاؤل حالة غالبة على المتصل، ويعطي المتصل إحساسا بالنشاط والقوة الداخلية والرغبة في المواصلة في الحياة والشغف لتقديم الأفضل.
الامتنان لا يتطلب طقوسا وترتيبات بل يحتاج إلى عين تبصر مكامن الخير الكامن في كل حدث وكل موقف مهما كان ظاهره مؤلما
ما علاقة الساعة البيولوجية باضطرابات النوم في غياب هرمون الميلاتونين؟
النوم هو أحد أهم العوامل الضرورية لتجديد خلايا الجسد، والقلب هو العضو المتحكم بالنوم، ويسمى "الملك"، في منظومة الساعة البيولوجية، فهو يعد مستودع الروح ومستقرها.
سوء الحالة النفسية وتعبها يلقي بظلاله بدرجة كبيرة، ويتسبب في زعزعة الاستقرار الروحي الذي سيكون مصحوبا باضطرابات النوم بمختلف درجاته.
الأرق إحدى العادات السلبية التي رافقتنا خلال فترة كورونا وما بعدها. كيف يمكن أن نعيد تنظيم أوقات نومنا؟
للأسف الشديد تغير نمط النوم هو نتيجة حتمية لتغير الساعة البيولوجية. فالوقت المثالي للنوم وفق الساعة البيولوجية هو قبل الساعة الحادية عشرة مساء. والطعم المر هو الطعم الصديق لإعادة توازن طاقة القلب، لذا فإن تناول المأكولات أو المشروبات المرّة، كالقهوة المرّة أو الشوكولاتة المرّة، بين الساعة الحادية عشرة صباحا والواحدة ظهرا ولمدة أسبوعين، سينعكس بتحسن ملحوظ جدا على اضطرابات النوم.
هل نستطيع توظيف الساعة البيولوجية للتصالح مع ذكريات الماضي؟
تحتضن الأمعاء الغليظة مركز التصالح مع الزمن الماضي، فعندما يتمسك الإنسان بذكرياته، ويرفض فك الارتباط مع متعلقات التجارب السابقة، عندها يبدأ الجسم بمخاطبتنا ولفت انتباهنا للمشكلة من خلال الإمساك، ورفض التخلص من فضلات الجسم الضارة. فالعرض الجسدي ما هو إلا انعكاس دقيق لما يحدث على مستوى المشاعر، وهذه هي لغة وحوار الجسد معك. إن التصالح مع بعض الذكريات الماضية هو أهم وسيلة للتخلص من الإمساك، وعندها سيتخلى الجسد عن عارض الإمساك بعدما يستوعب الرسالة منه!
خلطة الهدوء النفسي تحتاج إلى ثلاثة عوامل: مقدار من الانتباه للجسد وصحته، ومقدار من الانتباه للمشاعر، ومقدار من الانتباه للتغذية الروحية
كيف نستثمر الساعة البيولوجية للتخلص من مشاعر التوتر والقلق؟
خلطة الهدوء النفسي تحتاج إلى ثلاثة عوامل: مقدار من الانتباه للجسد وصحته، ومقدار من الانتباه للمشاعر، ومقدار من الانتباه للتغذية الروحية. الجسد ينعشه التنفس الصحيح وشرب الماء. أما المشاعر فإنها ترتاح عندما يصمت العقل قليلا وتخف سرعة الأفكار. وأما الروح، فغذاؤها استشعار الوصل مع الله. وفي الحقيقة التوعية والتثقيف الصحي الصحيح هي مسؤولية مشتركة بين المتخصصين من جهة، باعتبارنا حاملي المعرفة في هذا المجال، وبين المنصات الإعلامية من جهة أخرى، باعتبارها الناقل المثالي لهذه المعرفة والعلوم.
ما دور التأمل والتواصل الروحاني مع نور الله لبداية التشافي من سلبيات الحياة؟ وهل نحتاج إلى تهيئة النفس قبلها؟
التواصل مع نور الله، هو تواصل فطري، لا يحتاج إلى التحضير والتعقيد. ِشأنه شأن التنفس والتفكير، فهل نحتاج أن نفكر كي نتنفس؟ أم أن التنفس حاجة فطرية ميسرة لا تحتاج إلى تركيز؟ وكذلك الاتصال بنور الله، فهو حالة بسيطة نستحضر فيها وجود الله فينا وحولنا، فتطمئن على أثره نفوسنا، وتسترخي أجسادنا وتتعافى، وتهنأ أرواحنا باتصالها بالمصدر الرئيس من جديد. هذا الاتصال هو مصدر كل أنواع المشاعر الداعمة المساندة والمقوية للإنسان في يومه.
هل نفتقر إلى ممارسة طقوس الامتنان بشكل يومي؟ وما أهمية هذه الطقوس في التعافي من الإحباط والكآبة؟
علينا أن نتذكر دوما أن النعم لا تدوم إلا بالشكر والامتنان، والرضى بما نمتلك هو من أغلى النعم. فهو الحصن الحصين لطاقة القلب والحفاظ على اتزانه. الاكتئاب لا يمس القلوب الراضية، ومركزية الرضى تدور حول وجود الله في القلب. علما بأن الامتنان لا يتطلب طقوسا وترتيبات، بل يحتاج لعين تبصر كفة الزيادة، وتغنيها عن كفة النقصان، عين تبصر مكامن الخير الكامن في كل حدث و كل موقف مهما كان ظاهره مؤلما. والإنسان يحتاج إلى قلب يؤمن بأن الأمور ستكون بخير ولمصلحتنا.
أفضل العطاءات تقع بين الحادية عشرة صباحا والواحدة ظهرا لأن صفة العطاء مرتبطة بطاقة القلب
هل يرتبط نشاط الأعضاء الداخلية في ساعات معينة بفاعليتنا خلال اليوم؟
بالتأكيد، مثلا صفة العطاء مرتبطة بطاقة القلب، والساعة البيولوجية لطاقة القلب تقع بين الحادية عشرة صباحا والواحدة ظهرا. بإمكاننا تنفيذ الأعمال التطوعية خلال هاتين الساعتين، وسيكون عطاء سهلا ممتعا وذا جودة عالية، لأن مراكز العطاء ستكون آنذاك في ذروة نشاطها.
هل تنشط بعض المشاعر كالقلق، والخوف، والحزن، والفرح في وقت معين من اليوم؟ وهل بالإمكان توظيف الساعة البيولوجية لتحسين مزاجنا ونفسيتنا؟
هنالك ترابط وثيق بين المشاعر والأعضاء، وكل نوع من المشاعر يؤثر في عضو معين داخل الجسم. فمثلا التعرض للصدمات المخيفة يؤثر مباشرة في طاقة الكلى وتضعفها، وهو ما ينتج عنه خوف غير مبرر للإنسان، وهذا الخوف نجده عند كبار السن بسبب ضعف طاقة عضو الكلى مع التقدم في العمر. ومن جهة أخرى، فإن إعادة التوازن للأعضاء يساعد على استقرار المشاعر وهدوء الأفكار.
الاكتئاب لا يمس القلوب الراضية.. ومركزية الرضا تدور حول وجود الله في القلب
كتابك "الساعة البيولوجية" دشن في معرض الشارقة للكتاب، ودخل موسوعة "غينيس" في أضخم حفل توقيع يحضره مئات المؤلفين حول العالم. ما الأسرار التي يحملها الكتاب؟
يحمل الكتاب كنوزا معرفية تطرح للمرة الأولى في نموذج فريد وغير مسبوق في الوطن العربي. جمعت فيه بين مبادئ قطبين من أقطاب الطب، هما الطب الغربي والطب الصيني، في صورة جميلة متناغمة وبأسلوب سلس مفهوم.
كيف ولدت فكرة الكتاب؟ وكم من الوقت استغرق تدوينه؟
الكتاب هو حصيلة جهد كبير مستمر ودراسة استغرقت سنوات طويلة جمعت فيها بين الطب التقليدي الغربي والطب الصيني. إضافة إلى خبرة امتدت لأكثر من عشرين عاما مع المراجعين والاستشارات المتنوعة.
هنالك الكثير من المعلومات المغلوطة حول العلاج بالطب الصيني وفاعليته في علاج الأمراض. كيف نصحح الثقافة الخاطئة للبعض حول أهمية هذا العلم الذي يرجع لآلاف السنين؟
أرى تطورا ملحوظا في نظرة المجتمعات العربية ولجوئها لعلوم الطب الطبيعي عموما، والطب الصيني خصوصا. وقد أقرت منظمة الصحة العالمية أكثر من أربعين مرضا يجري علاجه من خلال الوخز بالإبر الصينية، كالصداع التوتري، والصداع النصفي، وأعراض انقطاع الدورة الشهرية، والإمساك، والحموضة وآلام وتشنجات العضلات وغيرها.