غابات الأمازون تحترق.. هل تحققت نبوءة فيلم "Mowgli"؟!
كان إكتشاف البشر الأوائل للنار بمثابة نقطة تطور هائلة فى الحضارة الإنسانية؛ فقدرتهم على التحكم فى النيران، وإستخدامها فى التدفئة، والطهى، والحماية من الحيوانات المفترسة، كلها عوامل منحت الإنسان نقاط تفوق جعلته سيد الأرض، ولكن عظمة إكتشاف الأجداد الأوائل تحرقه حماقة الأحفاد حالياً، وقبس النار الذى صنع حضارة الأرض منذ ألاف السنين هو نفسه الذى يدمر أكبر غابات الكرة الأرضية.
ما تشهده غابات الأمازون من حرائق كارثية مُتعمدة دليل على أن البشر بكل ميراث حضارتهم وذكائهم يعبثون بالطبيعة، ويتساوى فى الذنب من يجهلون ومن يعلمون، وتدفع الأرض ثمن هذا العبث؛ فهذه الغابات النقية الجميلة هى رئة الأرض؛ لأنها تمنح العالم 20% من إجمالى الأوكسجين الذى تتنفسه الكائنات الحية، وبدمار غابات الأمازون، قد يختنق سكان كوكب الأرض، ويعيشون فى لهيب درجات حرارة مرتفعة غير مسبوقة.
حرائق الأدغال فى "كتاب الأدغال"
هل ما يحدث هو نفسه الخطأ الذى وقع فيه "ماوكلى" فتى الغابة، حينما أحضر شعلة النار إلى داخل الغابة؛ ليحسم صراعه الدموي مع النمر "شيرخان"؟
تعد حكايات "كتاب الأدغال" من أهم وأشهر قصص الأشبال، ومن أكثرها إثارة للخيال، وقد كتبها البريطانى "روديارد كيبلنج" عام 1894، وتدور أحداثها فى غابات الهند، وأشهر تلك الحكايات عن الطفل "ماوكلى"، الذى فقد عائلته رضيعاً، بالقرب من الغابة، وتربى بين مجموعة من الذئاب الطيبة، وتشبع بروح الغابة وقوانينها، وامتلك قوة تفوق قوة طفل فى عمره، والصراع الرئيسى كان بينه وبين النمر الضخم الشرس "شيرخان"، الذى كان يرى أن وجود بشرى فى الغابة خطر داهم على الغابة.
القصة تم إقتباسها فى عديد من الصور الفنية الرائعة، وصنعت السينما العديد من الأفلام المأخوذة عن الحكاية التى تسرد علاقة البشر بالحيوان داخل الأدغال، ويعود أول تلك الأفلام إلى عام 1937، وكان بعنوان "فتى الفيل" Elephant Boy ، كما صدرت بعض الحكايات فى سلسلة أفلام كرتون، منها نسخة أنتجتها شركة ديزنى عام 1967، ونسخة يابانية شهيرة لدى قطاع كبير من الجمهور العربى، عُرضت فى نهاية حقبة الثمانينيات، وتمت دبلجتها للعربية الفصحى.
هل كان النمر "شيرخان" محقا؟
فى فيلم "ماوكلى: أسطورة الأدغال" Mowgli: Legend of the Jungle، وهو النسخة التى أنتجتها شبكة نتفليكس" العام الماضى، وكذلك فى نسخة ديزنى التى أنتجتها قبل ثلاثة أعوام، بعنوان "كتاب الأدغال"، نُلاحظ أن حيوانات الغابة لم تعرف النار أبداً، وكانت تعيش فى هدوء فى عالمها الساحر، حيث الطبيعة الخلًابة النقية، بعيداً عن تلوث المدينة وصخبها ونيرانها، وكان النمر "شيرخان" قد رأى النار مرة واحدة، وكان يخشاها بشدة؛ فقد كانت سبباً فى ندبة على وجهه، حصل عليها بعد صراع مع رجل قابله على أطراف الغابة، وانتهى الصراع بمقتل الرجل، ولكن ظل الخوف من النار مُستعراً بداخله كلما رأى بشرياً؛ ولهذا كانت كراهيته للفتى "ماوكلى" غير محدودة؛ فهو يرى أن وجود بشرى داخل الغابة خطر داهم.
بعد بلوغ صراع "ماوكلى" و"شيرخان" ذروته، وبعد أن يُصبح الخلاص من النمر حتمياً، يأتى الفتى "ماوكلى" بشعلة نار ليرهب بها النمر، وأثناء عدوه فى الغابة تسقط منه بالخطأ، وتتسبب فى دمار وحريق قطاع كبير من الغابة الهادئة، وتهرع الحيوانات بعيداً عن الحريق، ناحية النهر.
نار الواقع ولهيب الخيال
فى الوقت الذى تتجاهل فيه حكومات العالم حرائق الأمازون، إهتمت قطاعات كبيرة فى السوشيال ميديا بالكارثة، ونبهوا إلى خطورتها وتبعاتها، ونشروا العديد من الصور المروعة لحيوانات تكافح من أجل الهروب من ألسنة اللهيب، وبعض هذه الصور مُعالجة بالفوتوشوب؛ وتهدف للفت النظر وجلب التعاطف مع ما يحدث فى الغابات الأمازونية البعيدة، وتحمل هاشتاج "صلوا من أجل غابات الأماوزن" #prayforamazonia ، وبعضها يشبه إلى حد كبير تصوير ديزنى ونتفليكس لحكاية "ماوكلى" وشعلة النار فى الفيلمين.
تأتى الأنباء من البرازيل ودول أخرى أن بعض الفلاحين يستخدمون النار فى حرق بعض مناطق الغابات؛ لفتح طرق لقُطعان الماشية، ويحدث أن تخرج النيران عن السيطرة، وهذا هو التفسير الأرجح لهذه الحرائق الهائلة المستمرة حتى الآن، والتى قضت على ألاف الكيلومترات المربعة من الغابات، وقتلت العديد من الحيوانات، وأفسدت جزء حيوى من الكرة الأرضية.
ربما كان خطأ "ماوكلى" عفوياً وغير مقصود، وهو خطأ إفتراضى، حدث فى خيال الكاتب "روديارد كيبلنج"، ورأيناه طيفاً على شاشات السينما، ولكنه كان نبوءة لما يحدث كل يوم من حرائق للغابات، ونتيجته ما وصلنا إليه الأن من وضع كارثى، لم تتضح كل معالمه، ولا نعرف مدى أثاره وخسائره، ولكنها، بلا شك، ستكون خسائر فادحة لكل الكائنات الحية خلال العُقود القادمة.