قبل "كورونا"..كيف تناولت السينما والدراما التليفزيونية العزل المنزلي؟
في أغنيته الشهيرة Imagine تخيل المُغني الراحل "جون لينون" البشر يتعايشون معاً في سلام وسعادة؛ بلا أحقاد أو حروب أو تعصب، وبدون حدود جُغرافية تعزلهم عن بعضهم البعض، لكنه لم يتخيل أن يأتي اليوم الذي تُصبح فيه حدود الإنسان هي باب شقته والبلكونة المُطلة على الشارع، وأمانه في تجنب الآخرين، وفي العزلة الذاتية، وعلى عكس "جون لينون" تخيلت السينما العزل الذاتي لمجموعات محدودة من البشر، وكيف يمكن أن تتسبب الحروب النووية، والفيروسات، والتلوث في أن يعود الإنسان المُعاصر إلى حياة الإنسان البدائي في الكهوف؛ حيث الخروج محدود للغاية؛ تحت ضغط الحاجة للأكل والشرب؛ وبغرض الصيد وجمع الثمار من على الأشجار، أو ما يُعرف حالياً بالتسوق.
العزل المنزلي في زمن الحرب الباردة
في حقبة الستينيات كان الخوف الأكبر من وصول الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا إلى مرحلة الصدام النووي، وهى النهاية التي تخيلها جيل الستينيات للعالم، ووصلت المواجهة بين القطبين الكبيرين إلى أعتاب الولايات المتحدة، وبدأ ما يُعرف بأزمة خليج الخنازير، وكادت الحرب تندلع بين الأمريكان والسوفيات؛ بعد محاولة الروس نقل صواريخ نووية إلى كوبا القريبة من الأراضي الأمريكية، وبدأ بعض الأمريكان فى إنشاء ملاجىء نووية تحت منازلهم؛ لعزل أنفسهم فيها، وفي فيلم الكوميديا الرومانسيةBlast from the Past يعزل عالم وزوجته الحامل نفسيهما داخل ملجأ مُقاوم للضربات النووية، ويتصادف سقوط طائرة فقد قائدها السيطرة عليها فوق المنزل؛ مما يدفع الزوجين للظن أن هجوماً نووياً حدث بالخارج، وبعد 35 عاماً يضطر الابن "براندون فريزر" المولود داخل هذا الملجأ للخروج للتزود بمؤن جديدة، ويجده الآخرون شخصاً غريب الأطوار، قديم الطراز، توقفت ثقافته عند الأعمال التليفزيونية المسجلة القديمة التى شاهدها مراراً وتكراراً بصحبة والديه، وفي الخارج يلتقي بفتاة يُحبها، ويحاول تعويض ما فاته في سنوات العزل الذاتي.
الناجون والتباعد الإجتماعي
العزل الذاتي تحت الأرض يشبه الواقع كثيراً؛ فهذا ما يفعله البعض في حالات الحروب والأعاصير المُدمرة، ولكن دراما الخيال العلمي شطحت بعيداً عن الكرة الأرضية؛ بعد استحالة العيش عليها؛ فبعد هجوم نووي أصاب أجواء الأرض بتلوث إشعاعي يستمر مائة عام كان قرار النخبة هو الهروب إلى محطة فضائية قريبة من الأرض، وكانت هذه فكرة المسلسل الدرامي "المائة" The 100 وعنوان المسلسل يشير إلى المائة شخص الذين تم إرسالهم بعد مائة عام للتأكد من صلاحية الأرض للحياة مرة أخرى، وهو ما يعني عودة البشر من المحطة الفضائية إلى الأرض، لكن الأمر لن يكون سهلاً؛ فأسفل سطح الأرض عاشت قلة من البشر الناجين في عزلة اضطرارية، ويرى هؤلاء أن من رحلوا لملجأ الفضاء وتخلوا عنهم لا يستحقون العودة للأرض والسيطرة عليها من جديد بعد أن زالت عنها أثار التلوث النووي.
ما حدث في المسلسل يشابه كثيراً ما حدث في فيلم الأنيمشن WALL·E حيث عاش البشر في عزل فضائي حتى تنتهى فترة تلوث الأرض، وجعلوا من الأرض مكب نفايات يتابعه ويشرف عليه روبوت قديم الطراز، وبينما يفقد البشر فى مكان عزلهم الفضائي كل مشاعر التواصل الاجتماعي ويغرقون في شاشاتهم الإلكترونية وحياتهم الافتراضية، يبدأ الروبوت الأرضي تكوين مشاعر عاطفية بعد مشاهدة العديد من الأفلام العاطفية والبرامج الفكاهية التي تركها البشر خلفهم قبل هروبهم الجماعي من الأرض.
خطر الفيروسات والزومبي
لجأ "ويل سميث" إلى عزل نفسه داخل منزله في فيلم I Am Legend وكانت فترة حظر التجول خارج المنزل تبدأ من الغروب حتى الفجر، وهو الوقت الذي ينشط فيه ما تبقى من بشر أصابهم فيروس غامض وحولهم إلى كائنات زومبي عنيفة تتغذى على الدم، ويصيبها الضوء بالعمى وتحرقها أشعة الشمس، ولم يكن هَم البطل الاختباء من الزومبي فقط، بل محاولة إنتاج علاج للمرض من دماءه بعد أن اكتشف مناعته ضد الفيروس الذى قضى على الحياة فى أغلب الولايات الأمريكية. نفس الفكرة تقريباً تناولها فيلم 28 Days Later "بعد 28 يوماً"، وتخيل فيروس ينتقل للبشر من الحيوانات، ويصيب البشر في لندن بعد حادث هروب بعض القرود من حديقة الحيوان بتدبير من بعض النشطاء المدافعين عن الحيوانات، وينتقل الفيروس إلى الدم البشري، ويتسبب فى تحول الإنسان إلى زومبي قاتل، ويعيش الناجون في المنازل المهجورة في عزل ذاتي بعيداً عن كائنات الزومبي، وخلت لندن من كل مظاهر الحياة، وأصبح الخروج من المنزل أمراً خطيراً.
العزل المنزلي هو الحل الذي يلجأ إليه مجموعة من الناجين في فيلم Bird Box الذي قامت ببطولة "ساندرا بولوك" وأخرجته "سوزان بيير" لصالح شبكة "نتفليكس"، وهو مأخوذ عن رواية بنفس الاسم من تأليف "جوش ميلمان"، ويتخيل فيها تعرض عدد كبير من البشر لخطر غريب، يصيبهم بالجنون ويدفعهم إلى الإنتحار؛ والسبب هو النظر لمخلوقات غريبة تتحكم في العقول، والحل هو الابتعاد عن الشوارع والبقاء في المنزل، وفي حالة الضرورة وضع عصابة على العينين، وهو ما تفعله "ساندرا بولوك" ومن معها بعد نفاذ مخزون الطعام في المنزل، وتكون رحلة الانتقال من المنزل إلى متاجر تسوق الأغذية المهجور خطيرة للغاية؛ فالمخلوقات الغامضة في الخارج ويكفي نظرة واحدة إليها ليفقد الإنسان عقله وحياته.
ربما كانت الدراما مُبالغة في تصويرها لمُسببات العزل المنزلي، وقد وضعته داخل أُطر درامية لمخاطر خيالية، ولكن الواقع فاق خيال الدراما، وأُجبِر ملايين البشر على البقاء في المنزل، والتحرك بحذر خارجه، ليس خوفاً من إشعاع نووي أو زومبي قاتل، بل فيروس يصفه العلماء بالضعف!