حكاية السير بيتر أوستينوف المؤلف الحقيقي لـ مسرحية "شاهد ماشافش حاجة" !
هبط السير "بيتر أوستينوف" من الطائرة التي أقلته إلى القاهرة عام 1977، وفي المطار بدا كأى سائح أجنبي عادي، ولم يعلم أحد ممن حوله أن هذا الشخص الممتلىء هو الممثل العالمي، الحاصل على جائزتي أوسكار، والذي منحته ملكة إنجلترا لقب سير قبل عامين فقط، لم يأت السير "بيتر أوستينوف" من أجل السياحة ولكن لتمثيل شخصية رجل بريطاني الموطن، بلجيكي الأصل، حضر لقضاء وقت لطيف بين الأثار المصرية، وذهب في رحلة نيلية سياحية، وتشهد الرحلة جريمة قتل، ويضطر هو للتحقيق في الجريمة الغامضة..جاء "أوستينوف" لتمثيل دور المحقق البوليسي "هركيول بوارو" في فيلم عالمي مأخوذ عن رواية "أجاثا كريستي" الشهيرة "جريمة على النيل"، وهو الفيلم الذي تعيد إنتاجه هوليوود حالياً.
الأرنب "سيجفريد" والأرنب "سفروت"
أثناء رحلة التاكسي من المطار إلى الفندق الذي سيقيم فيه، لفت نظر السير بيتر أوستينوف "1921- 2004" الزحام القاهري، وذكره بزحام شوارع الهند نوعاً ما، وتأمل الكم الكبير والمتنوع من إعلانات الأفلام والمسرحيات والحفلات الغنائية، المتراصة على جانبى الطريق، وهو يعلم بُحكم قراءته للتاريخ المصري القديم أن المصريين لديهم شغف بالفنون، ويحبون الغناء والموسيقى والرقص، وكان من بين اللوحات الإعلانية الضخمة إعلان مسرحية بطلها شاب له تقاسيم وجه حادة ومُضحكة، وحرص رسام الإعلان على تصوير علامات الذهول والخوف على وجه البطل.
لا يجيد السير "بيتر" العربية، ولكنه يحب تأمل حروفها المرسومة، ولم يعلم أن الإعلان عن مسرحية عنوانها "شاهد ما شافش حاجة"، وأن هذا الشاب هو الممثل "عادل إمام" في أول بطولة مسرحية مُطلقة له، وأن هذه المسرحية تحظى بجماهيرية كبيرة، وأنها خلال سنوات عرضها على المسرح، والتليفزيون لاحقاً، ستكون أيقونة في عالم الكوميديا، وأن شخصية بطلها "سرحان عبد البصير"، وحواراته المضحكة ستترك أثارها العميقة في وجدان أجيال من المشاهدين في العالم العربي.
الشاب الساذج "سرحان عبد البصير"، مُحب للأرانب، ويمثل شخصية الأرنب "سفروت" في برنامج الأطفال التليفزيوني "هيا بنا نلعب"، وتتعرض حياته الهادئة لصدمة حينما تُقتل جارته الراقصة اللعوب، ويتم إتهامه بالجريمة في البداية، ثم يصبح الشاهد الرئيسي في جريمة القتل أمام المحكمة.
القصة مقابل المسرحية
تدور أحداث قصة "اليوم به 42,200 ثانية" من المجموعة القصصية Add a Dash of Pity المنشورة عام 1959حول الشاب الوحيد "ادوين أبلكوت"، الذي يجسد شخصية الأرنب سيجفريد في برنامج الأطفال الإذاعي "هيا بنا نلعب"، وهو يهوى زيارة حديقة الحيوان في أوقات فراغه للجلوس بجوار الأرانب، وأثناء عودته لمنزله متأخراً ذات يوم يستوقفه عدد من رجال البوليس الأشداء أمام منزله، ويخبرونه أن جارته الحسناء تم قتلها فيصاب بالإغماء، ويتكرر إغماءه حينما يرى دماء القتيلة، وحينما يتعرف على الجثة، وهو لا يفهم وصف المحقق لمهنة القتيلة، بائعة الهوى، ولا يصدق المحقق وجود إنسان بهذه السذاجة.
بعد هذا الحوار يطلب المحقق من "ادوين" توقيع أوتوجراف من أجل ابنته، لكن ادوين يعبر عن خوفه التوقيع على ورقة قد تؤدي إلى سجنه لو تم تلفيق اعتراف له بجريمة القتل، وتستمر القصة المُطابقة تقريباً للمسرحية الممصرة، ولولا إضافات عادل إمام الكوميدية الارتجالية للحوار لكانت المسرحية ترجمة حرفية لحوار وأحداث قصة "بيتر أوستينوف"، والحقيقة أن خفة ظل كتابته جذابة حتى أن من أعدا المسرحية لم يجتهدا كثيراً في تمصيرها، وتقريبا ترجما حوار القصة كما هى إلى اللهجة العامية.
نماذج من حوارات ادوين وسرحان
من نماذج الحوارات بين البطل ورجل الشرطة في بداية القصة القصيرة:
الشرطي: "أنت ادوين أبلكوت؟"
ادوين: كلا!
الشرطي: "ألست ادوين أبلكوت؟"
ادوين: "نعم!"
الشرطي: "ولماذا قلت لا؟"
ادوين: "لقد نسيت!"
وهو يذكرنا بالحوار التالي من المسرحية المصرية:
المحقق: "أنت سرحان عبد البصير؟"
سرحان: "لأ!"
المحقق: "أومال انت مين؟"
سرحان: "سرحان عبد البصير"
وفى حوار أخر بين المحقق والبطل من القصة القصيرة نقرأ نصاً:
المحقق: "إنك تذهب لحديقة الحيوان كثيراً. لابد أن عملك يمنحك الكثير من وقت الفراغ"
ادوين: "أعمل في قناة BBC"
المحقق: "ماذا تعمل؟ مُعلق رياضي؟"
ادوين: "يا الهى، كلا بالطبع. أعمل في برنامج الأطفال "هيا بنا نلعب"، ويذاع في الثالثة والنصف يومياً"
المحقق: "آه، ابنتاى تتابعانه."
ادوين: "حقاً؟ كم عمرهما؟"
المحقق: "واحدة خمس سنوات والأخرى عامين."
ادوين: "ولكن ابنة العامين لن تفهم البرنامج."
المحقق: "انها أكبر من عمرها."
ادوين: "من شخصيتها المفضلة؟"
المحقق: "البغلة ويمبلي."
ادوين: "آه، الأنسة ألسوب."
المحقق: "عفواً؟"
ادوين: "الآنسة ألسوب تؤدي صوت البغلة ويمبلي، وأنا الأرنب سيجفريد."
وبالطبع كلنا يذكر نفس الحوار بين "سرحان عبد البصير" والمحقق "أحمد عبد السلام" في المسرحية المصرية.
مشهد المحكمة
من أكثر قضايا حقوق الملكية الفكرية شهرة في الصحف والجرائد المصرية خلال حقبة السبعينيات هى قضية إمتناع "سمير خفاجي" منتج مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" عن وضع اسم مؤلفا المسرحية على الإعلانات، وهما الكاتبان "مصطفى أبو حطب" و"إبراهيم الدسوقي"، وحسب المكتوب في تفاصيل الدعوى أنهما تعاقدا على تحويل نص تمثيلة إذاعية بعنوان "حدوتة الأرنب سفروت" إلى مسرحية مقابل 300 جنيها مصريا، وحكمت المحكمة لصالح المنتج بسبب عدم وجود بند في العقد يجبره على وضع اسميهما على الإعلانات، وألزمت الكاتبان بدفع مبلغ عشرة ألاف جنيه مصري للمنتج، ومرت سنوات على القضية وانتهت في عام 1987 حينما حكمت محكمة النقض بتعويض الكاتبان بمبلغ 30 ألف جنيه.
كثير من مواقع الفن الأرشيفية تذكر أن الكاتب المسرحى "ألفريد فرج" هو مؤلف النص الأصلي، ولكن اسمه غير مكتوب على تترات النسخة التليفزيونية من المسرحية.
النهاية
بعد سنوات من عرض المسرحية التقى "عادل إمام" و"بيتر أوستينوف" وأثناء جلستهما حكى "عادل إمام" لمن حوله أن أول بطولة مسرحية له كانت مأخوذة عن قصة قصيرة للسير "بيتر أوستينوف"، ولم يكن "أوستينوف" منتبهاً لحظتها، وهمس "عادل إمام" للمحيطين مستدركاً: "لا تخبروه بالأمر حتى لا يطلب أموالاً!"، وحينما انتبه "أوستينوف" نظر إلى "عادل إمام" وصاح بطريقة مسرحية: "إبني عبد الله!"، وصحح له "عادل إمام" إسمه، لكن السير أصر قائلاً "عبد الله!"، و"عادل أمام" ألح قائلاً "عادل وليس عبد الله"، وذلك بحسب ما قاله عادل إمام في لقاء سابق له مع الإعلامية هالة سرحان، حيث كانا كلاهما سفيرا للنوايا الحسنة في برنامج تابع للأمم المتحدة، ولم تسعف اللغة "عادل إمام" ليشرح للسير "بيتر أوستينوف" الفرق بين "ألح" و"أصر" كما كان يشرحها للممثل "عمر الحريري" في المسرحية، ولم يُقدم له الشكر مباشرة على دوره في صناعة واحد من أهم مسرحيات الكوميديا العربية المعاصرة حتى لا يُطالبه بمقابل حقوق الملكية الفكرية.