عروض مهرجان البحر الأحمر السينمائي ـ فيلم "برا المنهج"..هل كان يجب أن تُحضّر العفريت؟
في ختام حفل جوائز مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، عرض فيلم "برا المنهج" للمخرج عمرو سلامة، للمرة الأولى عالميًا..العمل هو السينمائي الأول لعمرو سلامة منذ 2017 حين عرض له "شيخ جاكسون"، وسلامة هو صاحب القصة أيضًا، كما شارك في كتابة السيناريو مع خالد دياب.
للوهلة الأولى يذكرنا الفيلم بـ"لا مؤاخذة" لعمرو سلامة أيضًا (2014)، في كونه يعتمد على بطل طفل، وتبدأ مشاهده من المدرسة أيضًا، لكن لاحقًا سنجد اختلافًا كبيرًا بينهما.
كان فيه ولد اسمه "نور"
يبدأ الفيلم بتعليق صوتي من ماجد الكدواني، الذي سنتعرف على الشخصية التي يلعبها لاحقا، بينما نشاهد طفلًا في منطقة ريفية، يمشي في طريقه إلى المدرسة. في الوقت الذي يروي فيه الصوت صورة مثالية عن طفل مجتهد وملتزم يُدعى نور (عمر الشريف)، نشاهد النقيض تمامًا على الشاشة، فنور ليس متلزمًا ولا مثاليًا بحال. هذه البداية تعرفنا بأن ما سنشاهده لا ينتمي لعالم القصص المثالية عن الأطفال. ترسم لنا الصورة العامة للفيلم، أن ما نعرفه من الكتب، أو حتى من خلال انطباعاتنا عن بعض الأشخاص، ليس بالضرورة هو الحقيقة.
تتابع الأحداث الطفل نور اليتيم والفقير، الذي يحيا في منطقة ريفية، في فترة غير محددة بدقة لكننا نستنتج أنها في نهاية السبعينيات أو بداية الثمانينيات. يتعرف الطفل على أحمد (ماجد الكدواني) الذي يعيش وحيدًا في بيت مهجور مقابل المدرسة، ويدعي أنه شبح ليبعد الأطفال عنه، لكن نور يكشف سره لتنشأ بينهما علاقة أب بابنه، تغير مسار حياتهما.
مثلما قدم لنا عمرو سلامة من قبل أحمد داش ومعاذ نبيل في "لا مؤاخذة" وأجاد توظيف موهبتهما في الفيلم، يقدم لنا هذه المرة موهوبًا آخر هو الطفل عمر الشريف، الذي نجح عمرو في تقديمه بأفضل صورة واستغلال موهبته بما يضيف للفيلم. لن يستغرق المشاهد وقتًا طويلًا حتى يقع في حب "نور" ويشعر أنه متفهم لهذا النموذج الذي يجمع بين خفة الظل والذكاء والمشاغبة والخجل أيضًا، ويرغب في مساعدته للخروج من أزمته، لكن ما هي أزمته؟
البحث عن العفريت
في بداية الفيلم سنجد أن أزمة نور هي تعرضه للتنمر، لكنه سريعًا ما يتغلب على هذه الأزمة عندما يبني علاقته المزعومة بالعفريت الذي يسكن في الفيلا المجاورة للمدرسة، لتبدأ مشكلته الثانية وهي محاولته المتكررة للاعتراف بإعجابه لإحدى الفتيات في المدرسة المجاورة، لكن هذه المشكلات جميعها كانت تدور في إطار واحد رئيسي، يشترك فيه نور وأحمد معًا، وهو الخوف.
الخوف هو المحرك الرئيسي لشخصية أحمد كما نتعرف عليها خلال الأحداث، هو ما يدفعه لإخفاء شخصيته والاختباء داخل هذا البيت. والخوف أيضًا هو ما دفع نور للاحتماء بعلاقته بالعفريت، ليصبح مصدر قوة له أمام زملائه المتنمرين به، وأمام المدرسين أيضًا.
بقدر ما يؤسس الفيلم هذه الفكرة بشكل واضح في نصفه الأول، فإننا نجد هذا التأسيس يهتز لاحقًا، باستمرار الدوران حول نفس التفصيلة دون جديد في ما يخص الطفل، أو بتقديم حلول أو معلومات سهلة في ما يخص أحمد.
قرب نهاية الفصل الثاني من الفيلم نجد أن الأحداث تتجمد نسبيًا، بين تكرار المشاهد التي يحاول فيها المدرسون والطلبة على حد سواء التقرب من نور. فعلى طرافة هذه المشاهد، وذكاء الحس الكوميدي فيها، فإنها عند نقطة معينة لا تقدم جديدًا في الأحداث بل يبدو أنها موجودة فقط لإضافة المزيد من الضحكات، وحتى عندما يأتي التحول الأكبر في شخصية الطفل، فإننا نتوقف مرة أخرى أمام عدة مشاهد له وهو يحاول تغيير الصورة التي زرعها عن علاقته بالعفريت.
بينما نجد أن كل ما يتعلق بالتطورات التي تحدث لشخصية أحمد، لا تظهر إلا بطرق سهلة، كأن يذهب نور لبدروم الفيلا فجأة دون تمهيد أو مقدمات منطقية ليزيح الستار عن الكثير من تفاصيل شخصيته. بينما تبقى بعض الأسئلة المهمة التي طرحت عن أحمد داخل الفيلم نفسه بلا إجابات، مثل: كيف يحصل وهو مقيم داخل الفيلا طوال الوقت على قوت يومه؟ بجانب أسئلة أخرى تخص ماضيه والسبب الحقيقي وراء قرار اختفائه، إذ أن المعلومات التي قُدمت في هذا السياق لم تكن كافية.
هكذا نجد أن الفصل الأخير للفيلم جاء أقل من الفصلين الأولين، وبدا أطول من اللازم رغم أن مدته زمنيًا لم تكن بهذا الطول، ثم جاءت النهاية ليبدو معها وكأن مؤلفا الفيلم لم يجدا حلًا أفضل للشخصية سوى الحل الذي قدموه، رغم أنه يبدو بعيدًا كل البعد عن الحالة العامة التي أسسها الفيلم منذ بدايته.
حصص التاريخ
يستمد الفيلم عنوانه، من قصص التاريخ التي حكاها أحمد لنور، إذ كان يبدأ حكاياته بأن هذا هو الموجود في المنهج وسأحكي لك الآن ما هو "برا المنهج". جاءت حلول عمرو سلامة البصرية للقصص التاريخية، كأحد أفضل المشاهد في الفيلم. الطريقة الكارتونية في التنفيذ مع الاستعانة بالشخصيات الموجودة داخل الفيلم لتجسيد المشاهد التاريخية، كانت جيدة أولًا على المستوى الإنتاجي، إذ لم تخرج هذه المشاهد بشكل فقير، وكانت طبيعتها الكارتونية مخرجًا جيدًا لعدم التورط في مشاهد جرافيك أو ديكورات أضخم من اللازم، كما أنها كانت مليئة بالألوان بشكل جعلها فعلًا وكأنها مرسومة داخل خيال الطفل.
على الجانب الآخر كانت هذه القصص -على جودتها بصريًا- بمثابة استطراد طويل، تحديدًا مع القصة الثالثة، إذ نشعر أننا نستمع بالفعل إلى قصة طويلة خارج السياق العام للفيلم لتوصيل فكرة صغيرة جدًا للبطل.
وربما ينطبق هذا على الكثير من تفاصيل السيناريو بوجه عام، إذ أن الفكرة التي بُني عليها الفيلم، كانت جيدة بالفعل، لكنها ضلت الطريق بعض الشيء في عدة مشاهد، رغم المجهود الكبير في تصميم الإنتاج وفي اختيار الأطفال وخاصة الطفل عمر الشريف.