مجازفات توم كروز الجنونية.. يتحدى الخدع والجرافيك ويسير على خُطى شابلن وباستر كيتون!

وقف "توم كروز" على طائرة ذات محرك واحد قديمة الطراز يُخاطب جمهوره قبل قيامه بإحدى مشاهد المجازفات الخطرة في فيلمه الأخير Top Gun: Maverick، وإنتشر مؤخراً فيديو المشهد الدعائي الذي لا يُصدق على اليوتيوب ومواقع التواصل الإجتماعي؛ وحصد كثير من التعليقات؛ فقد كانت وقفته على جسم الطائرة أثناء طيرانها على إرتفاع كبير شديدة الخطورة، والكاميرا تصوره من طائرة أخرى، وبعد إنتهاء كلماته قامت الطائرة بحركة بهلوانية مفاجئة وإنقلبت في الهواء، بينما ظل النجم الذي بلغ عمره 60 عاما في يوليو الماضي ثابتاً في مكانه، وبعيداً عن الدهشة والإنبهار يدفع المشهد الجنوني إلى التساؤل عن جدوى المخاطرة والمجازفة في زمن تفعل فيه خدع الكمبيوتر كل شىء.

مُنافسة مع خدع الكمبيوتر!

يتحدي "توم كروز" جميع من يقومون بالمشاهد الخطر في أفلام المغامرات والمُطاردات، بل يتحدى الجميع في زمن أفلام السوبر هيروز بواحدة من المُجازفات الخطرة التي يؤديها بنفسه؛ فهو لا يحتاج إلى خدع مُبهرة كتلك التي يصنعها الكمبيوتر من أجل النجوم الذين يجسدون الشخصيات الخارقة؛ يحتاج الممثلون الذين يجسدون أدوار سبايدر مان وسوبر مان وثور ومستر أمريكا ودكتور سترينج إلى شاشات خضراء من أجل مشاهد الأكشن الخطرة، لكن "توم كروز" يذهب مباشرة إلى مكان التصوير ليؤدي حركاته برشاقة يُحسد عليها.

قبل تنفيذ حركتة البهلوانية الأخيرة فوق الطائرة أشتهر "توم كروز" بعدد من المشاهد الخطرة التي نفذها بنفسه في سلسلة أفلام Mission: Impossible "مهمة مستحيلة"؛ منها تسلق برج خليفة، والتعلق بجانب طائرة أثناء قيامها بالإقلاع، والقفز بين سطحين من إرتفاع عالٍ، وهذا المشهد الأخير تسبب في دخوله المستشفى للعلاج من جروح أصابت قدميه، بالإضافة إلى أنه كاد يسقط بالفعل، لكنه أكمل المشهد حتى النهاية، ورغم وجود احتياطات للأمان مع كل مشهد يقوم بتنفيذه، لكن تظل الخطورة قائمة.

مُنافسة مع خدع الكمبيوتر!
مُنافسة مع خدع الكمبيوتر!

المدرسة القديمة والمجازفات الحديثة!

قبل إنتشار أفلام السوبر هيروز بهذا الإبهار التقني والفني كانت السينما تتعامل مع بطل الفيلم على أنه البطل الخارق الحقيقي، الذي يمكنه أن يفعل أى شىء بنفسه، أو يفعل أشياء مُبهرة تُكملها تقنيات الخدع البصرية والمجازفين، وفي بدايات السينما لم تكن تقنيات الخدع مُتقنة، ونتائجها على الشاشة لم تكن شديدة الإقناع، ومع ذلك كان الجمهور يستمتع بخدع بصرية تبدو اليوم مُصطنعة وشديدة السذاجة، وفي زمن السينما الصامتة ظهر فنانون لم يكتفوا بأدائهم الكوميدي الحركي العادي؛ بل قاموا بحركات شديدة الصعوبة والخطورة، ولا يُمكن أن يقوم بها اليوم أى ممثل عادي.

ينتمي "توم كروز" إلى المدرسة القديمة في الأداء الحركي الذي يسعى إلى استغلال الممثل لقدراته إلى أقصى حد للتعبير، وهى مدرسة كان ينتمي إليها نجوم بدايات السينما الصامتة، وقد قام كثير من هؤلاء النجوم بتنفيذ مشاهد صعبة ومُعقدة من أجل الإضحاك وإدهاش المشاهد؛ فواحد من أهم نجوم مرحلة السينما الصامتة وهو "باستر كيتون" نفذ العديد من مشاهد المجازفات الخطرة بنفسه، ومنها عبور شريط القطار بسيارة مسرعة على مسافة قريبة من قطار يتحرك بسرعة، وهناك مشهد له شبيه بمشاهد "توم كروز" مع الطائرة، وهو التعلق بسلم من الحبال بينما الطائرة تُحلق، ومشهد أخر لسقوط واجهة منزل ضخمة فوقه، واعتمد المشهد على حسابات دقيقة تضمن سقوط الكتلة الضخمة على الأرض ويمر جسم "كيتون" من فتحة النافذة، وهى مجازفة خطيرة لو لم تهبط الواجهة بالشكل المُحدد مُسبقاً، وأثناء تصويره فيلم Sherlock Jr. تسبب خرطوم ماء ضخم سقط عليه في كسر بإحدى فقرات رقبته عانى منه لاحقاً، وبلغت مجازفات "كيتون" حد أخاف شركة شركة مترو على حياته، واشترطت قبل تعاقدها معه على أن يستعين ببديل لمشاهد المُجازفات، وهو أمر رفضه بشدة.

مجازفات توم كروز
مجازفات توم كروز

المخاطرة من أجل الكوميديا!

المجازفات في عالم بعض نجوم السينما جزء من شخصيتهم؛ فجاكي شان ليس فقط ممثل استغل قدراته في تنفيذ حركات الفنون القتالية، ولكن استلهم أفكار افلامه من عالم أفلام "باستر كيتون" و"هارولد لويد" و"شارلي شابلن" وهؤلاء قاموا بتصميم مشاهد المجازفات التي تعتمد على الحركة البدنية من أجل الإضحاك والإبهار، وحتى نجوم الاستعراض أمثال "جين كيلي" و"فريد استير" و"دونالد أوكونر" قاموا بحركات استعراضية خطرة ولا تُصدق، ومثل هؤلاء النجوم كانوا يقومون بتصميم مشاهد الحركة بأنفسهم؛ فهم يعلمون حدود قدراتهم البدنية، ولديهم خيال يصور تفاصيل المشهد التي تلائم مسار الأحداث، وأصبحت هذه المشاهد أيقونات في تاريخ سينما الأكشن والكوميديا والاستعراض.

الفرق بين ما يقوم به "توم كروز" ومن سبقوه بأنفسهم وبين ما يصنعه الكمبيوتر هو نفسه الفرق بين قيام فنان برسم لوحة فنية بنفسه، وبين قيام تقنية الذكاء الصناعي برسم لوحة؛ في العمل البشري إبداع وأصالة لن تصل إليها كل تقنيات الكميوتر مهما بلغ إتقانها ودقتها. الكل يعلم أن أفلام الأكشن والحركة والمطاردات المعاصرة مصنوعة من برامج الخدع والمؤثرات الرقمية، وهى في النهاية محاكاة آمنة تشبه ما يوجد في الحياة، ولكنها ليست مثل مُجازفات الحياة نفسها.

المخاطرة من أجل الكوميديا!
المخاطرة من أجل الكوميديا!

صور توم كروز من حسابه على "انستجرام"