رؤية نقدية ـ "The Old Guard"..التأثير المخيف للخلود
فكرة وجود الإنسان تشغل حيز كبير من اهتمام علماء النفس والاجتماع والفلسفة، نجد عشرات النظريات والتفسيرات والاتجاهات الفكرية والتأويلات لأحداث سابقة أو وضع سلوك إنساني في قالب محدود ودراسته، السينما ليست بعيدة عن العلم، وتناولت قضية الوجود بأشكال مختلفة، الخلود أو العمر الطويل لشخصية درامية هو أحد أبرز اشكال التماس مع القضايا الوجودية.
فيلم "The Old Guard" المعروض بشكل حصري عبر منصة "نتفلكس" يتناول هذه القضية من خلال خمسة محاربين هم آندى (تشارليز ثيرون) ونايل (كيكي لاين) وبوكر (ماتياس شوينارتس) وجو (مروان كنزاري) ونيكى (لوكا مارينلي)، أربعة منهم يعرفون بعضهم البعض جيدًا وظروفهم الخاصة هي السبب في ارتباطهم ببعضهم البعض، فقائدتهم آندى من أطول المعمرين سنًا وعمرها يتجاوز آلاف السنين مقارنة بباقي الفريق الذي تصل أعمارهم لمئات السنين، كجو ونيكي اللذان كانا غريمين وقت الحروب الصليبية في الشرق الأوسط، على عكس نايل المجندة في الجيش الأمريكي وتقضي جولتها في أفغانستان عندما تموت في المرة الأولى قبل أن تلتئم جراحها بسرعة وتعود للحياة وسط اندهاش ونفور رفقاء سلاحها منها، دخول نايل وسط المجموعة يعيد الكثير من المفاهيم سواء بالنسبة لها أو باقي المحاربين الأربعة.
بشكل عام نحن أمام فيلم تليفزيوني يضم أبطالا مشهورين مثل تشارليز وشيويتل إيجيوفور، جيد الصنع مناسب للعرض عبر المنصة، يضم العديد من مشاهد الحركة جيدة التنفيذ، يناقش قضية الوجود من خلال طرح نماذج وأمثلة متعددة، لتناقش القضية من خلال إضافة عنصر العمر الطويل، ليس خلودًا وليس تحديًا للموت، لكن تفاصيل خاصة وغامضة جعلت من هؤلاء المحاربين أشخاصًا مختارين دائمي الدفاع عن الآخرين من الضعفاء مقدرين لقيمة الحياة وفى الوقت نفسه يدافعوا عن أنفسهم في العصور القديمة ضد من يكشفون سرهم ويحاولون قتلهم دون جدوى أو محاولة السيطرة عليهم في العصور الحديثة.
النماذج المختارة تعبر عن التنوع، وعن فقدان العائلة والصديق ونبذ الخلافات، ففي الوقت الذي كان فيه جو ونيكي على جبهتين مختلفتين ويحاربون بعضهم البعض، لكن مع طول العمر تتضاءل القضايا الصغيرة ومن ماتوا يومًا كأعداء عادوا للحياة وهم متوافقين، بينما يعاني بوكر من تجربته المؤلمة مع مرض ابنه وعجزه عن منحه أى أمل في الحياة، بينما تحمل آندى ذنب الصديقة التي تسببت الظروف في افتراقها عنها وكونها تعرف انها ما زالت على قيد الحياة تعاني زاد الأمر من شعورها بالذنب، بينما نايل تواجه نفسها بقرار الابتعاد عن أهلها لأن اقترابها منهم لن يسبب لها إلا الشقاء وآندى وبوكر دليلين حيين على ذلك.
هذه الحالات المختلفة تقود لاختلاف شديد في اختيار المواقف عند كل شخص، بينما يتعامل جو ونيكي بشكل أكثر ثقة مع العالم والمخاطر حولهم، تنطق المرارة من آندي وبوكر في كل تصرف من تصرفاتهم، بينما تتعامل نايل بشكل أناني وذاتي، الفيلم يطرح عن طريق المقارنة وطمع البعض فيما يملكه هؤلاء المحاربين أسئلة عن الحروب بشكل عام وسلوك البشر بشكل خاص، لكن هذا الطرح والتساؤلات لا تأتي بالعمق الكافي والاشتباك معها في إطار فيلم تليفزيوني تغلب عليه مشاهد الحركة والجودة الشكلية أكثر من السيناريو، خاصة مع خبرة مخرجته جينا برنس بريثوود القادمة من الأفلام الرومانسية والتي تتناول قضايا أصحاب البشرة الداكنة بشكل رئيسي نظرًا لأصولها وقصة حياتها التي تبدأ بعرضها للتبني لأن أهل والدتها أصحاب البشرة البيضاء رفضوا أن تكون حفيدتهم سوداء، وانتهت بكونها مخرجة مقدرة بشكل جيد وسط مجتمع الافرو- أمريكيين.
طبيعة الفيلم كونه يعرض عبر منصة إلكترونية جعلته يحمل صبغة تجارية، يتعامل السيناريو الخاص به مع القضية بشكل عابر يخدم طبيعة الفيلم الذى ينتمى لأفلام الحركة، لكن الأصل القادم منه الفيلم هو سلسلة روايات مصورة تحمل نفس العنوان لكنها أكثر عمقًا في تناولها، فهي تلقى الضوء أكثر على طبيعة هؤلاء المحاربين، ومن خلالهم نتعرف أكثر على الحروب الكثيرة التي خاضتها البشرية بكل العنف والدمار منذ فترة مبكرة بالتاريخ بحكم كون آندي تعيش منذ 6 آلاف عام.