مسلسل "Man vs. Bee".. محاولة مرحة لتكريم الكوميديا القديمة والفكرة مقتبسة من عدة أعمال سابقة!

مًشاهدة مسلسل من 9 حلقات عن رجل يُحارب نحلة واحدة من أسخف الأفكار على الإطلاق، إلا إذا كان هذه الرجل هو "روان أتكينسون" بالطبع!

 من أقدم موضوعات الدراما الكوميدية تلك الحكايات عن الرجل الطيب البسيط شديد السذاجة، الذي يُعاني إجتماعياً واقتصادياً، ويبحث دائماً عن عمل، وهو شخص تُضحكنا سذاجته، ونُشفق عليه من سوء حظه الدائم، ونتعاطف معه مهما بلغت حماقاته، وفي السينما مثلاً رأينا هذا الصعلوك كما قدمه "شارلي شابلن": وحيداً، يُكافح من أجل لقمة العيش؛ فيتنقل من عمل إلى آخر، بلا خبرات عملية، مُكتفياً بأساليبه الملتوية المصطنعة لإرضاء صاحب العمل، ولأنه شخصية رقيقة وشديد الطيبة يتقبل المُتفرج كل سلوكياته الغريبة، بل يبحث له عن مبررات. في السينما العربية قدم "إسماعيل ياسين" نفس النمط ورسمه بملامح كاريكاتورية تجعل من السذاجة وسيلة للإضحاك والسخرية وإثارة الشفقة.

حرب الرجل والنحلة!

شخصية "مستر بين" تقترب في الملامح مع شخصية "تريفور بينجلي" التي جسدها "أتكينسون" في المسلسل القصير Man vs. Bee (رجل في مواجهة نحلة) وهو المسلسل الذي عرضته "نتفليكس" مؤخراً، وبطله من كتالوج الشخصية الطيبة الساذجة التي يصاحبها سوء الحظ، وفي المسلسل الذي كانت فكرته في البداية كفيلم نتعرف على رجل مُتلعثم، وهو أب مطلق وعاطل، هجرته زوجته بسبب حماقاته وعدم استقراره في عمل، وهو يحاول من خلال قبول عمل مؤقت كحارس منزل زوجين من الأثرياء الحصول على المال واصطحاب ابنته في رحلة.

يبقى "تريفور" وحده في منزل حديث مزود بوسائل تكنولوجية متطورة ومعقدة، وملىء بالتحف والمقتنيات باهظة الثمن، وبسبب نحلة تحوم حوله بالمنزل تقوم بينه وبينها حرب مُدمرة، وهو يُحاول دائماً إصلاح ما أفسده بالمنزل بحلول ساذجة ومضحكة؛ كأن يرتق قطعة حمراء من لوحة أفسدها بقطعة قماش مطلية بعجينة الصلصة، وهى حلول تنتمي إلى عالم "مستر بين" بلا شك.

الصراع بين "تريفور" والنحلة يتصاعد بصورة كاريكاتورية؛ فالأمر ليس مجرد صدفة سخيفة عن رجل تزعجه نحلة؛ فسلوك النحلة يكاد يكون سلوك كائن عاقل وخبيث يخطط لإزعاج هذا الرجل الذي يتصرف بطفولية.

الكوميديا القديمة لا زالت تُضحك!

يحاول "روان أتكينسون" تقديم مزيج من الدراما المعاصرة مع كوميديا الأداء الحركي؛ ففي زمن السينما الصامتة لم يكن الحوار الناطق جزء من وسائل التعبير الدرامي، وحينما نطقت السينما تراجعت قيمة الاداء الحركي الصامت رغم جمالياته وقدرته البليغة على توصيل المعاني واثارة الحزن والضحك.

في أحد أفلام "شارلي شابلن" القصيرة بعنوان One A.M. (الواحدة صباحاً) يقوم البطل بدخول منزله وحيداً وهو في في حالة من عدم الوعي، وخلال حوالي نصف ساعة وهى زمن الفيلم نتابع محاولة البطل الصعود إلى الطابق العلوي للنوم، ومن أجل تحقيق هذا الهدف البسيط قام بمغامرات حركية لتجاوز عقبات الأثاث والدرج والبساط التي كانت كأنها تحاربه بعناد، وتقف له بالمرصاد، وفي مشاهد فيلم (السيرك) يطارد حمار السيرك "شابلن" غاضباً كلما رآه دون أى مبرر، وبالتأكيد حرب رجل ونحلة تنتمي إلى هذه المواقف الكاريكاتورية المُضحكة، وهى مواقف لا زالت تثير الضحك حتى الآن.

هذه النوعية القديمة من الكوميديا قدمها آخرون، منهم الفرنسي "جاك تاتيه" وكانت البذرة التي استلهم منها "روان أتكينسون" أسلوبه في صناعة شخصية "مستر بين" الناجحة، وهو شخص نادر الكلام يُحاول العيش بأسلوب غير مألوف، وينتهي الأمر به إلى كثير من الكوارث والأضرار، وهذه الشخصية ابتدعها " أتكينسون" وكتب لها عشرات الحلقات والأفلام في التسعينيات، ولا يُمكن إغفال التشابه المقصود في النطق بين عنواني (Man vs. Bee) و Mr. Bean)).

استنساخ مستر بين!

من السهل الربط بين مسلسل Man vs. Bee وأعمال سابقة من حلقات "مستر بين"؛ ففكرة الحلقة نفسها مقتبسة من فقرة حلقة قديمة قدمها "روان أتكينسون" في التسعينيات بعنوان Picnic وكانت عن نزهة قام بها للحديقة، وجاءت نحلة تحوم حول كعكة كان يأكلها، وظل يحاول طردها بطرق شديدة الحماقة، وفي الفيلم الفرنسي The Big Day (اليوم الكبير) من انتاج 1949 بطولة وتاليف واخراج "جاك تاتيه" مشهد شهير للبطل وهو ساعي بريد يدخل في صراع مع نحلة أثناء رحلته على الدراجة لتوصيل البريد في القرية.

 ومن المؤكد أن المسلسل الأحدث استفاد من التقنيات الحديثة، وظهرت النحلة بتفاصيل أدق وأوضح وأصبحت حركاتها أكثر وضوحاً على الشاشة، وبعض مشاهد المسلسل كانت من وجهة نظر عيون النحلة نفسها، وهناك اختلاف كبير في رسم شخصية "تريفور"؛ ففي حين شخصية "مستر بين" لا أصل لها ولا أهل، ويوحي تتر حلقاتها أنه شخصية ألقتها سفينة فضائية على الأرض، فإن شخصية "تريفور" زوج وأب تعيس في حياته المهنية، وهى أمور منحت حكايته أبعاداً إنسانية؛ فما يقوم به يؤثر على حياته العائلية وبشكل خاص على علاقته بإبنته؛ فهو يحاول أن يبدو أمامها أب قادر على العمل وعلى اصطحابها في نزهة، كما يحاول الحفاظ على عمله بلا شك، لكنه لا يستطيع مقاومة الصراع مع الأشياء من حوله.

المسلسل كوميدي لطيف وإيقاعه سريع، ونجح في تقديم عمل بسيط في حلقات صغيرة المدة (متوسط زمن الحلقة حوالي 10 دقائق)، وربما كان من الأفضل أن يتم تقديمه كفيلم لأن قصته مكتوبة كحكاية واحدة وتدور في مدة زمنية قصيرة ومكان واحد تقريباً، وغالباً تقسيم الفكرة لحلقات فكرة نتفليكس التي حاولت تكريس فكرة عرض مغامرات مسلسلة تشبه اسكتشات مستر بين القديمة.

الصور من حساب المسلسل الرسمي ونتفليكس على إنستجرام ولقطات من الفيديو المرفق