هل نسى صُناع "نجيب زاهي زركش" أن المسلسل مُقتبس عن مسرحية إيطالية شهيرة؟
كيف تسلل الكاتب الإيطالي "إدواردو دي فيليبو" إلى دراما رمضان؟ وكيف نجح في أن تكون أفكاره وخياله الإبداعي جزء من حبكة نُتابعها يومياً على الشاشة؟ الأمر ليس سراً، وليس جديداُ، إنه الاقتباس الذي لا تشبع منه الأفلام والمسلسلات العربية، وقبل أن يقول قائل أن الاقتباس مشروع في الدراما -وهو مشروع بالفعل- يجب أن نتذكر جميعاً أن ننسب الإقتباس لصاحبه.. هل كان يُمكن مثلاً أن يُعرض مسلسل "بين السما والأرض" وينسى صُناعه كتابة اسم كاتب قصته السينمائية "نجيب محفوظ" على التترات؟ بالطبع لا يمكن، ولكن يُمكنهم أن ينسوا كتابة إسم الإيطالي "إدواردو دي فيليبو" على عمل إقتبسوه عن أحد أعماله.
المسرح الإيطالي ودراما رمضان!
قبل الإجابة عن سؤال من هو "إدواردو دي فيليبو"؟ وما علاقته بدراما رمضان؟ يجب أن نُسجل أنه حسب المعايير المهنية يجب أن يُكتب اسم صاحب فكرة أو قصة الفيلم أو المسلسل بشكل مُميز وواضح لأنه صاحب عمل إبداعي يستحق التقدير الأدبي، ومؤخراً حكم القضاء الهولندي للكاتب "عز الدين فشير" بحقه الأدبي في إضافة إسمه وعنواني روايتيه "مقتل فخر الدين" و"أبو عمر المصري" على تترات مسلسل "أبو عمر المصري" الذي عُرض في رمضان عام 2018، وكان الحكم ضد منصة "نتفليكس" التي تعرض المسلسل حالياً، وبعد الحكم تم تخصيص شاشة مُستقلة لكتابة الاسم بوضوح على التترات.
في دراما رمضان هذا العام نتابع مسلسل يحكي عن ثري عجوز يعيش يريد الارتباط بفتاة شابة، والعقبة الوحيدة التي تقف أمام تتويج القصة بالزواج هى المرأة التي تعيش معه بلا زواج، وكان قد تعرف عليها حينما كان شاباً صغيراً، وأنقذها من الفقر والرذيلة، وعاشت معه في القصر 30 عاماً وسيطرت على كل شيء في حياته، وأصبحت سيدة القصر بلا مُنازع، وحينما تشعر بتهديد الشابة الجديدة تدعي المرض، وتوحي للجميع أنها على مشارف الموت، وتنجح في إقناع الثري العجوز بالزواج ثم تموت وقبل رحيلها تبلغه أنها أخفت عنه أنها أنجبت ثلاثة أبناء لا يعرف عنهم شيئاً، وأحد هؤلاء الأبناء من صلبه، وتبدأ رحلته الصعبة في محاولة معرفة من ابنه هو الحقيقي.
تزوير في أوراق رسمية!
ربما تظن أن القصة السابقة هى الفكرة المُبتكرة لمسلسل "زاهي نجيب زركش"، الذي قام ببطولته "يحيى الفخراني" و"هالة فاخر"، وأخرجه "شادي الفخراني"، وهو من تأليف "عبد الرحيم كمال" كما هو موثق على تترات المسلسل، ولكن قصة المسلسل مُقتبسة عن المسرحية الإيطالية "فيلومينا مارترانو" للكاتب "إدواردو دي فيليبو"، وقد اقتبستها السينما الإيطالية عام 1964 في فيلم بعنوان "الزواج على الطريقة الإيطالية" وجسدت فيه "صوفيا لورين" شخصية "فيلومينا" المرأة التي خدعت رجل الأعمال "دومينيكو سوريانو" وتزوجته بعد أن عاشت معه 22 عاماً، وتركته حائراً يبحث عن ابنه من بين ثلاثة أبناء أنجبتهن في المرات التي هجرته فيها.
في عام 1984 اقتبست السينما المصرية المسرحية الإيطالية "فيلومينا مارترانو" في فيلم بعنوان "تزوير في أوراق رسمية"، والفيلم لم يلتزم بتفاصيل النص المسرحي تماماً، وقامت حبكته على فكرة زواج البطل سراً لأن الزوجة الأولى لا تُنجب، واستلهم السيناريو الذي كتبه "صلاح فؤاد" فكرة حيرة البطل في تحديد ابنه من بين أبناء "فيلومينا" الثلاثة، وصنع حبكة عن إنجاب زوجتا البطل في نفس اليوم، وبعدم إفصاح الزوج لزوجته الأولى بهوية ابنها الحقيقي بعد أن ماتت الزوجة الثانية أثناء الوضع، وبعد أن شعر بضرورة أن يحظى ولديه بنفس الحقوق والرعاية، وكتب الولدين باسم نفس الأم، وجسدت "ميرفت أمين" دور الأم الحائرة في تحديد شخصية ابنها الحقيقي، وتلك هى نفس حيرة "نجيب زاهي زركش" ونفس حيرة "مارشيلو ماستورياني" في الفيلم الإيطالي.
جوازة طلياني!
إذا ظننت أن المسرحية الإيطالية قد شبعت اقتباس فأنت مُخطىء؛ فقد قام "يحيى الفخراني" سابقاً بأداء شخصية الثري "دومينيكو سوريانو" في مسرحية أنتجها المسرح القومي بعنوان "جوازة طلياني" عام 1998، وقامت "دلال عبد العزيز" بدور فيلومينا"، والمسرحية باللهجة العامية المصرية، ولكن شخصياتها إيطالية وأحداثها تدور في إيطاليا، ولم تكن تمصيرا للعمل الأصلي، وقد أخرج المسرحية الإيطالي "ماريانو ريجيلو"، ومكتوب على تترات النسخة التليفزيونية اسم المؤلف الإيطالي بوضوح، ونفس الشىء فعله فيلم "تزوير في أوراق رسمية" الذي نجد اسم "إدواردو دي فيليبو" على التتر بشكل واضح رغم أن حجم إقتباس الفيلم من المسرحية أقل بكثير مما فعله "عبد الرحيم كمال" في "نجيب زاهي زركش" حيث لم يتردد في وضع اسمه مُنفرداً كمؤلف لعمل مُقتبس عن عمل عالمي شهير، وبنفس خيوطه الدرامية الرئيسية تقريباً، والمُدهش أن بطل العمل "يحيى الفخراني" يعلم جيداً أن العمل الذي يجسده ببراعة على الشاشة مُقتبساً عن نص سبق أن قام هو بتجسيده على المسرح، وأن تمصير العمل أو إضافة وحذف بعض التفاصيل الدرامية لا يبيح تجاهل اسم مُبدعها على تترات العمل، ولا أعرف في الحقيقة سبب تجاهل الجميع لاسم المؤلف الأصلي.