شادية.. إن غابت عن العين "هتروح من قلوبنا فين؟"
"إن راح منك يا عين هيروح من قلبي فين.. ده القلب يحب مرة مايحبش مرتين.."، هكذا غنت الراحلة شادية من كلمات رائعتها الشهيرة والتي تجسد تماماً ما حققته وفعلته بقلوب الجماهير المحبة لفنها، فغابت شادية عن أعين جمهورها منذ 30 عاماً وأكثر بسبب اعتزالها، ولم تغب عن القلوب والذاكرة، وتغيب اليوم عن الحياة بأكلملها ولكن "هتروح من قلوبنا فين؟".
قصة 40 عام من التألق ومثلها في الاعتزال جعلتها باقية في قلوب الجمهور
فاطمة أحمد كمال شاكر، الفتاة ذات الستة عشر عاماً والمولودة من أب مصري يعمل مهندساً زراعياً ومن أم تركية، تعلن رغبتها في احتراف الفن والغناء في تلك المرحلة العمرية المبكرة أمام والدها الرافض لهذا الأمر تماماً قبل رفضه لشقيقتها الكبرى "عفاف"، التي خاضت تجارب قليلة وانسحبت، ولكن كما هو الحال مع فاطمة أو شادية فيما بعد، استطاعت إقناع الجميع بموهبتها وبقدراتها وقراراتها في كل مراحلها الفنية والعمرية، فكان من الطبيعي ان يقتنع والدها بما تريده كما اقتنع مكتشفيها الأوائل إلى الجمهور بقطاعاته وانواعه.
كانت البداية في 1947 عند وقوفها في مسابقة لاكتشاف المواهب تابعة للمخرج حلمي رفلة وتضم أساتذة الفن في ذلك الوقت مثل أحمد بدرخان وغيرهم، واستعين بها بدور صغير في فيلم "ازهار وأشواك" قبل ان تبدأ انطلاقتها الحقيقية مع محمد فوزي والمخرج حلمي رفلة في فيلم "العقل في اجازة"، والذي كان بداية الفنانة الشابة والمحترفة "شادية".
شادية في السينما.. تربعت على عرش الأفلام الاستعراضية والتراجيدية!
اختلفت الروايات عن المصدر الحقيقي لإسم شادية بدلاً من فاطمة، والذي استمر معها إلى اليوم، وقيل إن سبب تسميتها جاء لوصف الفنان عبد الوارث عثر لصوتها بـ"شادية الكلمات"، وقيل أيضاً ان يوسف وهبي وصفها بـ"شادية الوادي" وأن مكتشفها حلمي رفلة أول من اطلق عليها لقب "شادية" فكانت شادية صاحبة الـ 110 فيلماً في تاريخ السينما المصرية.
قدمت شادية الممثلة نموذجاً فريداً في التحول والإقناع بكل المتناقضات، فبعد ان حصرها الجميع في دور الفتاة الرقيقة خفيفة الظل كما في أفلامها الاستعراضية مثل "بنات حواء" و "عفريت مراتي"، "الروح والجسد" وغيرها.. أقنعت الجمهور أيضاً بادوارها الجادة والتراجيدية تماماً كما فعلت مع صورة الفتاة الرقيقة، مثل شخصية الفتاة الصعيدية القوية التي تقف في وجه الظلم "فؤادة" في فيلم "شيء من الخوف" وكذلك "اللص والكلاب" و "زقاق المدق" وغيرها، قدمت شادية في السينما كل شيء بنفس الجودة والتنوع والقدرة على الإقناع والصدق، حتى في أفلامها الخفيفة قدمت رسائل اجتماعية هامة مبكراً مثل حقوق المرأة والزوجة كما في "مراتي مدير عام"، "كرامة زوجتي" و "الزوجة رقم 13".
موهبة شادية الفريدة جعلتها تشكل ثنائيات فنية مع كل من تعانوا معها سواء في الغناء أو التمثيل، وبطريقة جعلت معظم نجوم السينما في تلك الفترة يتسابقون على العمل معها مثل كمال الشناوي الأكثر تعاوناً معها، ورشدي أباظة وصلاح ذو الفقار وعماد حمدي وعبد الحليم حافظ ومحمد فوزي وغيرهم، وكانت تلك المرحلة هي الفترة الذهبية لشادية وللسينما والفن المصري.
مرحلة الغناء وما قبل الإعتزال
فعلت شادية في الغناء نفس ما فعلته في السينما وربما أكثر، وقدمت أعمالاً غنائية خالدة وباقية في ذاكرة الجمهور، وأيضاً شديدة التنوع لدرجة يصعب تصنيفها أو الحكم عليها، وقيل أن أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وكبار أهل الطرب قد عابوا عليها إجادتها للأغاني الخفيفة فقط التي تشبه صوتها، فقدمت لهم ولنا روائع في الأغاني الطربية والدرامية مثل "يا عيني عالولد"، "ان راح منك ياعين"، " قولو لعين الشمس" وغيرها، بعد إثبات تفوقها في الاغاني الخفيفة والراقصة مثل "سونة"، "وحياة عينيك"، " سوق على مهلك" وغيرها.
قلت أعمال شادية السينمائية في فترة السبعينيات مع قلة الانتاج السينمائي وتقدمها في العمر، مقارنة بتوهجها في الخمسينيات والستينيات، وقدمت عدة أعمال هامة في فترتها الاخيرة كفيلم "نحن لا نزرع الشوك"، و "لا تسألني من أنا" آخر افلامها في 1983، وهو العام الذي شهد التجربة الأبرز والوحيدة لها في المسرح وآخر اعمالها التمثيلية في مسيرتها بمسرحية "ريا وسكينة" مع عبد المنعم مدبولي وسهير البابلي.
شيء من الحيرة يدفعنا للتساؤل عن تجربتها الوحيدة في المسرح وسر ختامها مسيرتها من على خشبته، وكانها تؤكد على أهمية المسرح أو كعادتها في إثبات جدارتها في كل الأنماط الفنية، أو رغبة منها في اعتزال الأضواء من خلال أبو الفنون.. وتركت مسرحية من أهم الأعمال الكوميدية في تاريخ المسرح مثلما تركت في السينما والغناء.
من حياة عاطفية غير موفقة إلى أم ومحبوبة للمصريين
وبعيداً عن الفن، مرت شادية بتجارب عاطفية وزيجات غير موقفة، وانتهت الثلاث تجارب بالطلاق "عماد حمدي، فتحي عزيز، وصلاح ذو الفقار"، وقبلها استشهاد خطيبها في الحرب، ونتيجتها 3 محاولات غير موفقة للانجاب، قررت بعدها عدم الزواج والتفرغ لأسرتها، وامتد حبها وعاطفتها منهم إلى المصريين جميعاً الذين عاشوا معها مرحلة "فتاة الاحلام" إلى الأم الحنون.
في المرحلة الأخيرة من حياتها، وكعادتها في الصدق والإقناع، فاجأت الجميع بقرار الاعتزال والابتعاد عن الأضواء، وضربت بتجربتها المثل كما فعلت في الفن، واقتنع الجميع بقرارها وغيابها بسبب صدقها واحترامها لكل ما تفعله وجديتها في تنفيذه سواء كان عملاً كوميدياً أو تراجيدياً أو استغناء عن الشهرة والأضواء، دون ان تفقد أعمالها وسيرتها شيئاً أو قيمة إن لم تزدد أهمية وبريقاً كالكنوز أو كشادية..