اكتشاف علاج جديد لمرض الثلاسيميا في الإمارات
يشهد عام 2018 تغيراً جذرياً في علاج هذا الاضطراب الوراثي المنهِك الذي يُصيب الدم. وهو خبر سار يخلق بارقة امل لكل اب وام يعاني اطفالهم من مرض الثلاسيميا
فتوحات طبية
قال الدكتور ربيع حنا، أخصائي أمراض الدم والأورام وزراعة نخاع العظام لدى الأطفال في مستشفى كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة، إن سلسلة من الفتوح الطبية الحديثة في مجال العلاج الوراثي تعني أن علاج مرض الثلاسيميا "قد أصبح تقريباً في متناول اليد".
اليوم العالمي للثلاسيميا
جاء تصريح الدكتور حنا بمناسبة اليوم العالمي للثلاسيميا الذي يوافق الثامن من شهر مايو من كل عام، وأكّد فيه بالاستناد على بيانات بحثية نُشرت حديثاً أن العلاج "ربّما أصبح حاضراً"، مُعتبراً أن العلاج الوراثي ظلّ على مدى سنوات يشير إلى احتمال إحداث القدرة على الشفاء من هذا الاضطراب الوراثي، لا سيما مع تحقيق قفزات واسعة في مجالات العلوم الأساسية، وأضاف: "بتنا نرى أن المشاريع البحثية الأولى في هذا المجال تتطور لتغدو طرق علاج قابلة للتطبيق، ففي الأشهر القليلة الماضية شهدنا بيانات بحثية إيجابية نُشرت من تجارب في موضوعات بشرية، حيث يعمل العلاج الوراثي وتكون النتائج دائمة، وحيث لا تتجلى أية آثار جانبية مخيفة لدى المرضى"
نبذه عن المرض
ويُعدّ الثلاسيميا مرضاً وراثياً يسبب لدى المريض المصاب به تشوّهات في هيموغلوبين الدم، وهو الجزء من خلايا الدم الحمراء المسؤول عن نقل الأكسجين. وتتراوح آثاره من فقر الدم، الذي يسبب التعب وشحوب البشرة، وصولاً إلى مشاكل العظام وتضخم الطحال. وتُقدّر تحليلات العبء الاقتصادي العالمي لمرض الثلاسيميا وجود حوالي 280 مليون شخص مصابين بالمرض في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك نحو 439,000 شخص يعانون شكلاً حادّاً من أشكاله، وقد أسفر المرض عن وفاة 16,800 مريض في العام 2015.
الفحص الوراثي
ويشيع مرض الثلاسيميا في المجتمعات التي تعيش في مناطق الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وجنوب آسيا وإفريقيا، وغالباً ما يتم تضمينه في الفحص الوراثي قبل الزواج في بعض هذه المجتمعات، أما العلاج الأكثر شيوعاً للحالات الشديدة فيتمثل بعمليات نقل الدم المنتظمة للتخفيف من الأعراض، والتي تستمر مدى الحياة ولها آثار جانبية. في حين أن العلاج الشافي الوحيد المتاح حالياً لمرض الثلاسيميا فهو زراعة نخاع العظام، التي يمكن إجراؤها لنسبة صغيرة من المرضى.
العلاج الوراثي
يفتح العلاج الوراثي الباب أمام احتمالات جديدة لعلاج المرض وشفائه، عن طريق تغيير أجزاء الشيفرة الوراثية التي تسببه. وقد كان لدى مرضى الثلاسيميا في إحدى تجارب العلاج الحالية التي تجري في ستة مراكز متخصصة حول العالم، خلايا جذعية غير ناضجة تم استخلاصها من نخاع عظامهم، قام الباحثون بعزلها في المختبر واستخدموا فيروساً غير ضار لإصابتها بنسخة من المورثة المرمِّزة للسلسلة الغلوبينية العادية، ثمّ تمّت تنقية نخاع المرضى من المورثات المريضة عبر العلاج الكيميائي، قبل أن يُعاد إدخال الخلايا المعدّلة وراثياً إلى مجرى الدم لتجد طريقها مرة أخرى إلى النخاع العظمي، حيث نضجت وتحوّلت إلى خلايا دم حمراء تنتج هيموغلوبيناً صحياً.
وأظهرت النتائج المنشورة في مجلة "نيو إنغلاند" الطبية أن العلاج قلّل بشكل كبير من عدد عمليات نقل الدم التي يحتاج إليها كل مريض. وكان المرضى قد خضعوا للمراقبة لفترة وصلت في إبريل الماضي إلى 42 شهراً منذ بدء العلاج الوراثي، حيث انخفض عدد عمليات نقل الدم خلال تلك الفترة بنسبة وصلت إلى 74 بالمئة في الحالات المرضية الشديدة، في حين أن العديد من المرضى الذين يعانون حالات أقل حدّة لم يعودوا بحاجة إلى عمليات نقل دم.
وأكّد الدكتور حنا أن هذه التطورات الطبية سوف تستغرق بعض الوقت لتصبح متاحة كعلاجات، لكنّه أكّد أن التطورات باتت عند نقطة "تتحول فيها الفتوح في الأبحاث إلى فتوح في العلاج"، معتبراً أن هذا الأمر "يعطي أملاً حقيقياً للكثير من المرضى الذين يعانون الثلاسيميا اليوم".
وعلى جانب آخر، ثمّة تقنية واعدة أخرى تنتقل الآن إلى مرحلة التجارب البشرية، هي "كريسبر" CRISPR، أو ما يُعرف بالتكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد، وهي أداة يمكنها تعديل تسلسلات الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين DNA وتغيير وظيفة المورثات. واستناداً إلى آلية دفاع موجودة في البكتيريا، تدخل الأداة "كريسبر" في نواة المورثة وتقطع الجزء المختلّ من الحمض النووي، بدلاً من إحلال مورثة صحية محلّ أخرى مريضة.
وشدّد الدكتور حنا على أن العلاج الرئيسي المتاح حالياً والمتمثل بنقل الدم "مجرد حل قصير الأمد، لا سيما للمصابين بمرض شديد"، مؤكّداً أن عمليات نقل الدم نفسها "تؤدي بمرور الوقت إلى حدوث مشاكل صحية، نظراً لأن وجود فائض من الحديد في الدم يؤدي إلى حدوث أمراض في القلب والكبد، والتهابات وهشاشة في العظام، ما يجعل هذه الآثار الجانبية تُطيل فترة العلاج". وانتهى إلى أن النجاح في التقليل من عمليات نقل الدم اللازمة للحفاظ على العدد المناسب من خلايا الدم الحمراء "يعتبر نتيجة إيجابية للمريض"، وأضاف: "فكرة وجود عدد من العلاجات الجديدة في الأفق، لا علاجاً واحداً، تجعلنا نأمل في الحصول على بدائل للحالات التي يكون فيها أحد الأساليب العلاجية غير فعال