قضايا الطلاق في الشريعه الإسلامية
تتعرض كثير من الأسر لتوتر شديد بسبب التلفظ بيمين الطلاق أثناء الخلافات الزوجية ، و بعد الهدوء و انتهاء ثورة الغضب التي كان الزوج عليها، تبدأ الحيرة و يبدأ السؤال الشهير ، هل زوجتي طالق ، و هل وقع هذا اليمين و هل يحسب طلقة واحدة إلى غير ذلك من الاسئلة التي تدور حول وقوع الطلاق من عدمه
هل الطلاق الشفوي صحيحا أم باطلا
يثور الآن جدل كبير حول الطلاق الشفوي وما إذا كان صحيحا أم باطلا، خاصة مع ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمعات الإسلامية
الطلاق أبغض الحلال
نظم الإسلام الزواج وسيلة لبناء مجتمع سليم، و حفاظا على بقاء النوع الإنساني بطريقة صحية غير عشوائية، و ضبطا للغريزة الجنسية و توجيهها التوجيه السليم الذي يحفظ حقوق الرجل و المرأة و أبنائهما.
و قد أحاط الإسلام الزواج بضوابط تحافظ على دوامه مادام ذلك ممكنا، فإذا تعذر دوامه أو استحال جاء الطلاق ليكون حلا أخيرا، غير مرغوب فيه، و غير مشجع عليه ، استنادا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أبغض الحلال عند الله الطلاق "
و قد وضع الإسلام عوائق عديدة أمام الطلاق، و مشجعات على عدم إتمامه، يقول الله تعالى في سورة الطلاق " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن و أحصوا العدة و اتقوا الله ربكم و لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة و تلك حدود الله و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف و أشهدوا ذوي عدل منكم و أقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر و من يتق الله يجعل له مخرجا "
فالآيتان الكريمتان تحددان أنه خلال عدة الطلاق، وهي حوالي ثلاثة أشهر، يجب أن تبقى الزوجة في بيتها، وبذلك تتاح الفرصة للزوجين لإعادة النظر في خلافاتهما و التفكير في مصير الأبناء و ماذا سيحدث إذا تم الطلاق و كيفية إدارة شؤونهما و شؤون الأبناء بعد ذلك.
ثم ذكرت الآية إشهاد إثنين من ذوي العدل، ثم ذكرت الشهادة مرة ثانية في الآية، كل ذلك حفاظا على الحقوق و حفاظا على رباط الزوجية الذي سماه الله عز وجل " ميثاقا غليظا "
هل الإشهاد على الطلاق ضروري أم لا
هناك خلاف بين الفقهاء في ذلك و هو الذي أدى إلى الجدل الدائر الآن حول صحة الطلاق الشفهي، دون إشهاد ودون توثيق، فبعض الفقهاء يقولون إن قوله عز وجل " و أشهدوا ذوي عدل منكم " يعني الإشهاد على رجعة الزوجة المطلقة لزوجها في حالة الطلاق الرجعي، أي الطلقتين الأوليين، وليس على الطلاق نفسه، و البعض الآخر يقول إن الإشهاد واجب على الطلاق وعلى الرجعة. و هذا الخلاف قديم جدا و مثار في الفقه الإسلامي من أيام الصحابة و حتى الآن
روي عن الصحابي الجليل عمران بن الحصين أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة ثم يقع بها ( أي يجامعها ) ولم يُشهد على طلاقها وعلى رجعتها، قال طُلقت لغير سنة ورجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها
وفي تفسير " وأشهدوا ذوي عدل منكم " قال عطاء بن أبي رباح: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا إرجاع إلا شاهدا عدل
وروي عن ابن حزم الظاهري اشتراط الإشهاد في الطلاق، كما يُشترط الإشهاد على الطلاق في الفقه الجعفري
ومن الفقهاء المعاصرين قال المحدث المعروف، الشيخ ناصر الدين الألباني: الطلاق وضع له الشارع الحكيم شروطا، وهذه الشروط هي في الواقع كالعرقلة لمنع وقوع هذا الطلاق، لأن الطلاق يترتب من ورائه هدم الأسرة، فقال إن السنة الإشهاد، فكأن الشارع الكريم يقول للمطلق: لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فأت بشاهدين، كما إذا أردت أن تنكح "، أي أنه مادام الإشهاد واجبا على عقد رباط الزوجية، فهو واجب في حل رباط الزوجية، وهو الطلاق.
و قد فسر العالم التونسي المعروف، الطاهر بن عاشور " و أشهدوا ذوي عدل منكم " فقال: ظاهر صيغة الأمر الدلالة على الوجوب، و يترتب على هذا أن يكون الإشهاد على المراجعة و على الطلاق واجبا على الأزواج . و كذلك افتى الشيخ محمد أبو زهرة
و حديثا قرر قانون الأحوال الشخصية في المغرب ضرورة أن يكون الطلاق بشاهدين و أمام محكمة تحاول الإصلاح بين الزوجين فإذا لم يمكن الإصلاح بينهما جرى الطلاق بشاهدين أمام القاضي، و هذا ما يتماشى مع مضمون الآية الكريمة " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا "
ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: قال الفقهاء إذا وقع الشقاق بين الزوجين أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ( شخص موثوق فيه ) ينظر في أمرهما ويمنع الظالم منهما من الظلم، فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة وثقة من قوم الرجل ليجتمعا فينظرا في أمرهما ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق، وتشوف ( أي مال ) الشارع إلى التوفيق ولهذا قال تعالى " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما "
و تفسير ابن كثير يظهر بوضوح كيف أن الشريعة الإسلامية تنظر إلى الطلاق كأمر خطير وجاد ويجب أن يعالج بحكمة وروية، وليس كما يحدث الآن من الخفة التي ينظر بها بعض الناس إلى الطلاق، وعدم اهتمامهم بعواقبه على الزوجين، و الأهم من ذلك عواقبه على الأبناء الذين لا ذنب لهم في هذا القرار الخطير الذي يقرره أحد الزوجين أو كلاهما
خلاصة القول
خلاصة الأمر في صحة الطلاق الشفهي أن هناك خلافا بين الفقهاء، فكثير منهم يعتبر الطلاق الشفهي واقعا، حتى لو لم يوثق، و آخرون يقولون بوجوب الإشهاد و التوثيق لحفظ حقوق الزوج و الزوجة و أطفالهما
و الواقع أن هذا الخلاف أساسه أن فكرة التوثيق ذاتها لم تكن معروفة إلا حديثا، فقد كان الزواج يتم شفهيا و بالتالي كان الطلاق، أيضا، شفهيا، ثم مع تعقد المجتمعات و اتساعها ظهرت الحاجة لتوثيق الزواج ومع ذلك ظل الطلاق شفهيا حتى وقت قريب عندما بدأ كثيرون يوثقون عقد الطلاق بهدف الحفاظ على حقوق الزوجة والأولاد، و لم يكن هذا الأمر وجوبا، و كان كثير من المفتين يفتون بصحة وقوع الطلاق الشفهي شرعا، ويوصون، فقط، بتوثيقه حفاظا على الحقوق القانونية، ولكن كان في ذلك تجاهلا لحقيقة أن من حق الإمام ( وهو في العصر الحديث الحاكم ) أن يقيد أمرا مباحا، إذا كان فيه مصلحة الناس، ومن حق الحاكم أن يرجح حكما فقهيا على آخر ما لم يناقض أمرا مجمعا عليه بين كل فقهاء المسلمين، وقد تبين من السطور السابقة أن ضرورة الإشهاد على الطلاق أمر مختلف فيه بين الفقهاء، فمن حق ولي الأمر أن يختار حكما فقهيا يراه أصلح للناس في هذا الزمن.
إقرأ أيضا
امام المسجد النبوي : تهديد المرأة بالطلاق محرم شرعا !