مصمم الأزياء السعودي يوسف أكبر: اختياري لـ Masoom Minawala Mehta يجسد القيم الراسخة التي نسعى لإظهارها في تصاميمنا على السجادة الحمراء
تصوير: Sonny Vandevelde
شهد مهرجان كان السينمائي في دورته ال 75 حضورا سعوديا قويا ولافتا. وهلّت علينا إطلالات راقية وفاخرة من توقيع مصممين سعوديين رفعوا سقف التوقعات، فحلّقوا باسم المملكة في أحد أهم المحافل العالمية في عالم السينما والموضة. وفي هذا الصدد نلتقي بـ المصمم السعودي العالمي يوسف أكبر الذي شارك للمرة الثانية بإطلالة خاطفة على السجادة الحمراء تحمل في طياتها أناقة عصرية نابعة من حب وشغف. في حوار خاص ل “هي” يتحدث المصمم يوسف أكبر عن قصة نجاحه في عالم الأزياء التي رسمها القدر، ويحكي بصدق عن قضية الاستدامة الملحّة في عالم الأزياء، ويكشف بعض الأسرار المتعلقة حول مشاركته في إطلالة مميزة ازدانت بها السجادة الحمراء في مهرجان كان لهذا العام.
سطع نجمك في سماء عالم الموضة في العالم، ما قصة نجاحك التي لا تسأم من سردها؟
منذ الصغر أعشق الرسم والفن، وهذه كانت طريقتي في التعبير عن نفسي وعما في داخلي. نشأت في مدينة جدة في عائلة سعودية، ومثل كثير من العائلات كانت فكرة أن أدرس الفن أو الرسم مستحيلة، لأن أهلي كانوا يتوقعون أن أتخرج وأصبح مهندسا أو طبيبا أو محاميا أو أي وظيفة مهنية ليست متعلقة بالفن أو التصميم، وبعيدا عن هذا المجال! لم يخطر ببالي أبدا أن أكون في هذا المجال، ولم أفكر إطلاقا في الموضوع، بل نسيته تماما. بعد تخرجي في المرحلة الثانوية في بريطانيا، التحقت بنظام الابتعاث، والحمد لله ذهبت لاستكمال دراستي الجامعية في أستراليا، وحصلت على البكالوريوس والماجستير في الإدارة اللوجستية وإدارة سلسلة التوريد. كنت أحب التسوق وشراء الملابس، ولكن في معظم الأوقات لا أجد قطعا أو أزياء تعجبني، أو أجد أسعار الملابس باهظة جدا، لذلك قررت أن أصمم ملابسي بنفسي بالتعاون مع الخياطين المحليين في جدة، إلى أن سئموا مني، ولم يقبلوا بالعمل معي، مما أحزنني كثيرا. في الوقت نفسه، كنت أدرس الماجستير، وكان لي وقت فراغ، فقررت أن أقدم على دورة للخياطة، لأتعلم تصميم وتصنيع ملابسي بنفسي من دون أي نية لإكمال الدورة، أو أن أصبح مصمما! ولأني جيد في الرسم قبلت الجامعة انتسابي، وسوف تضحكين عندما تعلمين أنني لم أكن أعلم وقتها أني سجلت لدراسة البكالوريس في هذا المجال! فوجئت بأن الخياطة الرجالية كانت تعتبر اختصاصا معقدا يدرس في نهاية المنهج! ولكن في البداية، كانت دراسة أساسيات الموضة والتصميم والخياطة إلزامية. وإن لم أجتز هذه المرحلة فلا يمكن لي أن أكمل البرنامج. هذا الأمر ضايقني، لأني لم أكن مهتما كثيرا بالتصميم، ولم تكن لدي رغبة في دراسة تصميم الأزياء النسائية، ولكن قررت أن أستمر، لأني كنت على وشك إنهاء دراستي.
ماذا اكتشفت بعد أن درست مجال الأزياء؟
دراسة الأزياء كانت صعبة، ووجدت نفسي أبذل جهدا كبيرا للنجاح والوصول للسنة الثانية، لأتعلم كيف أصمم وأصنع ملابسي بنفسي. ولكن سبحان الله مع البحث والدراسة في مجال التصميم والملابس النسائية أحببت المجال كثيرا، واكتشفت أنني أستطيع التعبير عن نفسي في هذا المجال، وهذا أمر كنت متعطشا له منذ أيام الصغر. وفي هذه اللحظة تغير مجرى حياتي، واكتشفت أن من المستحيل أن أعمل بعيدا عن مجال التصميم. والحمد لله في النهاية حصلت على البكالوريوس في مجال الأزياء، وبدأت مسيرتي في مجال التصميم، وتأسيس شركتي. أنا أعتقد أن أهم سبب من أسباب النجاح هو توفيق الله، مجال الأزياء صعب جدا ومليء بالتحديات، ويتطلب تعبا وجهدا كبيرا، ولكن إذا كنت شغوفا بعملك فسيكون العمل سهلا.
أحداث كثيرة أثرت في مشهد الموضة في العالم مؤخرا، كيف أسهمت هذه التغييرات في منظورك بصفتك مصمم أزياء؟
أحاول أن أركز على توجهي في التصميم، ولا أعير أي اهتمام لما يجري من حولي، لأني مؤمن بأن كل شخص أو مصمم له طريقه وتحدياته الخاصة. وخلال الجائحة أحببت أن أنتهز الفرصة، وأركز على بناء أساسيات العمل، وتقوية سلاسل الإمداد، ووضع خطط للمستقبل، وأن أكون مستعدا قدر الإمكان، بحيث أستأنف العمل مجددا بعد الجائحة. كنت أرى أنه لا يليق أن أطلق مجموعة أزياء في مثل هذا الوقت الذي يعاني فيه الناس ويفقدون أرواحهم. وفي هذه الفترة استطعت أن أكون في وضع قوي يؤهّلني للنمو والسير وفق خطة واضحة باذن الله.
تغيرت ملامح الموضة من مفاهيم وتيارات دارجة، وأصبح هناك اهتمام كبير في متابعة أفكار وآراء وتيارات متنوعة قد لا يكون لها علاقة بالموضة مثل الاستدامة.. هل تعتقد أن هذه ثورة عصرية يمر بها عالم الموضة؟
قد يرى البعض أن مفهوم الاستدامة تيار، ولكنه موجود منذ عقود، وبدأ الناس الآن يتعرفون إليه، ويهتمون به! الاستدامة مفهوم ضروري، وأساسي في جميع نواحي الحياة، وله علاقة مباشرة جدا بالأزياء، لأنها ثاني أكبر سبب للتلوث البيئي في العالم، وتشكل أكبر المخاطر علينا نحن البشر، وعلى البيئة عموما. لا أعتقد أن الاستدامة ثورة عابرة يمر بها عالم الموضة، بل أجدها نقطة تحول ضرورية، فعدم التخطيط للاستدامة وحماية البيئة خطأ فادح. ويجب أن يكون مفهوم الاستدامة من أساسيات العمل، وخاصة في عصرنا هذا. الاستدامة في اعتقادي لم تعد مجرد اختيار تتميز به بعض الشركات، ولكنه واجب ومسؤولية على أي شركة الآن، سواء في مجال الموضة أو غيره، لأننا مسؤولون عن هذا العالم الذي سترثه الأجيال القادمة.
ماذا تعني لك الاستدامة في عالم الموضة؟ وكيف يمكن أن يتعلم المصممون العرب من تجربتك في خوض هذا المسار في تصميم الأزياء؟
الاستدامة هي أساس أي قرار وأي عمل أقدم عليه، بصفتي مصمما في علامة "يوسف أكبر"، أرى أن أي مصمم يعمل من دون خطط للاستدامة وحماية البيئة يرتكب خطأ فادحا، لأن هذا المسار لم يعد خيارا، وأنا أنصح المصممين بأن يأخذوا الموضوع على محمل الجد، وأن يبدؤوا من اليوم. هناك معلومات كثيرة متوفرة على الإنترنت تساعد في تطبيق أسس الاستدامة في عملية تصميم الأزياء وتصنيعها.
ما شروطك الأساسية التي لا تتخلى عنها في التصميم؟
أولا: الاستدامة، وإن لم أستطع تصميم قطعة بطريقة مستدامة قدر الإمكان فلن أنفذها. ثانيا: أن أكون مخلصا في عملي، وأن تكون تصاميمي نابعة من داخلي وتعبر عني وخاصة بي، وألا أعطي أي اهتمام للتيارات والموضات العابرة. أفكر دائما في المرأة التي تقتني وترتدي تصاميمي، لأن سعادة هذه المرأة، ورضاها عن تصاميمي هو مقياس نجاحي.
نرى في تصاميمك مزيجا من الجرأة والبساطة من حيث القصات المنفوخة والقطع الانسيابية الجذابة، لماذا هذا التناقض؟
هذا نقاش طويل جدا، وكما ذكرت فإن التصميم بالنسبة لي وسيلة للتعبير عما في داخلي. ونحن البشر نمر بتجارب كثيرة وقصص غريبة ومواقف تؤثر فينا، وبغض النظر عن اختلاف هذه المشاعر والتجارب، فهي كلها خاصة بي، وسواء كانت تصاميمي انسيابية أو منفوخة، فستجدين أن فيها نقطة وصل وبصمة خاصة بي، وتكون واضحة وفي بعض الأحيان غير واضحة، ولكن أنا طبعا أراها كلها. فهي وجهين لعملة واحدة.
تألقت العديد من النجمات العالميات والعربيات كذلك بتصاميمك مثل "نيكول كيدمان". من المرأة التي تجذبك في التصميم؟
المرأة الواثقة بنفسها، والذكية، والقوية، جميع الصفات التي أجدها في أمي! هي طبعا المرأة الجميلة قلبا وقالبا.
شهد مهرجان كان السينمائي حضورا سعوديا قويا، حيث شاركت مع مجموعة من مصممي الأزياء السعوديين في تنسيق إطلالات المشاهير على السجادة الحمراء. ما أهمية وجود المصمم بوجه عام في هذه الفعاليات العالمية؟
باعتباري مصمما تنصب اهتماماتي على الشخصية التي تتألق في تصاميمي، وتمثل مبادئ العلامة وتوجهها. اختياري لصانعة المحتوى الهندية "ماسوم ميناوالا مهتا" يجسد جوهر العلامة والقيم الراسخة التي نسعى لإظهارها في تصاميمنا على السجادة الحمراء. ووجود أي مصمم يختار المشاركة في إطلالات المشاهير على السجادة الحمراء مهم نسبيا للوصول إلى العميل الفعلي الذي يبحث عن اقتناء القطع الفارهة التي تزخر بفن وحرفية أزياء الكوتور، إضافة إلى خلق فرص لصناعة المحتوى والتفاعل مع مجتمع الموضة على منصات التواصل الاجتماعي.
هل من أسرار وأحداث خلف كواليس هذه الفعاليات يمكنك مشاركتها مع قارئات "هي" عن المعنى الحقيقي للعمل على تنسيق إطلالة تخطف الأنفاس وتخلد في الذاكرة؟
ليس سرا، ولكن كل شيء يأتي في آخر لحظة! لا أخفيك وصلتني بعض الطلبات لتصميم قطع حسب الطلب، ولكن لم يكتمل العمل نظرا للظروف. فستان "ماسوم" الذي تألقت به في مهرجان كان السينمائي وصل يوم ظهورها على السجادة الحمراء، وتحديدا قبلها بساعتين! وجميع استعداداتها كانت قبيل وصول الفستان. إن كنا سنتحدث عن الأسرار، فهي أكثر الأمور التي ترهقني تفكيرا، وهي التكتم على المشاريع والتعاونات التي لا أستطيع التحدث عنها مع مشاهير هوليوود، وسر نجاحها هو إخفاؤها حتى لحظة الإعلان عنها، لتجري الأمور بسلاسة.
كيف تقاس معايير الجمال في عالم الأزياء اليوم؟
أعتقد أن مقياس الجمال شيء نسبي وشخصي جدا. ما أراه أنا جميلا قد لا يراه غيري جميلا. وطبعا مفهوم الجمال يختلف من ثقافة إلى أخرى حتى في عالم الأزياء، ومفهوم الجمال يتغير مع الزمن. لذا من الصعب الإجابة عن هذا السؤال. بالنسبة لي المرأة الواثقة بنفسها هي أجمل امرأة بغض النظر عن ملامحها أو ملابسها.
وهل تحاول إظهار هذه الشخصية الطبيعية في تصاميمك؟
تصاميمي كلها تعبر عن نفسي، ولكن لا أحاول أن أظهر أو أخفي جانبا معينا من شخصيتي في تصاميمي، بل تظهر بكل عفوية في تصاميمي.
هل هنالك شيء ما لم تقدمه بعد لعلامتك؟
مجموعة خاصة بالأعراس ومجموعة أزياء رجالية بإذن الله. المشاريع قيد الدراسة حاليا، وترقبوا مني الجديد.