نظرة إلى الوراء على الفصول السحرية من حياة المصمم الشهير أوسكار دي لا رنتا!
أوسكار دي لا رنتا، مصمّم الأزياء الدومينيكي/الأميركي الذي احتلت تصاميمه صدارة الموضة الأمريكية لما يقرب من 50 عاماً، ويعدّ من أكثر المصمّمين نجاحاً واحتراماً في عالم صناعة الأزياء. وضع معيار للأناقة الخالدة “Timeless Elegance”، واشتهر بموهبته الفريدة وذوقه الرفيع للغاية والخالي من العيوب والذي جمع فيه حبه المميّز للدراما مع جذوره اللاتينية والحاجة الأمريكية للأناقة المتطورة.
يصادف يوم 20 تشرين الأول الذكرى الثامنة لرحيل دي لا رنتا، والذي فارق الحياة عام 2014 في منزله بمدينة “كنت، كونيتيكت” الأميركية، محاطاً بعائلتة وأصدقائه، وعن عمر يناهز 82 عاماً من مضاعفات مرض السرطان الذي شخّص فيه عام 2006، وكافحة ببطولة وقوّة طوال السنوات الثماني الأخيرة من حياته، وعلى الرغم من المرض، استمرّ في العمل بنشاط وشغف وكان لايزال يظهر بأناقته المعهودة وينحني خلال أسابيع الموضة حتى نهاية حياته.
اليوم سنجول بنظرة إلى الوراء على الفصول السحرية من حياة المصمم الشهير، وستشاهدين في الصور مجموعة غنيّة من التصاميم التي انتقيتها من عروض أوسكار دي لا رنتا من السنوات الماضية وحتى اليوم، والتي ستظهر لك مهارة دي لا رنتا بإبداع تصاميم أزليّة لاترتبط بحقبة أو بصيحة معينة.
البدايات!
وُلد دي لا رنتا في عاصمة جمهورية الدومينيكان سانتو دومينغو في 22 تموز عام 1932، وكان الأصغر والولد الوحيد في عائلته بين سبعة أخوات، ومنذ صغره شكّل عالم الفن أساس اهتمامات أوسكار حيث سافر إلى مدينة مدريد الإسبانية عندما كان في الثامنة عشرة من عمره لدراسة الفن في أكاديمية سان فرناندو الشهيرة، وفي أوقات فراغه عمل بدوام جزئي برسم اسكتشات لدور أزياء إسبانية، ليبدأ معها معرفته المبدئية بالتصميم عن طريق الرسم.
أما دخوله الفعلي عالم التصميم فقد حدث بالصدفة وبطريقة غير متوقعة للمصمّم نفسه، حيث شاهدت فرانشيسكا لودج زوجة السفير الأميركي في إسبانيا وقتها بعض من رسومات أوسكار، وطلبت منه تصميم فستان حفلة موسيقية لابنتها، لتظهر صورة الشابة في مجلة Life. من بعدها حصل على فترة تدريب مع المصمّم الإسباني الشهير “كريستوبال بالنسياغا” Cristobal Balenciaga، لينضمّ عام 1961 إلى دار “لانفان” Lanvin في باريس كمساعد لمصمّم الأزياء “أنطونيو ديل كاستيلو” Antonio Del Castillo.
نصيحة صائبة!
رغم الفرصة المتاحة لأوسكار ديلارنتا بالعمل لدار “ديور” Dior العريقة، إلا أنه اتّبع نصيحة محررة مجلة فوغ الأميركية “ديانا فريلاند” Diana Vreeland، وانتقل عام 1963 إلى مدينة نيويورك وانضمّ إلى “إليزابيت آردن” Elizabeth Arden لتصميم فساتين راقية لخط الأزياء المصنوعة حسب الطلب. من بعدها عمل لدى دار أزياء “جين ديربي” Jane Derby والتي توفيت في غضون ستة أشهر، وثبت أن نصيحة ديانا صائبة وكان أوسكار دي لا رنتا في المكان المناسب والوقت المناسب ليتولّي إدارة الشركة، وليكوّن شبكة علاقات واسعة ساعدته بتأسيس علامته التجاريّة الخاصّة للأزياء الجاهزة في عام 1967، والتي لاقت استحساناً كبيراً وكانت مجرد بداية صعوده كمصمم. في نفس العام تزوّج من “فرانسوا دي لانجليد” Francoise de Langlade صاحبة العلاقات الإجتماعية البارزة حيث شكّلا معاً جزءاً من المشهد الإجتماعي العصري في نيويورك، وكان قادراً بفطنته وبمواهبه على استثمار هذه الروابط والعلاقات في أعماله التجارية.
مخاطبة الثقافات الأخرى!
بحلول السبعينات من القرن الماضي، حافظ دي لا رنتا على خطّ الأناقة الكلاسيكية بفساتين بستايل الـAmerican Sweetheart “الفستان بقصّة التنورة الكبيرة والخصر الضيّق مع الحزام” والتي تعدّ أساسية وتقليدية في ذلك الوقت، وغالباً ما قدّمها من أقمشة البروكار أو التفتا أو الشيفون مع طبقات الكشكش.
كما كان دي لا رنتا من المصمّمين الذين اتجهوا إلى التصاميم المستوحاة من الهيبيز واتّبع أسلوب مخاطبة الثقاقات الأخرى، فبرزت بين تصاميم دي لا رنتا الـPeasant Blouses “البلوزة الفلاحية” المزيّنة بالتطريزات والمستوحاة من الملابس التقليدية الرومانية والهنغارية للطبقات الأوروبية الدنيا، والشالات المهدبة “Fringes” والتنانير الكبيرة والمجمعة وسترات الـboleros القصيرة، وأصبحت هذه الأنماط سائدة بين العديدات من الشابات اللواتي رفضن الأزياء التقليدية وفضّلن الاتجاه لطابع أصيل وغريب، كما شكّلت جزءاً من الموضة السائدة بين الأثرياء والوسط الفنّي والعصري.
التوسّع والانتشار!
تابع دي لا رنتا خطوط التوسيع بإطلاقه خطّ العطور الخاص به عام 1977، ومع سيطرة الميل الواضح إلى الاستهلاك والاستعراض الفخم في فترة الثمانينات خاصّة بين عامي 1980 و1985، برزت فيها مواهب دي لا رنتا بتصاميم فساتين الحفلات الفاخرة والسهرات، وكان الدولار الأميركي بأوج قوّته، وهذا ماساعده على توحيد أعماله ليصبح مليونيراً مع ثمانين ترخيصاً دولياً.
من بعد وفاة زوجته الأولى “فرانسوا” عام 1983 جرّاء إصابتها بمرض السرطان، تزوّج دي لا رنتا من “أنيت ريد” Annett Reed وأكمل معها حياته حتى وفاته، ولطالما رافقته في معظم المناسبات والاحتفالات.
في منتصف التسعينات وعندما برزت إطلالات “السجادة الحمراء” Red Carpet كمكان لعرض الأزياء الراقية، كان لدى دي لا رنتا فهم جيّد لمطالب النساء وأذواقهنّ بحكم خبرته وتواجده في أبرز الحفلات على مدى السنوات الماضية، وهذا ما ميّزه وجعل تصاميمه من الخيارات المفضّلة لأبرز الممثلات ونجمات الفنّ.
تولّى تصميم مجموعات الـHaute Couture لدار أزياء “بالمان” Balmain الفرنسيّة العريقة بين عامي 1993 و 2002، ليصبح أول أميركي ودومينيكاني يصمّم لبيت أزياء فرنسي، كما حافظ على استمرار نجاحات وتوسّع علامة دي لا رنتا الخاصّة، ليطلق خط أكسسوارات وخط فساتين الزفاف والتي أصبحت تحفة حقيقية باهتمامه الخاصّ بالتفاصيل وشكّل الدانتيل الرقيق والتنانير المنفوشة والتطريزات المذهلة العناصر الكلاسيكية الثابتة لفساتين زفاف دي لا رنتا. وكان فستان أمل علم الدين الزوجة الحالية لجورج كلوني فستان الزفاف الأخير الذي صممه دي لا رنتا. كما أطلق خطّ للأدوات المنزليّة المكمل للإمبراطورية التي بناها.
في العقد الأخير من حياته تضاعفت أعمال أوسكار دي لا رنتا لتصل إلى 150 مليون دولار في المبيعات، مع اطلاقه خطّ بتكلفة أقل بالإضافة إلى تصاميمه لفساتين الحفلات والسهرات.
أناقة خالدة!
في بدايات تصاميم دي لا رنتا لداره أزيائه الخاصّة، كان تأثير الفترة التي قضاها دي لا رنتا في Balenciaga واضح بالأشكال المنحوتة التي قدّمها بلمساته الخاصّة، كما برزت موهبته بالأسلوب الأنثوي والرومانسي من خلال عمله مع Castillo في دار Lanvin.
ومع السنين والخبرة طوّر دي لا رنتا خطوطه وأخذها في اتجاه جديد “كما ستلاحظين في صور مجموعات عروض الأزياء”، حافظ فيه على الطابع الأنثوي والممتع، مع تداخل محطّات حياته الغنيّة بمشاهد ودراما الثقافة الإسبانية بأصوات الفلامينكو ومصارعة الثيران والغجر والتي قدّمها دي لا رنتا بروح إسبانية رومانسيّة. كانت تصميماته مهذبة دون أن تكون قاسية، والتزم بمعاييره للأناقة الخالدة Timeless Elegance، فبحسب تعبيره لصحيفة "بالم بيتش ديلي نيوز" عام 1963: "أنا أصمم ملابس لترتديها النساء. لست مهتمًا بتكتيكات الصدمة. أريد فقط صنع ملابس جميلة “، وبالفعل نجح أوسكار دي لا رنتا وجعل عالم الأزياء مكانًا أكثر جمالًا مع كل من تصاميمه الرائعة والخالدة.
خطوة جريئة!
في ربيع عام 2013 وفي خطوة جريئة ومثيرة للاهتمام، أعاد دي لا رنتا المصمّم المبدع “جون غاليانو” John Galliano إلى عالم صناعة الأزياء، وذلك عبر دعوته لقضاء ثلاث أسابيع في استوديو التصميم الخاص به في نيويورك، حيث تعاون مع غاليانو لإطلاق مجموعة دي لا رنتا للخريف.
واعتٌبر هذا التعاون خطوة جريئة ومثيرة للاهتمام، فالمصمّم غاليانو كان لايزال يتعافى من إقالته الغير رسميّة من دار أزياء “ديور” Dior عام 2011 بعد أن أدلى بتصريحات اعتبرت معادية للسامية، ووضّح دي لا رنتا خطوته لمجلة “فانيتي فير” Vanity Fair سابقاً “جون غاليانو هو أحد أعظم المواهب في عصرنا. من الرائع دائماً أن تكون لديك عين أخرى تتحدّاك، وقد قضينا وقتاً رائعاً في العمل معاً. أعتقد أنه يستحق فرصة ثانية، لاشك في ذلك”.
شعبيّة واسعة!
على مدار مسيرته المهنيّة، لاقت تصميماته شعبية واضحة بين سيدات الرئاسة الأميركية والملكات، كملكة إسبانيا صوفيا ونانسي ريغان ولورا بوش وهيلاري كلينتون، وميشيل أوباما والتي لم ترتدِ أبداً من تصاميم دي لا رنتا سابقاً “الذي كان أشدّ المنتقدين لخيارات أزياء أوباما في الصحافة، وسبق أن وجّه اللوم إليها سابقاً لعدم ارتداء أزياء مصمّم أميركي خلال حضورها حفل عشاء رسمي للترحيب برئيس الوزراء الصيني” وفي عام 2013 اختارت أوباما فستان من مجموعته لخريف 2014.
وارتدت ابداعاته عدد لا يحصى من أيقونات الموضة والمشاهير في هوليوود وخارجها، ومنهن سارة جيسيكا باركر وبينيلوبي كروز وجيسيكا ألبا وإيفا لانغوريا وتايلور سويفت والكثيرات غيرهن.
احترام وجوائز وتكريمات!
كان دي لا رنتا يحظى باحترام كبير من قبل معاصريه من نجوم ومصمّمين وزملاء عمل، وشغل منصب رئيس مجلس مصمّمي الأزياء في أميركا من عام 1973 إلى عام 1976، ومن عام 1986 إلى عام 1988. كما كان راعياً دؤوباً للفنون، عمل دي لا رنتا في مجلس أمناء قاعة كارنيجي، ونقابة أوبرا متروبوليتان، ونيويورك للأطفال ، وجمعية الأمريكتين.
وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة لمساهمته في الموضة والتصميم والعطور ومنها:
جائزة ناقد الأزياء الأمريكية والدخول إلى قاعة المشاهير American Fashion Critic’s Award and induction into the Hall of Fame
جائزة مصمم العام من مجلس مصممي الأزياء (CFDA) وجائزة الإنجاز مدى الحياة من CFDA.
جائزة Living Legend من الجمعية الأمريكية للعطور.
جائزة Coty والتعريف بها في Coty Hall of Fame.
وسام جمهورية الدومينيكان آل ميريتو دي جوان بابلو دوارتي ورتبة كريستبال كولن.
جائزة Lifetime Achievement من جمعية التراث الإسباني و Grand Marshall of New York City's Hispanic Day Parade.
المصمّم “بيتر كوبينغ” Peter Copping عيّن كمدير إبداعي للدار فأوسكار دي لا رنتا عام 2014 واستمر حتى عام 2017. من بعدها وحتى اليوم تولّى كل من مؤسسي دار “Monse” “فرناندو غارسيا” Fernando Garcia و “لورا كيم” Laura Kim منصب الإدارة الإبداعية لدار أوسكار دي لا رنتا.
إبداعات حاضرة رغم الرحيل!
على مدى السنوات أثبت دي لا رنتا مواهبه في تصميم وإنتاج أزياء رائعة وساعد عمله بتحديد معايير الملابس الأنيقة بأسلوبه الذي يجمع الفخامة الأوروبية مع السهولة الأميركية، وعندما تلقي نظرة أعمق على تصميمات دي لا رنتا ستلاحظين أثر الأوقات والطريقة التي عاش بها بإبداعاته الخالدة والحاضرة حتى يومنا.