ملك الكشمير لـ "هي": عالم الموضة والأزياء يجب أن يركّز على الإنسان بكلّ كيانه
دبي" :جويل تامر" Joelle Tamer
من المألوف أن يقتبس المصمم الإيطالي، المُلقّب بملك الكشمير، من أقوال "كونفوشيوس" و"إيمانويل كانت" وغيرهم من الفلاسفة في أي مقابلة أو حديث له. "برونيللو كوتشينيللي" Brunello Cucinelli فيلسوف بقدر ما هو مصمم، فالكشمير هو الوسيط الذي ينقل من خلاله أفكاره ومعتقداته التي طوّرها خلال سنوات من الخبرة والحكمة.
يعتبر "كوتشينيللي"، أن إحدى نقاط قوة دار Casa di Moda Brunello Cucinelli هي الرغبة في المساهمة في حركة إنسانية شاملة وتامة، انطلاقا من التفسير الأخلاقي للرأسمالية واحترام كرامة كل مخلوق على الأرض. ويقول إن الدار ارتكزت منذ تأسيسها في سولوميو على قيم أخلاقية عظيمة، لا يزال يقتدي بها كل يوم في عمله. تتمحور هذه القيم عموما حول كرامة الإنسان، وكرامة كل مخلوق على الأرض، واحترام الطبيعة، ومفهوم الاستدامة البشرية، وحول رحلة البحث عن الوئام في الحياة، والتوازن السليم بين الأرباح والعمل الخيري.
وانطلاقا من هذه الرؤية، عرضت علامة "برونيللو كوتشينيللي" مشروع "مختبر الموضة المتجددة في الهيمالايا" Himalayan Regenerative Fashion Living Lab project النبيل في قصر بكنغهام في شهر مايو الفائت، بحضور الأمير "تشارلز"، المهتم جدا بمفهوم الاستدامة البشرية. وفي هذا الإطار، يشدد "كوتشينيللي" في حديث حصري لـ"هي" على أن “المسألة ليست مجرد مسألة الحفاظ على البيئة، أو الاستدامة البيئية، بل هي أيضا وقبل كل شيء مسألة الاستدامة الاجتماعية”. ويضيف: "بالنسبة لي ولعائلتي، وبالنسبة لنا جميعا في سولوميو، يشكل هذا المشروع فرصة قيّمة جدا لكي نسهم، بحسب إمكانياتنا، في مساعدة بعض المجتمعات المحلية الرائعة في الهيمالايا على استعادة خبراتهم الحرفية التقليدية والحفاظ عليها وتطويرها".
تشتهر علامة "برونيللو كوتشينيللي” بقيمها المستوحاة إلى حد كبير من المفكرين. كيف تنعكس هذه القيم على العلامة وتصاميمها؟
ارتكزت شركتنا منذ تأسيسها في سولوميو على قيم أخلاقية عظيمة، لا نزال نقتدي بها كل يوم في عملنا. تتمحور هذه القيم عموما حول كرامة الإنسان، وكرامة كل مخلوق على الأرض، واحترام الطبيعة، ومفهوم الاستدامة البشرية، وحول رحلة البحث عن الوئام في الحياة، والتوازن السليم بين الأرباح والعمل الخيري. يسعدني ويشرفني رؤية الحرفيين الذين نتعامل معهم يستمدون الوحي من هذه القيم، ويعملون بأيديهم الماهرة وحسهم الخلاق، وأؤمن بأن ذلك يضفي قيمة مضافة مهمة ومميّزة إلى التصاميم.
ماذا يعني مشروع "مختبر الموضة المتجدّدة في الهيمالايا"Himalayan Regenerative Fashion Living Lab project بالنسبة إلى "برونيللو كوتشينيللي"؟
بالنسبة لي ولعائلتي، وبالنسبة لنا جميعا في سولوميو، يشكل هذا المشروع فرصة قيّمة جدا لكي نسهم، بحسب إمكانياتنا، في مساعدة بعض المجتمعات المحلية الرائعة في الهيمالايا على استعادة خبراتهم الحرفية التقليدية، والحفاظ عليها وتطويرها. فتراث الحِرف اليدوية وصناعة الأقمشة (وفي هذه الحالة نتحدّث عن الكشمير، وعن الحرير والقطن أيضا) مهم جدا، ومن المؤسف المخاطرة بخسارته أو تشوّهه، أو تعرّضه لتداعيات منهج اقتصادي محدّد يركز على كسب الأرباح على حساب الحفاظ على هذه المهارات. لهذا السبب، شعرت بمسؤولية التعاون مع مشروع نبيل كهذا. عرضنا المشروع في قصر بكنغهام في شهر مايو الفائت، بحضور الأمير “تشارلز”، المهتم جدا بالمفهوم الذي أحب أن أطلق عليه اسم الاستدامة البشرية. فالمسألة ليست مجرّد مسألة الحفاظ على البيئة، أو الاستدامة البيئية، بل هي أيضا وقبل كل شيء مسألة الاستدامة الاجتماعية.
الهدف من هذه المبادرة هو تضافر الجهود العالمية لتمكين القطاع الخاص من الانتقال نحو مستقبل مستدام بوتيرة أسرع. برأيكم، كيف يمكن تطبيق ذلك على قطاع الموضة؟
أعتقد أن قطاع الموضة، وبالإجمال عالم الموضة والأزياء، يجب أن يركّز على الإنسان بكل كيانه. كما قال الفيلسوف “كانط” Kant، يجب أن نتصرّف دائما آخذين الإنسانية برمّتها في عين الاعتبار، وعدم إيذاء الآخرين أو الإساءة إليهم بأي شكل من الأشكال. من هنا تأتي أهميّة التنسيق العالمي وتوحيد الجهود على هذا المستوى لمصلحة قضيّة مفيدة، للاهتمام بالطبيعة وحمايتها، فهي حديقة جميلة سنورّثها يوما ما إلى الأجيال الشابة.
رؤيتنا للموضة مختلفة عن النموذج “الاستهلاكي”. وهذه الفكرة تحترم العمّال، كما تحترم سلامة الحيوانات، والموارد الطبيعية. لذلك نركز إلى حد كبير مثلا على كيفية استهلاك المياه بطريقة مدروسة تراعي احتياجات أجيال المستقبل، أو كيفية الحدّ من استخدام الأراضي قدر المستطاع.
على صعيد شخصي أكثر، ما رؤية "برونيللو كوتشينيللي" لعالم أفضل؟
في قرارة نفسي، تراودني الأفكار نفسها التي أودّ أن نحققها كشركة، قدر المستطاع. ولطالما أذهلتني رؤية "ماركوس أوريليوس" Marcus Aurelius العالمية، فهو، بحسب الكاتبة العظيمة Marguerite Yourcenar وانطلاقا من تعاليم الفيلسوف الكبير "سينيكا" Seneca، كان "يشعر بالمسؤولية تجاه جمال العالم". أعتقد أن هذا هو المسار الصحيح الذي يجب اتّباعه نحو غد أفضل؛ أن نشعر ونتصرّف كأننا حرّاس الجمال الذي سنشاركه مع أجيال المستقبل.
أنتم مقتنعون بأنّ الطبيعة والاقتصاد والحِرف اليدوية والتقاليد تشكل كيانا متكاملا. هلا أخبرتنا أكثر عن هذه الفكرة.
نعمل في مجال كان يدعوه أجدادنا وأهمّ المفكّرين الكلاسيكيين ـgenius loci، أي الروح الحامية لبيئة عبقرية، ونحن أيضا نبذل قصارى جهدنا لنحافظ على هذه الروح في سولوميو. ففي النهاية، المكان الذي نعيش فيه متناغم مع جمال الطبيعة، ومع طبيعة عملنا، ومع التقاليد الحرفية وما شابه. لا يسعنا إلا أن نبقى أولياء لمفهوم genius loci، احتراما لأجدادنا وحرصا على أجيال الغد.
كيف تغيّر مجال الفخامة منذ إطلاق علامتكم التجارية؟ وما سرّ نجاحكم؟
لقد طرأ عدد من التغيرات، لكنها غير جذرية برأيي. بالأحرى، لقد تغيّرت رؤية الناس، وزاد اهتمام الرأي العام بكواليس تصميم الأزياء، وبالقيم وبطريقة العمل المتّبعة في إنتاج الأزياء يدويا. أعتبر أن إحدى نقاط قوتنا هي الرغبة في المساهمة في حركة إنسانية شاملة وتامة، انطلاقا من التفسير الأخلاقي للرأسمالية واحترام كرامة كل مخلوق على الأرض. ويعزى نجاحنا أيضا إلى مراعاتنا لأدق التفاصيل لطرح أسلوب رياضي أنيق يجاري العصر قدر المستطاع.
كيف تحدّدون مفهوم الفخامة عام 2022؟ وما توقّعاتكم للسنوات القادمة؟
أجد الفخامة هذه السنة ساحرة جدا، ولبِقة إلى أبعد الحدود، ومتناغمة إلى حد كبير مع توق الناس إلى العودة إلى العلاقات، وإلى الحياة الاجتماعية بمفهوم جديد. وفي الواقع لاحظنا عودة متعة التأنّق، وتدليل النفس، وتشارُك الجمال مع الآخرين. أمّا بالنسبة لعام 2023، فيمكنني القول إنني معجب كثيرا بتصاميمنا. فالمجموعات واعدة جدا، وتلقى أصداء ممتازة في كل مكان. في الإجمال، أتوقع أن تدرك العلامات الراقية أهميّة دورها في مرافقة ولادة الإنسانية من جديد، بعد المعاناة مع الجائحة، نحو غد أفضل يحمل الصفاء للجميع.