السفر.. مصدر وحي أساسي لمصممي الأزياء العالميين
إعداد: هلا جرجورة
في عالم الموضة، لا يعرف السعي وراء الإلهام حدودا. بالنسبة لمصممي الأزياء فإن العالم يشبه لوحة قماشية دائمة التطور تنتظر اكتشافها ورسم ملامحها. وفي خضم هذه الرحلة الإبداعية، يحتل السفر والعطلات الصيفية مكانة خاصة، حيث يُقدم للمصممين جواز سفر لإمكانيات لا حصر لها، ويكشف عن كنوز مخفية تثري عملهم الفني. ولا يكمن جوهر السفر في الوجهات الخلابة والمغامرات المشمسة فحسب، بل يكمن أيضا في التجارب التحويلية التي تشكل رؤى وجماليات هؤلاء المبدعين.
من شواطئ دوفيل الساحرة إلى شوارع مراكش النابضة بالحياة.. وجهات ألهمت كبار مصممي الأزياء
يغذي السفر الخيال ويوقظ الحواس، ولهذا هو ضروري لكل إنسان، وخاصة للفنانين والمبدعين، حيث يسمح بالتواصل مع مجتمعات متنوعة، واكتشاف تقاليد وحضارات جديدة تؤثر بشكل أو بآخر في الأعمال الإبداعية، ومنها تصميم الأزياء، حيث وعلى مر الزمن أجمل المجموعات والتصاميم كانت تلك التي استوحيت من أماكن مختلفة ووجهات فريدة، من "كوكو شانيل" COCO CHANEL وافتتانها بمدينة دوفيل الفرنسية، إلى "إيف سان لوران" وتأثره بسحر مراكش الغامض، و"كريستيان ديور" وتعلقه بمدينة غراس النابضة بالجمال الطبيعي، هذه الوجهات وغيرها ألهمت كبار مصممي الأزياء في العالم في أعمالهم الإبداعية.
مدينة دوفيل: ملهمة "كوكو شانيل" الأبدية وملاذها الصيفي
كان لدى "كوكو شانيل" COCO CHANEL بعض الوجهات الصيفية المفضلة، ودوفيل كانت إحداها، وقد تأثرت بسحر وأناقة هذه المدينة الساحلية الصغيرة التي كانت تعتبر بمنزلة مصيف أساسي للباريسيين الأثرياء في أوائل القرن العشرين. وقد افتتحت أول متجر لها في هذه المدينة في عام 1913، وقد ألهمتها جميع التفاصيل الكبيرة منها والصغيرة في عملها من الناس الذين كانوا يتنزهون بأناقتهم الراقية على الكورنيش إلى صيادي السمك المحليين وستراتهم المقلمة، وأطلقت أشهر تصاميمها المستوحاة من نبض المدينة من تنانير الجيرسي والقمصان البسيطة ذات الياقة العالية والسترات المخططة، وسرعان ما لاقت هذه التصاميم رواجا كبيرا، وأصبحت من أساسيات الدار وإلى اليوم يُعاد تقديمها بطرق متناسبة مع العصر.
"إيف سان لوران" ومراكش.. مزيج من الموضة وسحر الشرق
كانت مراكش، بنسيجها الغني بالألوان وهندستها المعمارية الآسرة، وثقافتها النابضة بالحياة مصدر إلهام أساسيا أشعل خيال "إيف سان لوران".
زارها للمرة الأولى برفقة "بيير بيرجيه" PIERRE BERGÉ عندما كان في الثلاثين من عمره، وأسرت قلبه إلى الأبد.. من خلال حدائقها العطرة وقصورها الساحرة وأسواقها الصاخبة، وازداد تعلقه بها عاما بعد آخر، وواظب على زيــــــارتها مرتين في العام على الأقل. ومن ثم اشتــــرى حديقة "ماجـــوريل" MAJORELLE التي أنشأها الرسام "جاك ماجوريل" في عام 1931، ورمم المكان، وأصبح ملاذه الشخصي. واشترى أيضا منزلا بجوار الحديقة، وهنا بدأت مفاهيمه الجمالية تتأثر بالثقافة الشرقية. وقد قال: "مراكش فتحت مخيلتي على الألوان"، حيث أصبح أكثر جرأة في توظيف الألوان الحيوية في تصاميمه، وقد تأثرت أعماله بهذه الحضارة، فأعاد تصميم القفطان التقليدي بأسلوب أكثر عصرية، واستعمل الزركشة المغربية كطبعات في تصاميمه، وكانت الملابس الرجالية المغربية مصدر وحي أساسيا لمجموعاته النسائية، حيث وجدها غنية، وفيها الكثير من التفاصيل الجمالية. وهكذا أصبحت مراكش المدينة الأقرب لقلب "سان لوران" وأكبر مصدر وحي لأعماله.
"كريستيان ديور" ومدينة غراس.. علاقة حب عطرة
تقــــــع مديـــــنـــة "غـــــــراس" GRASSE التـــــي تعـتــــــــــبر عاصــمـــة العــطـــــور في الـعـــالم عــلى تلال منـطـــــقــة بروفانس الفرنسية، وقد أصبحت مصدر إلهام أساسيا لمصمم الأزياء الشهير "كريستيان ديور" CHRISTIAN DIOR، وقد ربطته بها علاقة وثيقة جدا انبثقت من خلال عشقه للزهور، حيث اختار مناخ هذه المدينة المثالية وتضاريسها الفريدة لزراعة ورد مايو والياسمين التي شكلت أساس عطوره الأيقونية، وما زالت تفعل إلى اليوم.
واشترى قصر CHATEAU DE LA COLLE NOIRE في المنطقة نفسها، والذي أصبح ملاذه حين كان يرغب في الابتعاد عن صخب مدينة باريس للبحث عن مصادر وحي جديدة لأعماله، وقد زرع حديقة القصر بآلاف الورود العطرة والتي رأيناها فيما بعد تظهر واضحة في تصاميمه سواء من خلال القصّات أو الطبعات أو الألوان.
"إلسا سيكاباريلي" تلهمها مدينة باريس وفنانوها السرياليون
ربطت علاقة عميقة بين "إلسا سيكاباريلي" ELSA SCHIAPARELLI ومدينة باريس، وقد سحرتها منذ النظرة الأولى، وشكلت منظورها الفريد والمبتكر في الموضة، ولا سيما أنها انغمست بالمشهد الفني المزدهر في المدينة، وتأثرت بالحركة السريالية، وتعاونت مع أشهر فنانيها مثل "سلفادور دالي"، و"جان كوكتو"، و"مان راي"، من بين آخرين.
وعزز هذه التعاون مع نخبة الفنانين الطليعيين من استكشافها لتقنيات غير تقليدية، ودفع بمخيلتها إلى آفاق إبداعية غير مسبوقة، ومزج العناصر الفنية السريالية في أعمالها مثل فستان LOBSTER DRESS و SHOE HAT اللذين دفعا حدود الموضة التقليدية، وتحديا الأعراف المجتمعية. واعتبرت "إلسا" من أكثر مصممي الأزياء في عصرها إبداعها، وكانت أعمالها سابقة لأوانها، وما زالت تلهم كبار المصممين ودور الأزياء العالمية.
الموضة تتجاوز مفهوم الأزياء، فهي تعكس مزيجا متناغما من الإبداع مع العالم الذي يحيط بها، وتقدم المدن والوجهات السياحية إلهاما لا حدود له، يُغذي خيال المبدعين، ويحرض المشاعر في داخلهم، لتنبثق أعمال أيقونية يدوم تأثيرها إلى الأبد