الملابس الرياضية.. تاريخ وحكاية ابتكار وتحولات مجتمعية
إعداد
hala jarjoura
للوهلة الأولى نعتقد أن الملابس الرياضية والموضة موضوعان منفصلان بشكل كُلّي عن بعضهما البعض. لكن عند التمعن في الأمر نكتشف أن هنالك العديد من العناصر التي تجمعهما بشكل وثيق، وتضعهما على المسار نفسه. فالملابس الرياضية التي كانت يوما مخصصة للأنشطة الرياضية أصبحت جزءا لا يتجزأ من نمط حياتنا اليومي. ورحلتها من الوظيفة إلى الموضة هي قصة مثيرة للاهتمام تجمع بين التاريخ والابتكار والتحوّلات المجتمعية. اليوم سنتعمق معا في تاريخ الملابس الرياضية، ونستكشف أصولها والمصممين الرائدين، وتأثيرها الكبير في عالم الموضة وفي حياتنا.
تاريخ طويل وقصّة مثيرة للملابس الرياضية
قطعت الملابس الرياضية شوطا طويلا منذ بداياتها، وشهدت الكثير من التطورات عبر السنين. ويمكن إرجاع أصول الملابس الرياضية إلى الحضارات القديمة، والحاجة إلى تصاميم عملية ومريحة، مع بداية بعض الرياضات وظهور مفهوم الرياضيين الأوائل الذين احتاجوا إلى ملابس بسيطة مصنوعة من أقمشة مرنة لتحسين أدائهم. ومع ذلك، بدأ ارتداء الملابس الرياضية كما نعرفها اليوم تقريبا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وظهرت كفئة متخصصة في عالم الأزياء، حيث أدرك بعض مصممي الأزياء الحاجة إلى الملابس التي تلبي المتطلبات البدنية لمختلف الرياضيات مع السماح بحرية الحركة، ومهّدت إبداعاتهم الطريق لثورة في الموضة كان من شأنها إعادة تعريف ليس فقط المفهوم الرياضي، بل أيضا أسلوب الحياة اليومي.
الملابس الرياضية حررت المرأة وعززت انخراطها في الأنشطة البدنية
لعبت الملابس الرياضية دورا محوريا في تحرير المرأة وتمكينها من المشاركة في الأنشطة الرياضية والأنشطة البدنية، من خلال تحدي المفاهيم التقليدية للأنوثة وكسر الحواجز المجتمعية، وزودت الملابس الرياضية النساء بالأدوات اللازمة للانخراط في الأنشطة الرياضية واحتضان أسلوب حياة أكثر نشاطا.
فعبر التاريخ واجهت النساء الكثير من الحواجز الجسدية عند المشاركة في الألعاب الرياضية بسبب الملابس المقيدة مثل الكورسيهات والتنانير الطويلة التي حدت من قدرتهن على التفوق في المجالات الرياضية. ولهذا فقد أحدثت الملابس الرياضية ثورة من خلال تقديم أزياء وظيفية مصممة خصيصا لتحسين الأداء وتوفير الراحة، مصنوعة من أقمشة خفيفة الوزن وتصاميم عملية ومبتكرة. وبذلك فقد لعبت الملابس الرياضية دورا مهما في تعزيز المساواة بين الجنسين في الرياضة مع حصول النساء على فرص للمشاركة في النشاطات البدنية لمتابعة اهتماماتهن الرياضية. والفضل في هذا الأمر يعود إلى مصممي الأزياء الرائدين في ابتكار الملابس الرياضية.
مصممون رائدون مهّدوا الطريق لعصر جديد من الملابس العملية والأنيقة
كانت ولادة الملابس الرياضية بمنزلة لحظة تحول في عالم الموضة، حيث تحدى المصممون أصحاب الرؤى التقاليد ومهّدوا الطريق لعصر جديد من الملابس العملية والأنيقة، التي لم تغير طريقة لباسنا فحسب، بل أيضا نقلت التجربة الرياضية إلى مستويات جديدة لا حدود لها.
"كوكو شانيل"... إعادة تعريف الأناقة في الملابس الرياضية
"كوكو شانيل" Coco Chanel واحدة من المصممين الرائدين الذين أثروا بشكل كبير في عالم الملابس الرياضية، وذلك لإدراكها الحاجة إلى ملابس عملية ومرنة للنساء. وقدمت مجموعة من تصاميم الملابس الرياضية في عشرينيات القرن الماضي، أحدثت ثورة في عالم الموضة النسائية من خلال دمج عناصر عملية مثل أقمشة الجيرسيه والحياكة المريحة والتصاميم غير المُقيّدة، وحررت المرأة في ذلك الوقت من الكورسيه والملابس الثقيلة والمرهقة. وساعدت رؤيتها الإبداعية في إعادة تعريف مفهوم الأنوثة في الرياضة، وتشجيع النساء على الانخراط بشكل أكبر في النشاطات البدنية.
"جان باتو" .. صاحب الرؤية الثورية وراء الملابس الرياضية
أسس "جان باتو" Jean patou علامته التي تحمل اسمه عام 1914، وكانت له رؤية إبداعية خاصة وثورية. وقد أراد في ذلك الوقت تحرير النساء من الملابس المفروضة عليهن. وعمل على الترويج للفساتين من دون الكورسيهات والتنانير القصيرة. وكان السبّاق في إطلاق خط رياضي عملي ميّزه بحروف اسمه الأولى. كما أنه اختار بطلة التنس Suzanne Lenglen لتكون ملهمته. وقدم عددا من الابتكارات ذات الطابع الرياضي مثل الفستان ذي الياقة المفتوحة على شكل حرف V، والسويتر المصنوعة من الصوف الناعم والخفيف، الذي حيك بطريقة مرنة تؤمّن سهولة الحركة. هذه التصاميم غيّرت النظرة العامة تجاه الملابس الرياضية في ذلك الوقت.
"رينيه لاكوست"... قميص البولو وتراث التنس
"رينيه لاكوست" Rene Lacoste لاعب التنس الفرنسي المشهور، لم يصنع لنفسه اسما في الملعب فحسب، بل ترك أيضا تأثيرا دائما في الملابس الرياضية، ففي عشرينيات القرن الماضي قدمت Lacoste ابتكارا لقميص البولو، جرى تنفيذه في الأصل للاستخدام الشخصي. وسرعان ما اكتسب التصميم المريح والقابل للتنفس شعبية بين لاعبي التنس والرياضيين الآخرين. ومنذ ذلك الوقت أصبح قميص البولو من "لاكوست" الأكثر شهرة، ولا سيما أنه جمع بين الأناقة والعملية. وإلى اليوم هذا القميص هو من ضمن الأكثر مبيعا حول العالم.
الملابس الرياضية قوة بارزة وأسلوب حياة
استمرت الملابس الرياضية في التطور على مدار أكثر من 150 عاما. وفي السنوات الأخيرة أصبحت قوة بارزة، وهو ما أدى إلى تماهي الخطوط بينها وبين الملابس اليومية غير الرسمية. فالناس أصبحت بحاجة إلى تصاميم مريحة تنتقل بسهولة من صالة الألعاب الرياضية إلى النزهات الاجتماعية. وهنا جاء اندماج الأقمشة الرياضية مع التصاميم المعاصرة، وهو ما خلق فئة جديدة من الملابس التي تتجاوز حدود الموضة التقليدية.
ويعود الفضل في تطور الملابس الرياضية وشعبيتها الواسعة إلى تأثير رموز الرياضة والفن في الثقافة الشعبية، حيث أصبح الرياضيون سفراء للأناقة، كما أصبح نجوم الفن وجوها إعلانية لأبرز الماركات الرياضية. وهذا الأمر كان له دور محوري في تحويل الدور الوظيفي للملابس الرياضية إلى أسلوب للتعبير عن الذات والهُوية الشخصية.