الألعاب الأولمبية والموضة... A Designer Olympics
إعداد: HEBA NOUMAN
يعود تاريخ أول دورة ألعاب أولمبية مسجّلة إلى عام ٧٧٦ قبل الميلاد في أوليمبيا باليونان القديمة، والتي أقيمت في الأصل لتكريم الآلهة، وشارك فيها مواطنون عاديون، وقد ضمّت الدورة الأولى مسابقة واحدة فقط، وهي سباق على الأقدام سُمّي "ستاديون"، وفاز به طباخ يدعى "كوريبوس".
منذ ذلك الحين، تطورت الألعاب لتصبح أكبر حدث رياضي في العالم، وتقام كل أربع سنوات في مدينة جديدة تستضيفها، حيث يحضرها عدد لا يحصى من الناس من جميع أنحاء الأرض. وفي هذا العام، تحط رحالها في باريس بعد مرور قرن كامل! وبأسلوب فرنسي حقيقي، ستلعب الأزياء دورا رئيسا في هذا الاحتفال الكبير بالمهارة والقوة. ولطالما كانت الموضة منافسا أساسيا في الألعاب الأولمبية والبارالمبية، إذ تُصمم العلامات التجارية الرياضية والماركات الضخمة ودور الأزياء الفاخرة ملابس الرياضيين في حفلات الافتتاح والختام. في الماضي رأينا أسماء، مثل "جورجيو أرماني" و"كريستيان لوبوتان" و"ستيلا مكارتني"، تصمم إطلالات أولمبية، ومع رعاية مجموعة "إل في إم إتش" LVMH لهذه الدورة واستضافة باريس، يبدو أن أولمبياد ٢٠٢٤ سيكون أكثر الألعاب أناقة حتى الآن.
في عرضها الأخير للأزياء الراقية، كرّمت دار "ديور" DIOR هذا الحدث مع مجموعة تحتفي بتاريخ الألعاب الأولمبية. عُرضت المجموعة في متحف "رودان" على خلفية رائعة من الجداريات الفسيفسائية الضخمة الممتدة من الأرض إلى السقف، بتوقيع الفنانة "فيث رينغولد"، التي توفيت للأسف قبل بضعة أشهر، فجرى إحياء رسوماتها الرائعة للرياضيات على أيدي حرفيين من مشـاغل ومدرسة "شاناكيا" للحرف في مومباي.
بدت التصاميم الرياضية مهيمنة أكثر من أي وقت مضى، فيما تم تقديم موعد أسبوع باريس للهوت كوتور نفسه لإتاحة الوقت للمدينة لتتحول إلى عنوان أولمبياد ٢٠٢٤. وجاءت القصات الإغريقية التي بدت نابعة من صور الآلهــــــــــة الأســــــــــطورية، لتتضارب بشكل مفاجئ مع تصاميم "بوديسوت" ذات حمالات الكتف المتشابكة من الخلف، والتي ذكّرتنا ببذلات الرياضيين على خشــــــــــبة العرض، حيث التقت بالفساتين الطويلة المنسابة.
دمجت "كيوري" أيضا نسخة من مادّة الجيرسيه، وقدّمتها باللــــــــــون الذهبي والأســــــــــود والأبيــــــــــض في لمسات رياضية وعصرية، وهو الأمر الذي لم يضفِ فقط لمسة حيوية على المجموعة للإشارة إلى الألعاب الأولمبية والمرأة الرياضية المعاصرة، بل اجتمع أيضا بالحرير والساتان والجاكار، ليرمز إلى الروح المتمردة والجريئة التي تجسدها المرأة في الرياضة والموضة. هذه التحية المثالية لجميع الرياضيين عند ملتقى الأناقة والرياضة، كانت تكريما أسعدتنا رؤيته، خصوصا في فلك الأزيــــــــــاء الراقية. هل كانت هذه طريقة "ماريا غراتسيا كيوري" لإشعال الحماس والترقّب في العاصمــــــــــة الفرنسية؟ في نهاية المطاف، من المرجح أن يشهد هذا التلاقي غير المســــــــــبوق بين عالمَي الفخامة والرياضة نموا هائلا في المبيعات، ومن ثم يفتح إمكانات مشوّقة لقطاع الأزياء.
عندما أعلنت مجموعة LVMH عن شراكتها المميزة مع الألعاب الأولمبية والبارالمبية في باريس، كشفت دار "لويس فويتون" LOUIS VUITTON صناديق الميداليات والمشاعل، التي صُممــــــــــت خصيصا للألعــــــــــاب الأولمبيــــــــــة. وتماشيا مع تقاليد العلامة في صناعة صناديق السفر منذ عام ١٨٥٤، صممت هذه الصناديق الخاصّة لإيواء الميداليات الرائعة التي صممتها دار "شوميه" CHAUMET، ولحماية المشاعل الرسمية. تتضمن كل حقيبة تفاصيل مميزة، مثل تصميم خارجي مغلّف بكانفاس "مونوغرام" و"دامييه" الأيقونيين مع تفاصيل نحاسية فاخرة.
ودامجة الحرفية التراثية بالابتكار المستدام، صممت مجموعــــــــــــــــــــة LVMH، بصفتها الراعي الرئيس للحدث، أزياء صديقة للبيئة لحاملي الميداليات وصــــــــــواني ميداليات مخصصة. وقد استلهمت الملابس الملائمة للجنسين والتي سيرتديها ٥١٥ متطوعا لحمــــــــــل الميداليات، من الملابس الرياضية في عشرينيات القرن الماضي، وذلك بالتزامن مع الذكرى المئوية لآخر دورة أولمبية استضافتها باريس. وفي لفتة جميلة إلى نموذج الموضة الدائرية، صُنعت هذه الملابس بالكامل من مواد مصممة بطريقة صديقة للبيئة، بما في ذلك الأقمشة المصنوعة من قطع النسيج المعاد تدويرها والآتية من معامل ماركات LVMH. وتأتي هذه المبادرة في طليعة المبادرات التي تتبنى الفخامة المستدامة، لأنها أيضا تستند إلى الإنتاج المحلي (قطعها مصنوعة إلى حد كبير في فرنسا)، إضافة إلى التعاون مع المؤسسات الاجتماعية التي تدعم الحرفيين اللاجئين. وفي حين تُظهر هذه الجهود التزام LVMH بالاستدامة والحرفية الفرنسية، فإنها تمثل أيضا فرصة تسويقية رفيعة المستوى، في ظل توجّه أعين العالم إلى الحدث الرياضي الضخم.
وقد انضمت "لاكوست" LACOSTE أيضا إلى هذه الاحتفالات العالمية، مع مجموعة تشيد بالألعاب الأيقونية التي حدثت عام ١٩٢٤. فتقدّم مجموعة "أولمبيك هيريتج ١٩٢٤ باريس" OLYMPIC HERITAGE ١٩٢٤ PARIS قطعا عصرية ومريحة وصيفية بامتياز تحوّل الأساسيات الرياضية إلى تصاميم ضرورية ذات أناقة باريسية تتوق إلى الماضي.
وبعد تعمق الفريق الإبداعي في الأرشيفات، تظهر إعادة تفسير للألوان والخطوط والطبعات وحتى شعار النبالة لمدينة باريس، والتنفيذ كان طبعا بحرفية "لاكوست" المعهودة، مازجا الموضة بالرياضة، مع لمسة الأناقة الفرنسية بصوت "التمساح" الشهير. ومن بين القطع التي تهديها هذه العلامة العريقة إلى دورة الألعاب الأولمبية الجديدة، قميص بولو كلاسيكي بنسيج "بوتيه بيكيه"، وكنزة رياضية بنسيج "بيكيه" نافر وذي وجهين، وسروال قصير، وقبعة "كاب"، وبونشو. وبما أن "لاكوست" لاعب رئيس في عالم الملابس الرياضية، فمن المؤكد أن هذه القطع ستصبح قابلة للجمع في السنوات الآتية.
باعتبارها المزود الرسمي لأزياء فريق الولايات المتحدة الأمريكية للمرة التاسعة على التوالي، تحمل دار "رالف لورين" برسومها الجريئة وألوانها البارزة وخطوطها الكلاسيكية بدرجات الأحمر والأبيض والأزرق الأمريكية، حيوية نابضة بالحياة إلى الألعاب الصيفية، بالاســــــــــتلهام من المدينــــــــــة المستضيفة وديناميكيتها. رقي العلامة يخلط الأسلوب الأمريكي الحديث مع الكلاسيكيات العابرة للزمن، إلى جانب إطلاق أول قميص بولو لها مصنوع ١٠٠ في المئة من مواد معاد تدويرها.
من خلال تمثيل الثقافة الأمريكية وروح الفريق الأولمبي، إن هذه الأزياء هي تحية وطنية من الدار الأمريكية. لحفل الافتتاح، إطلالات متقنة الخياطة من سترات بليزر وقمصان مقلّمة وأحذية جلد السويدي في أجواء مدرسية الإلهام؛ فيما سنرى في حفل الختام تصاميم تدمج الجاكيتات المستلهمة من أسلوب راكبي الدرّاجات النارية مع الدنيم الأبيض، وقميص بولو مصمم ببرنامج التخصيص الخاص بالدار CREATE YOUR OWN والمصنوع بتقنية الحياكة المسطحة المبتكرة لتقليل نفايات الأقمشة الزائدة.
ومع توفير أولمبياد باريس أكبر منصة عالمية لعرض إبداع العلامات التجارية والقيم التي تؤمن بها، من المحتمل أن يعزز ذلك من جاذبيتها للمستهلكين المهتمين بالبيئة، إضافة إلى استهدافها المحتمل لجمهور جديد.
في الوقت الذي تواجه فيه العلامات الفاخرة ضغوطا متزايدة لمعالجة المخاوف البيئية، تدلّ شراكة LVMH الأولمبية ومقاربة "رالف لورين" المدروسة لمستقبل أكثر استدامة في مجال الموضة، على تغيير جديد.
تلعب الأزياء بالفعل دورا أساسيا في الألعاب الأولمبية، فالاعتزاز بالأزياء الرياضية الوطنية، خصوصا من بلدان فيها علامات تجارية مشهورة ومصممون معروفون عالميا، جزء لا يتجزأ من المنافسة وتمثيلها. ويشكّل تصميم ملابس الأولمبيين فرصة مالية وتسويقية حقيقية للعلامات التجارية، مانحا إياها دعاية وظهورا عالميين لسنوات عديدة تالية.
فلتبدأ ألعاب الموضة!