عندما المرأة تدعم المرأة في الموضة

عندما المرأة تدعم المرأة في الموضة

هبة نعمان

في عالم الموضة الديناميكي، يسود الإبداع والموهبة، ومع ذلك لا تزال مسألة التمييز بين الجنسين تلقي بظلالها على هذه الصناعة.

وبينما يستمر عالم الموضة في رؤية عدد غير متناسب من الرجال في المناصب القيادية ضمن الدور الأيقونية الكبرى، تواصل الكثير من النساء الرائعات تحدي الوضع الراهن مع إعادة تشكيل مشهد الموضة بإنجازاتهن اللامعة وقيادتهن الملهمة. لم تكتفِ هؤلاء النساء الرائدات بتخطي حواجز التمييز بين الجنسين فحسب، بل تركن أيضا بصمات لا تُمحى، بدفعهن الملحوظ لعجلة التغيير والابتكار في صناعة الأزياء وتمهيدهن الطريق أمام الأجيال الآتية في هذا القطاع.

"ماريا غراتسيا كيوري"Maria Grazia Chiuri في عرض الأزياء الراقية  من "ديور"Dior لربيع وصيف ٢٠٢٥
"ماريا غراتسيا كيوري"Maria Grazia Chiuri في عرض الأزياء الراقية
من "ديور"Dior لربيع وصيف ٢٠٢٥

للمرة الأولى منذ أكثر من سبعة عقود، تقف امرأة على رأس دار "ديور".

كانت فلسفة "ماريا غراتسيا كيوري" بسيطة: الموضة هي تطور وثورة متشابكان معا. لذا، ومع معرفتها الثاقبة للعصري والحديث، دمجت إرث "ديور" ولغتها بنزعة معاصرة رائعة.

بالنسبة إلى "كيوري"، أتاحت لها مسيرتها مع "ديور" أن توفّق بين طموحاتها وقيمها، وأن تبني منصة تناصر من خلالها المرأة وتدعمها بحماس. من الفنانات إلى المصورات، إن رفع النساء هو إحدى أكبر القوى الدافعة وراء عمل "كيوري"، ممثلا حقبة جديدة في التاريخ العريق لدار "ديور". وقد شهدت إعادة إحياء الإكسسوارات الأرشيفية الكلاسيكية مع لمسة جريئة طليعية نموّا في استراتيجية التسويق بالتعاون مع المؤثرين، وصرنا نرى صور المشاهير في كل أنحاء مواقع التواصل الاجتماعي ومعهم هذه التصاميم. ومع الوقت، أصبح قميص التي-شيرت المطبوع بشعارات مقتبسة من شخصيات نسوية مثل "شيماماندا نغوزي أديشي" ومؤرخة الفن الأمريكية الراحلة "ليندا نوتشلين"، رمزا أيقونيا وجريئا لدار "ديور"، التي تقودها امرأة قد نجحت في حمل مشاغل الدار إلى القرن الحادي والعشرين.

من عرض "ديور"Dior للأزياء الراقية لربيع وصيف ٢٠٢٥
من عرض "ديور"Dior للأزياء الراقية لربيع وصيف ٢٠٢٥
من عرض "ديور"Dior لربيع وصيف ٢٠٢٥
من عرض "ديور" Dior لربيع وصيف ٢٠٢٥

بالانتقال إلى موضوع الاستدامة في هذه الصناعة، لا تزال "ستيلا مكارتني" تمثل القوة الرئيسة للريادة في هذا المجال. فهي معروفة بالتزامها الراسخ بالاستدامة، منذ أن كانت تؤيّد الممارسات الصديقة للبيئة والمستدامة قبل أن تصبح كلمات رائجة في هذه الصناعة بوقت طويل. تركز تصاميم "مكارتني" على الإنتاج الأخلاقي وحقوق الحيوان والوعي البيئي بشكل لا مثيل له. وعلامتها شهادة قوية على قابلية الجمع بين الأزياء الفاخرة والأخلاقيات العالية، مع استخدام مواد مبتكرة مثل القطن العضوي والأقمشة المعاد تدويرها، وكذلك بدائل الجلود، لتُسكت بذلك كل الشكوك حول إمكانية تصميم المنتجات الفاخرة بهذا النهج. تشمل إنجازات "مكارتني" الرئيسة تعاونها مع كبرى العلامات التجارية للتشجيع على الاستدامة، ودورها في التوعية حول التأثير البيئي لصناعة الأزياء في المنتديات العالمية، وابتكارها المتواصل في إطلاق خطوط أزياء صديقة للبيئة. وبصفتها مدافعة عالية الصوت عن الموضة المستدامة، أثّرت "ستيلا مكارتني" بشكل كبير في هذه الصناعة، وشجعت المصممين والمستهلكين على تبني خيارات أكثر مسؤولية. لا يعتبر عملها مرجعية للأزياء الأخلاقية فحسب، بل يثبت أيضا أن الفخامة والاستدامة يمكنهما أن يتعايشا، وهو ما يلهم مستقبلا أكثر اخضرارا لعالم الموضة.

"ستيلا مكارتني"Stella McCartney
"ستيلا مكارتني"Stella McCartney
من مجموعة ما قبل خريف ٢٠٢٤ من "ستيلا مكارتني" Stella McCartney
من مجموعة ما قبل خريف ٢٠٢٤ من "ستيلا مكارتني" Stella McCartney

عندما يتعلق الأمر بالفخامة الهادئة، فقد شهدت هذه الصناعة تغييرا ثوريا أرسته نساء أيقونات في عصرنا الحالي.

تشتهر "فيبي فايلو" بجمالياتها المينيمالية التي أسهمت بشكل كبير في صياغة ملامح الموضة المعاصرة. كانت فترة عملها مع "سيلين" حقبة تحول للعلامة الفرنسية، قدّمت خلالها تصاميم أنيقة وهادئة وبعيدة عن المبالغة أصبحت مثالا للأناقة العصرية. أعادت رؤية "فايلو" لدار "سيلين" تحديد مفهوم الفخامة من خلال التركيز على الخطوط النظيفة والألوان الحيادية والجمال العمليّ. وبالمزج بين القصات العابرة للزمن والوعي لاتجاهات العصر، تلقى تصاميمها صدى لدى النساء اللواتي يبحثن عن الرقي دون تباهٍ وتظاهر. ومن خلال إعطاء الأولوية للاحتياجات الواقعية للنساء، عززت "فايلو" علاقة أعمق بين الأزياء الفاخرة والإطلالات اليومية في تصاميمها، فألهمت تحوّلا نحو أزياء أكثر ارتباطا بامرأة اليوم وأكثر قابلية للارتداء، مع مقاربة جديدة للأنوثة. وعملها انعكاس لقوة الحركة المينيمالية في إنشاء أسلوب يدوم ويعيد رسم معالم الموضة المعاصرة.

فيبي فايلو" Phoebe Philo في عرض "سيلين"Celine لخريف وشتاء ٢٠١٤
فيبي فايلو" Phoebe Philo في عرض "سيلين"Celine لخريف وشتاء ٢٠١٤
فيبي فايلو" Phoebe Philo في عرض "سيلين"Celine لخريف وشتاء ٢٠١٤
من مجموعة "سيلين"Celine لربيع وصيف ٢٠١٥
فيبي فايلو" Phoebe Philo في عرض "سيلين"Celine لخريف وشتاء ٢٠١٤
فيبي فايلو" Phoebe Philo

تُعرف "ميوتشا برادا"، وهي العقل الإبداعي خلف دار "برادا"، بمزجها الفريد بين الموضة "الفكرية" والتعبير الفني، وهو ما صار التوقيع الذي يميزها في عالم الأزياء الفاخرة. وتحت إشرافها، أصبحت "برادا" مرادفا للتصاميم التي تحضّنا على التفكير وتتحدى المفاهيم التقليدية للجمال والأناقة. كثيرا ما تتضمن مجموعات "ميوتشا" مزيجا غنيا من الخامات والأنماط الزخرفية والتلميحات التاريخية، جامعة بسلاسة بين الفن الراقي والجانب العملي اليومي. ولم يرتقِ هذا النهج بمكانة علامتها فحسب، بل أعاد أيضا تحديد ما يمكن أن تعنيه الأزياء الفاخرة في الثقافة المعاصرة. إن تأثير "ميوتشا برادا" في عالم الموضة الفاخرة الحديثة عميق، فقد نجحت في تمويه الخطوط الفاصلة بين الموضة والفن، وجعلت بذلك "برادا" منارة للابتكار والإبداع.

"ميوتشا برادا"Miuccia Prada
ميوتشا برادا"Miuccia Prada
في عرض "برادا"Prada لخريف وشتاء ٢٠١٥
من عرض "برادا"Prada لربيع وصيف ٢٠٢٥
من عرض "برادا"Prada لربيع وصيف ٢٠٢٥

أما تأثير "توري بورش"، فلا يتوقف عند منصات العروض، بل يظهر بعمق من خلال عمل مؤسسة "توري بورش فاونديشن"، التي أنشئت لتمكين رائدات الأعمال. تهدف المؤسسة إلى الاستثمار في نجاح وصمود الشركات والمشاريع التي تقودها نساء، من خلال فتح أبواب الحصول على رأس المال والتعليم والموارد الرقمية. وهكذا، فإن "بورش" أكثر من رائدة في مجال الموضة؛ إنها بفضل سعيها إلى تمكين النساء شخصية محورية في الحركة العالمية نحو تحقيق المساواة بين الجنسين. وقد أثرت مساهماتها الإبداعية بشكل كبير في مشهد الموضة الفاخرة التي يسهل الوصول إليها، وهو الأمر الذي جعلها مصدر إلهام للمصممين الصاعدين ورواد الأعمال الناشئين على حد سواء. ومنذ إطلاق علامتها التي تحمل اسمها في عام ٢٠٠٤، غيّرت "بورش" مفاهيم الأزياء الفاخرة المتاحة أمام جمهور أوسع، مقدّمة قطعا تتسم بأناقة عملية وغير مرتبطة بزمن. وأصبحت علامتها منبرا لتمكين المرأة، بتصاميمها وقيمها التي تعكس كلّها إيمان "بورش" بقوة صوت المرأة وإمكاناتها.

"توري بورش"Tory Burch
"توري بورش"Tory Burch

من ريادة الممارسات المستدامة، إلى تحدي الأعراف المجتمعية، ومناصرة تمكين المرأة، تركت كل من هؤلاء المصممات المؤثرات بصمة أبدية على مجال الموضة بجانبيه الإبداعي والتجاري. أعمالهن تشجّع الابتكار الجمالي، وتدفع أيضا النقاشات الحاسمة حول الأخلاقيات والاستدامة والمساواة في هذه الصناعة.

إن الاعتراف بالقيادات النسائية في عالم الموضة ودعمها أمر ضروري لضمان شمولية صناعة الأزياء وديناميكيتها وتقدّمها. وهؤلاء الرائدات بالفعل يجسّدن ما يمكن تحقيقه عندما تتّحد الموهبة والرؤية والالتزام بالتغيير الإيجابي، ويلهمن أجيال المستقبل للسعي خلف أحلام كبيرة وتحطيم الحواجز.