"فاشرون كونستانتين" Vacheron Constantin: حكاية بدأت عام 1755
"فاشرون كونستانتين"واحدة من أعرق دور صناعة الساعات، إذ تنتج منذ عام 1755 بعضاً من أفخر الساعات في العالم. قد تزعم بعض العلامات التجارية أنّ تاريخها يعود إلى عهد الملك جورج الثاني، لكن"فاشرون كونستانتين" هي دار الساعات الفاخرة الوحيدة التي يمكنها تأكيد ذلك بكل ثقة. على مدى 260 عاماً، كتبت الدار التي تقع في جنيف تاريخها بتميّز وبراعة، وبنت سمعة ممتازة كونها أقدم صانع ساعات في العالم.
تبدأ الحكاية عندما أسّس صانع الساعات المحترف جان مارك فاشرون عام 1755 مصنعه الخاصّ، متسلحاً بشخصيته الريادية ومؤهلاتهالعالية مقارنةً بغيره من الحرفيّين. ابتكر بالقرب من حي سان جيرفيه نموذج فاشرون الأوّل، وهو ساعة جيب فضّية تحمل على الآلية توقيعه “J: M: Vacheron A GENEVE”. اعتُبرت الساعة حينها سابقة لعصرها، إذ كانت صناعة يدوية متقنة مع ميزان دقيق وعقارب ذهبية. ويشهد على مهارات الدار جسر الميزان المصنوع بعناية على طراز الأرابيسك، ممّا يضيف إلى العمل التقنيّ جمالية مميزة أصبحت رمزاً للدار السويسرية.
ومع انطلاق الثورة الفرنسية، بدأ جان مارك بتوجيه ابنه أبراهام كمتدرّب، آملاًبأن ينتقل إلى مرحلتَي المعرفة والتصنيع. وفي عام 1770، ابتكرا معاً التعقيد الأول أي الميزة الإضافية الأولى التي تتجاوز الإشارة إلى الساعات والدقائق. وبعد مرور 15 سنة، تولّى أبراهام إدارة الشركة بتفانٍ، واستطاع بفضل خبرته الحفاظ على مكانة الدار ورؤية أبيه على الرغم من الثورة واحتلال جنيف. ومن أجل إبقاء الشركة ضمن العائلة، قام أبراهام بدورهبتدريب ابنه جاك بارتيليمي.
وفي عام 1810، بعد الثورة، تولّى جاك بارتيليمي إدارة الشركة وسرعان ما بدأ بتوسيع عمله عن طريق تصدير ساعاته إلى فرنسا وإيطاليا. كما زاد الإنتاج وصنع نماذج غير كلاسيكية وساعات معقّدة للغاية، مثل الساعات الموسيقية التي حظيت بتقدير الموسيقيّين والفنانين الإيطاليين والفرنسيين. وزادت شهرة الدارفي أوروبا وكسبت عملاء أكثر ثراءً، مثل أمير كارينيانوتشارلز ألبرت الذي أصبح ملك سردينيا. وبعد هذا التوسّع، أدرك جاك بارتيليمي أنّه غير قادر على إدارة الشركة بمفرده. فوجد شريكه فرانسوا كونستانتين في عام 1819. فأصبح اسم الشركة "فاشرون كونستانتين".
استمرّ فاشرون بإدارة الشركة من جنيف، بينما سافر كونستانتين حول العالم لعرض ساعات الدار. وسرعان ما لاحظ العالم جمال الساعات ففُتحت لها أسواقٌ جديدة، وصارت أمريكا الشمالية السوق المرجعية الأولى. ويُقال إنّ كونستانتين بعث برسالة إلى فاشرون في 5 يوليو 1819أثناء سفره وكتب فيها: " قم بعمل أفضل إذا أمكن، وهذا ممكنٌ دائماً." وباتت هذه الجملة شعار الدار لأكثر من قرنين من الزمن.
ارتفعت المبيعات ارتفاعاً صاروخياً، وأطلقت "فاشرون كونستانتين" عام 1824ساعة الجيب Jumping-Hours الحديثة تماماً. تميّزت باستخدام الذهب الأحمر وبحركةٍ هائلة، وضمّت نافذة مفتوحة تشير إلى الساعات، وعقرباً واحداً يشير إلى الدقائق، وشكّلت ابتكاراً تمّ تمييزه وتقديره على الفور. وسرعان ما أصبحت هذه الساعة رمز الشركة. لمواصلة الابتكار، أطلقت "فاشرون كونستانتين" ساعة جميلة من الذهب الأصفر مع هيكل محفور بالمينا الأزرقيصوّر خريطة إيطاليا. وبعد ذلك، اعتُبر الأشخاص وراء "فاشرون كونستانتين" فنّانين وليسوا فقط صانعي ساعات محترفين، بفضل اهتمامهم بأدقّ التفاصيل وابتكارهم تصاميم رائعة.
أدّى نجاح الدار الكبير في أمريكا إلى افتتاح مكتبها التمثيلي الأول في نيويورك.ومع استمرار توسع الدار ونموها وإرادة المالكين الحفاظ على النوعية بدلاً من السعي إلى الكمية، تم توظيف المخترع جورج -أوغست ليسكوفي عام 1833 للإشراف على الإنتاج، وقد أثّرت اختراعاته في ما بعد تأثيراً كبيراً على قطاع صناعة الساعات بأكمله. كان ليسكو القوة الدافعة وراء توحيد العيارات للتعرّف على الحركة. كما ابتكرتقنية استخدام البنتوغراف، مما سمح بنقش أجزاء الساعة والميناء ذات الحجم الصغير. وبفضل هذه التقنية بالتحديد، استطاعت الدار التغلّب على المنافسة وحصلت في عام 1844 على الميدالية الذهبية في جائزةRive Prize من جمعية الفنون عن "الاكتشاف الأكثر فائدة لقطاع صناعة الساعات في جنيف".
توفّي كونستانتين عام 1854 ثمّ فاشرون عام 1863. وبعد وفاتهما، انتقلت الدار إلى مجموعة من الورثة. وفي عام 1857، كانت الدار لا تزال تتوسّع وتنتشر وكان عليها بناء مقرّات رئيسية جديدة. فاستعانت بالمهندس جاك-إيليزيه غوس الذي سبق أنصمّم بيت الأوبرا الكبير في جنيف. وسرعان ما بات البناء الجديد المكان الأكثر حداثةً قي سويسرا، وهو يضم اليوم بوتيك الدار ومتحفاً يعرض أبرز القطع التاريخية والأيقونية. وشكّلت 1884 سنة محورية للدار، إذ شهدت على ولادة ساعة الجيب الأولى المزدوجة الوجه والتي تميّزت بتقويم دائم مطليّ بالنحاس وبميزان ثنائيّ المعدن. وفي عام 1901، عند إنشاء"علامة الجودة السويسرية"، أصبحت دار "فاشرون كونستانتين" صانعة الساعات الأولى التي تحمل الملصق، والذي ما زال يُستخدم حتى اليوم كرمز للامتياز السويسري في صناعة الساعات.
وفي عام 1921، بدأت الدار تنتج ساعات يد حصرياً للسوق الأمريكية. وأصبحت ساعات الجيب تصاميم أكثر فنّية، بينما صمّمت ساعات اليد لتكون عملية وجميلة في الوقت نفسه. وفي عام 1952، أطلقت الدار ساعة يد أكثر حداثة، وساعة جيبمزخرفةذات ميناء بمنمنمات مرسومة يدوياً. وفي منتصف خمسينيات القرن الماضي، أطلقت "فاشرون كونستانتين" حركة فائقة الرقّة لساعات اليد، فباتت عنواناً للترف بامتياز بفضل ساعاتها الأنيقة. وفي عام 1957، ابتكرت الدار الساعة الأنيقة الكلاسيكية التي أصبحت رمزاً للدار. حتى ذلك الحين، اختبرت المجموعات الكلاسيكية مثل ساعات "باتريموني" تغيّرات مينيمالية، فظهرت معظم النماذج الحالية منذ عام 1957. ومن الضروري ذكر الساعات ذات الوظائف المعقّدة، والتي تتميز أيضاً بجاذبية فنية كبيرة، فضلاً عن الساعات المميّزة المصنوعة خصيصاً للمسافرين.
وعلى عكس الشركات الأخرى المصنّعة للساعات، لم يتغيّر تصميم ساعات "فاشرون كونستانتين" كثيراً. فلطالما ابتكرت الدار موديلات جديدة وتقنياتحديثة مندون أن تنسى تكريم التصاميم الكلاسيكية التي ساهمت في نجاح الدار. وفي عام 1996،استحوذت مجموعة "ريشمون" السويسرية على الدار، واستمرّت في إطلاق بعض الساعات الأيقونية، مثلTour de l’Ile، الساعة الأكثر تعقيداً في العالم والتي أًطلقت عام 2005 احتفالاً بمرور 250 عاماً على تأسيس الدار: وتتميز بـ16 تعقيداً و834 جزءاً، مصنوعة كلها يدوياً.
ومع ذلك، تفوّقت الشركة السويسرية على نفسها العام الماضي، لمناسبة مرور 260 عاماً على تأسيسها، بعد أن ابتكرت الساعة الميكانيكية الأكثر تعقيداً في العالم، وهي Reference 57260. عمل على تصنيعها ثلاثة خبراء رئيسيّون في صناعة الساعات واستغرقت ثماني سنواتمن التفاني المستمر. وتضمّ هذه الجوهرة في عالم صناعة الساعات الفاخرة، والتي وُلدت من رغبة جامع ساعات مشهور وبتكلفة منه، ومن إرادة الدار بتخطّي كل الابتكارات المعروفة، العدد الأكبر من التعقيدات في العالم: عددها 57 (منها ما هو جديد) وتحمل ختم جنيف للجودة.