"بنجامين كومار"... صلة الوصل الطبيعية بين "بياجيه وعالم الفن تكمن في القدرة على تحريك المشاعر
حوار: MAI BADR
هذه السنة، تحتفل دار الساعات والمجوهرات السويسرية العريقة "بياجيه" PIAGET بمرور ١٥٠ عاما على تأسيسها، وعلى بداية قصتها عام ١٨٧٤ حين افتتح "جورج إدوار بياجيه" مشغلا لتصنيع الآليات الساعاتية في بلدة جبلية صغيرة. حين نفكر اليوم في هوية هذه الدار، وتصاميمها الأيقونية، والصورة التي كوّنها عنها عشاق الساعات والمجوهرات عبر العقود، لن نتخيّل أن كل هذا الإبداع، الذي أثمر تحفا اجتازت قيود صناعتها مرة بعد أخرى، أتى من دار لم تكن تصمم في البداية بل فقط تصنّع، قبل أن تتحوّل إلى علامة فاخرة تقدّم ساعاتها الخاصة. لكن الرؤى الإبداعية الأكثر جرأة تتحقق فقط بعد إتقان تام لتقنيات التنفيذ، ومنذ بداية هذا التحول، سخرت الدار خبرتها الحرفية للإبداع الحرّ، وأتاح لها إتقانها للتقنيات التقليدية المتوارثة عبر الأجيال فرصة التعبير عن رؤية فنية جريئة ما زالت تتجلّى في تصاميمها حتى يومنا هذا.
خلال هذه الرحلة الآسرة، كان رفيقها الذهب، وما زال. يحتل هذا المعدن النفيس مكانة مركزية في رؤية هذه الدار التي تملك في جنيف مسبكها الخاص، حيث يذوب الذهب قبل أن ينتقل إلى أيدي حرفيي "بياجيه" الذين ينحتونه وينقشونه ويحوّلونه بعدد هائل من الأشكال والنقوش والزخرفات والتشطيبات. وفي هذه السنة الاحتفالية المهمة بالنسبة إلى الدار، يلمع الذهب في كل أرجاء عالمها، فشاركت في "آرت دبي" 2024 مع معرض بعنوان "دار الذهب"HOUSE OF GOLD كرّسته لمهارات العمل مع الذهب، وكشفت فيه عن تعاونها مع الفنانتين العربيتين "رزان العزوني" و"شمسة العبار". وفي الذكرى الـ150 لتأسيسها، تعيد الدار أيضا إطلاق إحدى ساعاتها الأيقونية المصنوعة تماما من الذهب: "بولو 79" POLO 79. ساعة أنيقة ورياضية في الوقت نفسه، يتدفق فيها الذهب بأسلوب متواصل ومنساب من الهيكل إلى الســوار، في تصـمـيـــم يجــمـــــع بســـاطـــــة الـشــكل وفـخـــــامــــة الذهب.
خلال زيارتي معرض "دار الذهب" ضمن "آرت دبي"، التقيت "بنجامين كومار"BENJAMIN COMAR الرئيس التنفيذي لدار "بياجيه"، وصاحب خبرة ثلاثين عاما في مجال السلع الفاخرة والمجوهرات والساعات. معا، ناقشنا خطة الدار للمدى البعيد، وجوهرها وقيمها اليوم بعد 150 سنة، ومشاركتها في "آرت دبي"، وعلاقتها بعالم الفن، وساعة "بولو 79" التي تثبت مدى تأثير حقبة السبعينيات في الأذواق المعاصرة.
فيـما تبدأ دار "بياجيــــه" احتــفــالاتـــهــا بــمـــــرور 150 سنــة على تأســــيسها، كيف تلخّص روح هذه العلامة وجوهر فرادتها؟
"بياجيه" فريدة، لأنها بطلة هذه القصة التي بدأت قبل 150 عاما مع معمل في بلدة سويسرية صغيرة كان يصنع آليات لساعات شركات أخرى. في قطاع تنافسي جدا مثل صناعة الساعات السويسرية، كان التمسّك بالجودة العالية والحرفية البارعة دائما أساسيا، وهو ما يشجّع التميز والتحسن والتفوق على الذات. تبلورت القصة حين بدأت الدار تطوير ساعاتها الخاصة بعد أن استقرّت في مدينة جنيف، فاختارت حينها الابتكار والإبداع بدلا من الاكتفاء بالكلاسيكيات، وقررت استخدام تقنياتها ومعرفتها في سبيل تقديم شيء مختلف جدا، شيء لم يُرَ من قبل. ومن هنا، ولدت منتجات مثل الساعة الموجودة في عقد، والميناء المصنوع من حجر كريم، وكل التصاميم الأخرى التي تصوّرتها الدار بشكل خارج عن المألوف. إذا، هكذا هي ثقافة "بياجيه": ثقافة مبنية على الحرفية المتفوقة، ولكن أيضا على تكريس هذه الحرفية للإبداع الجريء.
ما القيم الجوهرية المغروسة في هوية الدار؟ وهلا أخبرتنا قليلا عن مصطلح EXTRAELEGANZA الذي ابتكرتَه وجمعتَ به بين الفخامة والأناقة؟
لا شك في أن الأناقة والفخامة هما من أهم قيم علامة "بياجيه"، ولكن من بينها أيضا التآزر والفرح. بالنسبة إلى ما أطلقتُ عليه اسم EXTRAELEGANZA، فهو مفهوم أردنا به أن نعكس كلمة EXTRAVAGANCE، لأننا نقدّم شيئا مختلفا ومترفا ومدهشا، وفي الوقت نفسه كلمة ELEGANCE، لأننا نريد تقديم ذلك مع أفضل المواد والمهارات. فإن الروعة من أجل الروعة فقط لا معنى لها، وصحيح أن تصاميمنا لافتة للنظر، ولكنها دائما أنيقة وسهلة الاعتماد. أما الفرح والتآزر، فهما قيمتان موجودتان في تاريخ الدار منذ ولادة "مجتمع بياجيه" وتعاون الدار مع فنانين مثل "سلفادور دالي" حتى قبل أن تكون فكرة التعاون رائجة في صفوف دور المجوهرات والساعات. واليوم، ما زالت الدار مرتبطة ارتباطا حقيقيا بالمجتمع والناس والفنون، على غرار ما نراه في "آرت دبي".
ما أبرز إنجازات "بياجيه" التي تفتخر بها؟
الإنجاز الذي أفتخر به في المقام الأول هو أن ننجح في جعل الناس يفهمون حمض "بياجيه" النووي. حين نتحدث عن الذكرى الـ150، لا نريد النظر إلى الخلف، بل إلى الأمام، في ظل التوافق مع جذور العلامة. يجتمع الماضي بالحاضر والمستقبل في لقاء متلألئ نريد للناس أن يروا روعته ويفهموا كل ما يقف خلفه من إبداع متواصل، وتعاونات فنية، وحرفية استثنائية.
بعد أربع سنوات، تعود "بياجيه" إلى معرض "آرت دبي". أين تكمن أهمية هذه المشاركة وأهمية الفن عموما بالنسبة إلى الدار؟
هي حكاية إبداع، وعاطفة، وإحساس. علاقة "بياجيه" بعالم الفن بدأت قبل عقود عديدة، حين تعاونت الدار مع الفنان "سلفادور دالي" لإدخال النقود المعدنية الأيقونية التي ابتدعها إلى ساعات، وأعتقد أن ما دفع تلك المبادرة كان الرغبة في الاختلاف والتميز عن الآخرين ومفاجأة الناس. وأرى أن صلة الوصل الطبيعية بين "بياجيه" وعالم الفن تكمن في القدرة على تحريك المشاعر، فلا نريد للساعة أو قطعة المجوهرات أن تكون مجرد إكسسوار أو وسيلة لتتبع الوقت، بل أيضا مصدرا للقوة والعاطفة، شأنها شأن كل الأعمال الفنية.
هذه ليست المرة الأولى التي تتعاون فيها "بياجيه" مع فنانين محليين. لماذا تعاونت الدار هذا العام مع الفنانتين العربيتين "رزان العزوني" و"شمسة العبار"؟
التعاون الفنّي جزء من حمضنا النووي، ويهم الدار كثيرا أن تواصل هذا الحوار الإبداعي، وتحافظ على علاقتها الوطيدة بعالم الفن. تجمعنا قيم مشتركة مثل صون الحرفية والاحتفاء بها، وتدفعنا إلى إطلاق هذه المبادرات التعاونية؛ ونفتخر بفرصة العمل مع هاتين الفنانتين الموهوبتين.
إن التعاون مع الفنانة "شمسة العبار" من أجل تصميم ميناء خاص بساعة "لايملايت غالا" يعكس مزيجا من التقليد والتصميم المعاصر. كيف ولد هذا المشروع؟ وما الذي طلبته منها الدار في بدايته؟
لم نشاركها أي تعليمات أو توجيهات، بل بدأ كل شيء بصدق عفوي حول فنجان قهوة. تحدّثنا عن القيم التي نتشاركها، وقد شعرنا بفرح وفخر كبيرين حين اكتشفنا أن "شمسة" تكنّ حبا كبيرا للدار التي تعرفها منذ سن صغيرة وتجدها بغاية الجمال. كل شيء جرى بشكل طبيعي، وكل ما طلبناه منها هو تصميم ميناء لإحدى ساعات " لايملايت غالا"، التي تحتفل بمرور خمسين عاما على إطلاقها. النتيجة ساعة رائعة نعرضها هنا في "آرت دبي" للمرة الأولى، وستكون متوفرة بكمية محدودة من 20 قطعة فقط.
تــتـــعـــاونــون للسنــة الثانية على التوالي مع المصــمـــمــــة السعـــوديــــة "رزان العزوني". ماذا عن ثـــمــــرة هـــذا الـتــعــــــاون التي كشفتم النقاب عنها في "آرت دبي"؟
التعاون معها بدأ قبل بضعة أشهر، ونكشف هذا العمل الفنّي مع مفاجأة خاصة بشهر رمضان. من أهم ما تتخصص فيه "رزان" هو التطريز، وتقدم الكثير من التطريز مع خيوط الذهب. وجدت في دار "بياجيه" إلهاما كبيرا، وقررت تكريم الطريقة التي يعمل فيها حرفيونا مع معدن الذهب وينقشونه ويحوّلونه، فنسجت عملا فنيا رائعا يصوّر يد الحرفيّ ويحتفي بالحركة، ويصوّر أشعة الشمس المشرقة لدى قلبه.
تقدّمون معرض "دار الذهب" HOUSE OF GOLD ضمن "آرت دبي". فلنتحدث عن الذهب المتجذر في هوية "بياجيه" وعن خبرة "بياجيه" المميزة في التعامل معه وصياغته.
اخــتــــرنا عنــــوان "دار الذهـــب"، لأننــــــا نستخدم الذهب منذ وقت بعيـــد، وجعـلــنـــا القـــــدرة على تحويله إلى أعمال فنية أحد مكونات سحر "بياجيه".
طوّرنا زخرفات أيقونية كثيرة ننمق فيها الذهب، مثل "ديكور بالاس"، أو تأثير المخرمات القماشية على سوار ساعة "لايملايت غالا". لدينا عشرات الزخرفات النمطية التي يبرع فيها حرفيو الدار وفنانوها، وانتقلت من جيل إلى جيل كجزء من ثقافة الدار. ثقافة الذهب قوية جدا في عالم "بياجيه"، وقد ارتكزت دوما على تمييز ذهبنا عن أي ذهب آخر وجعله تحفة فنية.
بالنظر إلى شراكات "بياجيه" ومبادراتها الكثيرة في منطقة الشرق الأوسط، نتذكّر شراكتكم مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا في المملكة العربية السعودية. هل يمكنك أن تضيء على ذلك المشروع، وعلى علاقة "بياجيه" بالشرق الأوسط؟
لدار "بياجيه" والشرق الأوسط قصة طويلة، يمكنني القول إن بطلها هو الذهب وبراعة صياغته. "إيف بياجيه" زار المنطقة عدة مرّات، واحتلت الدار دائما مكانة قوية نعتز بها في السوق الإقليمية، التي يملك مستهلكوها معرفة كبيرة بالمجوهرات، ويسهمون بشكل كبير في تحديد اتجاهات المجوهرات والساعات العالمية. أذكر على سبيل المثال صيحة "تكديس" المجوهرات التي كانت موجودة في الشرق الأوسط قبل رواجها في الولايات المتحدة وأوروبا بكثير.
وبالنسبة إلى التعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا الذي شمل التعاون مع مدارس أيضا، فكان مهمّا جدا لدار "بياجيه"، لأنه سلّط الضوء على وجهة ثقافية بالغة الروعة.
بالانتقال إلى ساعة "بولو 79" POLO 79، ما الذي ألهم قرار إعادة إطلاق هذه الساعة الأيقونية؟ وكيف تعكس إرث "بياجيه" القائم على الحرفية والابتكار؟
أعتقد أن "بولو 79" هي إحدى الساعات الأيقونية من فترة السبعينيات، التي ولدت فيها أهم الساعات الموجودة حتى اليوم في السوق. بالنسبة إلي، تجسّد هذه الساعة الأنيقة والرياضية في آن معا جوهر ما يمثّله إبداع "بياجيه": تصميم يمكنه أن يرافقك يوميا، ولكن أيضا في المناسبات المسائية، تصميم رياضي وأنيق، تصميم احتضن مادة الذهب حين كانت كل ساعات السوق فولاذية. إنه التناقض المنسجم الذي تجيده "بياجيه".
لهذا السبب، قررنا إطلاق هذه الساعة من جديد، ولكن بطريقة معاصرة مع حركة أوتوماتيكية وتصميم محدّث. هي ساعة وقطعة مجوهرات في الوقت نفسه، تتدفق خطوطها بانسياب وتكامل تام ودون أي انقطاع بين الميناء والسوار. وتتجلى البراعة الحرفية القوية الكامنة خلفها في المكونات الكثيرة التي تتألف منها أجزاؤها (25 عنصرا منفصلا للهيكل فقط)، وهو ما يجعل صنعها معقّدا جدا على الرغم من أنها تبدو للعين بسيطة. أكثر ما أحبه في هذه الساعة هو تصميمها الفريد والحرفية العالية التي تحتاجها.
ســــاعـــــة "هيـــــدن تـــريــجــــــــرز" HIDDEN TREASURES المسـتـــوحــــاة مــن الساعات المــطــوقـــة للمعصم العائدة إلى الستينيات والسبعينيات فازت في العام الماضي بجائزة الساعات النسائية ضمن "جائزة جنيف الكبرى للساعات". وتعــيــــدون إطلاق ساعة "بولو 79" هذه السنة. فهل نشهد عودة السبعينيات؟ وهل هي عودة يحفزها الطلب والاهتمام المتزايدان من التجّار وهواة الجمع؟
كانت الستيـــنـــيـــات والسبــعــيــنــيـــات فتــــرة مــهـــمـــــة جـــدا لـــــدار "بياجيه"، ولعالم الساعات والمجوهرات عموما، لأنها كانت فترة ولادة عدد كبير من المجموعات والتصاميم التي صارت أيقونية. كانت حقبة إبداع كبير، وأثّرت بشكل هائل فيما حدث لاحقا وما زال يحدث اليوم.
لا نريد أن نتمسّك بحنين إلى السبعينيات، لكننا نحب تلك الفترة ونحب الحرّية التي منحتها. وأعتقد أن من يعرف الكثير عن المجوهرات والساعات يهتم اليوم باكتشاف المزيد عن جذور الإبداع الذي يراه في هذا العصر. ونحن في "بياجيه" محظوظون بوجود إرث رائع نعيد إحياءه ليس كما كان تماما، بل بتصاميم جديدة معاصرة. ولا شك في أن هناك طلبا على هذه الساعات في الوقت الحاضر، ولكن ما يهم "بياجيه" هو التحدث عن أهم ابتكارات إرثها، وأن السبعينيات جزء أساسي من تاريخها.
في المستقبل، ما الذي يمكننا توقعه من "بياجيه" فيما يتعلق بالابتكار، والتوسع، والانخراط المستمر مع المشهدين الثقافي والفني؟
لا يمكنني كشف كل شيء، لكن هذه السنة الـ150 من حكاية الدار ستكون سنة احتفالية بامتياز، مع مشاريع لن تكون مؤقتة أو لمرة واحدة فقط، بل ستبدأ ما ستصبح عليه "بياجيه" في السنين الآتية. نوحّد أسلوب "بياجيه" حتى يعكس حمضها النووي الحقيقي، وسنواصل ونسرّع تقديم المنتجات والمشاريع التعاونية والبوتيكات، فنوسع مثلا شبكاتنا في الشرق الأوسط ومناطق أخرى. إذا، لن يكون الاحتفال مجرد احتفال، بل إطلاق رحلة وجهتها تنفيذ رؤيتنا لما يجب أن تكون "بياجيه" عليه وللصورة التي نريد للناس أن يكوّنوها عن الدار. ولتحقيق هذا الهدف، لدينا خطّة قوية سترون ثمارها قريبا.