المصمم السعودي محمد آشي لـ"هي": المرأة التي تلهمني ليست من هذه الحقبة

حوار:

MASHAEL AL DAKHEEL

في نهاية صيف 2023، وتحديدا شهر أغسطس، تأكد موعد حواري مع المصمم السعودي العالمي محمد آشي بعد شهر من عرضه الأول، بصفته أول مصمم خليجي ينضم إلى تقويم عروض الهوت كوتور في باريس. أذكر جيدا أول مرة استوقفتني أزياء المصمم في مطلع الألفية، والذهول الذي أصابني وأنا أتأمل هندسة القطع بحرفية لا تصفها أي كلمات.. أعترف بأنني كنت حيادية جدا في حكمي على الأزياء لكون المصمم سعوديا، وبالنسبة لي شعرت بأنه يخاطبني بثقافتي ولغتي. مرت سنوات ومازال الشغف نفسه مع زيادة التألق والإبداع.

في الخامس من يونيو 2023 دخل محمد آشي تاريخ الأزياء من أوسع أبوابه، لكونه أول مصمم سعودي وخليجي ينال لقب "أول مصمم خليجي يعرض في أسبوع الكوتور للموضة". في حديثي الأول مع المصمم فور صدور الخبر، قال: "التراث السعودي في دمي وعرض الهوت كوتور القادم في باريس سيكون أحد أكبر العروض".

صدور الإعلان كان حديث وسط الموضة في العالم، وأحدث ضجة كبيرة جدا، والجميع كان متحمسا لحضور عرض المجموعة في السادس من يوليو 2023. شكل هذا الحدث لحظة تاريخية، وسجل اسم السعودية والخليج في تاريخ الموضة العالمية. لحظات بعد العرض المرتقب، تجاذبت أطراف الحديث مع مجموعة من الأصدقاء في هذا المجال من محررين ونقاد ومحبي الموضة ودار الحديث حول هذه المجموعة والمعاني التي أضافتها إلى ثقل ومكانة الموضة السعودية في العالم، وإن كانت حققت كل التوقعات.

استقبل المصمم محمد آشي مكالمتي لإجراء حوار خاص مع "هي" أثناء إجازته الصيفية، وهذا ما يؤكد بأن المبدع لا يفترق ولا ينفصل أبدا عن عمله.حاولت أن أختصر الحديث كي لا آخذ الكثير من وقته، إلا أنني اكتشفت الكثير من جوانب شخصيته التي أثارت فضولي حول فلسفته الإبداعية ومستوى البراعة التي يمتلكها لصناعة دار أزياء عالمية راقية تنافس عراقة وتاريخ دور الأزياء العالمية. بدأنا الحوار باستذكار لحظات من الماضي، بداية كل الحكايات، فارتباط المصمم بطفولته يفسر أشياء كثيرة، وعناصر الإلهام، والقوة وظهورها في التصميم. عُرفت عائلة آشي في السعودية بتجارات عدة إحداها تجارة الأقمشة والأزياء، وكان علي أن أسأله عن مدى تأثير تجارة عائلته في عالم الأقمشة في حرفته وصنعته كمصمم أزياء، وهل كانت سببا في دخوله إلى عالم الأناقة؟ أجابني قائلا: "تكرر طرح هذا السؤال علي مرات عدة، ولكن الحقيقة أنني أدركت وتعرفت إلى هذه التجارة وأنا في الـ21 من عمري بعد أن دخلت عالم الأزياء! لم أعرف عنها، وهي واحدة من التجارات التي تمتلكها عائلتي، وليست الأساسية".

انتقلنا إلى الحديث عن رحلة دخوله إلى عالم الأزياء، ليعود بنا إلى زمن آخر: "غادرت جدة عندما كان عمري 16 عاما للدراسة في الخارج وكان ذلك في آخر الثمانينيات وبداية التسعينيات. وبدأت القصة من هناك، إذ تخصصت في مجال التسويق والفنون الجميلة مع تخصص مزدوج في الموضة، ولكن لم يكن لدي الخيار في الاستمرارية، لأنني لم أكن متمكنا بالرسم لذلك انتقلت إلى الموضة". ويكمل: "دخلت عالم الأزياء عبر الفنون، ولم يكن بالأمر السهل، لم أجد أو أحظَ بالقبول آنذاك. فأن تكون سعوديا اليوم هو عكس ما كان عليه الحال من قبل. فقد واجهت الكثير من التحديات في نيويورك، ومن ثم انتقلت إلى باريس، وبعدها استقر بي المقام في بيروت، آنذاك انطلقت العلامة".

كل المحطات في حياة آشي شكلت بطريقة أو بأخرى الكيان الأيقوني الذي صنعه المصمم. وقد حدثنا عن بداياته في نيويورك فقال: "في التاسعة عشرة من عمري، كنت أفهم الموضة عندما يراها الآخرون في نيويورك على مستوى مختلف، أيقظني المجتمع بلا حدود، بالنسبة لي كنت سأختبر تجربة. التحقت بدورة في بارسونز، ثم انسحبت، ثم انتقلت إلى ميلانو كوجهة اعتقدت أنها ستكون الوجهة النهائية".

شاءت الأقدار أن ينتقل محمد آشي إلى مدينة بيروت عاصمة الموضة في العالم العربي في ذلك الحين. حول سبب اختياره لبيروت لبدء علامته بشكل جدي، قال: "لم أكن أعرف المدينة، وقعت في غرامها، كان من السهل جدا إنشاء أي شيء هناك. كانت باريس في ذلك الوقت صعبة للسعوديين والعرب. عشت أجمل وأفضل الأوقات في بيروت، ولدي ارتباط قوي بلبنان".

خطة نقل العلامة إلى باريس كانت مهمة ومصيرية بالنسبة إلى المصمم محمد آشي وعلامته. وهو يتحدث عنها فيقول: "تحمل مدينة باريس أكبر مكان في قلبي. وبعد 10 سنوات من الكفاح والنضال، تقدمت الأمور على مستوى آخر، ويتم التعامل معك بشكل مختلف إن لم يكن لديك سند من مجتمع خاص فيك، أو مسمى واضح في وسط مجتمع الموضة والأزياء".

وهذا ما سعى إليه محمد آشي بعد أن كوّن مجتمعا خاصا به، وهو الحصول على ذلك اللقب والدور الواضح الذي يمهد الطرق للوصول إلى آفاق جديدة في عالم الموضة. كونه أول مصمم خليجي وسعودي ينضم إلى جدول عروض أزياء الكوتور بشكل رسمي، يعتبر أول الخير كما نقول. حماسة المجتمع في متابعة عرض الأزياء المرتقب وصل إلى ذروته. والحديث حول ما نتوقعه من المصمم ازداد مع تواجد مراجعات وتحليلات من محررين وكتاب ونقاد الموضة، لا شك في أن المصمم قدم عرض أزياء استثنائيا يليق بحجم وثقل الحدث. ولكن انقسم النقاد حول آرائهم وشعورهم تجاه هذه المجموعة بين حيرة وتأييد للتوجه الجديد الذي سلكه المصمم في تصميم قطع أزياء قد لا تناسب بطبيعة حالها ذوق العميلة العربية أو السعودية على وجه الخصوص.

يقول آشي عن اللحظات والمشاعر التي مر بها ما بعد عرض الأزياء: "لقد كانت لحظة صعبة بالنسبة لي. كان الناس يسألونني هل فقدت هويتك؟ ماذا يحدث لك؟ كان هذا هو السؤال الأول الذي صفعني! كنت أتحاور مع نوع مختلف من الجمهور، وتعاملت مع هذه المجموعة بشكلٍ سياسي. أردت عرض جانب آخر من ابتكاراتي، ولعبت أوراقي جيدا مع باريس. أما متابعيّ في الشرق الأوسط، فلم يفهموا هذه المجموعة.

استهدفت نقل علامة آشي إلى تجارب ومواقف مختلفة. مقارنة بالمرة الأولى التي عرضت فيها في باريس!".

بالحديث عن بصمة ASHI الساطعة، أكد آشي أنها كانت حاضرة في المجموعة وقد تباينت في بعض القطع التي أعاد صياغتها لتتناسب مع طبيعة عرض الأزياء مثل الفساتين ذات الهيكلة القوية والبارزة، قائلا: "بصمة العلامة موجودة، ولكن يجب أن تتطور، لم يكن هدفي لهذه المجموعة هو البيع. وأعلم أنها ليست خطوة تجارية ذكية وحكيمة، وأخذت ذلك على عاتقي، هو قرار كان يجب أن يحدث".

خضنا في غمار الحديث عن مفهوم الكوتور في المنطقة: "في الشرق الأوسط، الأزياء الراقية مرتبطة كثيرا بتصاميم فساتين السهرة، وهذه هي العقلية فيما يتعلق بعالم الكوتور، وإذا كانت فنية، فلن يرتدوها". وأضاف: "أنا هنا اليوم لأتحاور عالميا، واليوم هناك نوع معين من الحوار إذا كنت تستخدم ذلك، فسيتم نقلك على هذا النحو مع المصممين الكبار في هذا المجال. يبدو الأمر تقريبا مثل مختص يفك شيفرة سرية. الأمر هذا أبعد بكثير مما يمكن للعقل المألوف فهمه، إنها التكتيكات وأن تلعب اللعبة بشكل صحيح. على الجميع التحدث بلغة عالمية من أجل تحقيق هذه العولمة".

وكان واثقا في رأيه حول نقل هذه العلامة إلى مستوى أعلى مما يتصوره العقل، إذ بالنسبة للكثيرين اعتلت علامته، وتربعت على عروض الأزياء في عالم الكوتور. ونبرة العزم والإصرار في حديثه عن التخاطب بلهجة العالم كانت صريحة وواضحة. يقول: "يجب أن أخاطب الأشخاص الآخرين بلغتهم. أنا مؤمن بأنني أوجدت جماعة تكنُّ لي ولاء كبيرا في هذا الوسط، عندما يتبعك مجتمع الموضة، فأنت لست في خطر، وذلك يساعدني على اتخاذ قرارات جريئة في المستقبل".

استوحى آشي في مجموعته الأخيرة إلهامه من رواية "باتريك سوسكيند" "العطر"، والتي تدور أحداثها حول يتيم من القرن الثامن عشر يتمتع بحاسة شم غير عادية، وسرعان ما تغلب عليه هوس قوته. المجموعة كانت بعنوان الجوهر. قال آشي، الذي عرض في مسرح "شاتليه": "أنا أستوحي من الثقافة والتاريخ. عادة ما يبدأ التمكين من كتاب ورواية، ما فعلته مع هذه المجموعة يبدأ في مكان ما، وينعكس في عملي".

عناصر الإلهام تختبئ في طيات وهندسة تصاميم آشي، وكان لا بد أن أستكشفها. وعن النساء اللواتي كان لهن تأثير في حياته قال: "والدتي وأخواتي الأربع، يحمل منزلنا طاقة قوية، تميل نحو قوة وتمكين المرأة. تمتلك أمي مظهرا فريدا وكاريزما مميزة".

وتحدثنا عن أكثر النساء الملهمات لعلامته في حياته: "المرأة التي تلهمني ليست من هذه الحقبة، ألهمتني الأيقونة "لولو دي لا فيليس" التي كان المصمم "سان لوران" مفتونا بها، والأيقونة شخصية المجتمع "واليس سيمبسون"، التي تخلى الملك "إدوارد" عن عرشه من أجلها".

كما تطرقنا الى حبه للحدائق والورود، ولعلنا تعمقنا في الحديث عن فلسفة ما قبل الحياة. اكتشفت أن الكثير من قصاته استلهمها من أشكال الزهور، مثل زهرة السوسن، وعنها يقول: "أحب الزراعة وأحب الحدائق، هواية اكتشفتها في السنوات العشر الماضية، وأنا في الطبيعة سأذهب إلى حديقة معك. أحب زهرة السوسن، وزنبق الوادي، ومدى حساسية هذه الزهرة القزحية الجميلة والساحرة، ووردة توبا التي تتميز برائحتها الجميلة. أنا دائما محاط بالزهور، والمقربون إلي لا يهدونني أي شيء سوى الزهور".

"كونك سعوديا اليوم هو امتياز في عالم الموضة، إذا قلت إنك فنان سعودي، فسيتعين علي أن أنظر إليك مرتين"، هكذا علق المصمم عن وجود السعودية القوي اليوم في عالم الأزياء وعن دعمه للمجتمع. ولكونه مصدر إلهام للكثير من المواهب السعودية وفي المنطقة، قال: "كانت لدي متدربة سعودية، وكانت الموهبة الأولى التي أعيّنها من بلدي، لقد كانت رائعة".

وحول كيفية إنشاء إرث، يقول محمد آشي: "اكتشف من أنت، وهي أطول رحلة يمكنك خوضها في أعماق نفسك لفهم من أنت. إذا تابعت مسارا ليس لك، فلن تصنع إرثا أبدا".