رؤية نقدية ـ فيلم "بحبك".. دروس المؤلف والمخرج تامر حسني عن الكوميديا الرومانسية الحديثة!

لا أجد أى مشكلة في أن يقدم الفنان رؤيته الفنية من خلال أكثر من وسيط، و"تامر حسني" مطرب محبوب لديه عدد من الأفلام الرومانسية والكوميدية الناجحة في شباك التذاكر، وبالإضافة إلى التمثيل والغناء، قام بكتابة أفكار بعض أفلامه؛ مثل (عمر وسلمى) الذي بدأت أحداثه بقصة الحب الرومانسية، وتلت ذلك أفلام عن حكايات العلاقة الزوجية ومشاكلها، ثم قدم قصة وسيناريو وحوار فيلمه السابق (مش أنا) وكان اقتباس بتصرف عن فيلم هندي بعنوان Sankashta Kara Ganapathi، وبدافع رفع سقف المغامرة تولى كتابة وإخراج فيلمه الأخير (بحبك)، وكان هذا مؤشر أن "تامر حسني" في حالة حماس فني، ويرغب في التعبير عن رؤية سينمائية خاصة لا يستطيع كاتب أو مخرج أخر التعبير عنها مثله، وفيما يلي بعض دروس "تامر حسني" عن الكوميديا الرومانسية الحديثة.

مشاعر مُفرطة: إضحك بصوت عالي وإبك بدموع غزيرة!

ما يقدمه "تامر حسني" في فيلمه مُتطرف جداُ، والتطرف هنا بالمعنى الدرامي؛ فعلى مستوى الكوميديا لديه لزمة متكررة يظنها خفة ظل، وهو يكررها دون أدنى تأنيب ضمير في أفلامه كلها تقريباً، وخص فيلم "بحبك" بقدر كبير منها؛ وتعتمد تلك اللزمة على انتقال الشخصية من حالة الجد والهدوء والمنطق في مشهد ما إلى الرقص المرتجل المُبتذل فجأة وبدون مبرر، والانتقال من حال إلى نقيضه من وسائل صناعة موقف كوميدي، ولكن استسهال كتابة المواقف من هذا النوع بدون الاهتمام بصناعتها والتمهيد لها وضبط إيقاعها يجعلها إفيه طفولي ساذج يلائم مهرج سيرك يُبالغ في أداءه لإضحاك جمهور من الأطفال، ومع تكرار نفس الأسلوب في الفيلم تحول الأمر إلى إفيه ضعيف لا يضحك، وقد اعتمد تقريباً في النصف الأول من زمن الفيلم على مثل هذا النوع من الإفيهات، وبخاصة في مشاهده مع "هنا الزاهد" و"حمدي الميرغني".

الرومانسية كانت ضحية هذا النوع من الكوميديا المتطرفة؛ لأن مشاعر شخصيات الفيلم محدودة وسطحبة للغاية؛ وهى إما ضحك جنوني صاخب مُبالغ فيه، أو بكاء مرير مفرط لدرجة ابتزاز المُشاهد، وكوميديا الفيلم جعلت المواقف الرومانسية والإنسانية خفيفة وتطير في هواء المزاح المبتذل، وميلودرامية النصف الثاني من الفيلم كانت ثقيلة على الدراما الخفيفة وجرتها إلى أعماق الولولة المزعجة، ويبدو أن تلك فكرة الكاتب والمخرج "تامر حسني" عن التأثير على مشاعر الجمهور.

رومانسية مُبتكرة: التنمر هو الطريق إلى قلب المرأة!

حكاية الفيلم تدور حول قصة حب بين "على-تامر حسني" و"حبيبة- هنا زاهد"، والفيلم يبدأ بمواقف تعتمد على التهريج ولا تؤسس للشخصيات وتاريخها، ولكن النتيجة في النهاية أن البطل الشاب أحب الفتاة الجميلة بعد عدد من المواقف المُلفقة التي تفتقد الترابط الدرامي، وهكذا بدون أى استراتيجية درامية تبرر تبادل الحب والإتفاق على الزواج، بعد مشاهد تفنن فيها البطل في إهانة الفتاة المعجب بها، واستسلامها لمرحه السادي واستمتاعها الغريب بتنمره المتواصل بها، وقعت هى في غرامه، ولا يمكن مثلاً تذكر مشهد رومانسي أصيل بينهما، أو أى موقف له خصوصية تجعل من قصة حب "على وحبيبة" أمر يستحق التعاطف والإعجاب.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Tamer Hosny (@tamerhosny)

انتهى النصف الأول من الفيلم وانتهت كل حيل وايفيهات المؤلف لتقديم خلطة الكوميديا الرومانسية كما يفهمها، وبدأ استدعاء الجانب الأخر وهو البكائيات، ولم يكن الخيط الدرامي الحزين مجرد أزمة في حياة الحبيبين؛ بل حبكة مأساوية بعد أن ظهرت فجأة وبدون أى مقدمات "ياسمين-هدى المفتى" حبيبة البطل السابقة، ولم تعرف أنه على وشك الزواج بفتاة أخرى، وأصبح البطل بعدها محاصراُ بين فتاتين، ولا يستطيع إخبار أى منهما بحكايته مع الأخرى، ولم تكن "ياسمين" شبح حبيبة سابقة مثلاً، وكان الأمر ساعتها سيختلف على مستوى الحفاظ على حالة الكوميديا الرومانسية بخيط درامي عن الغيرة والمقارنات بين البطلتين، ولكن الحل الذي إختاره كاتب الفيلم عبر عن خيال درامي فقير؛ فقد عادت الحبيبة بعد عامين من الإختفاء المفاجىء بمبررات ضعيفة ويصعب تصديقها، وكان علينا أن نبكي على هذا العبث الدرامي كما ضحكنا على عبث النصف الأول من الفيلم.

توجيه الممثلين: دعهم يواجهون مصيرهم والسيناريو!

تفوقت "هنا الزاهد" في الضحك الصاخب والبكاء المرير والانفعالات المُبالغ فيها، ولكنها قد تكون الأكثر إجتهاداً وتماسكاً كأداء تمثيلي من باقي أبطال الفيلم، ولكن لم يتح السيناريو أى مساحة لصُنع شخصيات حقيقية تتفاعل بشكل إنساني يسمح بتفاعل المشاهد وتعاطفه معها، وينطبق هذا بشكل خاص على "هدى المفتي" التي كان أدائها باهتاً ويفتقر الإقناع رغم مأساوية خطها الدرامي، وكانت الكيمياء بينها وبين "تامر حسني" خافتة رغم أن علاقتهما الرومانسية السابقة لها تأثير عميق على شخصية البطل "على".

أغرب عناصر التمثيل في الفيلم هى الشخصيات المساعدة التي كان وجودها مثل عدمه، وتحديداً شخصيتا "حمدي الميرغني" و"مدحت تيخا"؛ فلم تتح لأى منهما مساحة كافية للكوميديا أو التأثير في الأحداث.

الحوار من أضعف عناصر الفيلم؛ ويبرز هذا في الجمل الحوارية التي تشبه اقتباسات وبوستات الفيسبوك المُنمقة المُتفلسفة، والتى لا تتناغم مع شخصيات الفيلم التي كانت تتكلم طول الوقت بأسلوب عادي، وبدت الحكم والمواعظ في حوارها مُقحمة.

ربما يرى البعض أن فيلم "بحبك" مجرد كبوة في مسيرة أفلام "تامر حسني" السابقة، وهو رأى أختلف معه، لأن الفيلم معبر عن مستوى أغلب أعمال "تامر حسني" السينمائية السابقة ولكن بصورة أكثر مباشرة؛ فالأعمال السابقة وقف خلفها مخرجون وكتاب سيناريو لديهم من الصنعة والحرفة القدرة على تجميل بعض عيوب الأداء وضعف الدراما، بينما ظهر فن "تامر حسني" السينمائي مجرداً من هذه الوسائل، وفضل هو أن يقود العمل بداية من الكتابة والإنتاج وتأليف الموسيقى التصويرية والغناء، وانتهاء بالرؤية الإخراجية وقيادة الممثلين؛ وكانت النتيجة تعثره في توجيه الممثلين، وعدم قدرة على صناعة فيلم كوميديا رومانسي بسيط وخفيف.

الصور من حسابات نجوم الفيلم الرسمية على أنستجرام