خاص "هي": امرأة بعدسة امرأة
في كل مرّة تدافع المرأة عن نفسها... فهي بذلك تدافع عن النساء أجمع". لطالما أعجبني هذا القول المأثور للكاتبة الراحلة "مايا أنجلو"، ليس فقط لمدى عمقه وتأثيره الصارخ، بل كونه يعكس حقيقة عشتها منذ طفولتي، ولمستها في مراهقتي، وتعزّزت أكثر وأكثر خلال سنّ النضوج والاختبارات الصعبة، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني او الاجتماعي. وُلدت في كنف عائلة مؤلفة من أب وأم وأختين، وكوني كُنت الأصغر بين 3 نساء، تأثّر جزء كبير من شخصيّتي بوالدتي المكافحة، أختي الكبرى الناضجة والمثقفة، وأختي الوسطى الرصينة، المؤمنة والحنونة، وعزّز دعمهنّ لي ثقتي بنفسي وإيماني بقدرتي على تحقيق أحلامي. ولأنّ كلّ امرأة في حياتها امرأة أو أكثر أثّرت بها ولمست روحها وساندتها في رحلتها، اخترنا 3 مصوّرات من دول عربية متنوّعة، أمينة زاهر من مصر، ساندرا الشدياق من لبنان، و جميلة الفاكي من السودان، عكسن من خلال عدساتهنّ تقديرهنّ لسيدات لعبن أدواراً كبيرة في تشكيل شخصياتهنّ وتنمية مواهبهنّ.
أمينة زاهر ووالدتها ناديا
لماذا اخترت تصوير والدتك لهذا العمل؟
في سنين الطفولة، كنت معجبة بالطريقة التي كانت تتأنق بها أمّي. ما زالت عالقة في ذهني رائحة طلاء الأظافر الذي كانت تضعه قبل ذهابها إلى العمل، وصورتها وهي تحضّر كل عناصر إطلالاتها على علّاقات الثياب. كانت موهوبة للغاية في تنسيق أزيائها الخاصة، وأتذكر مجلات الموضة التي كانت منتشرة في أرجاء المنزل. وهنا يكمن برأيي أحد أهم أسباب هوسي بعالم الموضة وشغفي به.
كيف ألهمتكِ والدتك وأثّرت في المرأة التي أنت هي اليوم؟
لطالما كانت والدتي امرأة بغاية القوّة والاستقلالية. هي امرأة عصامية حققت نجاحا هائلا في عملها، وتمسّكت دوما بطموحها الكبير. وحين قررت ترك وظيفتي المؤسساتية والانطلاق في مسيرتي الفوتوغرافية، وجدتُ إلهامي في قصّتها.
ما أبرز ذكرياتك مع والدتك؟ وهل من لحظة عشتها معها ولن تنسيها؟
تلك اللحظات كثيرة، لكنني أستمتع خصوصا بالتسوق معها، علما أنه النشاط المفضل لديها. ولن أنسى كم كانت سعيدة وفخورة حين رافقتني إلى جلسة تصوير لي خلال مهرجان الجونة السينمائي، الأمر الذي أفرحني للغاية.
هلا وصفت والدتك في بضع كلمات؟
قوية، ومرحة، ومدمنة موضة.
أخبرينا عن هذه الصور المميزة التي التقطتها بعدستك. كيف صوّرت هذه اللقطات؟
هي متعلقة جدا ببيتها، وترى أن كل قطعة فيه تحمل ذكرى، وتخبر قصة إيجادها والحصول عليها. لذلك، صوّرتها في الزاوية المفضلة لديها، وبالطريقة التي تحب أن ترى فيها نفسها.
هل من رسالة تريدين توجيهها إلى أمّك؟
شكرا لك على إلهامي، وعلى كونك أحد أهم الأسباب التي صرت بفضلها ما أنا عليه اليوم.
ساندرا شدياق ووالدتها أندريه
لماذا اخترت تصوير والدتك لهذا العمل؟
في الكثير من المواقف، تُفكّر والدتي خارج الصندوق. غالبا ما تقوم الأمّهات في لبنان ودول عربية أخرى أيضا، بتربية بناتهنّ مع عدد من القيود والالتزامات، الأمر الذي يسبب الخوف والشعور بعدم الأمان وبالتالي يدفع الفتيات في أحيان كثيرة إلى الاعتقاد بأن سعادتهن لا يمكن أن تتحقّق سوى من خلال الرجل. لكن والدتي ربّتني وسط جو من الحرية والتشجيع لكي أحقّق استقلاليتي وحرّيتي.
كيف ألهمتكِ والدتك وأثّرت في المرأة التي أنت هي اليوم؟
القصة طريفة لكن والدتي كانت أول مَن أصوّره. عندما كنتُ في الثامنة من عمري، قامت والدتي بصنع مجموعة من الكنزات مع إحدى نسيباتي، وطلبتا منّي أن أصورهما وهما ترتديان تصاميم المجموعة، تماما مثل كاتالوغ أو كتيّب للإطلالات. من دون حتّى أن تدرك ذلك، لها الفضل في بحثي عن الجمال الذي أوصلني إلى احتراف التصوير الفوتوغرافي.
ومن ناحية أخرى، تعلّمت من رزانتها وشخصيّتها كيفية السيطرة على مشاعري ومخاوفي. فأنا امرأة عقلانية للغاية، لا سيما في أصعب المواقف، والفضل يعود إلى تأثير والدتي من دون شك. أمّي محترمة جدّا، فهي لا تقبل النميمة وإطلاق الأحكام على الناس. إنّها باختصار تؤمن بمقولة "عِش ودع غيرك يعيش"، مهما كانت خياراتك في الحياة. هي قدوة رائعة.
عندما كنتُ طفلة تشتكي أحيانا من الملل، كانت تجيبني قائلة: "الأشخاص الأغبياء هم فقط من يشعرون بالملل"، فشجّعتني بذلك على القراءة وتعلّم أشياء جديدة. ومن أبرز الدروس التي تعلّمتها منها، كيفية مواجهة المشاكل الصحيّة مع التحلّي بالكرامة وعدم الشكوى. لم أكن قد أتممتُ العاشرة من عمري عندما خضعت والدتي لعملية جراحية في عمودها الفقري، لكنّني لم أرها أو أسمعها تشكو من الألم يوما، بالرغم من أنني أعرف (استنادا إلى الوقائع الطبّية) أنّ ما عانت منه مؤلم للغاية.
ما أبرز ذكرياتك مع والدتك؟ وهل من لحظة عشتها معها ولن تنسيها؟
لا يمكنني ذكر لحظة واحدة فقط. لكنّني بالتأكيد أضع تجربة التصوير معها ضمن قائمة أفضل 10 ذكريات. كما أودّ أن أذكر ممارسة الرياضة برفقتها باتّباع تعليمات "جين فوندا" على أشرطة الفيديو المنزلية... تلك هي ذكرياتي من طفولتي المبكرة.
هلا وصفت والدتك في بضع كلمات؟
قبضة من حديد في قفاز مخملي.
أخبرينا عن هذه الصور المميزة التي التقطتها بعدستك. كيف صوّرت هذه اللقطات؟
إنّ التقاط صور لشخص تحبّينه بشدّة هي تجربة مختلفة تماما. حين تواصلت معي مجلّة "هي" للمشاركة في هذه المبادرة، حجزتُ تذكرتي إلى لبنان فورا وتوجّهت إلى المنزل بهدف التقاط الصور لوالدتي هناك، في محيطها الخاص. كان التصوير سيتطلّب بالكاد ساعة، لكننا قضينا ساعات عديدة في التقاط الصور في زوايا مختلفة من المنزل، إذ كانت التجربة ممتعة بالنسبة لكلتينا. كانت المرّة الأولى التي أقوم فيها بالتقاط صور لها منذ بداية مسيرتي المهنية في التصوير الفوتوغرافي. وبالنسبة لها أيضا، كانت المرّة الأولى التي تنظر فيها إليّ من خلال عدستي. تشاركنا بصمت لحظات اتصال عميق وحميم.
هل من رسالة تريدين توجيهها إلى أمّك؟
شكرا من القلب.
جميلة ألفاكي وعمتها آسيا
لماذا اخترت تصوير عمّتك آسيا لهذا العمل؟
أشتاق لعمّاتي وأبي كثيرا، وتلتقط هذه الصور الوقت الحلو المرّ الذي أمضيته مع عائلتي في يناير الماضي. التقطتُ ووثّقتُ لحظات رقيقة، مثل تنشّق الهواء المنعش تحت أشعة الشمس ولحظات هادئة من التأمل والتفكير. أردتُ أن أشرك عمّتي في هذا العمل لأنّها شخص مميّز للغاية بالنسبة لي وأحبّها كثيرا. كان من الصعب جدا علي ألّا أكون قادرة على تمضية المزيد من الوقت مع عائلتي، إلّا في الآونة الأخيرة.
ما أبرز ذكرياتك مع عمّتكِ؟ وهل من لحظة عشتها معها ولن تنسيها؟
من اللحظات المميّزة مع عمّتي، أذكر حين كانت تأخذ وقتها لتجديل شعري. كنتُ أجلس على الأرض عند قدميها وهي تجدّل شعري بحبّ.
هلا وصفت عمّتكِ في بضع كلمات؟
مرحة، طيّبة، وقريبة من القلب.
أخبرينا عن هذه الصور المميزة التي التقطتها بعدستك. كيف صوّرت هذه اللقطات؟
أبحث دائما عن الضوء، وأنجذب إلى نور الشمس والظلال. في شقّة والدي في القاهرة، تصلنا أشعّة الشمس فقط على السطح أو الشرفة، وفي تلك اللحظات التي تغلغل فيها الضوء، قرّرتُ أن ألتقط هذه الصور. هي صور مميّزة بالنسبة لي لأنها تمثّل الذكريات، تماما كما حدثت مباشرة أمامي.
هل من رسالة تريدين توجيهها إلى عمّتكِ؟
أرسل إليها حبّي، وأتمنى أن أراها وأمضي وقتا معها ومع عائلتي في السودان قريباً.