ESCAPISM... عروض أزياء جعلتنا نهرب من الواقع
إعداد: HEBA NOUMAN
أن نكون بين الحاضرين في عرض أزياء يعني أن نهرب من الواقع ولو لبضع دقائق، في ظل تعاون مصممي الأزياء مع نخبة من مصممي الديكور المسرحي من أجل تنفيذ تصوّر كل منهم لمنصة عرضه. كثيرا ما تتكامل جماليات ديكور العرض مع جماليات مجموعة الأزياء الموسمية المعروضة في توازن دقيق، وأصبح عرض الأزياء أشبه باستعراض مسرحيّ ينقل الحاضرين إلى شاطئ أو حديقة نباتية، أو يأخذهم في إجازة بعيدة مع وسائل نقل واقعية الأحجام تهيمن على المشهد العام بشكل رائع.
يمكننا القول إن هذه الديكورات الإبداعية تجمع بين الفن التركيبي، والسفر عبر الزمن، وأجهزة الانتقال الآني، فتستطيع أن تحوّل عرض أزياء بسيطا إلى حدث مذهل، فتسافر بالمدعوين عبر الزمان والمكان وحتى إلى عوالم أخرى أحيانا، بفضل تركيبات ومنشآت ذكية ومعقّدة. تذكّـــــــــري مثلا ديكــــــورات "شانيل" الاستثنائيـــــــــة (مثل مطار ربيع وصيف ٢٠١٦، وسوبرماركت خريف وشتاء ٢٠١٤)، أو عرض "لويس فويتون" الساحر الذي أخذنا لموسم خريف وشتاء ٢٠١٢ في رحلة رومانسية على متن قطار تقليدي.
لم تعد منصات العرض مجرّد مسارح تؤدي وظيفة تقديم ملابس جديدة، بل صارت فعالياتها تجارب غامرة تلفت وتجذب وتأسر، فتتخطى بذلك مفهوم عرض الأزياء النموذجي. وبعد أن صار قطاع الأزياء مجالا ترفيهيا عالميا مع جماهير مكتظة بالمشاهير وأحداث تُبث مباشرة في كل أقطار العالم، لم يعد تقديم عرض فيه نساء جميلات يرتدين أزياء جميلة كافيا لإرضاء الجمهور. وعلى الرغم من أن ديكورات العروض تكون موجودة لفترات قصيرة جدا، لا شك في أنها ستبقى راسخة في ذاكراتنا لسنوات عديدة آتية، بعد أن أخذتنا في رحلات سفر إلى أماكن بعيدة، حين كنّا في أمسّ الحاجة إليها.
LOUIS VUITTON
رفعـــــــت دار "لويس فويتــــــــــون" معايير ظاهـــــــــرة الاستعراض في عالم الأزياء خلال القرن الحادي والعشرين. وصل ضيوف عرض مجموعة خريف وشتاء ٢٠١٢ إلى السرادق الذي وُضع في إحدى أكبر ساحات متحف اللوفر، ووجــــــــدوا أنفسهم في نســــــخة طبق الأصـــــل وواقعية الحجم عن محطة قطار تقليدية مع سقف حديدي مقبب وساعة جدارية عملاقة.
وعندما دقّت الساعة عند تمام الساعة العاشرة، تصاعد البخار من خلف البوابات السوداء الموجودة عند أبعد طرف من منصة العرض، وتم سحب الأرضية الزائفة للكشف عن خطوط سكة الحديد لقطار "لويس فويتون إكسبريس". أما مصدر الإلهام فكان بداية حكاية إمبراطورية "لويس فويتون" التي انطلقت من ارتباطها بعالم السفر بالقطار. بالنسبة إلي، كان هذا العرض الأكثر تأثيرا من الدار الفرنسية العريقـــــة، ولحظـــــــة سيخلّـــــــدها تاريخها العريــــــــق.
DIOR
اقترب وصول الشتاء، وهيمنت على أجواء مدينة الأضواء نسمة صقيع قارسة. غير أن الطقس البارد لم يمنع دار "ديور" من عرض مجموعتها لموسم ربيع وصيف ٢٠١٤ تحت سقف حديقة عجائبية من الأزهار الملونة. تداخلت سلسلة من الدعامات الهيكلية المعدنية لإنشاء سقف مؤقت ذكّرنا بالخيم الزراعية في قلب حديقة متحف "موزيه رودان" الباريسي التاريخي.
المدير الإبداعي "راف سيمونز" أرسل العارضات إلى خشبة العرض المزهرة وهن مرتديات ملابس مستوحاة من أشكال البتلات وأزياء مطبّعة برسوم الأزهار، في انسجام مع أزهار الوستارية والورود والنباتات المتسلقة المتشابكة والمتدلية من دعامات السقف المعدني. وهذه الحديقة الاستوائية الحالمة سافرت بالمدعوين، كل إلى عالمه الخيالي الخاص.
CHANEL
لعرض مجموعة ربيع وصيف ٢٠١٦ من دار "شانيل"، تحوّل قصر "غران باليه" إلى مطار مجهّز بمكاتب لخطوط "شانيل" الجوّية ولوح لرحلات المغادرين. في مبنى ٢C عند البوابة رقم ٥، شكّلت صفوف مكاتب تسجيل الوصول إطار خشبة العرض لمجموعة الملابس الجاهزة الربيعية الصيفية من "شانيل"، والتي جمع من خلالها المصمم الراحل "كارل لاغرفيلد" الراحة بالأناقة لخزانة مفعمة بالأنوثة. واكتملت الإطلالات بإكسسوارات وظيفية عملية، مثل حقيبة السفر الرائعة المجهّزة بدواليب "كوكو كيس" COCO CASE.
مرة جديدة، اصطحبتنا دار "شانيل" في عطلة صيفية من خلال ديكور شاطئي مدهش مع أكواخ شاطئية ومنقذين بحريين. "كارل لاغرفيلد" كان معروفا بعروضه الاستثنائية، ولدى تقديم مجموعة ربيع وصيف ٢٠١٩، رفع معنويات الحاضرين في صباح خريفي سماؤه كانت ملبّدة بالغيوم. وأظهر لنا "لاغرفيلد" معنى الإجازة على طريقة "شانيل"، حيث تسطع زرقة السماء فوق شاطئ رملي يعانق الأمواج في رقصتها الهادئة. تطلّب بناء هذا الديكور ٩ أيام من العمل وفريقا من ١٥٠ شخصا، فلا عجب في أن عروض "شانيل" هي الأبرز بين المواعيد التي ننتظرها بلهفة وشوق في رزنامة الموضة الموسمية.
TOMMY HILFIGER
صحيح أن درجات الحرارة خارجا في شوارع مدينة نيويورك لم تكن أبدا استوائية، لكن دار "تومي هيلفيغر" أهدت مدعوّيها إجازة قصيرة على متن سفينة سياحية ضخمة أدّت دور خشبة العرض. باخرة "تي إتش أتلانتيك" اكتملت بمدخنتين كبيرتين بعثتا دخانا حقيقيا، وعلم أمريكي رفرف على ظهر السفينة؛ وأثبتت بكل تفاصيلها أنه في إعداد هذا الديكور لم يُدّخَر أي جهد. واكتملت أجـــــــواء هذا العـــــــرض الأيقوني الذي أحــــــــــدث ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بخطوط ونقوش مستوحاة من عالم الإبحار، وطبعات على أشكال يخوت وأمواج ونجوم البحر، لتتويج موضوع السفر عن طريق المياه.
COPERNI
تكوّن ديكور عرض مجموعة ربيع وصيف ٢٠٢٢ من ٧٠ ألف جذع من نبات القنب الذي لفت الحضور بجماليته وعبيره، وأتى اختياره نتيجة مبادرة انخرط فيها مؤسّسا علامة "كوبرني" بهدف الترويج لقماش مستدام. سارت العارضات بين النبات فوق منصة عرض رملية، وبدت كل واحدة منهن وكأنها تسير بين كثبان ذهبية، لتصل إلى مقهى شاطئي على جزيرة إيبيزا، التي قال مصمما العلامة إنها كانت مصدر الإلهام خلف الموقع الخيالي لعرض المجموعة. من خلال التعامل مع تصميم ديكور العرض بمقاربة بسيطة لكن فعّالة، حرّكت رؤية "كوبرني" حواسّ عدّة، بهدف تسليط الضوء على رسالتها الجوهرية المتمحورة حول الاستدامة، والتي تركت بكل تأكيد وقعا انحفر في ذاكرة الحضور إلى الأبد.